ملخص
صباح الثلاثاء وبعد أقل من 24 ساعة على قمة شرم الشيخ، استفاق سكان خانيونس في غزة على أصوات القصف ومشاهد المسيرات الإسرائيلية التي لم تترك المنطقة. 5 من سكان المدينة الذين توجهوا لتفقد بيوتهم بعد اطمئنانهم إلى دخول وقف النار حيز التنفيذ قتلوا بنيران إسرائيلية، والخلفية هي الذريعة ذاتها التي تمنح الجيش الإسرائيلي صلاحية قتل الفلسطيني من دون الحصول على إذن مسبق.
استيقظت إسرائيل على واقع جديد لم تكن ترغب فيه لا الحكومة ولا متخذو القرارات من سياسيين وأمنيين وعسكريين، بعد يوم من النشوة، سواء بعودة الـ20 أسيراً حياً، أو بنجاح رئيس الكنيست أمير أوحانا في تسليط الأضواء على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والقيادات السياسية والعسكرية التي عدها جزءاً أساسياً في التوصل إلى اتفاق وقف الحرب وإعادة الأسرى، وسط التصفيق الحاد والمتواصل عند استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الكنيست.
رئيس الحكومة، ووزير أمنه يسرائيل كاتس، ورئيس أركان الجيش إيال زامير، وضباط في الجيش استمروا بالتهديد حتى الساعات الأخيرة التي سبقت الإعلان عن دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ووصول الرئيس الأميركي إلى إسرائيل ثم شرم الشيخ للاحتفال والتوقيع على خطته.
الوقت الضائع في غزة
ثلاثتهم وضعوا أهدافاً للتنفيذ بعد إعادة الأسرى الـ20 باستمرار تنفيذ أهداف الحرب، وفي مركزها تدمير أنفاق "حماس" وسلاحها وتقويض الحركة. لكن المشهدية التي خرجت من داخل الكنيست بعد خطاب ترمب وما حمله من مضامين ورسائل وأهداف، ومن ثم قمة شرم الشيخ وما عكسته من زخم عربي ودولي لوقف الحرب في غزة، أخرجت إسرائيل من الأجواء التي عاشتها حتى ظهر الإثنين، لتدخل إلى وضعية جديدة ستكون مضطرة معها لتنفيذ هذه الخطة، إن لم يكن بصورة فورية فخلال فترة قصيرة أقصاها أسابيع قليلة. وحتى ذلك الحين لن تتأخر في استغلال ما سماه البعض "الوقت الضائع في غزة" إلى حين بدء نشاط القوات الأميركية والدولية لتطبيق الخطة على الأرض.
صباح الثلاثاء، وبعد أقل من 24 ساعة على قمة شرم الشيخ، استفاق سكان خانيونس في غزة على أصوات القصف ومشاهد المسيرات الإسرائيلية التي لم تترك المنطقة. خمسة من سكان المدينة الذين توجهوا لتفقد بيوتهم بعد اطمئنانهم إلى دخول وقف النار حيز التنفيذ قتلوا بنيران إسرائيلية، والخلفية هي الذريعة ذاتها التي تمنح الجيش الإسرائيلي صلاحية قتل الفلسطيني من دون الحصول على إذن مسبق.
الخمسة قتلى، وفق ما أكدت عائلاتهم وأكثر من مصدر فلسطيني، هم سكان مدنيون وصلوا لتفقد بيوتهم، لكن الجيش ومن دون معرفة هويتهم عدهم مقاتلين من "حماس" اقتربوا من الجيش لتنفيذ اعتداء ضد عناصره، هكذا قال في بيانه.
هذا الحدث هو ما حذر منه أكثر من سياسي وأمني إسرائيلي عندما بحثت جهات عدة كيفية التصرف في غزة بعد التوقيع على خطة ترمب ما دامت "حماس" موجودة وغزة غير منزوعة السلاح، وإذا ما كان بإمكان إسرائيل نقل نموذج لبنان إلى غزة، أي إن لديها الصلاحية لتقويض كل نشاط لـ"حماس" يهدف إلى تعزيز قدرات الحركة، وإذا فعلت ذلك، كيف ستهدأ نيران الحرب؟
قطعة جبن مليئة بالثقوب
تساؤلات عدة في وضعية جديدة، وبإدراك كامل لدى الإسرائيليين، لا يمكن لإسرائيل الاستمرار في سياستها هذه، وستكون ملزمة بتنفيذ الاتفاق، وفق ما أكد الرئيس ترمب في الكنيست وفي لقاءات نتنياهو وأحاديث مع مسؤولين إسرائيليين. لكن يبقى السؤال: متى وكيف؟
"قطعة جبن مليئة بالثقوب"، هكذا وصف إسرائيليون خطة ترمب لوقف الحرب في غزة، فهناك عديد من البنود من دون جدول زمني، مما يبقي كل الاحتمالات واردة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
باستثناء تحديد موعد الإفراج عن الأسرى الأحياء، لا يوجد تحديد زمني لتنفيذ بقية البنود، وهو ما استدعى الإسرائيليين إلى البدء في دراسة عميقة للخطوط العريضة لخطة ترمب بالتركيز وفق ما وصفه المسؤول السابق في "الشاباك" يوسي أمروسي، بالأخطار والتحديات الكامنة فيه، ومن ثم تقديم توصيات واضحة للمرحلة المقبلة تشمل الخطوات التي يجب على إسرائيل اتخاذها من منطلق رؤية واقعية.
ولدى بلورته صورة للسيناريوهات المتوقعة في غزة بعد قمة شرم الشيخ، يرى أمروسي أن التحديات الأمنية والسياسية المحدقة في إسرائيل لا تزال أمامها مهام معقدة، ويحذر من "تكرار خطأ الاستمرار بشعور النشوة لتحقيق النصر لدى عودة الـ20 أسيراً". داعياً الحكومة والأجهزة الأمنية إلى البحث والتخطيط الدقيق في مختلف التعقيدات التي ستواجهها، وقال "يجب التصرف بصورة حازمة لضمان أمن إسرائيل ومواجهة التحديات".
الإشكالية الأولى التي ظهرت للعيان بعد قمة شرم الشيخ هي عدم الانتهاء من المرحلة الأولى من الخطة وإعادة جميع جثث الأسرى لدى "حماس"، وبحسب أمروسي "يجب الإصرار على إعادة 24 جثة وعدم إبقاء المسالة مفتوحة وفق ما تريد (حماس)".
هذا الجانب الذي يسيطر على الأجندة الإسرائيلية في اليوم التالي من قمة شرم الشيخ يشهد خلافات بل وانتقادات للقيادة لموافقتها على التوقيع على الخطة واتفاق الصفقة من دون تحديد جدول زمني لإعادة جميع الجثث، والتعامل مع أهمية عودتها إلى إسرائيل كما كان الأمر مع الأسرى الأحياء.
"حماس"، وكما قال مسؤول أمني، "لم تخرق الاتفاق بعدم إعادة جميع الجثث، لأن هذا البند لا يشمل جدولاً زمنياً تلتزمه الحركة. لكن إلى جانب هذا، أبلغت "حماس" أنه جراء وجود الجيش في مناطق عدة (53 في المئة من القطاع) إلى جانب ما خلفته الحرب من دمار وردم كامل، لم تنجح في الوصول إلى جميع الجثث.
لحل هذه الإشكالية، يفترض أن تكون قد بدأت اليوم الثلاثاء، وفق رئيس ملف الأسرى والمفقودين غيل هيرش، لجنة مؤلفة من شخصيات إسرائيلية وأميركية وقطرية وتركية بالعمل على إيجاد مكان هذه الجثث، كما أبدت إسرائيل استعدادها لتقديم مساعدات تكنولوجية واستخباراتية لـ"حماس" بهدف ضمان عودة جميع الجثث، وفق ما قال المسؤول السابق في "الشاباك" أمروسي، الذي يعد هذا الجانب في غاية الأهمية.
نزع السلاح والقوة الشرطية
حالياً، تشكل مسألة تفكيك جميع التنظيمات المسلحة في غزة وفي مقدمها "حماس"، تحدياً أولياً لإسرائيل على أمل أن تنجح في تحقيق هدفها بضمان قطاع غزة منطقة منزوعة السلاح، وهو ما أجمع عليه أمنيون ومطلعون على سير التطورات في ملف غزة.
هذا الجانب يشكل الإشكالية الكبرى التي يتوقع إسرائيليون عدم النجاح في تحقيقها بعد ما ظهر من تفاهمات بين "حماس" وواشنطن إلى حد السماح للحركة بتشكيل قوة أمن أو قوة شرطة للعمل في غزة، وهو ما يثير غضب إسرائيل بل ومخاوفها من أن تكون هذه بداية لتفاهمات أخرى مع واشنطن تلزم إسرائيل بتغيير قواعد لعبها التي رسمتها تجاه غزة و"حماس".
أمروسي كغيره من الأمنيين والعسكريين وحتى القيادات السياسية، يصر على أن الهدف المقبل يجب أن يكون تفكيك سلاح "حماس" بالكامل وتدمير البنى التحتية للأنفاق ومخازن الأسلحة ومصانع الذخيرة وكل البنى العسكرية الأخرى التابعة لـ"حماس". بالتوازي، يجب إبعاد الحركة تماماً عن أية مكانة سلطوية، مباشرة أو غير مباشرة، في القطاع، فـ"إسرائيل لا يمكنها أن توافق على وجود عدو على حدودها الجنوبية، وعليها العمل بحزم لمنع ذلك"، يقول أمروسي.
ويضيف المسؤول السابق في "الشاباك"، "هناك بنود في خطة ترمب يجب أن تثير القلق لدى صانعي القرار في إسرائيل، فالخطة لا توضح كيف سيتم تنفيذ عملية نزع السلاح، ومن ستكون القوة الدولية الموقتة التي ستعمل في المنطقة، وهل فعلاً ستتعاون (حماس) مع هذه القوة. في مقابل هذا على إسرائيل أن تفحص ما إذا كان يمكنها قبول وجود جنود أجانب مثل الأتراك أو القطريين على حدودها الجنوبية. هذه القضايا تتطلب نقاشاً معمقاً مع الوسطاء لضمان الحفاظ على المصالح الأمنية لإسرائيل، وللتأكد من تنفيذ دقيق للاتفاق".
وفق ترمب "الحرب انتهت"
لدى سؤل الرئيس الأميركي وهو في طريقه إلى مكتب نتنياهو لعقد جلسة قصيرة هناك: كيف سيتم نزع سلاح "حماس"؟ أجاب برد مقتضب هو أن "الحركة ستلتزم وستنزع سلاحها"، وأعقبه بكلمتين فقط رداً على سؤال "هل حقاً ستتوقف الحرب، وما الذي يضمن ذلك؟"، هما "الحرب انتهت".
كل هذا كان على مسمع من بنيامين نتنياهو، الذي رافق ترمب في الكنيست ليكشف في ما بعد في إسرائيل أن مبعوثي الرئيس الأميركي ستيف ويتكوف وجارد كوشنير، التقيا في مصر الأسبوع الماضي كبار مسؤولي حركة "حماس"، بينهم رئيس فريق المفاوضات خليل الحية، بهدف إغلاق التفاصيل النهائية للاتفاق.
وفي الاجتماع، وفق ما كشف تقرير إسرائيلي، تعهد ويتكوف وكوشنر أن ترمب لن يسمح لإسرائيل باستئناف القتال بعد إطلاق سراح الأسرى، ما دام "حماس" تفي بالتزاماتها.
في هذا اللقاء، وفق التقرير الإسرائيلي، تم الاتفاق مع "حماس" على تشكيل قوة أمن أو قوة شرطية في قطاع غزة، وهذا وفق التقرير، مما يثير الغضب والقلق لدى إسرائيل، كونه يمنح "حماس" فرصة زمنية لترتيب أمورها وفرض واقع في غزة تحافظ فيه الحركة على مكانتها، مع الالتزام بعدم تعزيز قدراتها، ومن ثم تصبح جزءاً من الحكومة التي سيتم تشكيلها لإدارة قطاع غزة في اليوم التالي.