Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيليون يتجولون في بيروت… كيف دخلوا وبأي هدف؟

محاولة لترسيخ فكرة أن "العدو" أصبح جزءاً من المشهد الطبيعي، وأن الحاجز النفسي الذي صمد لعقود يمكن تجاوزه بالابتسامة والسياحة والصورة.

وثق الإسرائيلي وكسلر زيارته إلى لبنان، ناشراً صوراً أمام أماكن مثل صخرة الروشة ومبنى المطار (صورة مصممة عبر الذكاء الاصطناعي)

ملخص

في جوهر المشهد الجديد، لا تسعى إسرائيل إلى التطبيع السياسي فحسب، بل إلى ما يمكن تسميته بـ"تطبيع الوعي" أي جعل الوجود الإسرائيلي في الفضاء العربي مألوفاً، لا مستفزاً. وحين يظهر إسرائيلي في بيروت بجواز أوروبي أو أميركي، ويتجول في المقاهي والأسواق، فإن الغاية لا تقتصر على جمع معلومات أو اختبار أمن المطار، بل هي محاولة لترسيخ فكرة أن "العدو" أصبح جزءاً من المشهد الطبيعي، وأن الحاجز النفسي الذي صمد لعقود يمكن تجاوزه بالابتسامة والسياحة والصورة.

بينما تنشغل الأنظار بالاختراقات والغارات العسكرية الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، وبالتحركات الميدانية على الحدود الجنوبية، هناك شكل آخر من الاختراق أحدث ضجيجاً في الفترة الأخيرة، وهو دخول إسرائيليين إلى لبنان بجوازات سفر أجنبية، وتجولوا بحرية في بيروت ومناطق أخرى، تحت غطاء السياحة أو العمل الصحافي أو الأكاديمي.

وفي خبر أثار الإعلام اللبناني وصفحات التواصل الاجتماعي، نقلت هيئة البث العامة الإسرائيلية (كان) في تقرير مصور لها، عن بيني وكسلر، وهو إسرائيلي حريدي وصاحب وكالة سفر من القدس، قال إنه دخل إلى بيروت بجواز سفر أجنبي، ووثق زيارته على وسائل التواصل الاجتماعي، ناشراً صوراً أمام أماكن مثل صخرة الروشة ومبنى المطار.

كذلك تجول في الضاحية الجنوبية لبيروت، وزار ضريح الأمين العام لـ"حزب الله" السابق حسن نصرالله، ومعابد ومواقع يهودية، ملتقطاً صوراً وفيديوهات "غير اعتيادية" قبل أن يغادر من دون أن تُكتشف هويته.

وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت"، زار وكسلر أكثر من 100 دولة، بعضها دول "معادية" وخطرة للغاية مثل العراق وأفغانستان والسودان، إضافة إلى كردستان التي استقبلته بود، فيما تجول أخيراً في قلب معقل "حزب الله" في لبنان من دون أن يكتشف اللبنانيون أنه إسرائيلي. وتحدث وكسلر عن التحضيرات للرحلة وفق الصحيفة، قائلاً إنه "منذ اللحظة التي أدركت فيها أنني سأسافر إلى بيروت، بدأ الخوف الكبير. لم أستطع النوم ليلاً، وكنت أتناول الأدوية بسبب الصداع. حجزت رحلة الطيران عبر وكيل من الولايات المتحدة حتى لا يتم الكشف عن عنوان (IP) الإنترنت الإسرائيلي". وذكر أنه قام بتغيير هاتفه الجوال. ووضع بطاقات الائتمان في حذائه، وكذلك أخفى أدوات صلاة يهودية في حقيبة من دون أي كتابات عبرية ظاهرة عليها.

وأشار إلى الخوف الكبير عند دخول بيروت، حيث كانت الطوابير طويلة جداً، و"كانوا يفحصون كل شخص لدقائق طويلة. جميع السياح من العراق والكويت والأردن وما شابه. لم يكن هناك سائح واحد من الغرب، كنت غريباً في المشهد". ولكن الغريب وبحسب وكسلر، أنهم اشتبهوا بأنه إسرائيلي، كما يعتقد "بسبب كونه مكتوباً في جواز السفر أنني وُلدت في بئر السبع" (جنوب غربي القدس)، حيث "نادى الموظف المسؤول وبدأ نقاش حول هويتي".

وأضاف أنه اضطر إلى صرف العملة واكتشف أن 90 ألف ليرة لبنانية تساوي دولاراً واحداً فقط، كما قام بحجز فندق بعد دخوله الأراضي اللبنانية، وللمفارقة أن الفندق لم يكن بعيداً من الضاحية. كاشفاً أن هدفه الأول الوصول إلى الحي اليهودي في العاصمة بيروت، لزيارة المواقع اليهودية، والكنيس، والمقبرة. ووفقاً لروايته وجد سائقاً اسمه محمد، وقد علم هذا الأخير أن وكسلر يهودي، لكنه لم يعترض على ذلك، بل قال إنه "ليس لدي أي شيء ضد اليهود، سأكون سعيداً بأخذك مقابل 70 دولاراً في اليوم، شاملاً التصوير لك". وبعدها زار المقبرة اليهودية، التي افتتحت عام 1829 وتحوي نحو 4500 قبر، كذلك التقى بشخصية بارزة في الجالية اليهودية في لبنان، وبعد التأكد من هويته اليهودية، أخذته تلك الشخصية إلى المقبرة، مع تحذيرات بعدم التصوير.

ويقول وكسلر عن هذه الشخصية "لقد نشأ في لبنان، ولم يزر إسرائيل قط، وممنوع عليه زيارتها، وكان خوفه هائلاً، ونصحني بالمغادرة فوراً". كذلك زار كنيس "ماغين أبراهام" وهو الوحيد المتبقي في بيروت ويقع في حي وادي أبو جميل، حيث كان يعيش قبل عشرات السنين نحو 20 ألف يهودي.

حالات سبقت وكسلر

رحلة وكسلر إلى لبنان، ليست استثناء، بل هناك حالات عديدة لأشخاص إسرائيليين دخلوا الأراضي اللبنانية، ومن ضمنهم جوشوا (شوكي) تارتاكوفسكي، المنتمي سابقاً إلى المجتمع الأرثوذكسي المتطرف في القدس، وقد دخل لبنان في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024 مستخدماً جوازاً بريطانياً بدعوى كونه صحافياً مستقلاً، ورافق مجموعة من الصحافيين. وبعد الاشتباه به واعتقاله، اكتشفت السلطات اللبنانية أنه يحمل أيضاً جوازاً إسرائيلياً، ونُقل لاحقاً إلى الترحيل بعد تدخل من جهات دولية. يُذكر أن تلك لم تكن زيارته الأولى إلى بيروت، بحسب نشاطه على مواقع التواصل.

كذلك هناك دان بروتمان، مواطن إسرائيلي- أميركي طالب دراسات عليا يهودي في كلية لندن للاقتصاد، احتجز في لبنان لمدة ستة أيام في يوليو (تموز) الماضي، وتعرض للتعذيب، وفق روايته لإحدى الصحف، وحرم من العلاج الطبي، واتهم بأنه جاسوس إسرائيلي.

وكشفت تقارير أنه دخل إلى لبنان عبر معبر المصنع الحدودي مع سوريا، مستخدماً جواز سفره الأميركي، لكنه أُوقف أثناء مراجعة أوراقه. وهو كان في رحلة إلى سوريا كجزء من مجموعة سياحية غربية كبيرة زارت البلاد، وكان هدفه التحدث إلى آخر اليهود الذين بقوا هناك بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد. ويكشف بعد إطلاق سراحه في إحدى المقابلات أنه زار لبنان من دون أي مشكلات ثلاث مرات في السابق.

هذا غيض من فيض هناك حالات مشابهة كثيرة، بعضها أقل توثيقاً، مثل أشخاص يُشتبه في أنهم دخلوا لبنان للأغراض الاستخباراتية أو التجسسية عبر هويات مزورة أو جوازات سفر مزيفة، فيما تبقى التفاصيل الدقيقة سرية أو غير محسومة. آخرها حالة المواطن الإسرائيلي صالح أبو حسين، والذي سلمه الأمن العام اللبناني، نهار 21 أغسطس (آب) الماضي، إلى الصليب الأحمر الدولي لإعادته إلى إسرائيل، بعد احتجازه في السجون اللبنانية لنحو عام. وكان تسلل عام 2024 خلسة إلى الأراضي اللبنانية، فيما اختلفت الروايات الأمنية حول طريقة دخوله.

وخضع أبو حسين لتحقيقات مطولة لمعرفة ملابسات دخوله وأسبابه، قبل أن يتبين لدى الأجهزة الأمنية التي تولت التحقيق معه، أنه لا يملك أي خلفية أمنية أو عسكرية، إذ لم يكن جندياً ولم يشارك في الحرب الأخيرة على لبنان.

كيف يدخل هؤلاء، ولماذا؟

يحمل الكثير من الإسرائيليين داخل إسرائيل وحول العالم جوازات أجنبية ثانية، أوروبية، أميركية، أسترالية، روسية، أو فرنسية، لأن نسبة كبيرة منهم من أصول مهاجرة. وبالتالي يمكن لهؤلاء ببساطة دخول لبنان إذا لم يُذكر في الجواز أن مكان الميلاد داخل إسرائيل. كذلك يزور بعضهم لبنان كسياح، أو صحافيين، أو باحثين، وأحياناً لأغراض اقتصادية أو استخباراتية.

ولا يخفى على أحد أن جهاز "الموساد" الإسرائيلي وغيره من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية يستخدمون مدنيين أو متعاونين معهم للدخول بجوازات أجنبية إلى لبنان، بهدف تقصي أوضاع سياسية وأمنية أو لإقامة اتصالات غير مباشرة. وفي حالات معروفة، جرى توقيف أو ترحيل أجانب تبين لاحقاً أنهم يحملون جنسية إسرائيلية ثانية ويجمعون بيانات عن مناطق محددة أو أشخاص.

كذلك هناك صحافيون أو باحثون يحملون جنسية مزدوجة دخلوا لإجراء مقابلات أو لإنتاج تقارير عن "حزب الله" أو اللاجئين السوريين أو أي ملف يتعلق بالشأن اللبناني.

فيما يدخل بعضهم بتصريح صحافي رسمي، لكن يخفي جنسيته الإسرائيلية الأصلية، مما يجعل المسألة رمادية قانونياً.

تقول شخصية أمنية رفيعة، رفضت الكشف عن اسمها، "إن ما أثير حول زيارة وكسلر، مبالغ به جداً، بخاصة إذا ما قارنا بينه وبين المبعوث الأميركي السابق أموس هوكشتاين، الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية وخدم في الجيش الإسرائيلي من عام 1992 إلى عام 1995 قبل أن ينتقل إلى واشنطن". وتتابع أن "هوكشتاين زار قيادات لبنان، وكان الوسيط بين بيروت وتل أبيب، وأكثر من هذا خرج إلى العشاء والتقط صوراً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ونواب وشخصيات وتجول في العاصمة واستقبل بكل حفاوة أينما ذهب"، فيما دخول وكسلر إلى لبنان لا يعد تقصيراً من الأمن العام اللبناني، بخاصة أنه من المستحيل أن يمتلك لبنان داتا عن كل يهود أو إسرائيليي العالم.

وتعتبر هذه الشخصية الأمنية أن هؤلاء يأتون من دول أخرى أو بجوازات لم تختم في مطارات إسرائيلية، وكانت تحدث مثل هذه الزيارات سابقاً من دون أن تثار كل هذه الضجة، ولكن اليوم بسبب الاصطفاف السياسي والحرب ما بين "حزب الله" وإسرائيل، أصبح الموضع جدلياً في الإعلام والصحافة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ماذا يقول القانون اللبناني؟

القانون اللبناني واضح في هذا السياق، وأي دخول إلى لبنان من شخص يحمل الجنسية الإسرائيلية ممنوع ومجرم، حتى لو استخدم جوازاً آخر، لكن يبقى من المستحيل رصد كل الجنسيات التي يمتلكها الوافدون إلى لبنان إن لم تذكر في أوراقهم الرسمية.

الأمن العام اللبناني في مطار رفيق الحريري الدولي، كما عند المعابر الحدودية، يتأكد من مكان الولادة أو الدخول السابق إلى إسرائيل عبر "الختم الإلكتروني"، لكنه لا يكتشف جميع الحالات. وإذا انكشف الأمر، تتم التحقيقات والترحيل أو التوقيف بحسب طبيعة الدخول، (إنساني، بحثي، تجسسي).

فيما يعتمد الإسرائيلي الذي يريد دخول لبنان عادة، وبحسب مصادر أمنية، السفر أولاً إلى دولة ثالثة، أبرزها قبرص، تركيا، فرنسا، أو الأردن، ثم يأتي منها إلى بيروت. ولا يدخل أحدهم بجواز إسرائيلي على الإطلاق، لأن لبنان لا يعترف به، ولأن إسرائيل لا تزال تصنف كعدو.

زيارات إنسانية وروحية في السابق

في الحقيقة، دخول الإسرائيليين إلى لبنان لم يكن دائماً "محرماً" كما هو اليوم.

فقبل تصاعد الصراع وتصلب الاصطفافات الإقليمية، كانت هناك مساحات رمادية من التواصل بعضها ديني أو اجتماعي أو إنساني. فمن جهة، زار عدد من أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل لبنان وسوريا خلال مراحل سابقة، بخاصة في سياقات دينية أو عائلية، حين كانت الروابط المذهبية والعائلية العابرة للحدود تسبق الانقسامات السياسية.

هذه الزيارات تمت غالباً حينها بتنسيق خاص أو بوساطة أطراف دولية، مع أنها "زيارات إنسانية" أو "روحية"، لا سياسية.

وفي الاتجاه المعاكس، جاءت زيارة البطريرك الماروني اللبناني مار بشارة بطرس الراعي، في شهر مايو (أيار) 2014 وذلك لمرافقة البابا فرانسيس، لتشمل الأردن ومدينة القدس وبيت لحم، وشكلت سابقة رمزية، إذ كسرت محظوراً تقليدياً، وقد التقى حينها بمسيحيين لبنانيين يعيشون داخل إسرائيل.

لكن هذه الخطوات، على محدوديتها، فتحت نقاشاً حول طبيعة العلاقة مع الداخل الإسرائيلي، بين من يراها جسراً روحياً وإنسانياً، ومن يعتبرها تطبيعاً ناعماً.

المفارقة اليوم أن ما كان في الماضي يتم تحت أطر دينية أو اجتماعية بات يُستغل في الحاضر كأداة أمنية وسياسية، ودخول إسرائيليين بجوازات أجنبية إلى لبنان، يقرأ من قبل البعض على أنه اختبار السيادة اللبنانية وبداية تآكل الخط الفاصل بين إسرائيل ولبنان.

ماذا تريد إسرائيل من هذه الزيارات؟

في جوهر المشهد الجديد، لا تسعى إسرائيل إلى التطبيع السياسي فحسب، بل إلى ما يمكن تسميته بـ "تطبيع الوعي" أي جعل الوجود الإسرائيلي في الفضاء العربي مألوفاً، لا مستفزاً.

وحين يظهر إسرائيلي في بيروت بجواز أوروبي أو أميركي، ويتجول في المقاهي والأسواق، فإن الغاية لا تقتصر على جمع معلومات أو اختبار أمن المطار العاصمة، بل هي محاولة لترسيخ فكرة أن "العدو" أصبح جزءاً من المشهد الطبيعي، وأن الحاجز النفسي الذي صمد لعقود يمكن تجاوزه بالابتسامة والسياحة والصورة.

وقد يكون هذا النوع من الاختراق الرمزي أخطر من القصف والتدمير، لأنه يخترق الإدراك لا الجغرافيا.

وبدل أن تتخطى إسرائيل الأسلاك الشائكة في الجنوب، تسعى اليوم لاختراق المخيلة الجماعية اللبنانية لتعتاد على مشهد الإسرائيلي المتحضر، المدني، الهادئ الذي لا يحمل بندقية، بل كاميرا أو دفتر ملاحظات.

وبجميع الأحوال، إنه سلاح ناعم في حرب إدراكية طويلة المدى، هدفه ليس الانتصار في معركة، بل تغيير المعنى ذاته للعداوة. في المقابل، يعكس هذا التوجه الإسرائيلي ثقة متزايدة بأن الردع اللبناني يعيش تآكلاً نفسياً، وأن المجتمع المنهك اقتصادياً والمنقسم سياسياً يمكن التسلل إلى وعيه قبل أرضه. ولذلك، فإن ما يبدو ظاهرياً، زيارة عابرة، هو في الحقيقة اختباراً للحدود الرمزية للبنان، حدوده الأمنية، وحدوده النفسية، وحدوده الهوياتية.

يقول الإعلامي اللبناني سام منسى، إنه "تاريخياً كل أصحاب الجنسيات المزدوجة يدخلون إلى لبنان، وهذا ليس بجديد، ولكن في الفترة الراهنة وبسبب تصاعد الحديث عن السلام والتسويات، وبعد الحرب على (حزب الله) والقدرة على الاقتصاص منه، ربما أخذ الموضوع هذا الحيز. ولكن دخول هؤلاء شرعي لأن جوازاتهم غير مختومة بأختام إسرائيلية"، مضيفاً "لا أعلم حقيقة لماذا أخذ الموضوع كل هذه الضجة، الموضوع ليس بجديد، وإذا كان أحدهم يحمل الجنسية الأسترالية أو الأميركية أو الصينية أو الفرنسية، ودخل إلى لبنان، فما الغريب هنا؟... الدبلوماسيون يدخلون إلى لبنان وهم إسرائيليون، ومورغان أورتاغوس وهوكشتاين أدق تعبير عن الموضوع، وهو إسرائيلي وخدم بالجيش وقام بوساطة بين لبنان وإسرائيل، ويتجول في لبنان وبأسواق بيروت، بشكل اعتيادي، فإن هذه الضجة ليست ذي صلة".

من "الاختراق النفسي" إلى "الاختراق السياسي"

يعكس دخول الإسرائيليين بجوازات أجنبية مؤشراً على تحول في المقاربة الإسرائيلية، من حرب الظل إلى تهيئة الأرضية لتسويق "سلام ممكن" بعد إخضاع "محور الممانعة".

وفي تصريحات حديثة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح إن "هزيمة حزب الله تفتح الباب أمام السلام بين إسرائيل ولبنان، بل وسوريا أيضاً".

وبهذا المنطق، لا تتعامل إسرائيل مع لبنان كعدو مطلق، بل كمجتمع يمكن فصله عن "حزب الله" وإقناعه بأن مصلحته تكمن في الانفتاح الاقتصادي لا في الاصطفاف الأيديولوجي.

لذا، تصبح تلك الزيارات "المدنية" بوجوه أوروبية وأميركية لكن بجذور إسرائيلية، اختباراً اجتماعياً مصغراً، كيف سيتفاعل اللبناني العادي مع فكرة الإسرائيلي الزائر لا "الغازي"؟ هل سيثور؟ أم يتجاهل؟ أم يتقبل؟.

هذا السلام غير المُعلن بعد يُصاغ الآن في الأذهان قبل أن يُوقع على الورق. فيما تتحول الحركة المدنية إلى دبلوماسية ميدانية خفية، تمهد لتسويق فكرة أن العداء لم يعُد قدراً، وأن إسرائيل مستعدة لـ"سلام مشروط" مع جيرانها، شرط أن يُزال من المشهد من تعتبرهم قوى تعطيل، أي "حزب الله" والنفوذ الإيراني.

هذه الظاهرة التي كانت تُعد هامشية في الماضي، تحولت اليوم إلى أداة رمزية في الحرب النفسية والسياسية التي تخوضها إسرائيل ضد لبنان، إذ تتجاوز هدف التجسس إلى اختبار قدرة الردع اللبنانية، وكأنها تقول، "ها نحن هنا، بينكم، في وضح النهار، ولا أحد يكتشفنا".

أما في العمق، فإن إسرائيل تحاول من خلال هذه الاختراقات الناعمة أن تبعث برسائل متعددة المستويات، رسالة إلى الداخل اللبناني مفادها أن الحدود ليست حماية كافية، وأن "العدو" قادر على الوصول إلى قلب العاصمة بطرق سلمية وشبه شرعية، ورسالة إلى المجتمع الدولي تروج لفكرة أن لبنان لم يعد "بلداً مغلقاً" أمام الإسرائيليين، وأن زمن المقاطعة التامة قد ولى، في محاولة لتطبيع الوجود الإسرائيلي بشكل غير مباشر ومن خلال الرمزية الميدانية لا القنوات الرسمية. كما أن وجود هؤلاء المدنيين في بيروت أو الجنوب يُشكل نوعاً من الاستطلاع الميداني الهادئ، واختبار لردود فعل الأجهزة الأمنية، وجمع انطباعات اجتماعية ونفسية من الداخل اللبناني، ما يخدم لاحقاً أي سيناريو سياسي أو عسكري قيد التحضير.

وعلى هذا، فإن دخول الإسرائيليين بجوازات أجنبية قد لا يكون غاية تجسسية فحسب، وليس كل دخول ينتهي باعتقال أو عملية تجسس عسكرية، وكثيراً ما يجمع الزائر انطباعات اجتماعية وسياسية، لقاءات بأشخاص، صوراً ومشاهد تُغذي تقييمات استخباراتية أو تقارير إعلامية تُستخدم لاحقاً في التخطيط.

وربما عبر رسالة سياسية مُبطنة تقول تل أبيب، "ها نحن هنا، لا كأعداء، بل كزائرين محتملين في مرحلة ما بعد الحزب".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات