Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فلسطينيون ينتشلون جثث أقربائهم وسط دمار شامل ويأملون ثبات الهدنة

فيما تدخل المساعدات الإنسانية ببطء إلى القطاع، ويلتئم شمل الأسر، ويعود السكان لمنازلهم، يقول سكان غزة لـ"اندبندنت" إنهم ما زالوا يشعرون بالخطر

أطلق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية هذا الأسبوع (أ ب)

ملخص

في ظل وقف إطلاق النار الهش، يحاول الفلسطينيون في غزة استعادة حياتهم وسط دمار هائل، وأمل حذر بسلام دائم، بينما تتواصل عمليات تبادل الأسرى، وتدخل المساعدات ببطء، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تجدد العنف في الضفة الغربية.

مع بدء انقشاع الغبار عما تبقى من قطاع غزة، شرع فلسطينيون في مهمة شاقة لاستعادة ما تبقى من حياتهم.

فمنذ دخول وقف إطلاق النار - الذي توسطت فيه الولايات المتحدة - حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، توجه آلاف من الأفراد نحو شمال القطاع، إذ لم يتمكن كثيرون منهم من التعرف على أحيائهم التي عاشوا فيها سابقاً.

وقد جرت عملية تبادل الأسرى والرهائن يوم الإثنين الماضي، وذلك قبيل إلقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي، إذ احتفى باتفاق السلام وسط تصفيق حار.

أما في إحدى نقاط التجمع في وسط مدينة رام الله في الضفة الغربية، فاحتشد أهالي وأنصار الأسرى في السجون الإسرائيلية، إلى جانب أفراد من قوى الأمن الفلسطينية، وهم ينتظرون بقلق وصول الحافلات التي تنقل 1966 فلسطينياً أطلق سراحهم. في غضون ذلك، أعيد الرهائن الإسرائيليون الـ20 الأحياء ممن أسرتهم حركة "حماس" خلال هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) قبل عامين، لعائلاتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محمد حسن سعيد داود البالغ من العمر 50 سنة، وهو أب لأحد الأسرى، قال لشبكة "بي بي سي": "إنه لشعور جميل، ويوم فرح حقيقي"، وكان ابنه قد اعتقل من القوات الإسرائيلية عند إحدى نقاط التفتيش. وأضاف "إن ما يحصل اليوم نعتبره عيداً وطنياً، نحتفل فيه بإطلاق سراح معتقلينا، حتى في ظل الخسائر الفادحة التي خلفتها الحرب، من شهداء وجرحى ودمار في غزة".

بين الحشود المتجمعة، كانت وسيمة عمار من بلدة قلقيلية، تنتظر عودة والدها الذي اعتقل قبل عام 2003 بتهمة قتل مستوطن، وحكم عليه بالسجن المؤبد.

قالت لـ"اندبندنت" والدموع تنهمر على وجهها "لا يمكنني أن أصف مشاعري، أشعر وكأنني في حلم. لن أصدق الأمر إلا عندما أراه"، وانقطعت أخبار والدها لأكثر من عامين. وأثناء حديثها، تلقت والدتها اتصالاً يخبرها بأنه في طريقه من "سجن عوفر" الإسرائيلي.

وفي تعليق لها، قالت: "نأمل في أن يكون لنا مستقبل أفضل مع والدنا، فالأب هو عماد أية أسرة. إننا نأمل ونرجو من الله أن يكون ما يحدث اليوم خطوة نحو سلام حقيقي".

في غضون ذلك، ذكرت عائلات فلسطينية لـ"اندبندنت" أن جنوداً دهموا منازل أقارب لهم عشية إطلاق سراح الأسرى، محذرين إياهم من إقامة احتفالات.

وخلال الليل، وافقت الحكومة الإسرائيلية على قائمة نهائية تضم 1718 فلسطينياً معتقلاً منذ أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، بينهم نساء و22 طفلاً، إلى جانب 250 سجيناً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، من المقرر إطلاق سراحهم جميعاً بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.

وكالة "رويترز" أوردت أن من المقرر ترحيل 154 فلسطينياً مفرجاً عنهم، ومن المتوقع أيضاً أن تعيد إسرائيل جثامين 350 فلسطينياً كانت تحتجزها منذ عام 2023.

من بين الأشخاص المحتمل ترحيلهم إياد أبو الرب، الذي كان قد اعتقل عام 2005 بتهمة قتل جنود إسرائيليين في مدينة جنين.

عبدالرحمن ابن عم إياد قال لـ"اندبندنت" إن سعادة العائلة تظل "ناقصة"، موضحاً أن الأسرة لم يسمح لها بزيارته في السجن منذ عام 2021.

يشار إلى أن إسرائيل واجهت ضغوطاً دولية للإفراج عن شخصيات فلسطينية بارزة، منها مروان البرغوثي الملقب بـ"مانديلا فلسطين"، كمبادرة حسن نية. ويتصدر البرغوثي باستمرار استطلاعات الرأي الفلسطينية كزعيم وطني مفضل لدى الناس، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض الإفراج عنه.

في سياق مواز، وبعد أشهر من التقارير التي وثقت المجاعة ومشاهد الفوضى في نقاط توزيع المساعدات الغذائية في غزة، يبدو أن الوضع بدأ يتحسن تدريجاً، وإن بوتيرة بطيئة. فقد انتشرت خلال عطلة نهاية الأسبوع لقطات تظهر عمليات توزيع المساعدات، بينما كانت بعض المطابخ الجماعية تعد كميات ضخمة من الطعام.

وتتحدث تقارير عن إمكان دخول ما يصل إلى 600 شاحنة مساعدات يومياً، وهذا العدد لا يزال أقل مما تعتقد وكالات إنسانية أنه كاف لتلبية احتياجات السكان في القطاع، وأكدت بعض المحال التجارية والأسواق المحلية أن انخفاضاً قد سجل في الأسعار بنسبة تتفاوت ما بين 70 و80 في المئة.

حمزة إبراهيم، الذي يبلغ من العمر 24 سنة، الذي تحدث لـ"اندبندنت" للمرة الأولى عام 2023، يصف وقف إطلاق النار بأنه مزيج من الارتياح والحزن. فقد غادر غزة قبل أيام قليلة متوجهاً إلى إيرلندا لمتابعة دراسة الصحافة بمنحة دراسية، ليكون أول فرد من عائلته يغادر، فيما لا يزال جميع أهله في القطاع.

وتؤكد منظمة "أنقذوا الأطفال" Save the Children، أن أكثر من 90 في المئة من المدارس في القطاع قد تضررت أو دمرت.

الآن، وبعدما توقف القصف، تتنازع حمزة مشاعر متضاربة. وقد قال لـ"اندبندنت"، "اتصل بي والداي عند إعلان وقف إطلاق النار، وقالا لي: ’لقد نجوت... نحن فخوران بك للغاية‘".

لكن بالنسبة إلى كثيرين، يطغى الحزن على أي شعور بالارتياح، إذ يحاول آلاف الفلسطينيين استيعاب هول ما عاشوه خلال الفترة الماضية.

ويضيف حمزة قائلاً "على رغم أن الناس يشعرون بالسعادة، إلا أن الحزن يطغى عليهم. فهم يتساءلون باستمرار: إلى أين نذهب الآن؟ وماذا لو لم يصمد وقف إطلاق النار؟ كل ما نشاهده من حولنا هو الدمار". ويتابع "أشعر كأنني هربت من الجحيم ودخلت الجنة، والآن بعدما رأيت كل ما مررت به من الخارج، أدرك مدى بشاعة ما حدث. فغزة هي أشبه بسجن - لا طعام فيه، ولا ماء، ولا كهرباء".

وفقاً لما تقوله السلطة الفلسطينية، فقد تم تدمير أكثر من 92 في المئة من منازل غزة، إضافة إلى 62 من مستشفياتها، ولم يتبق سوى 14 مستشفى فقط من أصل 36 عند بداية الحرب، تعمل بصورة جزئية. وقد نزح ما لا يقل عن 1.9 مليون شخص، أي ما يعادل 90 في المئة من مجمل سكان القطاع.

وقدرت السلطات الصحية الفلسطينية أن عدد الضحايا في قطاع غزة تجاوز 68 ألف شخص، يشكل المدنيون نحو 83 في المئة منهم، وفق بيانات مصدرها الجيش الإسرائيلي كانت قد كشفت عنها صحيفة "غارديان". وأظهر بحث أعدته "المجلة الطبية البريطانية" British Medical Journal أن الإصابات التي تعرض لها المدنيون الفلسطينيون، قد فاقت في عددها تلك التي لحقت بالأفراد المشاركين بالقتال في كل من العراق وأفغانستان.

ومنذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة، تمكنت فرق الإنقاذ من انتشال ما لا يقل عن 250 جثة من تحت الركام، وسط توقعات بارتفاع العدد بصورة كبيرة خلال الأيام المقبلة. وأفاد السكان بأن أطفالهم تمكنوا للمرة الأولى منذ مدة طويلة من النوم، بعدما هدأت أصوات الغارات الجوية والطائرات المسيرة والانفجارات.

إلا أن مصادر تحدثت عن اندلاع اشتباكات بين فصائل في غزة، يعتقد أن بعضها يتلقى دعماً من قوات الاحتلال الإسرائيلي. وأسفرت المواجهات التي حصلت بعد سريان وقف إطلاق النار، عن مقتل الصحافي صالح الجعفراوي البالغ من العمر 28 سنة، إلى جانب 26 شخصاً آخرين.

ووسط مشاعر الارتياح لتوقف القتال والحزن المستمر على ما حصل، تطغى أجواء من الشك والقلق، خصوصاً عند الفلسطينيين المقيمين في مناطق الضفة الغربية.

عيسى عمرو الناشط الفلسطيني الذي ظهر في الفيلم الوثائقي "المستوطنون" The Settlers للصحافي البريطاني لوي ثيرو، أشار إلى أن كثيراً من الفلسطينيين يعيشون في حال كبيرة من القلق في شأن مستقبل المنطقة.

وأضاف لـ"اندبندنت"، "من المهم جداً أن القتال قد توقف لكن تنتابنا شكوك كبيرة إن كان التوقف هذا سيدوم، وإن كان ستحترم إسرائيل الاتفاق؟ لقد انتهكت كل بند فيه حتى الآن. الإبادة الجماعية لم تنته بعد، وما زال الناس يموتون بسبب النقص في الغذاء والدواء".

والآن هناك مخاف حقيقة في شأن الضفة الغربية، وأضاف عمرو "عندما تحط الحرب أوزارها في غزة، ستبدأ في الضفة الغربية. تذكروا، إن ما تم التوصل إليه هو خطة لوقف إطلاق النار وليست خطة سلام".

كما أكد أهمية "محاسبة" المسؤولين عما حدث في غزة، فعدد من المنظمات الحقوقية اتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، مما تنفيه إسرائيل.

يذكر أن "المحكمة الجنائية الدولية" كانت قد أصدرت مذكرة توقيف في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، متهمة إياه ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بارتكاب جريمة حرب عبر استخدام التجويع كسلاح.

وفي سياق متصل، خلص تحقيق أجرته الأمم المتحدة على مدى عامين، إلى أن إسرائيل ترتكب أعمال إبادة جماعية، وهو ما وصفته إسرائيل من جانبها بأنه "ادعاءات كاذبة ومشوهة".

تجدر الإشارة أخيراً إلى أن تقريراً صادراً عن الأمم المتحدة، قدر أن المدة التي تتطلبها استعادة قطاع غزة لاقتصادها الذي كانت عليه قبل عام 2023، قد تستغرق ما يصل إلى 350 سنة، بينما سيتطلب إزالة أكثر من 50 مليون طن من الأنقاض التي خلفتها الحرب المدمرة، عقوداً من الزمن.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير