ملخص
توظف صناعة الصلب الأوروبية أكثر من 300 ألف عامل، وتراجعت السعة الإنتاجية لمصانع الصلب الأوروبية في الآونة الأخيرة من 80 في المئة عام 2008 إلى 65 في المئة خلال 2024.
يشهد قطاع التعدين وتجارة المعادن العالمي اضطرابات مستمرة منذ بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب حربه التجارية على شركاء بلاده التجاريين مطلع هذا العام بفرض تعريفة جمركية بنسبة 25 في المئة على واردات أكبر اقتصاد في العالم من الصلب والألمنيوم.
وتوالت ردود الفعل على إجراءات إدارة ترمب بتصرفات حمائية وفرض تعريفة انتقامية كرد فعل على الحرب التجارية الأميركية.
من النتائج الأخرى غير المباشرة للحرب التجارية الأميركية أن دولاً وكيانات بدأت تحمي منتجاتها المحلية بقرارات تعريفة جمركية مضادة من ناحية وبسياسات انعزالية تضر بالتجارة الدولية، خصوصاً في المعادن والسيارات، وغيرهما.
وبما أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة، ككتلة من الدول، فهو من أكثر المتضررين من الحرب التجارية الأميركية على رغم توصل الاتحاد إلى اتفاق تجاري مع إدارة ترمب تتضمن تخفيف بعض رسوم التعريفة الجمركية من بين بنود أخرى، فإن الأوروبيين يواجهون أيضاً اغراق المنتجات الصينية لأسواقهم.
لذا، أعلنت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، قبل أيام عن إجراءات حمائية لقطاع صناعة الصلب، مما أثار الذعر في صناعة الصلب البريطانية التي تواجه خطر الانهيار إذا طبقت بروكسل تلك الإجراءات الجديدة.
وتعد السوق الأوروبية الوجهة الأكبر والأهم لصادرات الصلب البريطانية، إذ تصدر لندن إلى أوروبا 4 أضعاف ما تصدره للولايات المتحدة من منتجات الصلب، هذا في وقت ما زالت لندن تتفاوض فيه مع واشنطن على خفض رسوم التعريفة الجمركية على الصلب على رغم الاتفاق التجاري الجزئي بين البلدين الذي وقع قبل أشهر قليلة.
إجراءات الصلب الأوروبية
تستهدف المقترحات الأوروبية خفض واردات الصلب المُعفاة من الضرائب والرسوم الجمركية إلى دول الاتحاد بمقدار يقارب النصف، إضافة إلى زيادة التعريفة الجمركية على الواردات بمقدار الضعف.
وتعد تلك أوسع وأشد إجراءات حمائية تفرضها أوروبا منذ وضعت سقف استيراد الصلب ورسوم التعريفة الجمركية على وارداته عام 2013.
تتضمن إجراءات المفوضية الأوروبية وضع حد أقصى لاستيراد الصلب المُعفى من الجمارك عند 18.3 مليون طن سنوياً، أي بخفض عن حصص العام الماضي 2024 بنسبة تصل إلى 47 في المئة، إذ استوردت دول الاتحاد الأوروبي 27.4 مليون طن من الصلب العام الماضي، وسترفع التعريفة الجمركية على واردات الصلب فوق سقف حصص الاستيراد المعفي إلى نسبة 50 في المئة من نسبة 25 في المئة حالياً.
وعلى رغم أن الهدف من تلك الإجراءات هو حماية صناعة الصلب الأوروبية وشركاتها، فإن قطاعات صناعية أوروبية تشتكي بالفعل من الأضرار التي ستلحق بها جراء تطبيق هذه السياسات الحمائية الجديدة.
وفور الإعلان عن تلك الإجراءات رد اتحاد مصنعي السيارات الأوروبية على مقترحات المفوضية ببيان يعرب فيه عن معارضته لها باعتبارها تهدد شركات صناعة السيارات بزيادة كلفة الإنتاج واعباء إدارية أخرى، إذ تضيف الإجراءات الجديدة مزيداً من الاضطراب إلى سوق الصلب التي تضررت بالفعل من فرض التعريفة الجمركية الأميركية في وقت سابق من هذا العام.
وربما يتوقع البعض أن المفوضية الأوروبية تتخذ تلك الإجراءات لحماية شركات الصلب الأوروبية ومنتجاتها من الإغراق بمنتجات صلب تنافسية منخفضة الأسعار، خصوصاً من الصين التي تطغى صادراتها من الصلب على الأسواق، أو حتى أن تكون تلك القرارات رداً انتقامياً على الولايات المتحدة التي تتوسع في فرض رسوم التعريفة الجمركية على شركائها، بمن فيهم الأوروبيون، إنما تبعات تلك الإجراءات أوسع من ذلك.
أزمة الصناعة البريطانية
تصدر بريطانيا نحو 80 في المئة من صادرات صناعة الصلب لديها إلى السوق الأوروبية، بالتالي فإن الإجراءات الحمائية الأوروبية تضر بتلك الصناعة البريطانية أكثر من ضرر التعريفة الجمركية الأميركية. وبلغت الصادرات البريطانية من الصلب إلى دول الاتحاد الأوروبي العام الماضي 2024 نحو 1.9 مليون طن.
لذا، أعرب مدير اتحاد صناعات الصلب البريطانية غاريث ستيس عن أن الإجراءات الأوروبية تمثل "تهديداً وجودياً" لما تبقى من صناعة الصلب البريطانية، مضيفاً في بيان له أن "هذه ربما تكون أكبر أزمة تواجهها صناعة الصلب على الإطلاق".
لا يخشى ممثلو صناعة الصلب البريطانية من تراجع صادراتهم إلى أوروبا وزيادة كلفتها بما يقلل العائدات والأرباح ويهدد بإغلاق المصانع المتبقية في البلاد وتسريح العاملين بها فحسب، إنما هناك خشية جدية من أن تقليل أوروبا وارداتها قد يؤدي إلى اغراق السوق البريطانية بمنتجات الصلب الرخيصة التي لن تذهب إلى أوروبا.
وأضاف بيان ستيس أنه "على الحكومة البريطانية العمل بقوة وسرعة على تحسين علاقاتنا التجارية مع الاتحاد الأوروبي لضمان الحفاظ على حصص الصادرات، وإلا سنواجه كارثة حقيقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعهدت الحكومة البريطانية الدفاع عن صناعة الصلب البريطانية تجاه ما وصفته بأنه "سلوك غير عادل"، وهو ما يهدد بعودة التوتر إلى العلاقات بين لندن وبروكسل.
وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن وزير الصناعة البريطاني كريس ماكدونالد "طلب إيضاحات عاجلة حول تأثير تلك الإجراءات في صناعة الصلب البريطانية".
وأشار الوزير إلى احتمال اتخاذ بريطانيا إجراءات انتقامية رداً على الحمائية الأوروبية، أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فأعلن أن حكومته تواصل المحادثات مع الأوروبيين كما تفعل مع الأميركيين للتوصل إلى شروط تجارية أفضل.
مبررات أوروبية
على الجانب الآخر هناك مبررات عملية لدى المفوضية الأوروبية لإعلان تلك الإجراءات الحمائية، فهي ترغب في الإسراع بمكافحة الإغراق قبل نهاية القواعد الحالية لمنع الإغراق بمنتجات الصلب التي تنتهي في يونيو (حزيران) 2026، ويطالب اتحاد صناعات الصلب الأوروبية "يورفير" المفوضية بضرورة العمل على حماية المصانع الأوروبية.
وتوظف صناعة الصلب الأوروبية ما يزيد على 300 ألف عامل، وتراجعت سعتها الإنتاجية في الآونة الأخيرة، فبعدما كانت السعة الإنتاجية لمصانع الصلب الأوروبية عند نسبة 80 في المئة عام 2008 انخفضت لتصل خلال العام الماضي 2024 إلى 65 في المئة.
وتعد الهند أكبر مصدر لمنتجات الصلب إلى أوروبا، ووصلت صادرات الصلب الهندية إلى دول الاتحاد الأوروبي العام الماضي إلى 4 مليارات يورو (4.6 مليار دولار)، وارتفعت صادرات الصلب الهندية إلى أوروبا بما يقارب 90 في المئة ما بين 2019 و2024.
بعد الهند تأتي كوريا الجنوبية بصادرات صلب إلى أوروبا بلغت 3.6 مليار يورو (4 مليار دولار)، أما صادرات بريطانيا من الصلب إلى أوروبا فبلغت قيمتها العام الماضي 3.2 مليار يورو (3.7 مليار دولار).
مع ذلك تواجه أوروبا وغيرها مشكلة أكبر مع إغراق منتجات الصلب الصينية للأسواق العالمية، إذ تنتج الصين تقريباً نسبة 50 في المئة التجارة العالمية من الصلب، لذا، فإن الإجراءات الحمائية الأوروبية تستهدف الحد من إغراق المنتجات الصينية بالأساس وما تضرر الصناعة البريطانية، وربما الصادرات الهندية إلا عرض جانبي.
وتشترك أوروبا في الموقف من إغراق المنتج الصيني قليل الكلفة والسعر لأسواقها مع الولايات المتحدة التي تستهدف حربها التجارية مختلف المنتجات الصينية، بما فيها الحديد والصلب، مما جعل بعض المعلقين يقولون إن الاتحاد الأوروبي "ينسخ" أساليب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مواجهة الصين.
أيضاً، من التبعات المتوقعة للإجراءات الأوروبية أن تتخذ دول وكيانات اقتصادية أخرى إجراءات مماثلة لحماية صناعاتها المحلية من إغراق أسواقها بالمنتجات الصينية التي لن تذهب إلى أوروبا وأميركا، ومن شأن ذلك أن يعقد أكثر تجارة الصلب العالمية ويضر بقطاع واسع من الصناعات الأخرى التي يدخل فيها الحديد والصلب.