ملخص
أصدر الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري بياناً جدد فيه المطالبة بفتح معابر إنسانية للمحافظة ومنح أهلها حق تقرير المصير والإدارة الذاتية الحيادية، ولكنه أشار إلى السويداء بمصطلح "جبل باشان" الذي أثار ردود فعل كثيرة ومختلفة.
مرة أخرى يخرج الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، ليطالب بحق تقرير المصير والإدارة الذاتية "الحيادية" للسويداء، مناشداً المجتمع الدولي من أجل فتح معابر إنسانية إلى المحافظة الجنوبية التي تعيش نقصاً كبيراً في السلع الأساس والخدمات، نتيجة العلاقات المتوترة بينها ودمشق منذ أحداث يوليو "تموز" 2025.
لا يتضمن خطاب الهجري اليوم السبت ما يختلف عن نداءاته الإنسانية المتكررة منذ تفجر أعمال العنف داخل المحافظة قبل 3 أشهر، ولكن في نص بيانه الجديد لم يستخدم الرئيس الروحي للدروز كلمة جبل العرب أو السويداء للدلالة على الجغرافيا التي يطالب باستقلالها أو الإدارة الذاتية لها، وإنما اختار مصطلح "جبل باشان" بكل "الأطياف" التي يحتويها.
و"جبل باشان" تسمية ذات دلالة توراتية، فكلمة "باشان" تعني "الأرض الخصبة"، ووردت في العهد القديم كمنطقة مشهورة بتربتها وقطعانها، وفي النصوص التوراتية يشار إلى أن ملك "باشان" كان يدعى "عوج" عاش خلال زمن موسى، وينتمي إلى "الرفائيين" الذين يعدون من الشعوب السامية القديمة التي عاشت خلال القرن 12 قبل الميلاد.
جاء في كتاب "تاريخ العرب قبل الإسلام" لمؤلفه جواد علي، أن منطقة "باشان" تقع شرق الأردن وتمتد بين جبلي حرمون وجلعاد، أما في الجغرافيا الحديثة فتضم المنطقة اليوم جبل العرب وسهل حوران وأجزاء من مرتفعات الجولان، وبتعبير آخر نقول إنها تضم المحافظات الثلاث في الجنوب السوري، السويداء ودرعا والقنيطرة.
أثار الهجري عاصفة من ردود الفعل إزاء استخدامه لمصطلح "جبل باشان"، فتداعى خصومه عبر وسائل التواصل ليتهموه مجدداً بالعمالة لتل أبيب وتحريضه على الانفصال خدمة لأجندة خارجية مضت به نحو بيان يستدر تعاطف اليهود المتطرفين في إسرائيل، أو يثبت فيه خرائط المنطقة العازلة التي تطالب بها حكومة بنيامين نتنياهو جنوب سوريا.
في مشروع الاتفاق الأمني الذي يدور الحديث حوله بين سوريا وإسرائيل، كشف في سبتمبر (أيلول) الماضي عن خريطة للجنوب السوري تقسمه إلى 3 مناطق تشمل السويداء ودرعا والقنيطرة، وتوضح ما تسمح به تل أبيب لحكومة أحمد الشرع في دمشق من انتشار عسكري وأمني داخل المحافظات الثلاث بما في ذلك نوع السلاح ومساحة وجوده.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلال يوليو الماضي، تدخلت إسرائيل لوقف العملية العسكرية التي أطلقتها الدولة في السويداء بحجة ضبط الأمن، بعدما تعرض سكان المحافظة إلى أعمال خطف وقتل وسرقة وحرق ونهب للممتلكات من قبل عناصر تقول تقارير إنهم ينتمون إلى القوات الحكومية، فيما ترفض دمشق هذا الادعاء لكنها تؤكد وقوع أخطاء في تلك العملية، وقد سمحت للجنة تحقيق دولية بالبحث في ما جرى خلالها.
بعد الأحداث التي استمرت بضعة أيام، شكر الهجري إسرائيل والولايات المتحدة على وقوفهما مع الدروز ووقفهما لحرب "الإبادة" التي شنت عليهم، كما رفعت أعلام إسرائيل في تظاهرات شعبية خرجت في أكثر من مرة للمطالبة بحق السويداء في تقرير المصير، ثم اكتست المطالب بعمل قانوني منظم توجه به مؤسسوه الشهر الماضي إلى الأمم المتحدة.
المحامي أيمن شهاب الدين أحد مؤسسي حملة تقرير المصير للسويداء لا يعرف لماذا استخدم الهجري مصطلح "باشان" ضمن بيانه الأخير، ولكن الجغرافيا التي يسعى مع زملائه لإقناع المجتمع الدولي بمنحها حق تقرير المصير تشمل السويداء بمكوناتها من الدروز والمسيحيين وغيرهما، ذلك لأن هذا الخيار هو الحل الوحيد لأزمة المحافظة برأيه.
الأكاديمي يحيى العريضي أيضاً ليس متيقناً من السبب الذي دفع بالهجري إلى استبدال "باشان" بجبل العرب، لكنه يعتقد أن التسمية تنطوي على رسائل سياسية موجهة للداخل والخارج أطلقها الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، قد تكون كلمة "جبل باشان" برأي العريضي، محط خلاف أو مثار تساؤل بين أهل المحافظة وغيرهم، لكن بقية مضمون البيان الأخير ليس بجديد.
يعتقد العريضي أن الهجري يواصل المطالبة بخيار الإدارة الذاتية وتقرير المصير لأنه لا يزال حتى الآن الأفق الوحيد لحل الأزمة في السويداء، وسط استمرار حكومة دمشق في التعامل السلبي مع الواقع الإنساني الصعب الذي تعيشه المحافظة، وطرحها حلولاً ساذجة لمعضلة معقدة لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها وكأنها لم تحصل أو مجرد حدث عابر.
ربما يأتي بيان الهجري ضمن سياق تنسيق خارجي مرتبط بدول لم يخف امتنانه لها على حماية الدروز من الإبادة، كما قال في مرات عدة، وربما يكون مجرد اجتهاد أراد من خلاله القطيعة مع الهوية السورية غضباً من استمرار الأزمة الإنسانية في السويداء، بما يعني ذلك من عدم تنفيذ كامل بنود اتفاق وقف إطلاق النار وتقديم الدعم المطلوب للمحافظة.
تتحدث التقارير عن أكثر من 30 قرية نزح أهلها باتجاه مناطق أخرى داخل المحافظة، فتوزع أكثر من 130 ألفاً في المدارس ومنشآت مختلفة على أمل العودة إلى بيوتهم ومساكنهم، فيما تعيش السويداء نقصاً كبيراً في السلع الأساس والوقود، وتعاني خدمات الكهرباء والمياه والإنترنت تراجعاً يصل إلى حدود العدم أحياناً أو بضع ساعات يومياً.
وكانت الحكومة السورية أبرمت مع الأردن وأميركا اتفاقاً ثلاثياً خلال سبتمبر 2025 لحل أزمة السويداء، يتضمن بنوداً عدة لم تنفذ بعد، على رأسها سحب المقاتلين المدنيين كافة من حدود المحافظة، وطرح مشروع وطني يركز على الوحدة والتعددية والمساواة، وصولاً إلى الاندماج الكامل في الدولة مع تقديم الدعم الإنساني والاقتصادي للمحافظة.