Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الـ"روبابيكيا"... مهنة غير منتهية الصلاحية

لم تعد تقتصر على شراء المعادن والخامات والأغراض المنزلية والمخلفات الورقية والبلاستيكية بل تمتد لتجارة الأنتيكات والتحف والعملات والمخطوطات والتطبيقات الإلكترونية تهددها

تتفاوت أسعار شراء البضائع القديمة والمستعملة حسب النوعية والكمية والجودة (اندبندنت عربية)

ملخص

"قبل أعوام عدة لم أكن أشترى من الزبائن الكرتون وزجاجات المياه الفارغة وكان الرزق وفيراً، لكن حالياً أصبح كل شيء يباع ويشترى وباتت مهمة التفاوض مع الزبائن أمراً صعباً للغاية، إذ يفضل كثير من سكان المنازل وأصحاب المحال التجارية الفصال حول سعر البضاعة، وسؤال أكثر من سريح للحصول على السعر الأعلى لهم كي يساعدهم في الأوضاع المعيشية الحالية، وما زاد الأزمة علينا هو ظهور التطبيقات الإلكترونية وصفحات بيع البضاعة القديمة والمستعملة عبر الإنترنت". عالم الروبابيكيا في مصر... من البائع إلى المشتري وبينهما البضاعة

عبر ميكروفون لا يفارق يديه، مردداً بصوته الجهوري "روبابيكيا.. بيكيا... أي حاجة قديمة للبيع"، اعتاد الأربعيني كرم الفيومي ذو البشرة السمراء واليدين المتشققتين والجلبات المهترئ المليء بالخروق، التجول مثل كثير من أرباب مهنته بين أحياء وشوارع وميادين القاهرة، تحت لهيب شمس حارقة، جالساً على عربة تروسيكل تجر خلفها صندوقاً حديدياً يحوى بداخله أكواماً من المعادن والخردة والأوراق والعلب البلاستيكية والأجهزة القديمة والمستعملة، عله يجد ضالته في تاجر بمحله أو مواطن بمنزله أو زبون عابر يرغب في تصريف بضاعته القديمة غير الصالحة للاستخدام والحصول أمامها على مقابل مادى زهيد.

فضّل "كرم"، الوافد من محافظة الفيوم (جنوب القاهرة) قبل 20 عاماً رفقة زوجته وأبنائه الثلاثة ليستقر داخل حي بولاق الدكرور الشعبي بمحافظة الجيزة، أن يداوم على تلك الصنعة التي ورثها عن آبائه وأجداده وكانت تمثل مصدر الرزق الوحيد لعائلته، يقول "أهوى العمل في البراح، وأن أكون حراً طليقاً، ليس لي حدود أو مكان معين، وأتواجد أينما يكون الرزق ولقمة العيش، وأتمنى يوماً أن أكون من أحد كبار تجار تلك المهنة لأني افتخر بها، وتركت التعليم من أجلها".

وعن طبيعة تلك الصنعة، يحكي الأربعيني، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "أستيقظ يومياً الخامسة فجراً، وأعتمد في شراء البضاعة من الزبائن على رأسمالي الشخصي، الذي يراوح في كثير من الأحيان ما بين 100 جنيه (2.08 دولار) إلى 1000 جنيه (20.76 دولار)، ثم تبدأ رحلة التجول بين الحارات والشوارع الجانبية والرئيسة باحثاً عن الزبائن في المحال التجارية أو الشركات أو المنازل والتفاوض معهم في شأن الكراكيب المراد التخلص منها، وفي نهاية اليوم أسلّم البضاعة للتجار وأصحاب المخازن مقابل الحصول على الربح اليومي، وهم يتولون بدورهم مهمة تجميع كل البضائع من جميع السريحة، لتوريدها إلى ورش الفرز والكبس والمصانع لإعادة تدويرها".

صراع النباشين

يعود كرم بذاكرته إلى الوراء، متذكراً حينما بدأ مشواره في تلك المهنة بالعمل على "عربة كارو" ثم أصبح يتجوّل بعربة تروسيكل للوصول لتغطية أكبر عدد من المناطق والأحياء والحصول على بضاعة أكثر، مردفاً "قبل أعوام عدة لم أكن أشترى من الزبائن الكرتون وزجاجات المياه الفارغة وكان الرزق وفيراً، لكن حالياً أصبح كل شيء يباع ويشترى وباتت مهمة التفاوض مع الزبائن أمراً صعباً للغاية، إذ يفضل كثير من سكان المنازل وأصحاب المحال التجارية الفصال حول سعر البضاعة، وسؤال أكثر من سريح للحصول على السعر الأعلى لهم كي يساعدهم في الأوضاع المعيشية الحالية، وما زاد الأزمة علينا هو ظهور التطبيقات الإلكترونية وصفحات بيع البضاعة القديمة والمستعملة عبر الإنترنت".

يواصل الأربعيني حديثه، "لم تعد تقتصر الصنعة على تدوير المعادن والخامات والأغراض المنزلية والأجهزة الكهربائية والمخلفات الورقية والبلاستيكية فحسب، بل باتت تمتد لتجارة الأنتيكات والتحف والعملات والمخطوطات، التي يعثر عليها كثير من السريحة بالصدفة، إضافة إلى جمع الخامات من طريق نبش القمامة"، مشيراً إلى أنه أصبح هناك صراع بين النباشين والسريحة وبعض الجمعيات الخيرية للحصول على البضاعة القديمة والتالفة لتوريدها للتجار وأصحاب المخازن.

 

وفق كرم، تتفاوت أسعار شراء البضائع القديمة والمستعملة حسب النوعية والكمية والجودة، إذ يصل سعر كيلو الحديد لـ17 جنيهاً (0.35 دولار) والبلاستيك 15 جنيهاً (0.31 دولار) والكرتون ثمانية جنيهات (0.17 دولار)، مردفاً "السوق حالياً يوم صاعد ويوم هابط، والربح يختلف من يوم إلى آخر، أحياناً أربح من التاجر ما بين جنيه (0.02 دولار) وجنيهين (0.04 دولار) في القطعة الواحدة، ليصبح مجموع الربح يومياً ما يراوح بين 150 جنيهاً (3.11 دولار) إلى 300 جنيه (6.23 دولار)، وفي أحيان كثيرة لا أحصل على بضاعة فلا أربح على الإطلاق".

وتعرف "الروبابيكيا" بأنها كلمة إيطالية الأصل تعني الأشياء القديمة، التي يجري الاستغناء وعرضها للبيع، وتباع بنظام المزادات في الخارج، أما في مصر فقد اتخذت هذه المهنة نظاماً خاصاً، يبدأ بالسرّيح مروراً بالتجار وأصحاب المخازن والورش المتخصصة في فرز الخامات وصولاً إلى المصانع لإعادة تدويرها وبيعها.

اصطياد البضائع

في حارات وشوارع حي إمبابة الشعبي بمحافظة الجيزة، يتجول عيد عبدالله (44 سنة)، سريح روبابيكيا بعربة كارو، يجاوره نجله في العشرينيات من عمره لمساعدته خلال جولاته اليومية، بجمع البضاعة وفرزها وتأمين العربة ومحتوياتها أثناء التفاوض مع الزبائن داخل المنازل أو المحال التجارية، علاوة على تعليمه أصول المهنة ليكون سنداً له، وربما يخلفه إن أصابه مكروه أو تقدم في العمر.

"كانت تلك المهنة هي الخيار الأخير بالنسبة إليَّ منذ رحيلي عن بيتي في بني سويف (جنوب القاهرة)، بعدما أغلقت الأبواب كافة في وجهى ولم أتمكن من الحصول على وظيفة تلائم مؤهلي دبلوم تجارة، فلجأت للعمل بها قبل 10 أشهر استجابة لنصائح عدد من الزملاء بتلك الصنعة، وبدأت أعلم خباياها ودهاليزها، وفضلت التنقل في المناطق والأحياء الشعبية كونها تعد مناطق ذهبية لتجارة البضائع القديمة والمستعملة، ويرغب كثير من الزبائن في تصريف حاجاتهم وأسهل في البيع للتجار"، وفق عيد.

وفي اعتقاد عيد، فإن الشارع ملك له، يتجول في أية حارة أو شارع أو ميدان بكل حرية أملاً في العثور على مبتغاه، ويملك حرية اختيار البيع لأي تاجر أو مخزن يفضله دون إجبار عليه في ذلك، مردفاً "كلما كانت البضاعة أكثر جودة وقيمة، ربحت أكثر".

 

يضيف، السريح أشبه بـ"الصياد" تحتاج صنعته إلى صبر وجلد ومثابرة في اختيار نوعية البضاعة وفرزها كي يتمكن من التفاوض بندية مع التجار وأصحاب المخازن للحصول على مكسب مناسب، موضحاً أن كل خامة لها تاجر متخصص، إذ يوجد تجار يحصلون على الحديد فحسب، وآخرون على النحاس والألمنيوم، وغيرهم يفضلون الكرتون والورق، لتدخل الخامات مرحلة أخرى من الفرز، للتصنيف بحسب جودتها ونوعها، وفي المرحلة الثالثة تجمع كل خامة لدى تاجر كبير، يتولى التوريد للمصانع للتدوير وإعادة التصنيع.

بتنهيدة ثقيلة، يقول عيد "لا نعرف الإجازات في قاموسنا، لأننا نعمل أكثر من 10 ساعات طوال أيام الأسبوع، وأحياناً يصل الربح اليومي لـ400 جنيه (8.30 دولار)، وأحياناً لا أربح مالاً على الإطلاق إذا لم أستطع الحصول على بضاعة من الزبائن". مردفاً "أكثر ما أخشاه أن أعود إلى بيتي يوماً من دون جنيه واحد، بالتالي لا أستطيع دفع نفقات المنزل وإيجار الشقة ومصروفات الأبناء، ودائماً ما أسأل نفسي، ماذا لو مرضت أو وقع لي مكروه؟".

على رغم الخبرات التي أكتسبها في هذا المجال، فإن عيد لم يخف قلقه من انقراض تلك الصنعة في المستقبل، لا سيما مع ظهور التطبيقات التكنولوجية والتي أصبح الزبون يراها وسيلة ملائمة لعرض بضاعته وأنسب في التعامل في عمليات البيع والشراء بعيداً من الطرق التقليدية.

عجائب المهنة

من حي إمبابة إلى مصر الجديدة (شرق القاهرة)، إذ يفضل الرجل السبعيني محمد مصطفى خليفة، سريح روبابيكيا، التجول بالتروسيكل في تلك المنطقة الراقية منذ حصوله على مؤهل "ثانوية أزهرية"، ودخوله هذا العالم منذ أن كان في الـ30 من عمره، موضحاً أنه بدأ حياته بالعمل في مجال الزراعة، ثم التشييد والبناء حتى وجد عشقه في مهنة الروبابيكيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يحكي خليفة، الذي يقيم بحي عين شمس ولديه أربعة أبناء، أنه اعتاد التنقل في محيط مناطق "مصر الجديدة وروكسي وأرض الغولف"، وأحياناً التجول في محيط وسط البلد، لافتاً إلى أنه اختار التخصص في جمع الأنتيكات واللوحات القديمة والسجاد العجمي والعملات الورقية والمعدنية بعدما اكتسب خبرة كبيرة بها، وأدرك قيمتها وأهميتها المادية وطبيعة الفروق بينها، قائلاً "تجارة مربحة ولقطة ومكسبها مناسب لنا، وساعدتني في زواج أبنائي وتأمين مستقبلهم"، منوهاً أنه يعمل لحسابه وبرأسماله الشخصي حتى لا يقاسمه أحد الربح، وخشية من طمع التجار، إذ يتواصل مع تجار كل خامة على حدة، ويعرض عليهم البضاعة وأختار أفضل سعر لها.

وعن أبرز المشاهد التي طالعها في تلك المهنة، يقول السبعيني رأيت كثيراً من العجائب والغرائب في تلك المهنة، أحياناً أصادف شراء بضائع قديمة من شقق وفيلات مشاهير، إذ أقوم بشرائها بأبخس الأثمان وأربح من ورائها بضعة آلاف، وأحياناً أخرى أعثر على أموال داخل دواليب قديمة أو كنب متهالك وأقوم بردها لصاحبها، وأحياناً أحصل على لوحات وأنتيكات لها قيمتها وتكون موقعة من شخصيات بارزة، وفي مرات أخرى أعثر على آلاف الجنيهات المعدنية في أكياس سوداء، وأكتشف أن صاحب تلك الشقة "متسولاً".

مزاحمة تطبيقات الإنترنت

في حي السبتية الشعبي بوسط القاهرة، التقت "اندبندنت عربية" أحد تجار شراء الخردة المستعملة، الرجل الستيني الحاج أحمد يوسف، الذي بدأ تلك المهنة بالعمل كـ"سريح" قبل 30 عاماً بـ"عربة كارو" حصل عليها من مالك أحد المخازن ورأسمال يشترى به البضاعة من الزبائن، حتى بات تاجراً يقوم بنفسه بشراء البضائع من السريحة ونابشي القمامة، وتوريدها للمصانع.

وفي رأي الرجل الستيني، فإن تلك المهنة قديماً كانت سبباً في ثراء كثير من أصحابها، كما كان هناك انتشار لافت للتجار في غالب المناطق أبرزها "عين شمس والمرج والسيدة زينب والدقي ومصر القديمة"، أما الآن فقد تغير الوضع في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة الحالية التي يعانيها كثير من المواطنين، مردفاً "لم يعد الزبون يهتم فقط بتصريف حاجاته من البضائع القديمة والتالفة والمستعملة أو ما يطلق عليها "الكراكيب"، بل أصبح يبحث عن المقابل المادي الأكبر، لأنه أصبح يدرك أهمية تلك الصناعة بعد تدويرها وإعادة تصنيعها".

ما يعمق مخاوف الحاج يوسف، هو التطور التكنولوجي والرقمي وانتشار كثير من الشركات والتطبيقات على الإنترنت التي أصبحت دخيلة على تلك المهنة، إذ ظهرت تطبيقات تقوم بنفس المهام، وأصبحت تزاحمنا في أرزاقنا بحسب تعبيره، موضحاً أن بعض الشركات أصبحت تعلن نفسها عبر صفحات متخصصة وتقدم دعاية ضخمة لها لاستقطاب الزبائن، مما أثر سلباً في "سريحة الروبابيكيا" في الشوارع، بخلاف الصبية والشباب "نباشي القمامة" الذين وجدوا في تلك المهنة باباً واسعاً للرزق وبدأوا ينشطون بكثافة في تلك الصنعة، إذ يُشغلون عبر أحد التجار الذي يمتلك عدداً من العربات الحديدية، ومهمتهم نبش القمامة وتجميع الكارتون وعلب الكانز والزجاجات البلاستيك وغيرها من المخلفات.

وفي تقديره، فإن بعض الزبائن وربات البيوت يفضّلون التنازل عن أغراضهم القديمة المستعملة، من أجهزة كهربائية أو ملابس، لمصلحة الجمعيات الخيرية، التي تجمعها وتوزعها بالمجان على الفقراء، أما القديم منها أو التالف، فيُباع للمصانع والورش أو مزادات، وتستخدم حصيلته في فعل الخير.

وفق الحاج يوسف، فإن المنصات الإلكترونية التي تقوم بشراء الأغراض المستعملة بمقابل مادي، أصبح زوارها بالآلاف وتنتشر بين محافظات عديدة، وباتت تلك التجارة رائجة ومنتشرة ويعرفها كثير من ربات المنازل وأصحاب المحال التجارية، مما أثر علينا بالسلب، واضطرنا في كثير من الأحيان لدفع أسعار أعلى للزبائن للحصول على البضاعة المستعملة حتى لا يلجؤون إلى تلك الصفحات، فتراجعت نسب الربح لدينا.

 

وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، برز جلياً الانتشار اللافت لشركات وتطبيقات وصفحات جمع المخلفات والبضائع المستعملة والتالفة عبر منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت والهواتف المحمولة، واستطاعت جذب آلاف المستخدمين عبر منصاتها.

وفي محاولة لفهم مدى التطور والتوسع الرقمي الذي طرأ على تلك التجارة، تواصلت "اندبندنت عربية" مع أحد موظفي تلك الشركات الناشئة العاملة في مجال جمع المخلفات والبضائع القديمة والمستعملة، التي بدأت عملها بالسوق قبل سبعة أعوام، الذي يقول إن الشركة حاولت مواكبة التطور التكنولوجي فقامت بعمل تطبيق إلكتروني وصفحات متخصصة عبر الإنترنت وكانت تستهدف الوصول لأكبر عدد من المستخدمين الراغبين في التخلص من الأغراض المنزلية المستعملة والتالفة، إذ تعمل الشركة على تجميع البلاستيك بكل مشتقاته والورقيات والكارتون وزيوت الطعام والمعادن بكل صورها وأشكالها والأجهزة الإلكترونية، لكنها لا تقوم بتجميع المخلفات العضوية بجميع صورها والأخشاب والزجاج والملابس.

وعن الفارق بين طبيعة عمل الشركة و"سريحة الروبابيكيا"، يقول المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ"اندبندنت عربية" إن الشركة تعمل في نطاق محافظتي القاهرة والجيزة، ويقوم العميل بالتواصل معنا إما عبر تطبيق الشركة أو أرقام "واتساب" لعرض صور بضاعته التي يرغب في التخلص منها، وبعد تقديم العميل طلباً رسمياً وإرسال حجم الوزن التقريبي لبضاعته عبر التطبيق، تقوم الشركة بإرسال مندوب إلى منزل العميل نفسه ويقوم بعمل قياس آخر للوزن لمنح التأكيد النهائي، وبعد الاتفاق على السعر يجري إرساله عبر المحافظ الإلكترونية أو حساب بنكي خلال أيام معدودة.

ويضيف الشركة تلجأ دائماً إلى عمل عروض مستمرة لإغراء المستخدمين، منوهاً بأن الشركة تقوم بتقييم الأسعار من خلال موقعها بنظام النقاط، وتُحدث أسبوعياً طبقاً لأسعار السوق المصرية، مشيرة إلى أن الشراء من المستخدم يتم عبر طريقتين، إما بالقطعة إذا كانت أجهزة منزلية ومشتقاتها أو بالوزن والكيلو، مثل الكارتون والكانز والمعادن وباقي المخلفات، مستشهدة بمثال، سعر كيلو الكرتون يبدأ بخمسة جنيهات كحد أدنى، أما الأسعار الأغلى تكون للأجهزة المنزلية والكهربائية مثل الثلاجات والغسالات والتكييفات، لافتاً إلى أن الشركة لديها تعاقدات مع شركات ومصانع مرخصة من أجل تدوير المخلفات بعد الحصول عليها وتعمل معها منذ أعوام عديدة.

عمالة غير منتظمة

وعن المظلة التي يعمل وفقاً لـها سريحة الروبابيكيا، يوضح رئيس لجنة القوى العاملة بالبرلمان المصري عادل عبدالفضيل، أن تلك الفئة تندرج تحت بند "العمالة غير المنتظمة"، موضحاً أنه ليس هناك حصر دقيق بأعدادهم، كما أن تصنيفهم يتطلب مجهوداً ضخماً، لأن بعضهم يعمل في مهن طوال الأسبوع ثم يتجولون في أوقات الإجازات كــ"سريحة" لجمع البضاعة القديمة والمستعملة لزيادة دخلهم.

وتتضارب أرقام العمالة غير المنتظمة الصادرة عن المؤسسات والوزارات المعنية بهذا الملف، إذ قدرتها وزارة التضامن الاجتماعي خلال مارس (آذار) 2022 بما يراوح ما بين ثمانية إلى 13 مليون عامل، فيما أعلنت وزارة العمل خلال يونيو (حزيران) الماضي أن تعداد تلك الفئة المسجل على قاعدة البيانات بلغ مليوناً و200 ألف عامل.

ويضيف عبدالفضيل لـ"اندبندنت عربية" أن الدولة بذلت مجهوداً ضخماً لتوسيع مظلة الحماية للعمالة غير المنتظمة، ومنحت لهم طبقاً للقانون 148 لعام 2019 مزايا تأمينية تمكن العامل من الحصول على حصة صاحب العمل، فيما يستطيع أن يؤمن على نفسه بسهولة إذا ما ذهب لمكتب التأمينات الاجتماعية.

ونصت المادة الـ17 من الدستور على "تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعي. ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي بما يضمن له حياة كريمة إذا لم يكن قادراً على إعالة نفسه وأسرته، وفي حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة. وتعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والصيادين والعمالة غير المنتظمة، وفقاً للقانون".

وفي تقدير عبدالفضيل"، فإن هناك تصاعداً لمهنة الروبابيكيا في ظل رغبة كثير من المستهلكين في تصريف الكراكيب المستعملة لديهم، مردفاً "لم يعد هناك شيء بلا قيمة وكل شيء أصبح له ثمن".

يعضد الطرح السابق رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص والمفوض العمالي شعبان خليفة، موضحاً أن بعض أرباب تلك المهنة لجأوا مع التطور الرقمي إلى إنشاء صفحات متخصصة عبر منصات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت لمواكبة التكنولوجيا وجذب مزيد من الزبائن عبر شاشات الكمبيوتر وتطبيقات الهواتف المحمولة، منوهاً بأن صور التجارة التقليدية لا تزال موجودة لكنها لم تعد قادرة على مجابهة التوسع التكنولوجي في تلك المهنة، منوهاً بأن تلك التجارة تمثل اقتصاداً موازياً للاقتصاد الرسمي.

 

يضيف خليفة، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن غالب هؤلاء السريحة المتجولين في الشوارع والميادين باتوا يعملون لحساب أنفسهم وبرأسمالهم الشخصي، كما يلجؤون إلى أبنائهم وأقاربهم لمساعدتهم في جولاتهم اليومية لتقسيم الأرباح فيما بينهم وكنوع من الطمأنينة على عدم السطو على البضاعة في أثناء التجول بين الشوارع والطرقات، مردفاً "غالب هؤلاء السريحة تربطهم صلات نسب وقرابة وغالباً ما يقسمون المناطق في ما بينهم للاستحواذ على أكبر قدر من الزبائن".

يلفت خليفة النظر إلى أن كثيراً من السريحة أصبحوا يجدون ضالتهم في المناطق الراقية أكثر من الشعبية أملاً في العثور على بضائع لها قيمة ثمينة أو تكون صالحة لإعادة تجديدها، ثم بيعها بسعر كبير، عكس المناطق الشعبية التي تكون غالب بضاعتها تالفة لا تصلح لإعادة الاستخدام ومن ثم تكون نسبة الاستفادة منها مادياً ضئيلة.

واقتصادياً، يقول المتخصص الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة إن تجارة "الروبابيكيا" أو بيع البضائع القديمة والمستعملة أصبحت رائجة وتشكل كنزاً كبيراً، موضحاً أن تلك الصنعة لم تنقرض بل تتوسع وفي تصاعد مستمر بسبب تزايد أرباحها وعوائدها المالية على العاملين بها، منوهاً بأن تلك التجارة لا تقتصر على مصر فحسب إنما توجد في بلدان عديدة بالعالم.

ويصنف "بدرة" خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، العاملين بتلك المهنة لشريحتين، الأولى تمثل الباعة السريحة و"نابشي القمامة" وهم الفئة المتدنية نسبياً، الذين ينتشرون في الأحياء والمناطق الشعبية بكثرة ويقومون بجمع البضاعة المستعملة وفرزها وتسليمها للتجار وأصحاب المخازن للحصول على ربحهم اليومي، وغالباً ما يجري بيع تلك البضاعة في الأسواق الشعبية الكبرى التي يقبل عليها المواطنون، مثل "سوق الجمعة والخميس والسيدة عائشة"، أما الشريحة الأخرى فهي المتجولون على القصور وبيوت المشاهير في المناطق الراقية ويقومون باصطياد الأنتيكات والتحف والكتب والمخطوطات والعملات الورقية والمعدنية القيمة، ويعلمون جيداً قيمة ما يحصلون عليه من الزبائن، ثم يقومون ببيعها لتجار تلك البضائع ويتقاضون من ورائها أرقاماً خيالية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات