ملخص
رفض الجيش الإسرائيلي إجلاء ميليشيات "أبو شباب" و"حماس" هددتهم بالهجوم على أوكارهم… ما هو مصير المجموعات المسلحة في غزة؟
بعد الاتفاق بين "حماس" وإسرائيل على إنهاء الحرب في غزة، يلف الغموض مصير الميليشيات المسلحة التي رفعت شعاراً واضحاً بأنها تناهض الحركة التي كانت تحكم القطاع، وقاتلتها إلى جانب الجيش الإسرائيلي. فكيف ستتعامل تل أبيب و"حماس" مع هذه التشكيلات؟
بعد انهيار الهدنة الإنسانية بين "حماس" وإسرائيل في مارس (آذار) الماضي، وعودة الحرب آنذاك، برزت تشكيلات مسلحة يقودها غزيون يعملون في مناطق يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي داخل القطاع، ومهمتهم قتال "حماس" أو "تخليص السكان من الحركة"، كما يروجون.
قصة الميليشيات المسلحة
وبرزت في غزة نحو ثلاث ميليشيات محلية، الأولى موجود في شرق مدينة رفح ويقودها ياسر أبو شباب، والثانية في شرق خان يونس ويترأسها حسام الأسطل، والثالثة في شرق مدينة غزة وزعيمها رامي حلس، وجميع هذه المجموعات توجد في مناطق يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، وتعمل تحت حمايته.
أقامت هذه المجموعات مناطق إنسانية في مواقع دمرها الجيش الإسرائيلي، ودعت العائلات إلى دخولها بعد فحص أمني، واستجاب لهذه الميليشيات عدد قليل من سكان غزة. وبعد وصولهم لمناطق تلك المجموعات يخضعون لتدريبات على السلاح ويوجهون فوهات بنادقهم صوب "حماس".
جميع التشكيلات المسلحة تعمل بالتنسيق بين بعضها وهناك خط اتصال دائم مع قائد "القوات الشعبية" وهي الميليشيات التي يديرها أبو شباب، وتسعى إلى إنهاء حكم "حماس" والسيطرة على سدة الحكم في غزة بالتعاون مع إسرائيل.
تعاون مع الجيش
أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنفسه أن حكومته تقف خلف إنشاء تلك الميليشيات في غزة. وقال في يونيو (حزيران) الماضي، "نعمل على تسليح عشائر فلسطينية معارضة لـ'حماس' في غزة، نسعى لتقسيم القطاع إلى مناطق قبلية بما يفضي في النهاية إلى إيجاد بديل محلي لـ'حماس'".
تبني إسرائيل العلني لهذه الميليشيات يعني أن كوادرها ترتبط مباشرة بأجهزة الأمن والاستخبارات في تل أبيب، مما جعلها منبوذة داخل المجتمع الفلسطيني. وبمعنى آخر فإن تلك التشكيلات مرتبطة بتهمة العمالة، وهي تهمة فاضحة في قطاع غزة، ومنبوذ كل من يسلك طريقها، وعقوبته بحسب "القانون الثوري" هي الإعدام.
جميع قادة الميليشيات يعادون "حماس"، وظهروا في مقاطع فيديو يتوعدون الفصيل بالمواجهة والملاحقة، مما ينذر بحرب أهلية طاحنة. ويلاحق هؤلاء المسلحين تاريخ طويل من الخيانة وسيرة غامرة بالشبهات، مما جعلهم موضع ريبة لدى الغزاويين، بخاصة أن مهامهم تكمل عمل الجيش الإسرائيلي.
أثرهم على المجتمع
تعد ميليشيات أبو شباب النموذج الأوضح للتشكيلات الإجرامية ولم يعد وجودها حدثاً هامشياً في غزة، وتقول الباحثة في علم الاجتماع ثريا زهري، إنهم "فتحوا جبهة داخلية استنزفت قدرات الفصائل، أسهموا في تفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني، غذوا الانقسامات العشائرية، تحولوا إلى أدوات استخارية، نهبوا المساعدات، وزودوا تل أبيب بمعلومات دقيقة تقلل من خسائر جيشها، باختصار باتوا بؤرة فساد يجب إقصاؤها، وجودهم خطر على السكان وخطر مدمر". وتضيف زهري، "دائماً مصير الميليشيات ينتهي بالفشل. الوعي الشعبي الفلسطيني يدرك خطورتها. إن البنية والعشائرية تعد التعاون مع إسرائيل وصمة عار لا تمحى، مما يجعل من الصعب على أي زعامات بديلة إثبات شرعيتها، بخاصة أنه لا حاضنة شعبية لهم، وسرعان ما ينتهي أصحاب العصابات إلى العزلة أو التصفية مع أول مواجهة جدية مع المجتمع والحكومة".
ومع دخول وقف إطلاق النار في غزة، وعودة "حماس" وأجهزتها الأمنية لإعادة ترتيب صفوفها وإعادة إدارة شؤون القطاع نسبياً، يواجه أبو شباب والميليشيات الأخرى، مصيراً صعباً، إذ ذكر موقع "حدشوت يسرائيل" العبري، أنه "بعد انتهاء الحرب ستتمكن 'حماس' من العمل بحرية في غزة، حظاً موفقاً لياسر أبو شباب وللمنظمات الأخرى التي تعاونت مع إسرائيل".
استعادة "حماس" سيطرتها
بمجرد انسحاب الجيش إلى الخط الأصفر الوارد في خطة ترمب للسلام، عممت وزارة الداخلية في غزة على عناصر أجهزتها الأمنية بالانتشار في المناطق التي تنسحب منها إسرائيل لاستعادة النظام ومعالجة مظاهر الفوضى، وهذا يخص الميليشيات المسلحة.
بالنسبة إلى ميليشيات "القوات الشعبية"، فإن قائدها ياسر أبو شباب رحب باتفاق وقف إطلاق النار، وقال "عناصرنا بقوا في مناطقهم في رفح تحت حماية الجيش الإسرائيلي وسيواصلون الدفاع عن وجودهم دون نية للهرب من قطاع غزة، نتطلع إلى أن تكون غزة خالية من الفصائل، والأسلحة غير الضرورية، وتعيش من دون حروب".
أما حسام الأسطل وهو زعيم ميليشيات أخرى فقال، إن "'حماس' تحاول أن تظهر في الإعلام أنها موجودة في القطاع من منظور سلطوي وأنها ستلحق الضرر بنا، هذه حرب نفسية، لن ينجحوا في إيذائنا، سيستخدمون كل قوتهم لإثبات أنه لا يوجد أحد سواهم، لكن سنواجههم ومستعدون لمواجهتهم، لدينا القوة لذلك".
براءة وملاحقة
ولا تزال توجد الميليشيات المسلحة في مناطق لا يزال يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، لكن من المؤكد أنه مع مضي الاتفاق قدماً ستنسحب القوات من تلك المناطق، وحتماً سيكون على هذه التشكيلات التفكير في مصيرها يومئذ.
تبرأت عائلة أبو شباب من أفعال ياسر، ووصفت ما يقوم به بأنه "خيانة للوطن وتعاون مع الاحتلال"، وبعدها أدرجت الأجهزة الأمنية التابعة لـ"حماس" اسمه ضمن قوائم المطلوبين، وأصدرت بحقه أمر الاعتقال بتهم التخابر وتشكيل عصابة مسلحة، ومنحته مهلة 10 أيام لتسليم نفسه.
من جهته قال ياسر أبو شباب، "لست عميلاً ولا رجل عصابات، أنا هدف لـ'حماس' وعلى المجتمع الدولي توفير الحماية لي، 'حماس' تستغل أي وقف لإطلاق النار للقضاء على أي معارضة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تسليم أنفسهم
ونشب خلاف كبير بين عناصر ميليشيات أبو شباب، وبحسب المعلومات الواردة فإن عدداً منهم بدأ بالتواصل مع عدد من العائلات ووجهاء العشائر بهدف فتح قنوات اتصال غير مباشرة مع وزارة الداخلية في غزة من أجل تسوية أوضاعهم القانونية والعشائرية وضمان عدم ملاحقتهم ميدانياً في المرحلة المقبلة.
ومنحت الداخلية الأمان لكل من يسلم نفسه قبل انتهاء المهلة الممنوحة لهم، وهددت بتنفيذ "حملة أمنية واسعة تستهدف أوكار الميليشيات المسلحة التي اتهمت بالعمالة والإخلال بالأمن الداخلي طوال فترة الحرب". والآن يعول أبو شباب وباقي التشكيلات المسلحة على الجيش الإسرائيلي، على أمل أن تشمل خطط الإجلاء نقلهم لمناطق آمنة. وبحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" فإن تل أبيب تدرس نقل هؤلاء العناصر إلى معسكرات مغلقة داخل منطقة غلاف غزة كإجراء موقت لحمايتهم وضمان السيطرة الأمنية عليهم.
لن تنقلهم العربات العسكرية
في المقابل، يعقب المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي اللواء احتياط آفي بنياهو، "الميليشيات المتعاونة في غزة لن يدخلوا إلى إسرائيل، وعليهم مواجهة مصيرهم وحدهم، قواتنا لم تجبر أحد على قتال 'حماس' وعليهم تحمل عواقب قراراته".
وبالفعل رفض الجيش مقترح إنشاء منطقة أمنية للميليشيات المسلحة، وقال قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي الجنرال يارون فينكلمان، إن "الخطر الذي قد تشكله هذه العناصر على المستوطنين الإسرائيليين يفوق أي التزام بحمايتهم". ويضيف أن "الاستخبارات العسكرية رصدت مؤشرات إلى فرار عدد من عناصر الميليشيات، بعد حصولهم على وعود بالعفو من 'حماس'، بعض عناصر الميليشيات بدأوا باللجوء لوساطات غير مباشرة مع حركة 'حماس' بهدف تأمين عفو عنهم". ويتابع "لن تحملهم العربات العسكرية الإسرائيلية، أفراد هذه الجماعات ليسوا سوى متعاونين يؤدون دوراً وظيفياً ولن يضحي الجيش بجندي واحد من أجل حمايتهم".