Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معرض الرياض يرسخ الهوية الثقافية الوطنية في بعدها العالمي

جمهور كبير يحتفي بالقراءة واختيار أوزبكستان ضيف شرف يضع ادبها على الخريطة العربية

إحدى واجهات معرض الرياض للكتاب (الخدمة الإعلامية)

ملخص

"الرياض تقرأ" عنوان معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، ليس مجرد عنوان يُطلق على معرض، بمقدار ما يبدو شعاراً يدل على المرتبة التي كانت تحتلها السعودية وما زالت، في عالم الكتاب والقراءة.

يذكر المهتمون بحركة النشر وحركة معارض الكتب العربية، كيف كان معرض الرياض، يمثل منذ تأسيسه عام 2006 حتى اليوم، قبلة الناشرين العرب، الذين كانوا يجدون فيه الفرصة السانحة لعرض جديد مطابعهم وبلوغ أرقام عالية جداً في المبيع، والتعرف إلى شرائح متعددة من جمهور يحترف القراءة، ويعرف ماذا يريد من كتب ومنشورات، وأية حقول معرفية وثقافية يبغي الخوض فيها، ترسيخاً لهذه "الهواية" التي تحولت إلى خبرة واحتراف.

كان معرض الرياض يجذب الناشرين العرب على اختلاف هوياتهم واهتماماتهم، وما زال يجذبهم، فهم خلال أعوام معينة كانوا يتباهون بأنهم باعوا كل الكتب التي تضمها أجنحتهم، وأنهم يشهدون ظروفاً مواتية جداً في إنجاز عملهم على أكمل وجه. وأي ناشر كان يفقد فرصة المشاركة في معرض الرياض، لأسباب غير قانونية، كان يتحسر فعلاً على فقدان سوق حقيقية، ثقافية وتجارية في آن واحد.

وعلى رغم انطلاق حركة النشر السعودي والخليجي، وازدياد عدد الناشرين السعوديين والخليجيين خلال الأعوام الأخيرة، ودخولهم حقل المنافسة في النشر وجذبهم أعداداً من القراء، عطفاً على انتشار ظاهرة مشاركة المكتبات السعودية في المعرض، فإن الناشرين العرب لم يتأثروا كثيراً من ناحية الإقبال على كتبهم وتحقيق أرقام مهمة في المبيع. وتكفي جولة على الأجنحة العربية حتى تجد الناشرين أو الموظفين في حال من الارتياح الواضح، تبعاً لحركة الإقبال غير المنقطع. وبينما يتحدث بعضهم عن الأثر السلبي الذي تتركه قضية البيع الإلكتروني وال"أون لاين" وانخراط شركات نشر وتوزيع في هذا الميدان، يظل معرض الرياض حاضراً جداً في حسبان الناشرين العرب، بل هو الفرصة التي ينتظرونها عاماً تلو عام، على رغم انتشار معارض الكتب. وكما في بعض المعارض العربية عمد بعض الناشرين إلى اعتماد مبدأ التوكيل النشري، فيعهدون مهمة المشاركة في المعرض إلى وكلاء أو دور نشر أو مكتبات، مما يوفر عليهم كلفة استئجار الجناح والسفر والإقامة. وهكذا حضر ناشرون كثر من خلال التوكيل، فحضرت كتبهم وكأنهم حاضرون.

جمهور مشغوف بالقراءة

أما الجمهور الذي تضيق الممرات وتغص الأجنحة به، فيبدو عموماً "غير سياحي"، فهو لم يأت ليتنزه أو ليقضي وقتاً ويقصد المطاعم في الفسحة الخارجية، كما يحصل في معارض أخرى، بل ترى الزائرين مشغوفين بالكتب والعناوين الجديدة، يبحثون عنها ويسألون، ولو اضطروا إلى جولة طويلة داخل المعرض الضخم، فيسألون الناشرين أو يتفقدون اللوحات الإلكترونية، تفتيشاً عن كاتب أو كتاب مؤلَّف أو مترجَم. جمهور يتدفق أيما نظرت، وفي الممرات أشخاص يطلبون من الزائرين ألا يتجمعوا في الممرات لئل يعرقلوا حركة التنقل، على أن بعضهم يلتقون في المقاهي الجانبية الموزعة في الداخل. وغالباً ما ترى الزائرين على اختلاف أعمارهم، محملين بالكتب أو يضعونها في عربات يجرونها.

طبعاً لا يمكن إحصاء أنواع الكتب التي يشتريها هؤلاء الزائرون أو معرفة عناوينها وموضوعاتها، ولا معرفة حقولها الأدبية والمعرفية والثقافية. وهذا أمر يحتاج إلى إحصاء شامل تقوم به إدارة المعرض نفسه. ولكن يبدو أن الجمهور يميل إلى الكتب المعرفية والتاريخية و"العملية" والكتب المثيرة للجدل، والكتب المترجمة والروايات المؤلفة والمترجمة خصوصاً، التي تملأ معظم أجنحة الدور حتى لو لم تكن متخصصة بالأدب. وثمة دور تعنى بالكتاب الديني ولكن لا يمكن رصد حركة مبيعها ولا حجم جمهورها، ناهيك بأجنحة الأطفال وكتبهم المتنوعة جداً والتي لم يغب عنها الكتاب الإلكتروني والمصور و"المانغا"، والبرنامج الغني المخصص لهم.

ومعروف أن معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، برئاسة الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز الواصل، بين الثاني والـ11 من أكتوبر (تشرين الأول) في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن. ويسهم المعرض في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 من خلال تعزيز القطاع الثقافي كأحد محركات التنمية المستدامة. ومن الأرقام التي وزعها المركز الإعلامي: 2000 دار نشر ووكالة، و25 دولة، و40 جلسة حوارية، و115 متحدثاً، و45 ورشة عمل ، عطفاً على الأنشطة المصاحبة.

أما اللافت بشدة في الندوات والجلسات الحوارية، فهو طغيان الحضور السعودي وغياب المشاركة العربية، مما يعني غياب الكتّاب العرب من نقاد وروائيين وباحثين كان لهم حضور واضح في الدورات السابقة، وكانوا يمنحون ندوات المعرض طابعاً عربياً واضحاً. لعل المعرض سعى هذا العام إلى ترسيخ الثقافة السعودية وعبرها الهوية الثقافية السعودية، وإحياء الدور الثقافي المحلي المنفتح على الهويات الثقافية العربية والأجنبية. وهذه تجربة لا تخلو من طابع المغامرة، لكن الإقبال على الندوات كان لافتاً جدا، وشهدت الندوات هذه سجالاً وطرح اسئلة وإيراد أجوبة عن قضايا فكرية وأدبية. لكن بعض المشاركين في الندوات أبدوا شيئاً من التذمر في شأن خفض البديل المادي.

الهوية الثقافية

الناقدة منى الهويدي سعت في ورشة عمل بعنوان "كيف يصنع الأدب هويتنا؟" إلى مناقشة قضية بناء الهوية الثقافية السعودية، وكأنها ترد بطريقة غير مباشرة على مسألة طغيان الحضور السعودي على الندوات،  إضافة إلى تناولها دور الأدب في تشكيل وعي الفرد، وصون الذاكرة الجمعية.

ورأت الهويدي أن الأدب ليس مجرد نصوص تُقرأ، بل هو مرآة تعكس الذات وتعيد تشكيلها من الداخل، وتفتح للإنسان أبواب الوعي والمعرفة، وقالت: "الكتابة بالنسبة إلى إعلان وجود ورسالة تقول: أنا هنا وأترك أثري". وتطرقت إلى الأدب السعودي باعتباره سجلاً حياً لمسيرة المجتمع وتحولاته، معتبرة أن الشعر والرواية والقصة وثقت تفاصيل الحياة اليومية، وأسهمت في بناء هوية وطنية جامعة. وقالت: "حين نتحدث عن الأدب السعودي فإننا نتحدث عن تاريخنا ووجداننا، وكل جنس أدبي يقدم صورتنا بطريقة مختلفة، لكنها جميعاً تشكل هوية واحدة".

وتناولت الهويدي مبادرة "الشريك الأدبي" التي منحت الأصوات السعودية الشابة مساحة للتعبير، وأعادت الأدب إلى الحياة اليومية بعيداً من النخبوية، مشيرة إلى أن المبادرة جعلت الأدب حاضراً في المقاهي وقريباً من الناس بمختلف أعمارهم. وأكدت أن الأدب يمثل "الأرشيف الحي" الذي يوثق تفاصيل الحياة للأجيال القادمة، ويحفظ العادات والتقاليد ويعزز الانتماء، مشيرة إلى دور الحكايات الشعبية والأمثال في صون الجذور وروابط المجتمع. وأضافت: "إن تأثير الأدب تجاوز الداخل، وأصبح يمد الجسور مع الثقافات الأخرى"، موضحة أن ترجمة الأدب السعودي تتيح للعالم رؤيتنا بعيوننا، فيما يمنحنا الاطلاع على آداب الشعوب الأخرى فرصة لاكتشاف أوجه التشابه الإنسانية على رغم اختلاف اللغات".

واختتمت الهويدي الورشة بقولها "الأدب بطاقة هوية لا تنتهي صلاحيتها، يربط بين الماضي والمستقبل، ويجعل وجودنا حاضراً بالكلمة والهوية".

الثقافة الأوزبكية ضيف شرف

ولعل أحد الأحداث البارزة في المعرض، هو حلول جمهورية أوزبكستان ضيف شرف هذا العام، مما سمح لزواره بالاطلاع على تجربة ثقافية فريدة تتميز بمنجزاتها الأدبية والفكرية، وموروثها الثقافي الأصيل وتاريخها وفنونها المتنوعة. وأقيم جناح للدولة الأوزبكية، يستعرض مخطوطات وإصدارات أوزبكية، بمشاركة رموز الثقافة الأوزبكية والمواهب والمبدعين، ضمن برنامج ثقافي منوع وثري.

 وأقيمت ندوات عدة حول الثقافة الأوزبكية، منها ندوة بعنوان "الدبلوماسية الثقافية لأوزبكستان على المنصات العالمية". واليوم تعتمد الجمهورية الأوزبكية منهج الدبلوماسية الثقافية بغية ترسيخ حضورها الثقافي والأدبي عبر الترجمات ومعارض الكتب العالمية والمناسبات التي تتخطى تخوم السياسة واللغة.

تتمثل أهمية اختيار معرض الرياض جمهورية أوزبكستان ضيف شرف، في ترسيخ التبادل الثقافي أولاً بين السعودية والجمهورية، وإقامة جسر عبور بين الحضارتين العريقتين، والتشارك في إحياء حالة من التواصل الدائم، على مستوى الأدب والفنون والمعرفة. ويمكن القول إن معرض الرياض وضع الثقافة الأوزبكية للمرة الأولى على الخريطة العربية.

نظرة على الأدب الأوزبكي الحديث

شهدت أوزبكستان خلال العقود الأخيرة تحولاً ملحوظاً في مشهدها الأدبي. فبعد الخروج من الحقبة السوفياتية بما حملته من قيود أيديولوجية ثقيلة، أخذ الأدب الأوزبكي المعاصر يفتح أبوابه أمام أصوات جديدة، وموضوعات متنوعة، وأشكال مبتكرة من التعبير تعكس التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية داخل البلاد.

من أبرز سمات هذا الأدب الجديد انشغاله بمسألة الهوية. فكتاب مثل حميد إسماعيلوف، ومجددي قراءة تراث علي شير نوائي، وأدباء شباب من طشقند وسمرقند، يعالجون معنى الهوية الأوزبكية في عالم معولم. وكثيرة هي الأعمال التي تعود إلى السرديات التقليدية والفولكلور والتراث الصوفي، وتمزجها بقضايا معاصرة مثل الهجرة، وصراع الأجيال، وحقوق المرأة، والهوية الوطنية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهجرة العمال، وقضايا الجندر والحياة اليومية، والذاكرة وطرق مواجهة الرقابة عبر الأساليب الرمزية والبلاغية.

ولا يقل أهمية عن ذلك التحول الأسلوبي في الرواية. فبينما كان الأدب الأوزبكي خلال الحقبة السوفياتية خاضعاً لهيمنة الواقعية الاشتراكية، يميل كتاب اليوم إلى التجريب بأساليب ما بعد الحداثة، والسرد المتشظي، والأنواع الهجينة التي تجمع بين الشعر والنثر والتقاليد الشفوية. وفتحت المنصات الإلكترونية والمجلات الأدبية فضاءات جديدة أمام الكتاب الشباب لنشر أعمالهم، متجاوزين بذلك المؤسسات الرسمية أحياناً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتكرر في هذا الأدب الجديد موضوع التوتر بين التقليد والحداثة. فالتوسع العمراني، وهجرة اليد العاملة (خصوصاً إلى روسيا)، وتأثير الثقافات الغربية والشرق أوسطية، كلها صنعت واقعاً اجتماعياً معقداً يسعى الكتاب إلى الإفادة منه واستخدامه. وبرزت الكاتبات في صورة خاصة، إذ تناولن قضايا الجندر، والعنف الأسري، والحرية من المعروف أن المشهد الأدبي في أوزبكستان أصبح منذ عام 2000، أكثر تعددية وتجريباً. يوجد أدب محلي داخل البلاد جنباً إلى جنب مع أدب المهجر، ويستخدم جيل من الأدباء الشباب منصات التواصل (فيسبوك، وإنستغرام، وتيليغرام) لنشر القصائد والقصص والوصول مباشرة إلى الجمهور.

أما الاتجاهات التي تحضر في الرواية فمنها إعادة قراءة التاريخ والسيرة. فثمة روايات معاصرة تتناول شخصيات وأحداثاً تاريخية وتعيد صياغتها لتناقش قضايا الهوية والذاكرة والسياسة. والمثال البارز هنا هو حميد إسماعيلوف الذي نال اهتماماً دولياً بترجمة روايته "رقصة الشيطان" إلى الإنجليزية.

ولعل اهتمام الحكومة الأوزبكية المتجدد بالدبلوماسية الثقافية ساعد في الترويج للأدب المعاصر على المستوى الدولي. فقد تُرجمت أعمال كتاب أوزبك إلى الإنجليزية والروسية والتركية ولغات أخرى، مما أتاح لجمهور عالمي أن يتعرف إلى غنى السرديات القادمة من آسيا الوسطى.

أما في مجال الشعر، فيقدم شعراء مثل خرشد دوستمحمدوف وأزيزا سيد قصائد تزاوج بين الإيقاع التقليدي والصور الحديثة، مستلهمة من الموسيقى الصوفية ومن تجارب الشباب المعاصر. وينتشر هذا الشعر في صورة خاصة عبر المجلات الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، مما يمنحه تواصلاً مباشراً مع القراء. وشاع منذ منتصف العقد الأول من الألفية قصائد قصيرة تنشر على "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تيليغرام"، إضافة إلى عروض شعرية ومنافسات أدائية تتابع على الإنترنت. ويمزج كثير من الشعراء المعاصرين صور الصوفية والأوزان التقليدية مع لغة يومية جديدة ومواضيع مثل الهجرة والجنس والاغتراب.

يعكس الأدب الجديد في أوزبكستان مجتمعاً في حالة من الانتقال والتحول. فهو يحافظ على صدى الماضي، لكنه يتحدث بلغة الحاضر. ومن خلال منحهم الصوت للتجارب المهمشة واعتمادهم أساليب جديدة، لا يعيد الكتاب الأوزبك اليوم تعريف الأدب الوطني فحسب، بل يسهمون أيضاً في التيارات الأوسع للأدب العالمي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة