ملخص
بدت التطورات في مدغشقر متسارعة، إذ كانت وحدة "الكابسات" في الجيش وهي التي ساعدت راجولينا على الوصول إلى الحكم للمرة الأولى في انقلاب عام 2009، طالبت قوات الأمن قبل يومين برفض إطلاق النار على المحتجين.
أثار إعلان وحدة النخبة في جيش مدغشقر تولي السلطة غداة عزل الجمعية العامة (البرلمان) للرئيس أندري راجولينا، تساؤلات حول السيناريوهات المحتملة داخل هذه الجزيرة الأفريقية، لا سيما أن المشهد فيها معقد للغاية في ظل احتجاجات حركة "جيل زد".
وأعلن العسكريون الذين استولوا على الحكم في مدغشقر تعليق عمل مجلس الشيوخ والمحكمة الدستورية العليا والهيئة الانتخابية ومؤسسات حكومية أخرى، في تطور بدا وكأنه يطوي أعوام الحكم السبعة لراجولينا الذي لا يزال مصيره غامضاً على رغم إعلان المعارضة فراره من البلاد.
وكان راجولينا أصدر أمس الثلاثاء مرسوماً يحل من خلاله البرلمان، في محاولة لاستباق تصويت على تنحيته من منصبه، وهو أول تصويت منذ اندلاع الاحتجاجات الغاضبة ضده التي قضى وجرح فيها العشرات، مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي.
وبدت التطورات في مدغشقر متسارعة، إذ كانت وحدة "الكابسات" في الجيش وهي التي ساعدت راجولينا على الوصول إلى الحكم للمرة الأولى في انقلاب عام 2009، طالبت قوات الأمن قبل يومين برفض إطلاق النار على المحتجين.
تحالف عسكري مدني
ولم تعلق المعارضة في مدغشقر بعد على قرار الجيش التحرك، على رغم أن زعيمها أعلن قبل يوم فرار الرئيس راجولينا من البلاد على متن طائرة عسكرية فرنسية.
وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية الأمين درمس، إنه "من المرجح أن تتجه الأوضاع في مدغشقر نحو تكوين حكومة إنقاذ وطني تقوم على تحالف عسكري – مدني، يضم ممثلين من الجيش والمجتمع المدني، وحركات الشباب وتحديداً ’جيل زد‘ التي قادت الاحتجاجات الأخيرة".
وتابع درمس أن "هذا التحالف يهدف إلى استعادة الاستقرار وتهيئة البلاد لمرحلة انتقالية تمهد لإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة. وعلى رغم أن الاحتجاجات تتوقف موقتاً مع تشكيل هذه الحكومة وظهور بوادر الإصلاح، فإن استمرارها رهين بمدى جدية تنفيذ المطالب الشعبية المتعلقة بتحسين الأوضاع المعيشية، ومكافحة الفساد، وضمان المشاركة السياسية للشباب". وشدد على أن "ما قام به الجيش لا يعد انقلاباً عسكرياً بالمعنى التقليدي، إذ لم يستهدف به الاستيلاء على السلطة لمصلحة مجموعة ضيقة، بل يمكن وصفه بأنه انحياز الجيش لإرادة الشعب واستجابته لمطالب التغيير والإصلاح التي تبنتها الحركة الشبابية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مفترق طرق
وكان راجولينا ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2018، حين نافس 36 مرشحاً آخراً وفاز، ثم أعيد انتخابه عام 2023 لكن قوى المعارضة لم تعترف بنتائج تلك الانتخابات.
وخلال سبتمبر (أيلول) الماضي، اندلعت احتجاجات حاشدة ضد استفحال الفساد في مدغشقر، وطالب المحتجون وهم من أنصار حركة "جيل زد" بإصلاح الأوضاع والتغيير، قبل أن ينضم إليهم جنود وضباط.
ودعت المحكمة الدستورية العليا أمس إلى إجراء انتخابات رئاسية بعد 60 يوماً من هذا التحرك للجيش، لكن دون أن تصفه بـ"الانقلاب".
وقالت الباحثة السياسية المتخصصة في الشؤون الأفريقية أسماء الحسيني إن "مدغشقر الآن في مفترق طرق إثر سيطرة الجيش على السلطة، وهناك في الواقع ضبابية كبيرة تحيط بالوضع خصوصاً بعد الاحتجاجات الحاشدة التي عرفتها البلاد أخيراً". وأردفت الحسيني أن "هناك جيلاً غاضباً في مدغشقر من السلطة، ويرفض المظالم والفقر الذي بلغت نسبته 75 في المئة داخل البلاد ومستوى المعيشة الذي لم يعد يطاق، بالتالي كان هذا التحرك للجيش متوقعاً لا سيما مع تزايد الغضب الشعبي والسياسي، إذ انضمت منظمات من المجتمع المدني وأحزاب سياسية إلى الاحتجاجات أخيراً". وأكدت الباحثة أن "راجولينا حاول احتواء الموقف من خلال إقالة الحكومة، وتشكيل أخرى جديدة، لكنه فشل في ذلك خصوصاً مع تنامي الغضب الشبابي".
الموقف الأفريقي
ويأتي هذا المستجد خلال وقت بدت فيه المخاوف مما يحدث في مدغشقر كبيرة، إذ أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من شرم الشيخ المصرية أول من أمس الإثنين، عن "قلق بالغ" إزاء ما يحدث في أنتاناناريفو، عاصمة مدغشقر. وقال ماكرون إنه لا يعلم مصير راجولينا وذلك في رده على سؤال حول ما إذا كان الأخير فر بالفعل من البلاد، مما يثير تساؤلات جدية حول الموقف الدولي المرتقب من التغيير الذي حصل في مدغشقر.
وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف عن "قلق بالغ" إزاء التطورات المتسارعة في مدغشقر، مشدداً على رفض المنظمة القاطع لأي تغيير غير دستوري للحكم.
إزاء ذلك، يقول الأمين درمس إنه "عندما يكون الانتقال مرناً ونابعاً من إرادة الشعب، وتظهر القيادة الجديدة نية صادقة للإصلاح، فإن الدول المجاورة والمنظمات الإقليمية - مثل الاتحاد الأفريقي ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC) - تميل إلى الاعتراف بالأمر الواقع ودعم الاستقرار بدلاً من المعارضة".
ورأى المتحدث أنه "بالتالي، الضغط الدولي إن حصل قد يتراجع تدريجاً، لأن المجتمع الدولي عادة ما يتبع الموقف الإقليمي، فإذا رأت أفريقيا أن ما حدث ليس انقلاباً بل تصحيح للمسار، فإن العواصم الكبرى على غرار واشنطن وباريس وبروكسل ستتعامل ببراغماتية مع الوضع الجديد في مدغشقر، وتفتح قنوات تواصل مع الحكام الجدد".