Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جيل بلا سكن.. الشباب الأردني بين حلم التملك وعبء الإيجار

أصبح عبئاً اقتصادياً يهدد الزواج والاستقرار الاجتماعي ويلتهم نصف الدخل الشهري

تشير البيانات الرسمية إلى أن أسعار الإيجارات في العاصمة الأردنية عمان شهدت ارتفاعاً بنسبة 50 في المئة خلال الأعوام الأخيرة (اندبندنت عربية - صلاح ملكاوي)

ملخص

تملك الغالبية العظمى من الأسر الأردنية مسكنها، لكن الأزمة تكمن في الارتفاع الملحوظ في نسبة الأسر المستأجرة خلال الأعوام الأخيرة، ما بين غرب عمّان وشرقها، الإيجار يعمّق الفجوة الطبقية في الأردن.

وسط تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في الأردن، انكمش حلم الشباب من الطموح بوظيفة ذات دخل مرتفع إلى مطلبٍ أكثر بساطة وإلحاحاً: امتلاك سقفٍ يؤويهم ويوفر لهم قدراً من الاستقلالية والأمان.
لكن مع الارتفاع الجنوني في أسعار الأراضي والعقارات إلى مستويات تجاوزت قدرة الطبقة الوسطى، تحوّل الإيجار من خيار موقت إلى عبء دائم يلتهم ما لا يقل عن ثلث الدخل الشهري للأسر، وبات كثير من الشباب أمام مفترق صعب، إما تأجيل الزواج والاستقرار، أو التنازل عن الكرامة المعيشية والقبول بظروف سكنية متدهورة.
وهكذا، صار حلم امتلاك بيت في الأردن أشبه برغبة مؤجلة تتآكل تحت وطأة الغلاء، فيما يتحوّل الإيجار إلى دين مستمر يقضم الأمن النفسي والاجتماعي لجيل كامل من الأردنيين.

إيجارات مرتفعة

تشير البيانات الرسمية إلى أن أسعار الإيجارات في العاصمة عمان شهدت ارتفاعاً بنسبة 50 في المئة خلال الأعوام الأخيرة، مما جعلها خارج متناول كثير من الأسر ذات الدخل المحدود.
وتقول تقارير حديثة عام 2024 إن أسعار الإيجارات في عمان قفزت بمتوسط 10 في المئة خلال عام واحد، مما يزيد من الضغط على الأسر المستأجرة.
ومع متوسط دخل شهري لا يتجاوز 600 دولار، فإن أسعار الإيجارات في عمان تتباين ما بين غربها، الذي يقطنه أثرياء، وشرقها، الذي يضم الأحياء الفقيرة.
فقد أظهرت دراسة استقصائية أن متوسط الإيجار في عمان يلتهم نحو نصف الراتب الشهري، أما البنك الدولي فيشير إلى معضلة سماها العجز السكني بنحو 300 ألف وحدة سكنية مع حاجة سنوية تصل إلى 4 آلاف وحدة لتغطية النمو الأسري الجديد.
ومع أرقام السوق الحديثة يتحوّل السكن إلى عبء ساحق يستحيل معه الادخار للاستثمار أو شراء منزل، فكلف الأراضي والبناء والضرائب والرسوم المرتفعة تشكل ما بين 30 و60 في المئة من سعر الوحدات، إلى جانب القيود التنظيمية التي تقف عائقاً.
كما أن الضغوط الديموغرافية والهجرة الداخلية وتدفق اللاجئين، عوامل أسهمت بتركز الطلب على المدن الكبرى مما زاد الضغط على الإيجارات ورفع السعر في المناطق الحضرية.

فوضى العرض والطلب

يرى مراقبون في أزمة السكن تعطيلاً لتحويل الموارد إلى استثمار، فبدل الادخار لشراء بيت أو بدء مشروع، يتحوّل الدخل إلى مدفوعات إيجار متكررة.
يقول أحمد (28 سنة، موظف) إنه يتقاضى أجراً لا يزيد على 650 دولاراً يذهب نصفه تقريباً للسكن والخدمات، مما يجعله يدخل في دوامة شهرية للوفاء بالالتزامات الشهرية الأخرى لعائلته.
أما ليلى فتعيش مع والدتها في شقة مستقلة بأحد أحياء غرب العاصمة عمان، لتكون قريبة من عملها، وتتحدث عن سياسات التأجير الجديدة التي يفرضها المالكون، وتصف بعضها بأنها "تعجيزية"، كطلب دفعات متساوية بصورة سنوية ودفع رسوم إضافية كضمانات لمالك العقار، ورفض تأجير العائلات الكبيرة، مما حوّل مسألة البحث عن بيت للإيجار في عمان إلى مهمة شاقة.
لذلك ثمة مطالبات اليوم بعدم ترك السكن لفوضى السوق والعرض والطلب، واللجوء لتعديل الضرائب والرسوم العقارية لتخفيف العبء عن الوحدات المؤجرة وتشجيع سوق الإيجار الرسمي وخفض فوائد العقار البنكية وتطوير منتجات تمويل إسلامية مناسبة للتمليك، فضلاً عن تعديل سياسات التخطيط لزيادة كثافة الإسكان وتشجيع إنشاء وحدات صغيرة منخفضة الكلفة قرب مراكز العمل، إضافة إلى تنظيم السوق العقارية والمطالبة بتشريعات تحمي المستأجر والمُقرض والمواطن صاحب العقار، لتحفيف العبء وضمان ملكية سكنية قابلة للتحقيق.

الإيجار دين مستمر

ووفق المسح السكاني الذي أجري عام 2023 فإن متوسط عمر الزواج الأول هو 22.5 سنة للنساء و27.5 سنة للرجال، وهو مؤشر يُستخدم لقياس تأثيرات التأخر في الاستقرار والقدرة على تكوين أسرة مستقرة مادياً.
ولذلك فإن قسماً كبيراً من الشباب الأردني يؤخّر زواجه أو يؤجله بسبب عدم توفر المسكن المستقل، أو حتى عدم القدرة على استئجار منزل.
وسط هذه الحقيقة، تحدثت تقارير إعلامية محلية عن بيع نحو 12 ألف شقة سكنية في المزاد العلني من قبل البنوك بعد تعثر أصحابها وعدم قدرتهم على سداد ثمنها، في مشهد يجسد حجم المعضلة.
لكن الحكومة الأردنية تقول إنها اتخذت إجراءات عدة لتحفيز السوق العقارية، كإعفاء الشقق السكنية التي تزيد مساحتها على 150 متراً من رسوم التسجيل بنسبة 50 في المئة، كما تم إعفاء الشقق التي تقل مساحتها عن 150 متراً من رسوم التسجيل بنسبة 100 في المئة، وإعفاء المواطنين الذين يشترون شققاً للمرة الأولى من رسوم المسقفات بنسبة 50 في المئة لمدة ثلاثة أعوام.
يتحدث رئيس جمعية مستثمري قطاع الإسكان ماجد غوشة عن تراجع في النشاط العقاري ويرجع ذلك إلى ضعف القدرة الشرائية وزيادة أسعار المواد الإنشائية، مطالباً بجملة من الحوافز "كخفض ضريبة بيع العقار، البالغة ثلاثة في المئة من القيمة الإدارية للمسكن، التي يتحملها المواطن، وخفض ضريبة المبيعات على مدخلات البناء الرئيسة مثل الحديد والإسمنت، واستثمار أراضي الخزينة، وبخاصة أن كلفة الأرض تشكل حوالى 30 إلى 40 في المئة من كلفة المسكن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الواقع السكني بالأرقام

تقول بعض الدراسات إن نسبة كبيرة من الشباب لا يمتلكون مساكن مستقلة، ومع ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية فإن الأرقام الصادمة لعام 2024 تشير بحسب إحصاءات دائرة الأراضي والمساحة، إلى استمرار ارتفاع أسعار بيع العقارات، فمتوسط سعر المتر المربع للأرض في مناطق عمان الغربية تجاوز الـ1500 إلى 2000 دولار.
البيانات الأكثر شمولاً حول نسبة الأسر المالكة أو المستأجرة تعود عادةً إلى مسوحات دخل ونفقات الأسرة التي تجريها دائرة الإحصاءات العامة.
ووفقاً لتقديرات دائرة الإحصاءات العامة، بلغ عدد الأسر في المملكة لعام 2024 نحو 2.433 مليون أسرة، وبناءً على نتائج مسح أحوال الأسرة الأردنية وتقارير أخرى حديثة، فإن النسب التقديرية لتوزيع الأسر على نوع السكن تظهر أن نسبة السكن المملوك يقارب 65 في المئة، بما يعني نحو 1.6 مليون أسرة.

أما المساكن المستأجرة فتُقدَّر بنسبة 34 في المئة، بنحو 900 ألف أسرة، وهذا يشير إلى ارتفاع ملحوظ في نسب المساكن المستأجرة عن أعوام سابقة مما يعكس تصاعد أزمة الإيجارات.
كما تظهر الإحصاءات أيضاً جوانب مهمة، فنحو 74 في المئة من الأسر في الأردن تسكن في شقق، بينما حوالى 24.5 في المئة تسكن في منازل مستقلة، وتستحوذ نفقات المسكن والمياه والكهرباء والغاز على حوالى 23 في المئة من إجمال إنفاق الأسرة الأردنية.

حلول مبتكرة

وعلى رغم المشهد القاتم، فثمة حلول مبتكرة لأزمة الإسكان في الأردن، التي أصبحت أكثر إلحاحاً مع تزايد الضغط الديموغرافي.
من بين هذه الحلول "برنامج الإسكان الميسور"، وهو مبادرة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية والحكومة الأردنية، ويهدف إلى توفير وحدات سكنية للأردنيين ذوي الدخل المتوسط المنخفض دون الاعتماد على الإعانات الحكومية التقليدية.
يقوم البرنامج على القدرة الائتمانية للأسر الأردنية التي ترغب في استثمار متزايد في العقارات، والتمويل المقدم من البنوك التجارية والإسلامية المحلية، إضافة إلى الموارد والقدرة على البناء المتاحة لدى المطورين الأردنيين.
سعى هذا البرنامج إلى تسليم وحدات سكنية صغيرة الحجم بسعر حوالى 16 ألف دينار أردني (22567 دولاراً) لكل وحدة، لتشمل جميع أنحاء البلاد، وليتم شراؤها من قبل الأسر الأردنية ذات الدخل المتوسط المنخفض التي يتراوح دخلها الشهري بين 300 و 500 دينار أردني (بين 423 و705 دولارات أميركية).
ويهدف برنامج الإسكان الميسور الأردني إلى توفير ما يصل إلى 30.000 وحدة سكنية، وهذا حل ليس فقط لزيادة المعروض من المساكن الميسورة للأردنيين، ولكن أيضاً لتحسين جودة المساكن المؤجرة للاجئين، إذ لا تزال أزمة اللاجئين السوريين، على رغم عودة بعضهم بأرقام متواضعة، تشكل ضغطاً شديداً على القدرة الاستيعابية لسوق الإسكان الأردنية. (يُقدَّر عدد السوريين في الأردن بـ1.4 مليون نسمة، منهم نحو 630.000 لاجئ مسجل رسمياً، وقد استقر حوالى 82 في المئة من هؤلاء اللاجئين في المجتمعات المضيفة، وتحديداً في المناطق الحضرية).
لكن هذا المشروع لم تتضح نتائجه وظل محفوفاً بمخاوف كثيرة بعد فشل مشروع مشابه وهو مشروع "سكن كريم لعيش كريم" الذي بات أحد أهم الأمثلة الواقعية على إخفاق سياسات الإسكان في الأردن خلال العقدين الماضيين، إذ أُطلق المشروع عام 2008 بمبادرة من الملك عبدالله الثاني، وكان الهدف المعلن تأمين مساكن ميسرة لذوي الدخل المحدود والمتوسط، عبر توفير نحو 100 ألف وحدة سكنية خلال 10 أعوام، بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص.
قُدِّرت الكلفة الإجمالية للمشروع حينها بأكثر من 1.5 مليار دينار أردني، مع تخصيص أراضٍ حكومية في مناطق مختلفة، وكان من المفترض أن تُباع الشقق بأسعار تراوح ما بين 18 و24 ألف دينار أردني للوحدة الواحدة، لكنه واجه فشلاً ذريعاً، ووفق ديوان المحاسبة شابته كثير من المخالفات وتهم الفساد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير