ملخص
تسعى إيران إلى تحويل تجربتها القسرية في جراحات تغيير الجنس إلى تجارة سياحية مربحة تستهدف الأجانب، لكنها تواصل إجبار مواطنيها على تلك العمليات تحت تهديد القمع والعنف، في تناقض صارخ بين الدعاية الطبية والواقع الحقوقي.
على مدى أربعة عقود، نفذت إيران عدداً هائلاً من عمليات تغيير الجنس، متجاوزة دولاً كبرى في هذا المجال. لكن هذا "الإنجاز" لم يكن وليد الانفتاح أو احترام الحريات الفردية، بل نتاج سياسة قمعية دفعت مثليين ومثليات ومتحولين جنسياً إلى الخضوع لجراحات غير مرغوبة لتفادي الجلد أو حتى الإعدام. واليوم، ومع تدهور الاقتصاد الإيراني بفعل العقوبات الدولية والحروب الإقليمية، تحاول الجمهورية الإسلامية تحويل تلك التجربة القسرية إلى تجارة مربحة، مستهدفة الأجانب الباحثين عن جراحات منخفضة الكلفة.
بحسب تقرير نشرته "نيويورك تايمز"، تسعى طهران إلى تحقيق أكثر من 7 مليارات دولار سنوياً من السياحة الطبية، أي سبعة أضعاف ما تجنيه حالياً. وقد انتشرت عشرات الشركات التي تروج عبر مواقع باللغة الإنجليزية لعمليات التجميل وتغيير الجنس ضمن عروض تشمل حجز الفنادق والمستشفيات والتنقلات. وتقدم هذه الجراحات بأسعار تبدأ من 4500 دولار فحسب، مقارنة بنحو 45 ألفاً في الولايات المتحدة، و30 ألفاً في تايلاند.
وتعد إيران من الدول الإسلامية القليلة التي تبيح قانوناً تغيير الجنس، بل وتقدم دعماً حكومياً للعمليات. هذه السياسة تعود إلى فتوى أصدرها آية الله روح الله الخميني في ثمانينيات القرن الماضي، أقر فيها الاعتراف القانوني بالمتحولين بشرط خضوعهم للجراحة الكاملة. لكن هذا الاعتراف المشروط لم يكن لحماية الحقوق، بل لضبط "الانحراف" وفق المعايير الدينية المحافظة.
ويقول الباحث الإيراني زارا سعيد زادة من جامعة أوريبرو السويدية إن "كونك متحولاً في إيران يعني أنك مضطر إلى الخضوع للجراحة لتثبت هويتك أمام الدولة. أما إن عرفت عن نفسك كمتحول من دون تعديل جسدك، فأنت مهدد بالنبذ والعنف وربما الموت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التناقض في الموقف الإيراني صارخ: ففي حين تروج البلاد كـ"جنة" للمتحولين الأجانب، يواجه الإيرانيون أنفسهم ضغوطاً هائلة للامتثال. فالمثليون والمثليات يجبرون على "تصحيح" هوياتهم الجنسية جراحياً، لأن المثلية في القانون الإيراني تعاقب بالجلد أو الإعدام. وقد وثق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حالات كثيرة لأشخاص أجبروا على العمليات من دون موافقتهم الحرة.
وتكشف تجارب الأفراد وجهاً أكثر قسوة من الدعاية الرسمية. تقول الناشطة المتحولة رها أجوداني (20 سنة)، التي فرت إلى ألمانيا عام 2024: "لم أرد أن أخضع لجراحة مفروضة علي. أردت أن أعيش بهويتي كما هي، لكن السلطات سجنتني مرتين بعدما وشى بي أحد معارفي"، مضيفة "عائلتي ما زالت تتعرض للتهديد كي أتوقف عن نشاطي".
في المقابل، ينجذب بعض الأجانب إلى عروض إيران المغرية. "سام"، رجل متحول من كاليفورنيا، قال إنه اختار السفر إلى طهران لإجراء عملية استئصال الرحم وجراحة بناء العضو الذكري بسبب كفاءة الأطباء وانخفاض الكلفة. لكنه أقر في حديثه للصحيفة بأن الصورة الوردية التي تقدم عن "الجنة الإيرانية للمتحولين" لا تعكس الواقع الحقيقي للمحليين.
حتى داخل أوساط الأطباء الإيرانيين، هناك مخاوف من تدهور المعايير الطبية. يقول الطبيب شهريار كوهانزاد، الذي أجرى نحو 300 عملية خلال مسيرته: "العمليات المعقدة كهذه تحتاج إلى وقت وتخطيط، لكن الشركات السياحية تريد تنفيذها بسرعة لتحقيق الربح، وهذا يشكل خطراً على المرضى".
وقد وصف ناشطون إيرانيون بعض العيادات بـ"محال الجزارة" بسبب كثرة الأخطاء الجراحية. ووفق تقرير أممي عام 2015، أدت بعض العمليات إلى نزف حاد وتشوهات وألم مزمن، بينما يروج الوسط السياحي لعروض تشمل التأشيرات السريعة و"رحلات علاجية مريحة".
وعلى رغم ذلك، يجد بعض المرضى الأجانب في إيران فرصة نادرة. يقول "إيريك"، رجل متحول من كندا: "دفعت أقل من ربع كلفة العملية في بلدي. لكني لا أستطيع تجاهل التناقض، أنا هنا أبحث عن الحرية الجسدية، فيما يجبر الآخرون عليها".
وبينما تسعى طهران إلى استقطاب مرضى العالم تحت شعار "التقدم والرحمة"، يعيش مجتمع الميم الإيراني مأساة مستمرة بين التهديد والإكراه والعنف، في مفارقة تكشف التناقض بين الدعاية الطبية والواقع القاسي لحقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية في إيران.