ملخص
من مصر إلى سوريا ولبنان مروراً بإسرائيل والأردن واليمن، ستكون هذه الدول جزءاً من الخطة الشاملة التي وضعها ترمب لإحلال السلام وتأسيس دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، والمرحلة النهائية من هذه الخطة هي أن تعترف دول عربية أخرى، بإسرائيل.
مع إتمام اتفاق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحضور رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب، تحول يوم الإثنين، 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، إلى يوم تاريخي لهذه المنطقة وللعالم بأسره، يوم عظيم لم يضع حداً فقط للحرب التي استمرت عامين بين "حماس" وإسرائيل، بل يمكن اعتباره نهاية لسبعة عقود من العداء بين العرب وإسرائيل، ومن هذه الزاوية فإن أهمية هذا الحدث تتجاوز مسألة تحرير الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين، وقال الرئيس الأميركي في الكنيست الإسرائيلي "إن 'حماس' لم تعد تشكل تهديداً لإسرائيل، وأنا أنهيت تهديداً عمره 3 آلاف عام أو 500 عام، لا أدري كم يقولون"، وإشارته إلى "التهديد ذي الـ 3 آلاف عام" تعود لتاريخ سبي اليهود إلى بابل وأسرهم على يد نبوخذ نصر.
في "مؤتمر سلام غزة" المنعقد في شرم الشيخ، وقف زعماء العالم إلى جانب ترمب لدعم خريطة السلام في الشرق الأوسط، فمن مصر إلى سوريا ولبنان مروراً بإسرائيل والأردن واليمن، ستكون هذه الدول جزءاً من الخطة الشاملة التي وضعها ترمب لإحلال السلام وتأسيس دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، والمرحلة النهائية من هذه الخطة هي أن تعترف دول عربية أخرى بإسرائيل.
السلام والطمأنينة في الطريق، لكن من الخطأ الاعتقاد بأن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مسرور بحل ترمب بقدر ما هو ترمب نفسه، فقد اضطر نتنياهو تحت ضغط ترمب إلى القبول بخطة السلام مع "حماس" وإنهاء الحرب، وهي نتيجة لم يكن أحد قادراً على تحقيقها سوى ترمب.
أما الغائب الأكبر عن هذا الاجتماع الكبير والمهم فكانت إيران، الدولة التي كانت خلال العامين الماضيين السبب الرئيس في زعزعة استقرار المنطقة، ولم تتردد في تحدي الولايات المتحدة وإسرائيل مراراً، مما جعل البلاد عرضة لتهديدات متكررة، فقد كان النظام الإيراني جزءاً كبيراً من هذه المشكلة، ومع ذلك وجّهت مصر دعوة إلى مسؤولي النظام لحضور "قمة شرم الشيخ" لكن طهران رفضت الدعوة، وصحيح أن النظام الإيراني لم يشارك لكن "إيران البلد" بعظمته التاريخية وماضيه الحضاري كان هناك.
عندما نشر بعض الإسرائيليين صور ترمب ولقبوه بـ "قوروش العصر"، كانت إيران حاضرة بذلك الاسم لتذكر الجميع بعراقتها وهويتها التاريخية، فبحسب الوثائق التاريخية أنه بعد فتح قوروش الكبير بابل، حرر اليهود من الأسر وساعدهم في العودة إلى أورشليم وبناء هيكلهم المهدم، ومنذ لحظة وصول ترمب إلى إسرائيل وإلقائه كلمته في الكنيست، كرر مراراً الحديث عن إيران وأهمية انضمامها إلى الاتفاقات الجارية، كما تحدث عن تدمير برنامجها النووي.
كنت قد أشرت سابقاً إلى وجود خلافات بين ترمب ونتنياهو حول إنهاء الحرب والتعامل الأميركي مع إيران والقضايا الإقليمية، وأحد أبرز هذه الخلافات هو تأكيد ترمب المتكرر على "تدمير البرنامج النووي الإيراني"، بينما وصف نتنياهو الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية بأنه مجرد "عملية لتأجيل" المشروع، أي أنه لم يدمر بالكامل من وجهة نظره، لكن ترمب لا يسعى إلى استمرار الحروب وسفك الدماء، بل يؤمن أكثر بالاتفاقات والمعاهدات، وقد كرر ذلك مراراً منذ بدء ولايته الثانية، وقال ترمب في إسرائيل: "يقولون إنهم (أي النظام الإيراني) يسعون إلى استئناف برنامجهم النووي لكنني أقول لا، والشيء الوحيد الذي يريدونه هو البقاء، لن يذهبوا إلى الجبال ولا إلى الملاجئ المدمرة، وأعتقد أنه لا يزال لدينا وقت للتوصل إلى اتفاق معهم، ولكن أولاً سنتعامل مع روسيا"، وهذا يعني من وجهة نظر ترمب أن البرنامج النووي غير السلمي للنظام الإيراني قد دمر تماماً ولا حاجة إلى رد عسكري آخر، على رغم أن نتنياهو ينظر إلى ذلك بشك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحدث ترمب مرة أخرى عن إيران بحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأشار إلى العقوبات القاسية المفروضة عليها واستعداد الولايات المتحدة للتفاوض والتوصل إلى اتفاق، وقال مشيراً إلى الدول المشاركة في المؤتمر إن "بعضهم لا يحب بعضهم الآخر ولا تربطهم علاقات جيدة، لكنهم جميعاً اتفقوا على الحضور من أجل السلام، وإيران في النهاية ستنضم إلينا".
في رأيي أن الهدف من الاتفاق الذي يكرره ترمب ليس تقوية رجال الدين في طهران أو استمرار حكمهم لأنهم لو أرادوا ذلك لاستغلوا فرصة الاتفاق منذ أشهر طويلة، وما نراه اليوم في المنطقة هو تحول كبير شمل حتى حركة "حماس" التي كانت تحظى بدعم مباشر من طهران، ومع سقوط أذرع "محور المقاومة" واحداً تلو الآخر، لم يعد للنظام الإيراني أية مساحة للمناورة أو الحضور الدولي.
إن دعوة ترمب موجهة إلى إيران الحقيقية وعلى ممثليها الشرعيين أن يعترفوا بالواقع الجديد للمنطقة، أما رفض النظام الحالي المشاركة فيكشف بوضوح عن عجزه عن التكيف مع هذه التحولات، فقد قال ترمب إنه سينهي أولاً حرب روسيا وأوكرانيا ثم سيتفرغ لإيران، أي أن حرباً أخرى يجب أن تتوقف قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة من الاتفاقات.
من وجهة نظري مع كثيرين أن "جائزة نوبل للسلام" ستكون صغيرة جداً مقارنة بإنجاز بحجم وقف حرب غزة وإحلال السلام في الشرق الأوسط، فلقد حقق ترمب ما كان يعد مستحيلاً طوال 70 عاماً وأشعل صراعات أجيال متتالية، إذ إنه إرث الاستعمار القديم الذي رسم الحدود وصنع الدول وزرع بذور الفتنة والحروب في هذه المنطقة كي تبقى مضطربة وغير مستقرة، على رغم أنها وريثة أعظم الحضارات، فالشرق الأوسط الجميل لا يزال الطامعون من القوى الاستعمارية الحديثة يتطلعون إليه بعين الجشع، ولقد فُتح فصل جديد في تاريخ العالم والمنطقة، وعلى إيران أيضاً أن تكون جزءاً من هذه التحولات الكبرى، قسراً بمرور الزمن أو بفضل إرادة شعبها العظيمة، حتى تثمر جهود السلام، فلا أعداء إيران ولا رجال الدين الطامحون للسلطة سيتمكنون من تعطيل هذا المسار أو الالتفاف عليه أو الهرب منه.