Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صندوق النقد: سوق الصرف العالمية أمام تحديات صعبة

تعد إحدى الركائز الأساسية للنظامين النقدي والمالي الدوليين بعد تجاوز متوسط حجم التداول اليومي بها 9.6 تريليون دولار

تسهم هذه السوق في تيسير التجارة والمعاملات المالية عبر الحدود من خلال تحويل العملات والتأثير في أسعار الصرف (رويترز)

ملخص

وفقاً لتقرير "الاستقرار المالي العالمي" تظل معاملات الصرف الأجنبي عرضة لما يعرف بأخطار التسوية

تعد سوق الصرف الأجنبية العالمية (FX) إحدى الركائز الأساسية للنظامين النقدي والمالي الدوليين، إذ تجاوز متوسط حجم التداول اليومي فيها 9.6 تريليون دولار، لتصبح بذلك أكبر وأعلى الأسواق المالية سيولة في العالم، بحسب بيانات بنك التسويات الدولية (BIS) لعام 2025.

وتسهم هذه السوق في تيسير التجارة والمعاملات المالية عبر الحدود من خلال تحويل العملات والتأثير في أسعار الصرف، إذ تمثل المعاملات العابرة للحدود نحو ثلثي إجمال حجم التداول العالمي في سوق العملات.

ووفقاً لتقرير "الاستقرار المالي العالمي" الذي أطلق صندوق النقد الدولي عدداً من فصوله في اجتماعاته السنوية في واشنطن بمشاركة وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، يواصل الدولار الأميركي أداء دوره المحوري كالعملة المهيمنة في تعاملات سوق الصرف الأجنبية العالمية، وفقاً لبيانات بنك التسويات الدولية (BIS)، إذ يعد الدولار الطرف المقابل في معظم المعاملات اليومية في السوق.

وأشار التقرير إلى أن هيكل سوق العملات العالمية شهد تحولات عميقة خلال العقود الأخيرة، شملت تنوع المشاركين، وتوسع الأدوات المتداولة، إضافة إلى تغيرات جذرية في بيئة التداول الإلكترونية، ففي تسعينيات القرن الماضي كانت عمليات التداول تقتصر في الغالب على المؤسسات المصرفية الكبرى، مثل البنوك التجارية والاستثمارية، إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت دخولاً متزايداً للمؤسسات المالية غير المصرفية (NBFIs) التي أصبحت من اللاعبين الرئيسين في السوق.

وعلى رغم أن تلك التحولات أسهمت في تعزيز المنافسة والكفاءة التشغيلية، فإنها في الوقت نفسه أوجدت تحديات جديدة أمام الاستقرار المالي العالمي، فارتفاع مشاركة المؤسسات المالية غير المصرفية أدى إلى تنويع أكبر في السوق وزيادة السيولة وتقليص كلف المعاملات، إضافة إلى تحسين آليات تسعير العملات وتوزيع الأخطار.

لكن في المقابل، تخضع هذه المؤسسات عادة إلى رقابة تنظيمية أقل صرامة مقارنة بالبنوك التقليدية، كذلك فإنها لا تمتلك إمكان الوصول إلى تسهيلات البنوك المركزية، وتعتمد استراتيجياتها في كثير من الأحيان على الرافعة المالية والمضاربات القصيرة الأجل والتداول العالي التردد، مما يجعلها قادرة على تضخيم التقلبات السوقية وتحويل أخطار المحافظ المالية إلى المتعاملين الرئيسين في السوق.

وتظهر دراسات صندوق النقد الدولي ومجلس الاستقرار المالي (FSB) أن بعض هذه المؤسسات، مثل صناديق الاستثمار المشتركة، تعاني اختلالاً في السيولة نتيجة تمويل أصول طويلة الأجل أو غير سائلة من خلال التزامات قصيرة الأجل، مما يجعلها أكثر عرضة للأخطار النظامية خلال فترات الاضطراب المالي.

وفي ظل هذه الظروف يمكن أن يؤدي تشديد الأوضاع التمويلية أو عمليات فك الرافعة المالية السريعة إلى تفاقم الضغوط على السيولة في أسواق الصرف.

وفي الوقت نفسه أسهم الانتشار الواسع لاستخدام المشتقات المالية في تعزيز السيولة وإدارة الأخطار عبر تمكين المؤسسات من التحوط من تقلبات العملات والحصول على تمويل بعملات أجنبية، غير أن هذا التطور زاد أيضاً من تشابك العلاقات المالية عالمياً، مما يجعل الأسواق أكثر عرضة للتقلبات، وأشار الصندوق إلى أنه خلال فترات التوتر المالي تؤدي مطالبات الهامش الإضافي (Margin Calls) وعمليات فك الرافعة المالية القسرية إلى تضخيم التقلبات وزيادة ضغوط السيولة، في حين تميل أنظمة التداول الآلي والعالي التردد إلى الانسحاب من السوق عند الأزمات، مما يضاعف تقلبات الأسعار ويضعف عمق السوق.

الأخطار الخارجية والتشغيلية

تشير دراسات اقتصادية حديثة إلى أن غموض أسواق المشتقات المالية خارج البورصات التي تمثل النسبة الكبرى من تعاملات سوق الصرف الأجنبية، يجعل من الصعب على الجهات التنظيمية والبنوك المركزية مراقبة الأخطار الكامنة، مما قد يؤدي إلى تراكم أخطار نظامية غير مرئية.

وأشار تقرير صندوق النقد إلى تفاقم هذه التحديات بسبب ثغرتين هيكليتين رئيستين، الأولى هي التركيز العالي للوسطاء الماليين (Dealers)، إذ يتوسط عدد محدود من البنوك الكبرى الخاضعة للرقابة في نحو نصف حجم التداول العالمي، مما يجعل السوق عرضة لهزات قوية إذا قررت هذه المؤسسات تقليص نشاطها في أوقات الأزمات.

أما الثانية فهي اختلال العملات عندما تكون الأصول والخصوم مقومة بعملات مختلفة، وهو ما يخلق طلباً دائماً على المشتقات القصيرة الأجل لتمويل هذه الفجوات، مما يزيد أخطار إعادة التمويل عندما تتشدد الأوضاع النقدية.

وفي حالات الاضطراب يمكن أن يؤدي أي تعطل في هذه الأسواق إلى ارتفاع حاد في كلفة التحوط، مما يدفع المستثمرين إلى تصفية مراكزهم، لذا يزداد تقلب السوق وترتفع الكلفة بصورة كبرى.

أوضح الصندوق أنه إلى جانب هذه الهشاشة الهيكلية تظل سوق الصرف الأجنبي معرضة لمجموعة واسعة من الأخطار الخارجية والتشغيلية، فباعتبارها محوراً رئيساً في النظام المالي العالمي، تتأثر السوق بشدة بالتطورات الاقتصادية الكلية والسياسات المالية والنقدية التي تؤثر في التجارة والتدفقات الاستثمارية عبر الحدود، ومن ثم في تقييم العملات.

ويمكن أن يؤدي ارتفاع حال عدم اليقين الاقتصادي إلى تبدل سريع في شهية المخاطرة لدى المستثمرين وتوقعاتهم في شأن أسعار الفائدة، مما يدفعهم إلى إعادة تشكيل محافظهم الاستثمارية بسرعة، مسبباً ضغوطاً على السيولة وزيادة في التقلبات، علاوة على أن الاضطرابات الجيوسياسية، مثل النزاعات المسلحة أو العقوبات الاقتصادية، تؤثر بدورها في التجارة العالمية وتنعكس مباشرة على أسواق الصرف.

وأضاف الصندوق أن التجارب السابقة تظهر أن فترات الضبابية الاقتصادية العالمية غالباً ما تتزامن مع ضغوط في أسواق التمويل بالعملات الأجنبية، تتجلى في اتساع فروق الأسعار بين الشراء والبيع (Bid-Ask Spreads)، وارتفاع الانحراف عن مبدأ تعادل أسعار الفائدة المغطى (CIP)، إضافة إلى زيادة التقلبات المفرطة في أسعار الصرف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتكتسب هذه الديناميكيات أهمية خاصة في الوقت الراهن مع تصاعد حال عدم اليقين في السياسات الاقتصادية العالمية وتبدل أنماط التجارة وسلاسل الإمداد الدولية نتيجة تحولات جيوسياسية وتغيرات في السياسات التجارية، وهذه العوامل مجتمعة قد تعيد تشكيل أنماط الطلب على العملات وسلوك السوق، خصوصاً في الاقتصادات ذات أسواق العملات الأقل سيولة.

في الوقت نفسه أدى اتساع نطاق التداول بالعملات الأجنبية إلى زيادة أخطار التسوية، أي احتمال أن يسلم أحد الطرفين عملته من دون أن يتلقى العملة المقابلة من الطرف الآخر، وهي مخاطرة تزداد في المعاملات عبر الحدود بسبب فوارق التوقيت وتعقيدات التشغيل، مما قد يؤدي إلى فشل في التسويات وخلق نقص في السيولة.

وقال المقرض الدولي إنه على رغم اعتماد آليات المدفوعات المتقابلة للحد من هذه الأخطار في عدد من العملات الكبرى، فإن العملات في الأسواق الناشئة لا تزال إلى حد كبير خارج هذه الأطر التنظيمية.

وأشار إلى أنه ومع تزايد أهمية تلك العملات في سوق الصرف العالمية، فإن استبعادها من أنظمة التسوية المتزامنة يترك جزءاً كبيراً من السوق عرضة للأخطار التشغيلية، وهو ما يسلط الضوء على الحاجة إلى توسيع نطاق نظم التسوية الآمنة لتشمل العملات الناشئة.

أخطار التسوية تزيد هشاشة السوق

وفقاً لتقرير "الاستقرار المالي العالمي" تظل معاملات الصرف الأجنبي عرضة لما يعرف بأخطار التسوية، وهي الحال التي قد يسلم فيها أحد الطرفين بتسليم العملة المتفق عليها من دون أن يتلقى العملة المقابلة من الطرف الآخر.

وتتفاقم هذه الأخطار بفعل الاضطرابات التشغيلية التي قد تصيب البنية التحتية لسوق الصرف، مثل الأعطال التقنية أو الهجمات السيبرانية أو انقطاع التيار الكهربائي، وهي أحداث يمكن أن تشل أداء السوق وتؤدي إلى ضغوط في السيولة وارتفاع حدة التقلبات وزيادة احتمالات تأخير أو فشل التسويات المالية.

وتظهر الدراسات أن التوترات في أسواق الصرف الأجنبية قد تمتد لتشمل فئات أصول مالية أخرى، مما يشكل أخطاراً على الاستقرار المالي الكلي، إذ يؤدي ارتفاع تقلبات أسعار الصرف وكلفة التحوط الذي ينعكس في اتساع الفروق بين أسعار العملات المتبادلة إلى زيادة حال عدم اليقين ورفع كلفة إدارة أخطار العملات، مما يؤثر في عوائد الأصول المالية وهوامش الأخطار.

وحذر تقرير الصندوق من أن ارتفاع كلفة التمويل قد يضعف قدرة المؤسسات المالية على الوساطة ويؤدي إلى تشديد الأوضاع الائتمانية، مما يعزز الضغوط النظامية ويخلق ما يعرف بحلقة التغذية العكسية السلبية بين السوق والاقتصاد الكلي.

وفي ضوء هذه التطورات يتناول التقرير آخر المستجدات والأخطار الهيكلية في سوق الصرف الأجنبية العالمية، ويعرض خيارات السياسات الممكنة للتقليل من حدة هذه الأخطار.

المشهد المتغير للدين السيادي في الأسواق الصاعدة

وفي فصل آخر لتقرير "الاستقرار المالي العالمي" استعرض الصندوق تطور أسواق السندات السيادية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية على خلفية من ارتفاع مستويات الدين، وتصاعد مواطن التعرض لأخطار الصدمات العالمية. وتناول تراجع اهتمام المستثمرين العالميين في هذا الجانب نظراً إلى تأخر أداء الدين في الأسواق الصاعدة، وأشار إلى تناقض ذلك مع الوضع في الأسواق الصاعدة الرئيسة التي تمكنت من التوسع في الاقتراض بصورة كبيرة من خلال زيادة الإصدارات المحلية للمستثمرين المحليين، في حين اضطرت الأسواق الصاعدة والواعدة الأخرى إلى الاعتماد على التمويل بآجال استحقاق أقصر من البنوك المحلية والبنك المركزي، وكذلك الدين بعملات أجنبية.

اقرأ المزيد