Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحياء الخرطوم المنكوبة واستعادة الحياة بمبادرات شبابية

تشمل أنشطة في مجالات الدعم الاجتماعي والخدمات الصحية والبيئية والتعليم

المبادرات الشبابية سدت جزءاً من فراغ الغياب الحكومي في الخرطوم (حسن حامد) 

ملخص

أدى تدهور الأوضاع الصحية نتيجة توقف عدد من المرافق الطبية وصعوبة الوصول إلى المستشفيات الكبرى، فضلاً عن نقص الدواء وانتشار الأوبئة وغياب الكوادر في بعض المناطق، إلى ظهور مبادرات شبابية لتعويض هذا الفراغ عبر إنشاء نقاط إسعافات أولية وتوفير الأدوية الأساسية.

في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تشهدها أحياء عدة متضررة في العاصمة السودانية الخرطوم، أطلقت مجموعة من الشباب مبادرات محلية لمعالجة التحديات اليومية التي تواجه مجتمعات تلك الأحياء تشمل أنشطة في مجالات الدعم الاجتماعي والخدمات الصحية والبيئية والتعليم، إضافة إلى مشاريع اقتصادية صغيرة، مما أسهم بصورة كبيرة في إعادة الحياة وبث روح التفاؤل والأمل لهذه الأحياء، فضلاً عن جذب كثير من النازحين للعودة مجدداً إلى منازلهم التي هجروها منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" قبل قرابة الـ30 شهراً.

الناشطة الطوعية في مجال توفير الطعام للأسر الفقيرة "تكايا الخير"، سمر الهادي، قالت "منذ الأيام الأولى لاحظنا أن أكثر ما تحتاج إليه الأسر المتضررة هو الطعام، فكثير من العائلات فقدت عائلها أو مصدر دخلها بسبب النزوح والحرب، وأصبح الحصول على وجبة كريمة أمراً صعباً، لذلك قررنا إعادة فكرة التكايا التي عرفها السودانيون قديماً، فبدأنا بصورة بسيطة، وذلك بأن تتبرع كل أسرة بالقليل مما تملكه من أرز أو عدس أو زيت، ثم القيام بصورة جماعية في مكان عام بطبخ وتوزيع الوجبات على المحتاجين".

وأوضحت الهادي، "المبادرة لاقت تجاوباً كبيراً، لأنها لم تقتصر على سد الحاجة الغذائية وحسب، بل أعادت شيئاً من روح التضامن والالتفاف حول المجتمع، نحن اليوم نوفر ما يقارب 300 وجبة يومياً بدعم من بعض المغتربين وجهود متفرقة من منظمات صغيرة، لكن الأساس هو عمل الشباب المتطوعين الذين يواصلون على رغم شح الإمكانات".

وأردفت، "أصعب ما نواجهه في المبادرة هو الاستمرارية، في البداية كانت الحماسة كبيرة وتدفقت الإسهامات من الأهالي والمغتربين، لكن مع مرور الوقت أصبح توفير المواد الأساسية للطهي تحدياً يومياً بسبب ارتفاع أسعار السلع باستمرار وقلة التبرعات، فنجد أنفسنا أمام مئات الأسر ولا نملك ما يكفي من الطعام".

ومضت الناشطة الطوعية في القول "نواجه نقصاً في أماكن الطهي والتخزين، فنحن نعمل في ظروف غير صحية أحياناً، ومع أدوات بسيطة لا تكفي لإعداد الكميات المطلوبة، حتى مسألة الغاز أو الحطب للطهي صارت أزمة في حد ذاتها، ومع ذلك نحاول أن نستمر، لأننا ندرك أن توقف التكايا يعني أن عشرات العائلات ستبقى بلا وجبة في يومها، لذا ليس لنا بد غير أن نعمل بما يتوفر، وأحياناً نضطر إلى تقليل الحصص أو استبدال مكونات بأخرى أرخص، لكن الأهم أن نضمن أن يجد كل محتاج شيئاً يسد رمقه".

نقطة إسعافية

أدى تدهور الأوضاع الصحية نتيجة توقف عدد من المرافق الطبية وصعوبة الوصول إلى المستشفيات الكبرى، فضلاً عن نقص الدواء وانتشار الأوبئة وغياب الكوادر في بعض المناطق، إلى ظهور مبادرات شبابية لتعويض هذا الفراغ عبر إنشاء نقاط إسعافات أولية وتوفير الأدوية الأساسية.

في هذا السياق قال الناشط الاجتماعي مهند حافظ "أكبر مشكلة واجهها الأهالي بعد النزوح كانت انعدام الدواء، وبخاصة أدوية الأطفال وكبار السن والنساء، فكثر كانوا يقطعون مسافات طويلة للحصول على شريط حبوب أو حقنة أساسية، لذلك فكرنا في إيجاد مبادرة صغيرة لتوفير العلاج، حيث تواصلنا مع صيادلة متطوعين وبعض مخازن الأدوية، إضافة إلى متبرعين من الخارج، ونجحنا في جمع أصناف أساسية مثل البانادول وأدوية الضغط والمضادات الحيوية".

وذكر حافظ، "بعد ذلك أنشأنا نقطة إسعافات أولية داخل الحي أشرف عليها طبيب شاب من دون مقابل. وأصبحنا نستقبل يومياً عشرات الحالات، من جروح بسيطة إلى التهابات الأطفال، صحيح أن إمكاناتنا محدودة ولا نملك أجهزة متقدمة، لكن وجود علاج أولي أسهم في تخفيف المعاناة، بل أنقذ أرواحاً في أكثر من مرة".

 

وتابع، "مع انتشار حمى الضنك أخيراً ازدادت معاناتنا كمتطوعين في مبادرة الدواء، إذ أصبحت الحالات بالعشرات يومياً، وغالبية المصابين يحتاجون فقط إلى راحة وتغذية جيدة وخافض للحرارة مثل البانادول، لكن المشكلة أن الدواء أصبح نادراً وارتفع سعره، كنا نبحث في كل الصيدليات المتبقية عن أي كمية متوفرة، وأحياناً نحصل على تبرعات صغيرة من المغتربين".

واستطرد الناشط الاجتماعي "في نقطة الإسعافات الأولية التي أنشأناها داخل الحي، كنا نستقبل الأطفال والشباب المصابين بأعراض الحمى، ونحاول توفير الحد الأدنى من الرعاية مثل قياس الحرارة، وإعطاء خافضات متوفرة، ونصائح بالإكثار من السوائل والراحة، صحيح أن إمكاناتنا محدودة، لكن مجرد وجود مكان يلجأ إليه الناس خفف عنهم القلق، وساعدنا في إنقاذ حالات كان يمكن أن تتدهور أكثر لولا التدخل السريع".

نظافة ورش

يقول أحد المتطوعين في حملة بيئية بأم درمان، أحمد الطيب، "مع بداية موسم الأمطار لاحظنا أن تراكم النفايات والمياه الراكدة بات يهدد الأحياء بانتشار الأوبئة، لذلك شكلنا فرقاً صغيرة من الشباب لحملات نظافة ورش مبيدات بسيطة، كنا نستخدم أدوات بدائية من مكانس وجاروف وجوالات بلاستيكية، لكن النتيجة أحدثت فرقاً ملموساً، فالناس شعروا أن الحي صار أكثر أماناً وأصبح لديهم دافع يشاركون معنا".

وتابع الطيب، "هذه المبادرات ركزت على جمع النفايات من الشوارع ومجاري المياه، وردم الحفر الراكدة التي تحولت إلى بؤر لتكاثر البعوض، كما جرى التنسيق مع بعض المنظمات مثل الهلال الأحمر السوداني لتوفير مبيدات محدودة لرش المناطق الأكثر خطراً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وواصل المتطوع، "كنا نخرج بمكبر صوت ونجوب الأزقة لنشرح للناس أعراض حمى الضنك والملاريا، ونوصيهم بالنوم تحت الناموسيات واستخدام المياه النظيفة، فكثر لم تكن لديهم أي فكرة عن طرق الوقاية".

سد الفراغ

من جانبه، قال المسؤول في محلية أم درمان الرشيد عبدالقادر، "الوضع البيئي في المدينة تأثر بشدة بسبب توقف خدمات النظافة المنتظمة ونقص الموارد البلدية، إذ تراكمت النفايات في الشوارع لفترات طويلة، ومع موسم الأمطار ظهرت تجمعات مياه شكلت بيئة مناسبة لتكاثر البعوض، نعمل في المحلية بقدر ما نستطيع على توفير عربات لنقل النفايات، لكن الواقع أكبر من إمكاناتنا الحالية".

وأضاف عبدالقادر، "ما يبعث على التفاؤل أن المبادرات الشبابية سدت جزءاً من هذا الفراغ، إذ قامت بحملات نظافة ورش مبيدات ساعدت في تقليل حجم الأخطار، نرى أن التنسيق بين المحلية وهذه المبادرات ضروري في المرحلة المقبلة، حتى نضمن استدامة العمل وتحقيق أثر أكبر".

أنشطة تعليمية

الناشطة الثقافية والمتطوعة آمنة طه قالت بدورها، "بعدما أغلقت المدارس في حيّنا بسبب النزوح والأضرار، لم يكن أمام الأطفال إلا الجلوس في البيوت بلا تعليم، قررنا نحن، بعض الشباب، تنظيم فصول موقتة تحت الأشجار أو في المراكز المجتمعية البسيطة، لتقديم دروس محو الأمية ومراجعة المواد الأساسية".

وزادت طه، "ركزت هذه المبادرات على تقديم تعليم أساسي للأطفال والمراهقين، إضافة إلى أنشطة ثقافية بسيطة مثل القراءة والرسم والمسرحيات الصغيرة، وعمل المتطوعون على توزيع كتب وقرطاسية، بالتعاون مع بعض المنظمات غير الحكومية مثل المورد الثقافي لدعم الفصول الموقتة".

وواصلت "هدفنا ليس فقط تعليم الأطفال، بل هدفنا إبقاؤهم منخرطين في أنشطة بنّاءة تمنعهم من الانحراف أو الإحساس بالفراغ الطويل الناتج من النزوح".

 

وأضافت، "تأتي هذه الجهود في إطار سعي المجتمع المحلي إلى الحفاظ على استمرارية التعلم للأطفال في ظل غياب الدعم الرسمي، مع التركيز على الدمج بين التعليم والمعرفة الثقافية لإعادة بناء الروابط الاجتماعية وإحياء الحي بروح النشاط والإبداع".

وأردفت طه، "لاحظنا أن كثيراً من الشباب فقدوا وظائفهم بعد الحرب، وأصبحوا بلا دخل ولا نشاط، لذلك أنشأنا ورش عمل صغيرة لتعليم الحرف، مثل الخياطة وصيانة الهواتف والنجارة، حتى نساعدهم على كسب مصدر رزق جديد في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ونظمنا أيضاً دورات قصيرة في الكمبيوتر والمهارات الرقمية، مما فتح أمام المشاركين فرصاً للعمل الحر عبر الإنترنت، هذه التجارب عززت روح الاعتماد على الذات، وأثبتت أن التعليم والثقافة يمكن أن يتكاملا مع التدريب المهني لخلق فرص بديلة وفتح نافذة أمل للمستقبل".

بطالة وتضخم

من جهته، أفاد الباحث الاقتصادي مصطفى البشير بأن "الوضع الاقتصادي في الأحياء المتضررة معقد، إذ تتزامن مستويات البطالة المرتفعة مع تضخم الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، لذا فإن المبادرات الشبابية تعد خطوة إيجابية لكنها غير كافية بمفردها، فالحل الطويل الأمد يعتمد على ربط هذه المشاريع بمبادرات دعم مؤسسي، وتسهيل وصولها إلى أسواق أكبر، وإعطائها فرصة للنمو والاستدامة".

وختم البشير بالقول، "يمكن تحويل هذه المبادرات الصغيرة إلى نواة للاقتصاد المحلي المستدام، إذا ما جرى توفير التدريب والتمويل والبنية التحتية الأساسية، بما يسمح للشباب الاعتماد على أنفسهم وإحداث تأثير ملموس على المستوى المجتمعي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير