ملخص
يشير محللو أسواق الطاقة، ومن بينهم محللو "غلوبال"، إلى أن الهجمات الأوكرانية على مصافي النفط الروسية أدت إلى ارتفاع أسعار الديزل بقوة.
هوى سعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) بنهاية الأسبوع الماضي إلى ما دون مستوى 60 دولاراً للبرميل، بينما انخفض سعر خام "برنت" القياسي عن حاجز 65 دولاراً للبرميل، وذلك عقب الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب على غزة وعودة التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين. ذلك الخطر المزدوج، المتمثل في وفرة المعروض نتيجة الهدوء المتوقع في منطقة الشرق الأوسط التي تنتج نحو ثلث النفط في العالم، وتراجع الطلب نتيجة الضغوط الجديدة على الصين بعد تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على صادراتها، أثار اضطراب سوق النفط العالمية. هذا الخلل المزدوج المتوقع في معادلة سوق النفط - زيادة العرض وتراجع الطلب - من شأنه الضغط على الأسعار نحو الهبوط، مما دفع المتعاملين في سوق العقود النفطية الآجلة إلى البيع الكثيف أخيراً، مما زاد من معدل انخفاض الأسعار بنسبة نحو أربعة في المئة.
لكن تلك التوقعات يعادلها أيضاً احتمال عودة عدم الاستقرار ووقوع أي طارئ جيوسياسي يهدد إمدادات النفط من ناحية، بالتالي يتراجع المعروض فجأة، خلال وقت يهدد فيه استمرار حرب أوكرانيا والعقوبات الأوروبية على موسكو إمدادات النفط الروسية. وتلك احتمالات تهديد مزدوج آخر بتراجع سعة الإنتاج الإضافية لدى منتجين كبار للنفط، في ظل زيادة اعتماد الاقتصاد العالمي على النفط والغاز مقابل مصادر الطاقة المتجددة.
سعة طاقة الإنتاج الإضافية
تركز الاهتمام بتلك التوقعات الأخيرة في ندوة "المجلس الأطلسي" بواشنطن الأربعاء الماضي، بحسب ما ذكر تقرير لشركة "غلوبال كوموديتي إنسايتس" التابعة لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني. وضمن تلك الندوة، حذرت مديرة أسواق رأس المال في بنك "آر بي سي" الاستثماري حليمة كروفت من تجاهل أسواق الطاقة لتلك التحديات المزدوجة، وقالت "أعتقد أننا خلال وقت تعتقد فيه السوق أن كل شيء على ما يرام". لكن كروفت أضافت "إذا تعرضنا بالفعل لاختبار حقيقي لسعة الإنتاج الإضافية، ووجدنا أن العالم في حاجة إلى مزيد من النفط، فلن يكون الوضع على ما يرام".
منذ مطلع أغسطس (آب) الماضي تتحرك أسعار النفط في نطاق 60 – 65 دولاراً للبرميل، وهو سعر مناسب للمستهلكين الراغبين في أسعار منخفضة، ولا يضر كثيراً بالمصدرين، أما ارتياح الأسواق فيعود إلى استمرار تحالف "أوبك+" في تخفيف قيود الإنتاج، بالتالي ضخ مزيد من النفط في السوق.
وفي توضيحها للأخطار، أشارت كروفت إلى أن الهجمات الأوكرانية على روسيا التي أدت إلى خسارة قدرات التخزين الروسية، تمثل مثالاً واضحاً على تلك التحديات، وبما أن روسيا ليست لديها طاقة تخزين كبيرة، فقد تضطر إلى تقليل الإنتاج. ومما يمكن أن يضاعف من تلك الأخطار احتمال الهجوم على ناقلة نفط عند مضيق هرمز إذا عاد الصراع مع إيران مرة أخرى.
ويشير محللو أسواق الطاقة، ومن بينهم محللو "غلوبال"، إلى أن الهجمات الأوكرانية على مصافي النفط الروسية أدت إلى ارتفاع أسعار الديزل بقوة.
وتظهر أرقام بورصة تداول عقود النفط والمشتقات في "نايمكس" بنيويورك أن الفارق بين أسعار عقود الديزل وأسعار عقود خام "مزيج غرب تكساس" بلغ هذا الأسبوع 34.39 دولار للبرميل، مقابل فارق لا يزيد على 20 دولاراً للبرميل خلال الوقت ذاته من العام الماضي، ويعود ذلك في معظمه إلى الهجمات الأوكرانية على مصافي النفط الروسية.
استكانة السوق للأخطار
بحسب كلمات المتحدثين ضمن ندوة المجلس الأطلسي هذا الأسبوع، كان هناك شعور عام بأن "السوق استكانت إلى الرضا عن الأخطار حالياً"، وفق تعبير مدير الأخطار الجيوسياسية في "رابيدان إنرجي غروب" فرناندو فيريرا.
ويزيد استمرار الهجمات الأوكرانية على منشآت البنية التحتية النفطية الروسية الأخطار مع دخول فصل الشتاء، إذ تتراجع قدرة روسيا على زيادة الإنتاج والتصدير. وأشار فيريرا إلى أن "التصعيد بين إسرائيل وإيران يظل خطراً قائماً أيضاً".
كذلك تتجاهل الأسواق تأثير العقوبات خلال الآونة الأخيرة، حتى مع أن أوروبا تدرس حالياً فرض عقوبات ثانوية على مستوردي الطاقة من روسيا والموانئ النفطية التي تتعامل مع سفن "أسطول الظل" مثل الموجودة في الصين والهند وتركيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر فيريرا أن هناك نقاط اختناق في تجارة النفط الروسي تعمل أوروبا على استغلالها لمزيد من الضغط على موسكو بسبب حرب أوكرانيا، ومن تلك النقاط مضيق الدنمارك الذي تصدر روسيا من خلاله أكثر من مليون برميل يومياً، وتصدر 1.6 مليون برميل يومياً عبر بحر البلطيق، أي ما يزيد على 40 في المئة من صادراتها البحرية. وتصدر أكثر من نصف المشتقات عبر بحر البلطيق، إذ بلغت صادراتها الشهر الماضي 649 ألف برميل يومياً من منتجات التكرير، أي ما نسبته 57 في المئة من صادرات المشتقات عبر ذلك المنفذ.
ومن شأن الضغط الأوروبي المتزايد أن يعوق الصادرات الروسية عبر هذين المنفذين، مما يؤدي إلى تراجع المعروض في أسواق الطاقة مع دخول الشتاء.
عودة اضطراب لتوازن السوق
ربما كان التطور الأهم خلال الأيام الأخيرة هو عودة التوتر بين واشنطن وبكين واحتمال تأجج الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، مما يعني نتائج سلبية على النشاط الاقتصادي تضر بمعدلات الطلب العالمي على الطاقة، وبخاصة بعدما استبعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لقاء نظيره الصيني شي جينبينغ حالياً، وهدد بفرض رسوم جمركية على الواردات من الصين بنسبة 100 في المئة.
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن الشريك المؤسس في شركة "أغين كابيتال" جون كيلدف قوله "إذا نفذ ترمب التهديدات الأخيرة، فسيكون لذلك آثار اقتصادية سلبية وضربة قوية للطلب على الخام والمنتجات المكررة".
كان التجار والمتعاملون في الأسواق استبعدوا احتمال فرض رسوم أميركية قاسية على الصين بعد تبادل إيجابي بين ترمب ونظيره الصيني، أعلن على أثره الرئيس الأميركي عزمه لقاء نظيره الصيني على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ لاحقاً الشهر الجاري.
إلا أن التحول المفاجئ في الموقف جاء بعدما فرضت الصين رسوماً جديدة على السفن الأميركية، في رد انتقامي على إجراءات مشابهة من واشنطن، وهي خطوة تهدد برفع كلف الشحن البحري.
وبحسب ما ذكرت كبيرة المتعاملين في الطاقة لدى "سي آي بي سي برايفت ويلث غروب" ريبيكا بابين، فإن "النفط يواجه اليوم ثلاث ضربات متزامنة، هي توترات الرسوم الجمركية التي تضغط على توقعات الطلب، وموجة بيع عامة في الأصول عالية الأخطار، واستراتيجيات آلية تزيد من المراكز البيعية في السوق... دون وجود محفز قوي للشراء، قد نشهد تحركاً كبيراً نحو الهبوط قبل حدوث أي دعم".
إضافة إلى التوتر بين بكين وواشنطن، فإن اتفاق السلام لإنهاء الصراع الدموي داخل غزة، الذي هدد استقرار الشرق الأوسط، أسهم في تلاشي ما تبقى من علاوة الأخطار الجيوسياسية في أسعار النفط الخام.
وتوقع تقرير "بلومبيرغ" أن تتجه أسواق النفط نحو فائض كبير في المعروض نتيجة ارتفاع الإنتاج من داخل تحالف "أوبك+" وخارجه، بعد اتفاق التحالف خلال عطلة نهاية الأسبوع على رفع الحصص الإنتاجية لاستعادة الحصة السوقية.
وعلى رغم أن المزاج العام في السوق ما زال سلبياً، فإن آراء المستثمرين تختلف في شأن مدى قتامة الآفاق المستقبلية، بحسب مذكرة من بنك "سيتي غروب" الاستثماري للعملاء.