Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يغير المتحف المصري الكبير خريطة السياحة الثقافية؟

وفق القائمين على تأسيسه تقوم فكرته على تحويل الزيارة إلى تجربة متكاملة لجذب الزوار

زوّار يمرون بجوار تماثيل مصرية قديمة ضخمة على طول الدرج الكبير في المتحف المصري الكبير (أ ف ب)

ملخص

تظل السياحة الثقافية أحد أهم عناصر الجذب لمصر، ويمثل المتحف المصري الكبير خطوة جديدة ضمن سلسلة متاحف افتتحت خلال الأعوام الأخيرة، ويظل الأيقونة التي تعزز حضور مصر على خريطة السياحة الثقافية العالمية.

في وقت تستعد فيه مصر لافتتاح المتحف المصري الكبير في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بعد تشغيل تجريبي تزامن مع اكتمال أعمال الإنشاء ونقل آلاف القطع الأثرية من مختلف المحافظات، تثار تساؤلات حول مدى قدرته على إعادة رسم خريطة السياحة الثقافية في البلاد. ويستوعب المتحف نحو 50 ألف قطعة، إضافة إلى مخازن تسمح بضم العدد نفسه، مما يجعله أضخم مشروع متحفي في تاريخ مصر الحديث.

تواصلت "اندبندنت عربية" مع مشرفين تنفيذيين وقائمين سابقين على المشروع، إلى جانب متخصصين في السياحة ومسؤولين في مجال الإرشاد السياحي، لرصد المقترحات التي طرحت لجذب الزوار، والملامح التي تميز المتحف الكبير عن غيره من المتاحف المصرية.

معالجة أخطاء الماضي

يشدد رئيس اللجنة الهندسية المسؤولة عن إنشاءات المتحف والمشرف العام السابق على مشروع المتحف المصري الكبير اللواء عاطف مفتاح على أن كثيراً من الزوار كانوا يتجنبون زيارة المتاحف في السابق لأنها تفتقر إلى الخدمات التي تجعل الزيارة تجربة متكاملة، بينما تقوم فلسفة المتحف المصري الكبير على أن يقضي الزائر يومه كاملاً داخله.

يقول مفتاح، "فكرت شخصياً في كيفية جعل المتحف جاذباً للزوار، وطرحنا سؤالاً حينها: لماذا تشهد المراكز التجارية كثافة في الزيارات ولا تهتم بزيارة المتاحف؟ وانتهينا إلى أن الحل هو أن يتحول المتحف إلى وجهة متكاملة تشبه المول التجاري من حيث الخدمات، وتشير المؤشرات الأولية للتشغيل التجريبي إلى نجاح هذا التصور، إذ تجاوزت نسب الزيارة التوقعات، ومن المنتظر أن يحقق المشروع عائداً يغطي حجم الإنفاق".

 

وأوضح مفتاح في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن نتائج التشغيل التجريبي أظهرت نسب زيارات مطمئنة وغير متوقعة، وأجرينا دراسة على ثلاثة مراكز تجارية في مناطق مدينة نصر والتجمع الخامس و6 أكتوبر، وتبين أن عدد زوار هذه المراكز مجتمعين يتجاوز 100 مليون شخص سنوياً، بينما يبلغ عدد السياح الذين يزورون مصر نحو 16 مليون سائح فقط. وأضاف، "وضعنا رؤية تستهدف جذب العائلات المصرية، لا السائح الأجنبي فحسب، ولذلك حرصنا على أن تتضمن التجربة أنشطة وخدمات تشجع الزائر المحلي على التردد على المتحف بانتظام".

وبدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 2002 جرى وضع حجر الأساس لمشروع المتحف ليشيد في موقع متميز يطل على أهرام الجيزة. واكتمل تشييد مبنى المتحف، الذي تبلغ مساحته أكثر من 300 ألف متر مربع، خلال عام 2021.

عناصر جذب جديدة

بينما يقول المشرف التنفيذي السابق للمتحف المصري الكبير طارق توفيق لـ"اندبندنت عربية" إن المتحف يمثل إضافة مهمة للمعروض الثقافي في مصر، إذ يضم 30 ألف قطعة أثرية، من بينها 15 ألف قطعة تعرض للمرة الأولى، وهو ما يجعله عامل جذب رئيساً للزوار.

وأوضح توفيق في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن فكرته التي نفذت لاحقاً كانت عرض مجموعة الملك توت عنخ آمون كاملة، بعدما كان يعرض منها في السابق نحو 1800 قطعة فحسب، أما الآن فسيعرض كل ما يخص الملك في تجربة متكاملة تعيد تقديم مقتنياته بصورة شاملة. وأشار إلى أن شخصية الملك توت عنخ آمون تحظى باهتمام عالمي، نظراً إلى ما تمثله من رمزية تاريخية وثقافية.

وحول مدى قدرة المتحف على تغيير خريطة السياحة الثقافية تحدث توفيق عن التصميم المعماري للمتحف، موضحاً أنه نتاج مسابقة عالمية هدفت إلى إنشاء مبنى عصري يواكب أهمية المقتنيات المعروضة، مؤكداً أن التصميم الجديد تجنب مشكلات متحف التحرير الذي عانى تكدس القطع الأثرية، إذ يتيح المتحف الكبير عرض 30 ألف قطعة حالياً في قاعات مجهزة لاستيعاب 50 ألف قطعة، مع وجود مساحات تخزينية معدة للعدد نفسه.

 

وأعلنت مصر برعاية "اليونيسكو" والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، عن مسابقة معمارية دولية لأفضل تصميم للمتحف، فازت بها شركة "هينغهان بنغ" للمهندسين المعماريين بإيرلندا.

وتوقع المشرف التنفيذي السابق للمتحف المصري أن يسهم المتحف في زيادة إقبال السياح، بفضل أساليب العرض الحديثة، واستخدام التقنيات التفاعلية، والتجهيزات التي تراعي راحة الزوار، مشيراً إلى أن الدولة اتخذت خطوات داعمة للسياحة الثقافية، منها إنشاء مطار سفنكس الذي يبعد نحو 40 دقيقة فقط عن المتحف والأهرام، وهو ما يسهل الوصول إلى المنطقة، ويعزز فرص إقامة فنادق جديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الزائرين.

واعتبر توفيق أن اختيار موقع المتحف أمام الأهرام كان موفقاً لأنه يضيف معلماً حضارياً معاصراً إلى جوار المعالم التاريخية، ليشكل كلاهما محور جذب متكاملاً للسياحة الثقافية في مصر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الاستفادة من الموقع  

بدوره يشدد نقيب السياحيين باسم حلقة على أن المتحف المصري الكبير يمثل إضافة مهمة للسياحة الثقافية في مصر، لكنه لم يغير خريطتها. وأوضح أن موقعه المميز قرب مطار سفنكس الدولي ومنطقة أهرام الجيزة يمنحه مقومات قوية لجذب الزوار.

وأضاف حلقة أن تطوير البنية التحتية ورفع مستوى الأمان من العوامل الأساسية لتحسين بيئة السياحة ودعم المستثمرين في التوسع الفندقي، مشدداً على ضرورة تحقيق توازن في مستويات الإقامة واستهداف فئات أوسع من الزوار، خصوصاً القادمين إلى فنادق ثلاث نجوم أو أقل، ممن يحتاجون إلى تشجيع لزيارة المقاصد الثقافية. وأوضح أن عدداً من السلبيات التي كانت تؤثر في تجربة زيارة المتاحف جرى تجاوزها في المتحف المصري الكبير، إذ وضعت أسعار مناسبة، وبدأ تنفيذ برامج تدريب للمرشدين السياحيين لتقديم جولات متخصصة، إضافة إلى توفير وسائل النقل والخدمات العامة داخل المنطقة المحيطة بالمتحف. وقال إن المتحف صُمّم ليقدم تجربة متكاملة للزائر، فداخله فندق للإقامة ومطاعم وكافيتريات ومناطق ألعاب للأطفال وأماكن جلوس موزعة في أرجائه، ما يجعله وجهة يمكن قضاء يوم كامل فيها.

 

وأضاف نقيب السياحيين أن عرض جميع مقتنيات الملك توت عنخ آمون داخل قاعتيه الرئيستين يمثل أحد أهم عوامل الجذب، والنقابة نسقت مع شركات السياحة لتأهيل العاملين لديها، بما في ذلك السائقون والمندوبون، لضمان جاهزيتهم للتعامل مع الزوار وإدارة الجولات داخل المتحف، مشيراً إلى أن دخول الزوار وخروجهم من المتحف يعتمد على خط سير محدد يتطلب معرفة دقيقة من العاملين لتجنب العشوائية.

إجراءات مطلوبة

يتفق نقيب المرشدين السياحيين السابق حسن نحلة مع الآراء السابقة، ويقطع بأن السياحة الثقافية تظل أحد أهم عناصر الجذب لمصر، ويمثل المتحف المصري الكبير خطوة جديدة ضمن سلسلة متاحف افتتحت خلال الأعوام الأخيرة، ويظل الأيقونة التي تعزز حضور مصر على خريطة السياحة الثقافية العالمية.

وأوضح نحلة أنه جرى تدريب أكثر من 10 آلاف مرشد سياحي على شكل مجموعات منذ بدء التشغيل التجريبي للمتحف حتى اليوم، لكن نجاحه لا يعتمد فقط على حجم المقتنيات أو جودة العرض، بل يحتاج إلى تطوير منظومة الوصول، عبر تنظيم حركة الدخول والخروج من المطارات، لتكون أكثر سلاسة، وضمان إلمام عناصر الشرطة العاملة هناك باللغات الأجنبية، وتسريع إجراءات دخول الزوار القادمين من دول بعينها.

 

وأشار نقيب المرشدين السياحيين السابق إلى أن من بين هذه الدول دول أميركا اللاتينية التي تحتاج إلى خطوط طيران مباشرة تربطها بمصر، إلى جانب تسهيل دخول السياح القادمين من بعض الدول الأفريقية مثل كينيا وغانا ونيجيريا، موضحاً أن هذه الدول تضم شرائح قادرة على الإنفاق السياحي، لكن التعامل معها تأثر بسبب القيود المفروضة نتيجة الهجرة غير الشرعية، وهو ما يتطلب ضوابط دقيقة تحفظ الأمن دون إقصاء فئات سياحية محتملة.

وأوضح نحلة أن عدد السياح الذين يزورون مصر سنوياً لا يتجاوز 16 مليون سائح على رغم ثراء المقومات الثقافية، وتطوير القطاع لا يمكن أن يُدار بعقلية الموظفين فحسب، بل يحتاج إلى لجان متخصصة لوضع سياسات متكاملة لدعم السياحة الثقافية. وأشار إلى أن عدد شركات السياحة العاملة في مصر لا يزيد على 1100 شركة مرخصة، وأن نحو 30 في المئة فقط منها تستقطب سياحاً من الخارج، داعياً إلى توسيع نطاق المنافسة وفتح المجال أمام تأسيس شركات جديدة وفق ضوابط واضحة، بعد أكثر من 25 عاماً من التوقف عن منح تراخيص جديدة بسبب الاحتكار في هذا القطاع.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات