Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

22 عاما منذ الغزو والعراق يبحث عن النظام الانتخابي الأمثل

تعتمد البلاد حالياً على الدائرة الواحدة ضمن المحافظة وإقرار النتيجة عبر آلية "سانت ليغو"

عراقيون يشيرون بأصابعهم المغطاة بالحبر الفسفوري المستخدم في الانتخابات (أ ف ب)

ملخص

اعتمد النظام الانتخابي في انتخابات عام 2005 على نظام الدائرة الواحدة أي أن العراق دائرة انتخابية واحدة بدلاً من تقسيمه إلى دوائر انتخابية متعددة.

خمسة انتخابات لمجلس النواب شهدها العراق بعد عام 2003 لتكون انتخابات العام الحالي المقررة في الـ11 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل هي السادسة بعد التغيير الذي شهدته بلاد الرافدين إثر الاحتلال الأميركي. ظروف سياسية وأمنية معقدة رافقت الانتخابات التشريعية واعتراضات رافقت نتائج كل انتخابات لتعرقل تشكيل الحكومات، إذ لم تكن الاعتراضات على النتائج فحسب بل النظام الانتخابي نفسه الذي جرى تعديله أكثر من مرة.

يشير مراقبون للشأن العراقي إلى أن قانون انتخابات الذي خرج إلى النور عام 2014 عدل أربع مرات، وهذا التعديل المستمر لا يسمح بالاستقرار في النظام الانتخابي، ويتنافى مع دولة المؤسسات والنظم الديمقراطية.

أجريت أول انتخابات في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، في الـ31 من يناير (كانون الثاني) عام 2005. آنذاك حدد قانون المرحلة الانتقالية آلية انتخاب السلطة التشريعية التي سميت بالجمعية الوطنية وضمت 275 عضواً، أما الشروط الواجب توافرها في المرشح لتلك الانتخابات تمثلت في أن يكون عراقياً لا يقل عمره عن 30 عاماً وألا يكون عضواً في حزب البعث بدرجة عضو فرقة أو أعلى، كذلك أنشأت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بموجب الأمر الصادر عن سلطة الائتلاف الموقتة رقم (92) لعام 2004 وكلفت بمهام إدارة العملية الانتخابية.

انتخابات الدائرة الواحدة

نظراً إلى عدم وجود تعداد سكاني وغياب الاتفاقات السياسية حول حدود الدوائر الانتخابية، اعتمد النظام الانتخابي في انتخابات عام 2005 على نظام الدائرة الواحدة، أي أن العراق دائرة انتخابية واحدة بدلاً من تقسيمه إلى دوائر انتخابية متعددة.

ومع أن الفقه الدستوري يكاد يجمع على ضرورة تقسيم الدولة إلى دوائر متعددة من خلال تعيين الحدود لكل منطقة جغرافية حتى يتسنى تمثيل كل مكونات السكان، سار النظام الانتخابي لهذه الانتخابات باتجاه يخالف الفقه الدستوري مستنداً إلى أسباب تتعلق بالمخاوف من مقاطعة الانتخابات، ففي حال مقاطعة الانتخابات سيضمن نظام الدائرة الواحدة التمثيل للمحافظات التي قاطعت الانتخابات سواء قل عدد الناخبين أو زاد.

 

وعليه جرت الانتخابات وفق نظام الدائرة الواحدة مع التمثيل النسبي ومنح النظام الانتخابي النساء نسبة 25 في المئة من قوائم المرشحين، كذلك اعتمد النظام الانتخابي على نظام القوائم المغلقة.

لم تمنح نتائج انتخابات عام 2005 التمثيل العادل لبعض المحافظات في الجمعية الوطنية فقد كانت النتيجة زيادة في عدد ممثلي محافظات على حساب محافظات أخرى، كذلك لم تتفق نتائج هذه الانتخابات مع تطلعات الناخب بسبب القوائم المغلقة التي لم تسمح للناخب بالإدلاء بصوته للنائب الذي يراه مناسباً، فكان يصوت لمصلحة قائمة الناخب ومن ثم القائمة أو التحالف تختار مرشحيها وترتبهم حسب أولوياتها.

نظام الدوائر المتعددة

وضع غادرته الانتخابات التشريعية التي تلت عام 2005 وهو نظام العراق دائرة انتخابية واحدة، إذ صدر قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 الذي نقل العراق إلى نظام الدوائر الانتخابية المتعددة، وقسم البلاد وفق القانون إلى 18 دائرة انتخابية تمثل عدد المحافظات.

ووفق هذا القانون جرت انتخابات لاحقة شهدت مشاركة واسعة وصلت إلى 76 في المئة، ووزع المقاعد المخصصة للدوائر الانتخابية من خلال نظام التمثيل النسبي الذي أتاح للكيانات السياسية ترتيب أسماء مرشحيها، فيكون لكل كيان سياسي ورقة الاقتراع الخاصة به، ويختار الناخب الورقة الخاصة بالكيان السياسي الذي يرغب أن يصوت له.

ورتبت الأسماء في القائمة حسب الاعتبارات والأولويات الخاصة لكل حزب، وطغى الخيار الحزبي على الخيارات الشخصية، لأن القائمة المغلقة التي جرى العمل بها وفق هذا القانون جعلت الناخب يصوت على ورقة الاقتراع التي تحمل أسماء الكيانات السياسية ورموزها من دون معرفة أسماء المرشحين الذين تضمهم القائمة.

انتخابات 2010

لاحقاً اعتمدت انتخابات السابع من مارس (آذار) عام 2010 على قانون الانتخابات رقم 26 لسنة 2009، الذي أوضح أن مجلس النواب يتكون من عدد من المقاعد بنسبة مقعد واحد لكل 100 ألف نسمة، وفقاً لآخر إحصاء تقدمه وزارة التجارة معتمدة على البيانات الخاصة بالحصة التموينية إثر غياب التعداد السكاني.

 

ومنحت المكونات وفقاً لهذا القانون كوتا المقاعد التعويضية، ووزعت على النحو التالي (خمسة مقاعد للمكون المسيحي في محافظات بغداد والموصل وكركوك ودهوك وأربيل) و(مقعد واحد للأيزيديين في الموصل) ومثله للمكون الشبكي و(مقعد واحد للمكون الصابئي في بغداد).

واعتمدت هذه الانتخابات على نظام الدوائر المتعددة والقائمة المفتوحة المقيدة التي سمحت للناخب بالتصويت على القائمة أو أحد المرشحين فيها.

لا اختلافات جوهرية

طبقت آلية سانت ليغو في انتخابات مجالس المحافظات عام 2013، وحققت الآلية قدراً من العدالة النسبية وانتقدت إلى حد بعيد من قبل الأحزاب الكبيرة، لأنها أتاحت فرصة للأحزاب الصغيرة والمستقلين للوصول إلى الحكومات المحلية وظهور ما اصطلح على تسميته (الأعضاء الآحاد) الذين وصلوا للمجالس المحلية منفردين أو بأحزاب صغيرة، مما دفع الكيانات السياسية إلى تلافي أخطار صعود الأحزاب الصغيرة، مما دفعها إلى تغيير القانون قبل إجراء الانتخابات البرلمانية وأجريت الانتخابات البرلمانية عام 2014 وفقاً لقانون أطلق عليه (سانت ليغو المعدل) ولم يأت هذا القانون بجديد للأحزاب الصغيرة التي هدرت أصواتها لمصلحة الكتل الكبيرة.

في هذا السياق يقول الأكاديمي والباحث المتخصص في الشؤون الانتخابية عبدالعزيز العيساوي، إن الأنظمة الانتخابية في أعوام 2010 و2014 و2018 خلت من الاختلافات الجوهرية كونها تعتمد على آلية سانت ليغو، لكن الاختلاف الجذري حدث في انتخابات 2021 عند الانتقال إلى الدوائر المتعددة التي أدت إلى نتائج لم يسبقها مثيل وأثرت في التركيبة السياسية.

ويرى العيساوي أنه لا يوجد نظام انتخابي فاشل بالمجمل أو ناجح بالمجمل، فالمشكلة ليست بالنظام أو الدستور بل بالممارسة الدستورية وتطبيق النظام الانتخابي، فالأنظمة الانتخابية تؤدي إلى مخرجات صحيحة إذا ما جرى القبول بمخرجاتها وتشكيل الحكومة، مؤكداً أن النظام الانتخابي الحالي من الممكن أن يخلق الاستقرار بعد إجراء بعض التعديلات وليس تغيير النظام بمجمله.

 

استمر الجدل والخلاف على قانون الانتخابات منذ عام 2005، وعلى رغم تعدد القوانين الانتخابية لا يمكن القول إن هناك قانوناً انتخابياً حظي بالقبول من كل الأطراف.

وعن هذا أوضح عضو مجلس النواب العراقي حسين عرب أنه من الصعب وجود قانون يرضي الجميع، لكن هناك قانوناً يحقق العدالة وهو قانون سانت ليغو مع ضرورة تعديل القاسم الانتخابي ليتمكن الجميع من المشاركة ولا تظلم الأحزاب الصغيرة.

الدائرة الواحدة

ما بين هذا وذاك يرى القاضي العراقي وائل عبداللطيف أن أفضل الأنظمة الانتخابية هو العراق دائرة انتخابية واحدة، فالمرشح يحصل على أصوات الناخبين من مختلف المحافظات، وهذا يعطي نوعاً من الانتماء والوطنية فهو انتخب من غالب المحافظات وليس فقط من دائرته الضيقة.

ولا يخفي عبداللطيف تشاؤمه من الانتخابات التي ابتعدت عن اختيار المرشح الكفء القادر على التشريع والرقابة، منتقداً تعديل قانون الانتخابات أكثر من مرة، وقال "تعديل القانون أكثر من مرة يعد مثلبة في النظام الديمقراطي، فالدول تضع النظام الانتخابي في دساتيرها لكي لا يجري التلاعب به وتبقى الانتخابات رصينة، وعليه فمن المستحيل أن نسمي أنفسنا دولة ديمقراطية".

الأقليات

أما عضو مجلس النواب السابق يونادم كنا فأكد أن حقوق الأقليات وفقاً للنظام الانتخابي الحالي ضاعت بعدما "أباح القانون مقاعد الكوتا الخمسة المخصصة للمكون المسيحي لتصبح متاحة ومباحة لكل العراقيين وبذلك أفرغت من معناها، فيفوز بها المرشحون المدعومون بأصوات من خارج المكون وبذلك تفتقر إلى شرعية تمثيل المكون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار إلى أن مجلس النواب لم يستجب لمطالبة كل أحزاب ومرجعيات المكون المسيحي لمعالجة الخلل والاتجاه نحو حصر حق التصويت لمقاعد الكوتا بناخبي المكون، وفقاً للمعايير الدولية المتبعة في دول العالم، و"لم تستجب الكتل المهيمنة طمعاً بالاستحواذ على المقاعد وانتخاب من يوليها أو يتبعها من أبناء المكون المسيحي".

مغادرة قانون سانت ليغو

يعتمد النظام الحالي على نظام الدائرة الواحدة ضمن المحافظة، أي أن المحافظة تعتبر دائرة انتخابية واحدة، ويجري احتساب القاسم الانتخابي على مستوى المحافظة بالاعتماد على نظام سانت ليغو 1.7، ويجري تقسيم مجموع الأصوات الصحيحة في الدائرة الانتخابية الواحدة وهي المحافظة على عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة، ويعد الناتج هو القاسم الانتخابي الذي يمثل عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد واحد.

وحول القانون الانتخابي الأمثل، يرى يونادم كنا أنه من الأفضل مغادرة قانون سانت ليغو والعودة إلى قانون يضمن حق المرشح وفي الوقت ذاته يضمن حق الكيان السياسي، موضحاً أن النظام الأفضل للتمثيل هو المختلط (الدائري مع النسبي) كما في ألمانيا واليابان.

وتابع "لجأت الكتل السياسية الكبيرة إلى نظام سانت ليغو وبنسبة قاسم انتخابي عالٍ لإقصاء وإلغاء الكتل الصغيرة أو المرشح الفردي"، موضحاً أن المشكلة لا تقف عند حدود النظام الانتخابي بل تتعدى إلى جانب دستوري يعرقل تشكيل الحكومة وهو أمر يتكرر مع كل انتخابات، وقال "تشكيل الحكومة ليس للكتلة أو الكيان الفائز وإنما للكتلة البرلمانية الكبرى، إضافة إلى اشتراط انعقاد الجلسة الأولى بأكثرية الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية الذي له تكليف مرشح الكتلة البرلمانية الكبرى لتشكيل الحكومة، وذلك يعني في حاجة إلى 220 نائباً لتحقيق الثلثين لعقد الجلسة الأولى، وهذا ما يعرقل تشكيلها دائماً".

ونبه إلى أن مرحلة ما بعد إعلان نتائج الانتخابات المقررة هذا العام قد لا تختلف عن سابقاتها من ناحية التأخير في تشكيل الحكومة، علاوة على "هيمنة المال السياسي على هذه الانتخابات فضلاً عما شهدته من استبعادات لشخصيات وقيادات الكتل المتنافسة، مما يؤشر إلى الاستئثار بالسلطة من قبل بعض الكتل المهيمنة على القرار".

وختم كنا حديثه بالقول إن أجواء الانتخابات الحالية قد تعطي مؤشراً لتأخير تشكيل الحكومة وغياب تكافؤ الفرص للمرشحين يؤدي إلى عدم الثقة بمخرجات الانتخابات مقدماً والتشكيك بشفافيتها، وما يمكن أن تتركه من تأثيرات سلبية على الاستقرار السياسي واحتمالية تأخر تشكيل الحكومة المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير