ملخص
اليوم، تغيرت الأمور وتغير الناس، وربما حتى السماء التي شوهدت وهي تمطر ألسنة اللهب يومي السادس والسابع من مايو، والعرض الكامل للتكنولوجيا من فرنسا والصين الذي تم بثه مباشرة على وسائل الإعلام قد تغير. الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو الرغبة الراسخة للسلام في كشمير.
تتردد أصداء كلمات محمود درويش الخالدة في فضاء كشمير: "ستنتهي الحرب وسيتصافح القادة وستنتظر المرأة العجوز ابنها الشهيد وستجلس الفتاة على جانب الطريق من أجل حبيبها وسيشتاق الأطفال لرؤية والدهم البطل... لا أعرف من باع الوطن، لكنني أعرف من دفع الثمن".
مضت ستة أشهر على حرب مايو (أيار) بين الهند وباكستان، وبينما لا يزال كثر من جانبي الحدود يتداولون مقاطع الفيديو للطائرات الحربية والصواريخ العابرة مفتخرين "بالإنجازات"، الوهمية غالباً، التي حققتها هذه الأدوات الحربية، لا يزال أبناء كشمير يشعرون بذلك الإحساس الذي مر به محمود درويش عند كتابته هذه الكلمات ويتساءلون بكل حرقة عن سبب معاناتهم بسبب الصراع المستمر والحروب بين البلدين.
ألم يكن سقوط مليون قتيل ونزوح ضعف هذا العدد أثناء تقسيم شبه القارة الهندية كافياً لإيقاظ القادة من غفوتهم وإشعارهم بضرورة إنهاء هذا الصراع؟
حتى بعد مرور سبعة عقود، لماذا لا يزال قلب كل كشميري مليئاً بالتنهد حول ما إذا كان سيرى السلام في هذه المنطقة أم أنه سيغادر هذا العالم نادماً مثل جده وجد جده الأكبر؟
لقد سقطت أربعة أجيال من الكشميريين ضحية لهذه الحروب والتوترات، وعلى رغم مرور سبعة عقود على الاستقلال لا يزال السلام حلماً بعيد المنال للكشميريين الذين يتساءلون: هل سنغادر هذا العالم من دون أن نحقق آمالنا كما فعل أسلافنا؟ كم من الأرواح يتم إزهاقها في سبيل هذا الصراع؟
صدقوني، إن شعب جامو وكشمير ليس مهتماً باستعراض القوة العسكرية للبلدين، ما يهم الكشميري هو قضاء يوم من دون أن يدمر منزله ومن دون أن يضطر إلى الهرب في ظلمة الليل أو ينتظر خارج المستشفيات مع جثث أطفاله.
لم يعد أهل كشمير يحتملون تكرار الحوادث الدامية والاشتباكات المميتة التي أنهكتهم على مدار السنين.
يقول راكيش شارما المتخصص في الشؤون الحربية والدفاع من حيدر آباد "نشاهد تحولاً في العالم بأسره من الشرق إلى الغرب، عندما يخاطر القادة السياسيون أو العسكريون بأمن البلاد لإرضاء غرورهم، يصبح التوتر والصراع مصير الشعوب. كان الحكام في السابق يحاولون تجنب الحروب، لكن الوضع مختلف الآن، إنهم يريدون إشعال الحروب، سواء في أفريقيا أو في الشرق الأوسط أو في شبه القارة الهندية الذي يبلغ عدد سكانها نحو ملياري نسمة".
ومع استمرار اشتباكات خلال الأيام الـ10 الأولى من مايو، ظل الكشميريون يتساءلون متى سينتهي هذا النزيف الدموي؟ هل سيتمكن البلدان من حل مشكلاتهما والعيش بسلام كجيران؟ أم سيوسعان رقعة الحرب إلى خارج كشمير؟
من الواضح أن هذا الحلم باهظ الثمن ولا يمكن إلا للكشميري أن يقدره، أما الإعلاميون الذين يقرعون طبول الحرب فلا يعرفون ثمن الحرب ولا يدركون حجم الخسائر التي تتكبدها العائلات الكشميرية على أرض الواقع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ربما لا يدرك هؤلاء أن أكبر خان (تم إخفاء الهوية لأسباب أمنية) كان يركض مع عائلته في جنح الليل حافي الأقدام هرباً من القصف العنيف على الحدود في قطاع أوري. هذه هي المرة الثالثة التي يضطر فيها أكبر إلى النزوح، إذ غادر منطقته مع والده مرتين خلال الحروب السابقة، لكنه عاد كل مرة متشوقاً لبناء منزله على رغم علمه أنه ربما سيموت إثر سقوط قذيفة من هنا أو هناك، هذه المرة دمر منزله للمرة الثالثة، وهو يبحث عن ملجأ في قرية سانغراما.
أمضى علي، وهو شاب يعيش على حدود كوبوارا، ليالي الحرب ينشر أخبار القصف العنيف على مواقع التواصل الاجتماعي ويشارك مقاطع الفيديو والصوتيات. اضطر علي أيضاً إلى اللجوء إلى منزل عمه بعيداً من منزله ومتجره اللذين تعرضا للهجوم في ساعات متأخرة من الليل ثم انقطعت خدمة هاتفه، ولم يعرف عنه، أياماً، ما إذا كان على قيد الحياة أو لقي حتفه تحت الأنقاض.
كانت سماء شبه القارة تهتز بالاشتباكات الجوية وغرف الحرب في القنوات الإعلامية تعلن تطورات المشهد، لكن الكشميريين كانوا بمنأى عن كل هذا ومن دون أن يعرفوا من فجر قواعد من، ومن دمر مبانيه، وكم عدد الطائرات التي أسقطت، لأن هذه الأعداد تفقد أهميتها لمن احترق منزله ولمن يبحث عن مأوى أو يتفقد الجثث ليبحث عن قريب له.
وبحسب رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية فإن للكشميريين أملاً واحداً، وهو أن تنتهي هذه الحرب قبل أن يحول هذا الصراع المنطقة إلى أرض قاحلة. ما الغرض من صراع لن يسفر إلا عن خسائر في الأرواح والممتلكات لكلا الجانبين، لكن من يتنبه لمشكلات الكشميريين الذين لا يمتلكون أي كلمة في صراع يؤجج باسم حقوقهم وحريتهم؟
أتذكر عندما اندلعت حرب بنغلاديش عام 1971، كنا جميعاً، أطفال كشمير، حبيسي أقبية منازلنا، على أن الحرب كانت تدور على بعد آلاف الأميال إلا أن عديداً من الطائرات المقاتلة كانت تحلق باستمرار فوق منازلنا. كان معظم الناس ينظرون من النوافذ ويشيرون إليها ويدعون. لا أعرف من أي دولة كانت طائراتهم ولمن كانوا يدعون، لكن عيونهم الدامعة كانت تحكي قصة المعاناة والخوف.
اليوم، تغيرت الأمور وتغير الناس، وربما حتى السماء التي شوهدت وهي تمطر ألسنة اللهب يومي السادس والسابع من مايو، والعرض الكامل للتكنولوجيا من فرنسا والصين الذي تم بثه مباشرة على وسائل الإعلام قد تغير. الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو الرغبة الراسخة للسلام في كشمير.