ملخص
ينبغي أن يفضي وقف إطلاق النار، في حال ثباته ودوامه، إلى طرح مسألة السلاح وجمعه. وعلى "حماس" الوفاء بتعهدها تسليم سلاحها في إطار تصفية عوامل العسكرة السابقة كلها، بما فيها الأنفاق ومصانع السلاح والذخيرة.
بينما جزم معلقون وسياسيون كثر بتكامل "خطة ترمب" وبيان مؤتمر نيويورك الذي دعا إلى الاعتراف بدولة فلسطين، نبه جان- بول شانيولو، المتخصص في مجال العلوم السياسية المتقاعد في جامعات فرنسا والرئيس الفخري لمعهد بحوث ودراسات المتوسط والشرق الأوسط في باريس، إلى صدور الوثيقتين عن منطقين مختلفين. فخطة الرئيس الأميركي لا تقر مراحلها للفلسطينيين بدور راجح في تقرير مصيرهم، على خلاف بيان المؤتمر العربي - الغربي (الأوروبي) الذي انعقد في نيويورك مع افتتاح الدورة الـ80 لمنظمة الأمم المتحدة.
ويقارن الأستاذ الفرنسي، في مقالة رأي نشرتها صحيفة "لوموند"، اليومية الفرنسية، خلال الـ12 من أكتوبر (تشرين الأول) 2025، عشية مؤتمر شرم الشيخ الذي أقر خطة الرئيس دونالد ترمب.
انعطاف وقصور
ولا ينكر الكاتب أن اتفاق وقف الحرب في غزة، وهو البند الأول في لائحة البنود الـ20 التي تتألف منها الخطة، "منعطف حاسم" في مسار الحرب العاصفة والناشبة منذ عامين، في الأحوال كلها، ينزل برداً وسلاماً على صدور أهالي هؤلاء وأولئك. ومنذ اليوم يسع الغزيون العيش من دون خشية الموت، في كل لحظة، ضحية قصف مفاجئ أينما كانوا.
وإذا بلغت خطة ترمب غايتها مهدت لسلام لا تزال سماته، على أضعف تقدير مبهمة. والمقارنة مع "بيان نيويورك"، الصادر عن الجمعية العمومية الأممية بعد اقتراح 142 دولة، خلال الـ22 من سبتمبر (أيلول) 2025، عليه، توضح قصور الخطة، ومكامن هذا القصور.
فالخطة تتجاهل الإشارة إلى القانون الدولي، وإلى الأمم المتحدة وقراراتها. ويتعلق الاستثناء الوحيد بتوزيع المساعدات. وتتجنب إشراك الفلسطينيين في الحكم، ولا تلمح إلى الدولة الفلسطينية إلا بعبارات غامضة تعني، في حقيقة الأمر، استبعادها، على ما يرغب رئيس الوزارة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وأخيراً، "تنسى" الخطة الضفة الغربية، بينما تؤيد واشنطن الاستيطان فيها تأييداً يخلو من أضعف التحفظ. وعلى خلاف هذه الآراء والمواقف، يندرج "بيان نيويورك" في إطار ميثاق الأمم المتحدة، ويدعو دعوة ملحة إلى اضطلاع الفلسطينيين (خارج "حماس") بدور سياسي مركزي، ويتناول الأراضي الفلسطينية من زاوية حل الدولتين، وفي ضوء أفق هذا الحل.
الالتزامات المشكلة
وينبغي أن يفضي وقف إطلاق النار، في حال ثباته ودوامه، إلى طرح مسألة السلاح وجمعه. وعلى "حماس" الوفاء بتعهدها تسليم سلاحها في إطار تصفية عوامل العسكرة السابقة كلها، بما فيها الأنفاق ومصانع السلاح والذخيرة. وإلى اليوم، أحجمت "حماس" عن الكلام في الموضوع، وليس في وسعها حمل استسلامها على خيار طوعي، ويقترح "بيان نيويورك"، وهو الحريص على إشراك الفلسطينيين في تدبير شؤونهم، على "حماس" وغيرها من الفصائل، تسليم سلاحها إلى السلطة الفلسطينية. وليس في خطة ترمب شيء من هذا.
وعلى الجيش الإسرائيلي الانسحاب، على مراحل، من كل الأرض الفلسطينية. ولكن الخطة لا تلزمه، ينبه الكاتب، التقيد بجدول زمني وبربط نصها الانسحاب ببسط قوة الاستقرار الدولية سيطرتها على الأرض، ويترك للجيش هامش مناورة واسعاً.
وتجمع الوثيقتان، الخطة والبيان، على ما يلاحظ جان- بول شانيولو، على ضرورة إنشاء قوة التدخل الدولية هذه. ولكن الخطة الأميركية توكل إلى الولايات المتحدة مهمة إنشاء هذه القوة، "بالتشاور مع حلفائها". أما الفريق الذي أصدر "بيان نيويورك"، وتتقدمه السعودية وفرنسا، فيدعو مجلس الأمن الدولي إلى القيام بالمهمة الدولية. ويوكل إليه حماية المدنيين الفلسطينيين، ونقل المسؤوليات عن أمنهم الداخلي إلى السلطة الفلسطينية، ويدعم تعزيز قدرات الدولة الفلسطينية. وهذا ما لا تشير الخطة الأميركية إليه، ولو من طرف خفي أو موارب.
الحكم الذاتي
وتنيط الخطة الأميركية حكم القطاع، في المرحلة الانتقالية، إلى لجنة فلسطينية، تكنوقراطية ومن غير انتماءات سياسية، تحت إشراف "مجلس سلام" يترأسه دونالد ترمب، ومعه ربما توني بلير. وتولى رئيس الوزراء البريطاني السابق صوغ مشروع يبسط على القطاع شبه وصاية يذكر كاتب المقالة بانبعاث الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1922. أما "بيان نيويورك"، في ميزان المقارنة التي يعقدها شانيولو، فينيط بالفلسطينيين سلطة القرار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا استبقنا مرحلة الإعمار والتنمية الاقتصادية، على ما يقترح كاتب مقال الرأي، ظهر الفارق بين المعالجتين شاسعاً. فالخطة الأميركية ترى غزة على شاكلة منطقة اقتصادية خاصة، مع رسوم جمركية تفضيلية، ويتولى التخطيط الاقتصادي فيها طاقم خبراء بينهم رجال أعمال مثل جاريد كوشنر (صهر دونالد ترمب وأوكل إليه الرئيس في ولايته الأولى معالجة النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي)، وآخرين اقترح توني بلير في وثيقته أشباههم. ويترك "بيان نيويورك" للفلسطينيين المسؤولية عن اختيار القيادة الاقتصادية، مقدمة لمزاولتهم سيادتهم. ويؤيد شانيولو، الكاتب، رأيه في المسألة، فيشدد على أن موقعي البيان لا يكتفون بترك اختيار المسؤولين الاقتصاديين إلى الفلسطينيين أنفسهم، بل يشفعون ذلك بإعلان استعدادهم للإسهام في التنمية الاقتصادية الفلسطينية ولا ينسون نقد إجراءات التضييق التي أقرتها سلطة الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني.
في ضوء هذه الملاحظات، ومن جملة المقارنة، تخلص المقالة إلى أن دونالد ترمب يرمي إلى إنشاء قطاع جديد همه الأوحد بناء اقتصاد مزدهر، ويقتصر أمره على إنجاز ذلك. وفي الأثناء، تترك الضفة الغربية إلى مصيرها، أي إلى حركة استيطان عنيفة لا يتحفظ الرئيس الأميركي عنها. أما موقعو "بيان نيويورك" فيسعون في رسم أفق سياسي يؤدي إلى حل الدولتين.
وفي ضوء الخلاصة هذه، يتوقع الكاتب أن يبقى النزاع، خلال الأشهر المقبلة، على مفترق طريقين، فإما أن تؤدي القرارات في شؤون السلاح والأمن وحكم غزة إلى آفاق مستقبل فلسطيني رائع، وإما أن تحول دون هذه الآفاق، وتسد الطريق إليها طوال آجال معتمة.