Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غزة تستقبل "اليوم التالي" للحرب بهاجسي "التدويل" و"الوصاية"

الغياب الفلسطيني والإسرائيلي عن توقيع وثيقة "ترمب للسلام والازدهار" يعيد مخاوف تحويلها إلى "ريفيرا الشرق الأوسط"

كان يوم أمس صاخباً بالأحداث أطلقت فيه "حماس" الرهائن وزار ترمب إسرائيل ومصر (اندبندنت عربية)

ملخص

الغريب أن وثيقة السلام التي تخص غزة، وتشمل إنهاء الحرب عليها وفق قواعد واضحة، لم يوقعها أي من أطراف القتال، والأغرب أن المتناحرين منذ عامين لم يحضرا بالأساس قمة السلام، والأطراف التي وقعت على الاتفاق كانت دول الوساطة فحسب، وهذا ما أثار الاستغراب ويحتاج إلى تفسير.

في يوم صاخب بالأحداث، أطلقت خلاله "حماس" سراح جميع الرهائن الأحياء وبعض الجثامين، واحتفل خلاله الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالانتصار في الكنيست، ثم وقع رؤساء الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا على وثيقة ترمب للسلام والازدهار، لوحظ أن الطرفي الصراع لم يوقعا على اتفاق إنهاء حرب غزة واقتصرت الإمضاءات على أطراف خارجية فقط.

في مدينة السلام المصرية، حضر إلى شرم الشيخ رؤساء وممثلون عن 20 دولة و11 منظمة عالمية للمشاركة في قمة للسلام، تخللها توقيع وثيقة تضمن إنهاء الحرب وتعزيز الاستقرار والسلام في القطاع المدمر، ومناقشة ترتيبات ما بعد القتال وفتح آفاق جديدة للتعاون الإقليمي.

وفي كلمته، قال ترمب "إنه يوم عظيم، تمكنا في شرم الشيخ من وقف الحرب في غزة، الجميع سعداء بهذه اللحظة، اتفاق غزة سيصمد، وثيقة غزة التي وقعناها اليوم توضح قواعد تنفيذ الاتفاق، من بعد اليوم لا مجال لنشوب حرب واسعة في الشرق الأوسط".

الاتفاقات يوقعها الأطراف

لكن الغريب أن وثيقة السلام التي تخص غزة، وتشمل إنهاء الحرب عليها وفق قواعد واضحة، لم يوقعها أي من أطراف القتال، والأغرب أن المتناحرين منذ عامين لم يحضرا بالأساس قمة السلام، والأطراف التي وقعت على الاتفاق كانت دول الوساطة فحسب، وهذا ما أثار الاستغراب ويحتاج إلى تفسير.

في مراجعة لاتفاقات السلام التي جرت بالعالم فإن طرفي السلام عادة ما يوقعون الوثائق، وأكبر نموذج لا ينسى عندما وقعت الإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة على اتفاقية أبراهام للسلام، حينها كانت الأطراف المتعاهدة هي التي تضع إمضاءها.

وهذا ما حدث بالفعل في جميع المعاهدات التي جرت بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ وقع على اتفاق أوسلو السلطة الفلسطينية وإسرائيل وكان برعاية دولية، وفي اتفاقية كامب ديفيد كان الطرف العربي والإسرائيلي موجودين وخطوا بأقلامهم على الأوراق، وحتى في اتفاقية إنهاء حرب غزة عام 2014 وقع عن الفلسطينيين عزام الأحمد ممثلاً عن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ووقع الفريق الإسرائيلي نيابة عن حكومته.

في المحصلة، ما حدث كان أمراً غير مسبوق، أن توقع أطراف خارجية على وثيقة إنهاء الحرب، ولا يحضر بالأساس طرفا القتال مؤتمر إنهاء الصراع المدمر بينهم، ويتولى المهمة الأطراف الضامنة وهي الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا.

صحيح أن السلطة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس كانت حاضرة في قمة السلام، والتي التقى خلالها ترمب عباس للمرة الأولى من زمن طويل تخلله كثير من الجفاء والمناوشات، كما دار بينهما حديث طويل ومدح قد يكون مبالغ فيه، إلا أن ممثل الفلسطينيين لم يوقع كطرف على وثيقة إنهاء الحرب والسلام، وهذا ما يستدعي الاستغراب والشك والتساؤلات.

"حماس" لم توقع ولم تشارك أصلاً

قبل انطلاق مؤتمر السلام، مهدت حركة "حماس" لعدم مشاركتها وكانت من الغائبين، وأثناء انعقاد القمة قال عضو المكتب السياسي للفصيل حسام بدران، "لن نكون من بين المشاركين، قيادة الحركة تلقت تأكيدات من المسؤولين المصريين بأن المؤتمر سيكون مخصصاً لحضور الدول فقط".

انتظم بدران في تبرير تغيب "حماس" الطرف الخصم في الحرب، وأضاف "هدف القمة لا يتعلق بتوقيع الاتفاق، بل هو احتفال بالإنجاز الذي تم تحقيقه" يواصل التبرير "الاتفاق المرتبط بوقف إطلاق النار وقعناه ووقعه الطرفي عندما توصلنا إليه".

 

 

ترى "حماس" أن مشاركتها في هذا المؤتمر غير ذات ضرورة من وجهة نظر قيادتها، وأن حضور ترمب رسالة واضحة إلى إسرائيل تفيد بأن الاتفاق يتم تحت رعايته وضمانه المباشر، وتؤكد أنها على تواصل مباشر مع الوسطاء لضمان تنفيذ بنود الاتفاق.

لكن المتخصص في مجال السياسة بلال شلبي يقول، "قد يكون عدم حضور وتوقيع ’حماس‘ مبرراً وله أسبابه، فهي مجرد فصيل فلسطيني وليس ممثلاً عن الفلسطينيين ودولتهم، وبما أن قمة السلام مخصصة للدول فإن عدم مشاركتها أمر طبيعي".

ويضيف المتخصص السياسي، "شاركت السلطة الفلسطينية بالنيابة عن الفلسطينيين، فهي ممثلهم الشرعي أمام العالم، وجهة تؤسس للدولة الفلسطينية، وحتى لا يفهم حضور ’حماس‘ في المؤتمر على أنه منحها الشرعية والتمثيل الرسمي عن القضية تم إقصاؤها من المشاركة".

ويوضح شلبي أن العالم يتعامل على أساس أن إسرائيل حققت أهدافها، وحركة "حماس" اليوم لا وجود لها، لذا من غير المنطقي المشاركة في مؤتمر السلام، ولذلك تم دعوة السلطة الفلسطينية ووراء ذلك رسائل كبيرة ولها معان في المستقبل.

حضور من دون توقيع

بالفعل، شاركت السلطة الفلسطينية وحضر محمود عباس قمة شرم الشيخ للسلام، التقى ترمب صافحه التقط معه صوراً تذكارية، مدحه الرئيس الأميركي "أنت صوت فلسطين ويسعدني وجودك هنا" وكأنه منحه الشرعية مجدداً، ولكن لم يسمح له بالتوقيع على اتفاق غزة.

كان وجود عباس أمراً طبيعياً في القمة، فهو الذي وافق على المرحلة الانتقالية في غزة شرط أن يمنح دوراً في ترتيبات المرحلة الانتقالية وألا تتحول البعثة الدولية لغزة إلى وصاية دولية دائمة، ولكن ما هو غير طبيعي تهميشه من التوقيع على اتفاق يخص غزة التي تعد جزءاً من أراضي الدولة الفلسطينية.

وجهت الدعوة لعباس للمشاركة في القمة متأخرة، ولكن أن تأتي متأخرة أفضل من ألا تأتي أبداً، يقول المتخصص في مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية رائد أبو بدوية، "جاءت في لحظة سياسية دقيقة، بعدما بدت الخطة الأميركية لإدارة قطاع غزة كأنها تجاوزت السلطة الفلسطينية بالكامل، هذا ليس مجرد تكريم رمزي، وإنما خطوة لإضفاء شرعية فلسطينية على الاتفاق، الولايات المتحدة التي صاغت مع حلفائها اليوم التالي لغزة تحتاج إلى غطاء تمثيلي فلسطيني يمنح الخطة القبول المحلي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف متخصص القانون الدولي، "الرأي العام يرفض إدارة غزة عبر الوصاية الدولية، إن المعنى الأعمق لمشاركة عباس هو أن السلطة الفلسطينية لا تزال تستدعى حين يراد منح الشرعية، لا حين يصاغ القرار، وهو ما يعكس هشاشة موقعها ضمن هندسة ما بعد الحرب".

ويوضح أبو بدوية أن وجود عباس يعكس رغبة المجتمع الإقليمي والدولي في ضمان استمرار الشرعية الفلسطينية بما يتوافق مع جهود السعودية وفرنسا، ومشاركته رسالة دبلوماسية قوية، فيما أن غياب أي تمثيل فلسطيني كان سيجعل اللقاء غير منطقي لأن السلام لا يمكن أن يكون مزدهراً وآمناً ما لم يشمل الفلسطيني بخاصة أنه الجانب الضحية.

بالفعل شارك عباس في القمة، فيما غاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبرر مكتبه ذلك بسبب قرب الموعد من الأعياد الدينية، ولكن الغريب أن لا ممثل عن تل أبيب شارك في مؤتمر السلام، هذا ما قالته شوش بدرسيان متحدثة نتنياهو وأكدت أنه "لن يحضر أي مسؤول إسرائيلي".

غاب نتنياهو عن الاتفاق

ليس منطقياً أن يغيب نتنياهو عن توقيع اتفاق وقف الحرب ولا يحضر ممثلو بلاده للقمة، ويعتقد الباحث السياسي في مركز موشيه ديان في جامعة تل أبيب مايكل ميلشتاين أن حجة الاعتذار غير مقنعة، وأن وراءها أسباباً ومعاني.

يقول ميلشتاين، "كان هناك خشية من أن يسمع نتنياهو حديث عن ’حل الدولتين‘ أو جرائم حرب، قد يخسر أيضاً نتنياهو شعبيته وائتلافه لأن عباس وأردوغان مشاركان، كما أن العزلة الدولية منعته، لذلك رأت إسرائيل عدم مشاركتها أفضل".

تهديد متبادل أثناء التوقيع

عدم المشاركة ليس أفضل، فقمة للسلام بلا توقيع أطراف الحرب لا بل بغياب المعنيين مباشرة بالقتال توجس الريبة، وهذا ما حدث فعلاً، إذ أثناء التوقيع تمسكت تل أبيب بخيار القوة و"حماس" رفضت التخلي عن سلاحها.

يقول وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، "معركتنا ضد حركة ’حماس‘ لم تنته بعد، يجب أن يشارك جيشنا في تدمير كل أنفاق غزة، قواتنا ستبقى داخل قطاع غزة لمواصلة الضغط على الحركة حتى تلقي سلاحها بالكامل".

 

 

لم تتجاهل "حماس" هذا الحديث ورد عضو مكتبها السياسي حسام بدران قائلاً "سنرد على أي عدوان إسرائيلي في حال استؤنفت الحرب، لن ننزع السلاح ولا نلقيه هذا الموضوع خارج النقاش وغير وارد".

يعتقد الباحث السياسي فضل هين أن عدم مشاركة "حماس" وإسرائيل في قمة السلام وعدم توقيعهما اتفاقية إنهاء الحرب، والتلاسن أثناء انعقاد المؤتمر، يعني "أنهما حِل من الاتفاق وأن الحرب قد تعود مرة ثانية فلا شيء يربطهما".

غزة منطقة دولية

لكن تأكيدات القائم بمهام رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خليل الحية بانتهاء الحرب وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن انتهاء الحرب أيضاً، يكشف عن أن ثمة أمراً مختلفاً هو السبب في عدم مشاركتهما في توقيع اتفاق غزة.

تقول الباحثة السياسية ميساء غنام "ما تم التوقيع عليه ليس وثيقة وإنما عقد ما بين الولايات المتحدة والدول التي وقعت على الوثيقة مصر وقطر وتركيا، فعلاً ما حدث أمر غير مسبوق، فهو عملية تدويل لقطاع غزة بين تلك الدول، ونقل ملكيتها من الفلسطينيين إلى هؤلاء الأطراف".

وتضيف الباحثة السياسية "غزة في اليوم التالي للحرب تعد ولاية أميركية، رئيس مجلس السلام لها ترمب بنفسه، خطة إعمارها بحسب رؤية جاريد كوشنير صهر ترمب، الشرطة فيها بعثة دولية، إنها عملية تدويل لغزة، جعلها تحت الوصاية الدولية بل الأميركية".

وتوضح غنام أنه في ذلك الإطار لا حاجة إلى أن يوقع الفلسطيني على المعاهدة الجديدة، فهو ليس طرفاً فيها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إسرائيل فهي لا تريد غزة، وإنما دمرتها ثم قدمتها كهدية لترمب، وبما "أنها تطمح لأي شيء في القطاع إذن هي ليست طرفاً في المعاهدة ولا يستدعي حضورها ولا يضيف توقيعها أي شيء".

وتشير غنام إلى أن غزة في طريقها لتصبح ريفيرا الشرق الأوسط بإدارة أميركية، إذ سيتم تطبيق خطة ترمب بحذافيرها إخراج السكان من الأرض إعادة توطينهم وتعويضهم، وهدم القطاع ثم بناء منتجعات فيه وشركات وعقارات واستثمارات، وكل ذلك يعني تدويل غزة وجعلها منطقة ليس للفلسطينيين وحدهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير