Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الزيارة الأولى منذ 18 عاما: لماذا تجاهل الشيباني الرئيس نبيه بري؟

مصادر حكومية لـ"اندبندنت عربية": وزير خارجية سوريا أبلغ المسؤولين اللبنانيين تعيين سفير جديد قريباً جداً

الرئيس اللبناني جوزاف عون مستقبلاً وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني في قصر بعبدا (ا ف ب)

ملخص

اكتسبت زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت أهمية استثنائية، كونها أول زيارة لمسؤول سوري رفيع منذ سقوط نظام بشار الأسد، وأول حضور لوزير خارجية سوري منذ 18 عاماً. حملت الزيارة، التي تأخرت أشهراً، رسائل سياسية أبرزها استثناء رئيس مجلس النواب نبيه بري من جدول اللقاءات، وهو ما اعتبر مؤشراً إلى أن دمشق الجديدة لم تبلغ بعد مرحلة الانفتاح الكامل على "حزب الله" وحلفائه.

اكتسبت زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى لبنان بدعوة من نظيره وزير الخارجية يوسف رجي أهمية خاصة، إذ تعد الأولى لمسؤول سياسي سوري رفيع المستوى منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وتشكل أول حضور لوزير خارجية سوري في بيروت منذ 18 عاماً، بعدما زارها عام 2008 الوزير الراحل وليد المعلم وكان حينها فوزي صلوخ يتولى حقيبة الخارجية في الحكومة اللبنانية، التي كان يترأسها الرئيس السابق فواد السنيورة.

وللمفارقة أن الوزير شيباني قد يكون من المواطنين السوريين القلائل الذين لم يزوروا يوماً لبنان. والزيارة التي تأخرت أشهراً ولم يتردد رئيس الحكومة نواف سلام في بداية اللقاء من تسجيل عتبه على ذلك، تردد أنها أتت بتشجيع سعودي، وهو ما لم ينفه نائب رئيس الحكومة طارق متري الذي أكد أن السعودية وقطر تشجعان على التقارب بين البلدين، وأن تكون العلاقات الثنائية ممتازة بين لبنان وسوريا. الزيارة حملت دلالات معبرة في الشكل والمضمون ولعل أبرزها استثناء الشيباني رئيس مجلس النواب نبيه بري من جدول لقاءاته، وهو استثناء فسره بعض بعدم تخطي السلطة السورية الجديدة الدور الذي لعبه "حزب الله"، حليف بري الأساس، في الحرب داخل سوريا وحتى ما بعدها.

صحيح أن زيارة الساعات القليلة لم تنه الملفات العالقة بين البلدين منذ عقود، إلا أنها أسست لمرحلة جديدة أهم ما فيها أنها ستكون قائمة على احترام سيادة البلدين، وأنها ستنقل العلاقة من المسار الأمني الذي كان سائداً خلال الماضي إلى المسار الاقتصادي والسياسي، وفق ما أكد الوزير السوري الذي أبدى اهتماماً واضحاً في كل اللقاءات إلى جانب التعاون الاقتصادي. وتقصد الجانب السوري استباق الزيارة برسالة تظهر تأكيدهم المسار الجديد الذي ستسلكه العلاقة بين البلدين، حين أبلغت الحكومة السورية وزارة الخارجية اللبنانية من خلال السفارة السورية لدى لبنان، قراراً بوقف العمل بالمجلس الأعلى اللبناني السوري، وهو ما رحب به الجانب اللبناني عبر مطالبة رئيس الجمهورية جوزاف عون بعودة العلاقات الدبلوماسية إلى إطارها الصحيح، وتعيين سفير لسوريا لدى لبنان.

وكشفت مصادر حكومية لـ"اندبندنت عربية" أن الشيباني سمع المطلب نفسه من نظيره اللبناني، وأبلغ المسؤولين اللبنانيين أنهم سيعينون قريباً جداً سفيراً جديداً بعد تغيير كل الطاقم الحالي في السفارة. وذكرت المصادر الحكومية أن الزيارة أسست أيضاً إلى تفعيل عمل اللجان المشتركة بين البلدين وتشكيل لجان إضافية لمتابعة كل القضايا الشائكة، بدءاً من ملف المفقودين اللبنانيين في سوريا والموقوفين والسجناء داخل لبنان وترسيم الحدود البرية والبحرية، وطالب رئيس الحكومة نواف سلام وكذلك وزير الخارجية يوسف رجي بإعادة النظر في اتفاقات الأخوة والتعاون والتنسيق التي فرضت، وفق رجي، على لبنان من قبل النظام السابق، وعددها 34.

الاتفاقات المجحفة إلى التعديل

نائب رئيس الحكومة الوزير طارق متري الذي يترأس اللجان المشتركة بين البلدين التي تتابع الملفات العالقة، والذي كان حاضراً في لقاء السراي الكبير مع الرئيس سلام، يلخص نتائج الزيارة ضمن حديث مع "اندبندنت عربية"، مؤكداً أنها زادت الثقة بين الطرفين من جهة وكانت مناسبة تُطرق خلالها لكل المواضيع بصراحة تامة وبشيء من التفصيل.

واعتبر أن الجانب السوري استبق الزيارة بخطوة تمهيدية لقرار سيتخذ معاً، وبأنهم أرادوا إظهار اهتمامهم عبر إصدار قرار تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري الذي يرغب الجانب اللبناني في إلغائه، والذي يتطلب قراراً مشتركاً.

وتوقع متري أن يُعقد اجتماع رسمي على مستوى مجلس الوزراء قريباً لاتخاذ قرار الإلغاء، مستبعداً أن يكون هذا الموضوع عائقاً أو أن يعترض أي فريق في لبنان عليه، وبخاصة "حزب الله".

وكشف متري أنه أثار خلال اللقاء بحضور رئيس الحكومة مسألة إعادة النظر بالاتفاقات الـ34 المشتركة، لأنها وُضعت كلها في زمن الوصاية السورية وأن غالبيتها تتضمن غبناً في حق لبنان، مثل اتفاق تقاسم مياه نهر العاصي وغيره من المعاهدات المجحفة، مشدداً على أن تعديلها يمكن أن يفتح الباب أمام التعاون الاقتصادي والزراعي والسياحي، وكان لافتاً الاهتمام الذي يبديه الوفد السوري لهذا الجانب من التعاون، وفق تعبيره.

قضية الموقوفين إلى الحل

يشرح متري أن الوفد السوري ضمن اللقاء الذي كان مشاركاً فيه أيضاً وزيرا عدل البلدين كان مهتماً بصورة أساس بموضوع الموقوفين والسجناء السوريين داخل لبنان، موضحاً أن هناك إرادة سياسية لبنانية لمعالجة الموضوع لكن الأمر يتطلب إيجاد صيغة قانونية والتوقيع على اتفاق تعاون قضائي يسمح بتسليم المسجونين والموقوفين، واتفق على اجتماع سيعقد الثلاثاء المقبل داخل بيروت بين وزير العدل عادل نصار ونظيره السوري مظهر الويس.

ويكشف متري لـ"اندبندنت عربية" أن البداية ستكون بإخلاء سبيل الموقوفين بتهم سياسية تتعلق بمعارضتهم للنظام السابق، ولم يرتكبوا جرائم قتل أو محاولة قتل أو حمل السلاح على الأراضي اللبنانية، وعدد كبير منهم تخطت فترة توقيفه أعواماً، وكانوا ضحية شكاوى ضدهم من قبل "حزب الله"، فيما لم يُتفق على لائحة الأسماء النهائية.

ويوضح نائب رئيس الحكومة أن المسألة تحتاج إلى بعض الإجراءات القضائية، كأن يقوم القاضي الذي أصدر مذكرة التوقيف بإصدار قرار إخلاء السبيل، مؤكداً أن السلطة السياسية لا يمكن أن تتدخل في عمل القضاء، لكنه يلمح خلال الوقت نفسه إلى أن تجاوب القضاة يمكن أن يؤدي إلى الإفراج عن عدد من الموقوفين بسرعة، بما يشكل بادرة حسن نية من قبل لبنان. أما عن العدد، فيكشف عن أن هناك لوائح أولى تحتاج إلى التنقيح، وبخاصة أن عدداً من الموقوفين السوريين والصادرة في حقهم أحكام لا يزالون في السجن على رغم انتهاء مدة حكمهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا

يؤكد متري أن ملف ترسيم الحدود لن يكون صعباً أو شائكاً، ويشرح أن اللجنة المكلفة عقدت حتى الآن ثلاثة اجتماعات ومن المقرر أن تتابع لقاءاتها خلال المدى المنظور، ويكشف عن أن النقاش لم يبلغ بعد ملف مزارع شبعا وأن بعض النقاط الحدودية اللبنانية السورية لا يتفق الجانبان على هوية ملكيتها، وسبب ذلك يعود إلى امتلاك مواطن سوري مثلاً أرضاً داخل لبنان محاذية للحدود، فيعد الجانب السوري أنها باتت أرضاً سورية أو أن يمتلك لبناني أرضاً داخل سوريا فيعد الجانب اللبناني أنها تابعة للبنان. وهذه نقاط يمكن معالجتها على عكس قضية مزارع شبعا التي قد تحتاج إلى نقاش لن يتأخر، بحسب متري، الذي يضيف "أنا كلما أذكر مزارع شبعا أمام الوفد السوري لا أسمع منه تعليقاً".  

لماذا استثنى الشيباني بري؟

أن يستثني مسؤول عربي أو أجنبي رئيس مجلس النواب نبيه بري من جدول لقاءاته فهذه سابقة في لبنان. ورأى كثر أن الخطوة طبيعية على اعتبار أنه في دول العالم يلتقي الزائرون المسؤولين المعنيين بالمسائل الإجرائية والسلطة التنفيذية. وفي مقلب الجانب السوري كان التوضيح مقتضباً بأن الزيارة ذات طابع تقني ولا حاجة إلى اجتماع مع ممثل السلطة التشريعية. ورأي بعض آخر أن السبب الحقيقي يعود إلى أن الجانب السوري لم يبلغ بعد مرحلة ما بعد مشاركة "حزب الله"، وضمناً الطائفة الشيعية في الدفاع عن نظام الأسد. ويكشف مصدر حكومي أنه في كل اللقاءات التي عقدت مع مسؤولين سوريين كان دائماً السؤال الأبرز، هل لا يزال الحزب يمسك بالقرار اللبناني السياسي والأمني؟

وفيما التزم بري الصمت ولم يصدر عنه أي تعليق، يؤكد مصدر مقرب من مقر رئاسة مجلس النواب أن الشيباني لم يطلب موعداً من بري، نافياً أن يكون الأخير منزعجاً أو مستاءً كما تردد. وفيما يصف ما يُحكى عن أن الطبيعي هو عدم اللقاء برئيس السلطة التشريعية وأن اللقاءات يجب أن تقتصر على السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية، يرى المصدر أنه في لبنان دائماً كانت اللقاءات لأي ضيف خارجي تشمل الرؤساء الثلاثة، حتى لو كان هذا الضيف معنياً بملف الزراعة.

أما سبب عدم اللقاء، بحسب رأيه، فمرده إلى عدم نضوج الأمور بين السلطة الجديدة في سوريا وهذا الفريق، لأن الجلوس مع زعيم الطائفة الشيعية سيعد تطوراً كبيراً على صعيد العلاقة بين الطرفين.

حظوظ الصفحة الجديدة

تحدث الوزير الشيباني في وزارة الخارجية والقصر الجمهوري والسراي الحكومي عن صفحة جديدة مع لبنان، قائمة على الاحترام المتبادل لسيادة الدولتين وعلاقة ثنائية نقيضة لتلك التي كانت في الماضي. وعن حظوظ هذه العلاقة يتحدث النائب السابق فارس سعيد الذي لعب مع القوى المعارضة دوراً أساساً لإنهاء وصاية نظام الأسد على لبنان.

ويرى سعيد أنه لا بد مع سوريا جديدة فتح صفحة جديدة، وهذه مسؤولية مشتركة، ويجب أن تكون استناداً إلى قناعة من الطرفين وهذا واضح اليوم. ويضيف أن سوء التفاهم التاريخي الذي حكم العلاقات اللبنانية السورية أمام مناسبة حقيقية لطي هذه الصفحة، التي فرضت علاقة قائمة على قاعدة موازين القوى.

ويشدد النائب السابق على أن المطلوب علاقة وفق معادلة واضحة تقوم على أوضح صور التعاون والتنسيق مقابل أنقى صور الاستقلال والسيادة. ويعد أن إعلان تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري الذي أتى من جهة واحدة يحتاج إلى متابعة، وبخاصة لدى مجلس الأمن استناداً إلى تصريح لرئيس المجلس نصري الخوري عام 2020 نفى فيه أية إمكانية لحل المجلس الأعلى من جهة واحدة، لأنه إطار وُجد من خلال قناعة الطرفين، اللذين عليهما أيضاً التأكد من وجود نسخة من هذا الاتفاق لدى الأمم المتحدة ليصار إلى إلغائه.

ويعد سعيد أن حصر تصحيح العلاقات الثنائية بموضوع المفقودين والموقوفين وترسيم الحدود والنازحين والتبادل الدبلوماسي وعلى رغم أهميتها لا يكفي، داعياً إلى التركيز على موضوع أهم وهو توحيد الموقف في شأن الاتفاق مع إسرائيل.

ويذكر سعيد أنه عندما قام فريق لبناني خلال عام 1982 بترتيب علاقات أمنية وسياسية مع إسرائيل اعترضت سوريا، بحجة أن هذا الموضوع يجب أن يحصل من قبل اللبنانيين والسوريين معاً، بمعنى أنه ممنوع على لبنان التفرد بهذا القرار، ويسأل "إذا قام اليوم الرئيس السوري أحمد الشرع بترتيب العلاقات مع إسرائيل فما موقف لبنان، وهل هناك تنسيق لبناني سوري حول مقاربة موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي بصورة مشتركة أو ستقتصر على الملفات السهلة".

والأصعب، يختم سعيد، هو توحيد القراءة السياسية وتوحيد الخطوات التنفيذية حتى لا يسبق طرف آخر بموضوع ترتيب العلاقات بين لبنان وسوريا من جهة والنظام العربي أو الإقليمي الجديد، أما عدم توحيد الموقف خلال وقت ستذهب سوريا إلى ترتيب العلاقة مع إسرائيل قبل لبنان، فسيتحول إلى ضاحية سياسية للشام.  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير