Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من أوكرانيا إلى تايوان... البرمجيات مستقبل الردع المستدام

خبراء يعدونها الضمانة الأكثر نجاعة من الأمن وشركة أميركية أثبتت فاعليتها في كييف

يعتمد نجاح هذه الأسلحة على سرعة وجودة البيانات المغذية لها (أ ف ب)

ملخص

عندما يناقش قادة حلف شمال الأطلسي "الضمانات الأمنية" لأوكرانيا، فإنهم يتحدثون في العلن عن معاهدات أو اتفاقات دفاع أو التزامات جديدة بالمساعدات، لكن على أرض الواقع، تعيش أوكرانيا بالفعل في ظل ضمان من نوع مختلف، وهو تحالف عبر البرمجيات، حيث تضمن "بالانتير" وغيرها من المنصات الغربية قدرتها على التفكير والتصرف بسرعة الحلفاء.

لنحو عقدين من الزمن، كانت شركة البرمجيات الأميركية "بالانتير" عبارة عن شركة تكنولوجيا التجسس الأكثر استقطاباً في وادي السيليكون، حيث بنت منصات تدمج مجموعات بيانات ضخمة لوكالات الاستخبارات والجيوش والشركات، وفي أوكرانيا، أسهمت أدوات هذه الشركة في دمج معلومات استخباراتية من ساحة المعركة، وتسريع الاستهداف، وتوثيق جرائم الحرب، بل وحتى المساعدة في التخطيط لإزالة الألغام بعد الحرب.

بيد أن دور "بالانتير" ليس تكتيكياً فحسب، بل يمثل تحولاً أكبر يتمحور حول كيفية تعلم الغرب تقديم ضمانات أمنية من دون معاهدات، ليس من خلال القوات والدبابات، بل من خلال البرمجيات والعقود والأنظمة التجارية.

منصات ذكية تقود الحرب

في عامي 2022 و2023، ومع بدء أوكرانيا في تسلم أسلحة غربية دقيقة وأشهرها أنظمة صواريخ "هيمارس"، اعتمد نجاح هذه الأسلحة على سرعة وجودة البيانات المغذية لها أكثر من اعتماده على المدى، وأصبحت منصة "غوثام" التابعة لشركة "بالانتير" محورية في هذه العملية، فهي تستوعب فيديوهات الطائرات من دون طيار، وصور الأقمار الاصطناعية، والاتصالات المعترضة، وحتى معلومات من المدنيين باستخدام تطبيق "E-Enemy" الأوكراني، وتدمجها في صورة عملياتية متماسكة.

وتذهب أداة "ميتا كونستليشن" التابعة للشركة ذاتها إلى أبعد من ذلك، حيث تنظم أسراباً من الأقمار الاصطناعية للمراقبة، في ما تضيف منصة الذكاء الاصطناعي (AIP) الأحدث واجهات ذكاء اصطناعي توليدية، مما يسمح للقادة بطرح استفسارات باللغة الطبيعية وتلقي خيارات قابلة للتتبع والتنفيذ.

ويقول الخبراء العسكريون الأميركيون، إن أوكرانيا ضربت أكثر من 400 هدف روسي بدقة في 2022 والفضل لا يعود بذلك إلى دقة الصواريخ فحسب، بل أيضاً إلى أنظمة الاستهداف الممكنة برمجياً التي بنتها أوكرانيا مع شركاء مثل "بالانتير".

إزالة الألغام كوسيلة ردع

تعد أوكرانيا اليوم أكثر دول العالم تلوثاً بالألغام، إذ تخنق أحزمة واسعة من المتفجرات التي زرعتها روسيا الأراضي الزراعية والغابات والقرى الأوكرانية، مما يجعل ملايين الهكتارات غير صالحة للاستخدام، وقد تستغرق أساليب التطهير التقليدية قرناً من الزمن للتخلص من هذه الألغام.

نتيجة لهذا الواقع المأسوي أبرمت شركة "بالانتير" شراكة مع وزارة الاقتصاد الأوكرانية العام الماضي لتطبيق الذكاء الاصطناعي في إزالة الألغام على نطاق واسع، ويعطي النظام الذي بنته الشركة الأميركية الأولوية للمناطق التي يجب تطهيرها أولاً، مما يعزز إنقاذ الأرواح واستعادة الهكتارات مع تنسيق جهود الفرق الإنسانية، في ما تغذي الطائرات من دون طيار والأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار الأرضية منصات "بالانتير"، التي تحدد التلوث ودرجات الأخطار.

وما تفعله الشركة الأميركية يؤمن بطبيعة الحال استعادة موارد أوكرانيا الغذائية، واستقرار اقتصادها، وضمان عودة المدنيين بأمان. كما يربط تعافي أوكرانيا مباشرة بالنظم البيئية التكنولوجية الغربية.

توفير الضمانات الأمنية

يظهر وجود شركة "بالانتير" في كييف مفارقة مهمة، فمن جهة، ينشئ هذا الوجود تبعية استراتيجية لا سيما أن خطط أوكرانيا المتعلقة بسلسلة عمليات القتل، وإدارة الأدلة، وإزالة الألغام، مرتبطة بشركة أميركية خاصة، ومن جهة أخرى يمثل هذا الاعتماد ضماناً فعلياً، فمن خلال ربط بقاء أوكرانيا بالبرمجيات الغربية، تضمن كييف أن يصبح التخلي عنها مكلفاً سياسياً وعملياً لحلفائها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا هو الوجه الناشئ للضمانات الأمنية التي تناقش بعد الخطوات المتخذة لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في أعقاب قمة ألاسكا الأميركية- الروسية في أغسطس (آب) الماضي.

ولعقود، كانت الضمانات الأمنية تعني معاهدات وقوات كالمادة الخامسة من حلف شمال الأطلسي، والقواعد الأميركية في ألمانيا، والمظلات النووية فوق اليابان، لكن أوكرانيا تعيش بالفعل في ظل نوع من الضمانات القائمة على البرمجيات أي باندماج الأسلحة الغربية والمنصات الغربية التي تضمن قدرتها على التفوق على روسيا في التفكير والاستهداف والتكيف.

توثيق جرائم الحرب

ولا يقتصر عمل الشركة الأميركية في أوكرانيا على المجهود العسكري الميداني، ففي عام 2023، تعاون المدعي العام الأوكراني مع الشركة إياها لمعالجة سيل الأدلة الرقمية على جرائم الحرب الروسية المزعومة، من هنا أضيفت لقطات الطائرات من دون طيار تظهر عمليات القصف، ومنشورات "تيليغرام" مؤرخة، ودردشات معترضة، وتصاريح الأقمار الاصطناعية إلى أنظمة "بالانتير"، وهذا ما يساعد المحققين على ربط الأدلة ووسمها وهيكلتها لاستخدامها في المحاكم.

بالنسبة إلى كييف، يعد بناء قضايا جرائم حرب محكمة أمراً استراتيجياً بقدر أهمية إطلاق الصواريخ، فهو يعزز المكانة الأخلاقية لأوكرانيا، ويحشد الدعم في العواصم الغربية المتشككة، ويمهد الطريق للمساءلة في محكمة العدل الدولية، وتساعد أدوات "بالانتير" على تحويل الرعب المصطنع إلى دعامة قانونية لضمانات أمنية طويلة الأجل، وهكذا لا يلتزم الحلفاء بالمساعدات العسكرية فحسب، بل يلتزمون أيضاً باللجوء إلى القانون ضد العدوان.

أصداء عالمية

وتجدر الإشارة أن دولاً عدة باتت تتبنى ضمانات قائمة على البرمجيات لتعويض الأخطار الجيوسياسية، فمثلاً أضافت إسرائيل منصات استهداف مدعومة بالذكاء الاصطناعي بعضها طور بالاستعانة بشركة "بالانتير" إلى المساعدات الأميركية، مما خلق ميزة تكنولوجية مستدامة.

وتعتمد تايوان، المستبعدة من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على شراكات تكنولوجية مع الولايات المتحدة وحلفائها كالأقمار الاصطناعية التجارية، والدفاع السيبراني، وأنابيب تجريبية للذكاء الاصطناعي، وهنا يصبح الاعتماد على البرمجيات ردعاً، حيث تعلم بكين أن التكنولوجيا الغربية ستكون في المعركة منذ البداية.

وفي العالم العربي، تدمج دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، "بالانتير" ومنصات غربية أخرى في بنيتها التحتية الوطنية، من المدن الذكية إلى الأنظمة الصحية.

وبدأت الإكوادور هذا العام باستخدام منصات الذكاء الاصطناعي من "بالانتير" لتحديث الجمارك ومكافحة تهريب المخدرات، وباتت تعمل كضمان أمني ضد الكارتلات التي ينافس نفوذها نفوذ الدولة نفسها، بينما تعمل دول أفريقية مثل كينيا ونيجيريا على رقمنة أنظمة الضرائب والجمارك باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما ينشئ ضمانات أولية للاستقرار وأمن الإيرادات.

مستقبل الأمن الجماعي

عندما يناقش قادة حلف شمال الأطلسي "الضمانات الأمنية" لأوكرانيا، فإنهم يتحدثون في العلن عن معاهدات أو اتفاقات دفاع أو التزامات جديدة بالمساعدات، لكن على أرض الواقع، تعيش أوكرانيا بالفعل في ظل ضمان من نوع مختلف، وهو تحالف عبر البرمجيات، حيث تضمن "بالانتير" وغيرها من المنصات الغربية قدرتها على التفكير والتصرف بسرعة الحلفاء.

هذا هو الردع بالتكامل، وقد يشكل المستقبل الردع عالمياً، وفي عصر تصعب فيه السياسة الداخلية التصديق على المعاهدات، توفر الضمانات البرمجية بديلاً مستداماً وفعالاً استراتيجياً. وإذا انتصرت أوكرانيا في حربها على روسيا، فستكون أول حرب تربح، جزئياً في الأقل، عبر البرمجيات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير