ملخص
يتهم رئيس الوزراء المغربي الحالي بالجشع والسعي وراء استغلال نفوذه السياسي، في سبيل تحقيق مآرب شخصية على حساب المصلحة العامة للدولة، وما يدل على تدني شعبيته، إضافة إلى المطالبة برحيله، قيام جانب من المغاربة بحملة مقاطعة خلال عام 2018 لشركة المحروقات المملوكة له (ضمن ثلاث مواد استهلاكية)، وتعيد حالياً حركة "جيل زد" المطالبة بمقاطعة شركاته احتجاجاً على تدبيره السيئ للسياسات العامة، واستغلال ما يسمى محلياً بـ"زواج الثروة والسلطة".
يطالب المتظاهرون في احتجاجات "'جيل زد" المتواصلة ليومها الـ13 في شوارع المدن المغربية بإقالة الحكومة، ويستخدمون في ذلك عبارة "أخنوش ارحل"، وهو ما يوحي أن رئيس الوزراء الحالي عزيز أخنوش يشكل جزءاً من أسباب الاحتقان الشعبي الذي يشهده المغرب خلال السنوات الأخيرة، بالنظر إلى توجهاته التي واصلت التسبب في تراجع مستوى جودة بعض الخدمات العمومية، وغض النظر عن معضلة البطالة، واستمرار ارتفاع حجم الدين العام (بلغت نسبته 72 في المئة عام 2022)، وعدم وجود نية لمكافحة الفساد.
يتهم رئيس الوزراء المغربي الحالي بالجشع والسعي وراء استغلال نفوذه السياسي، في سبيل تحقيق مآرب شخصية على حساب المصلحة العامة للدولة، وما يدل على تدني شعبيته، إضافة إلى المطالبة برحيله، قيام جانب من المغاربة بحملة مقاطعة خلال عام 2018 لشركة المحروقات المملوكة له (ضمن ثلاث مواد استهلاكية)، وتعيد حالياً حركة "جيل زد" المطالبة بمقاطعة شركاته احتجاجاً على تدبيره السيئ للسياسات العامة، واستغلال ما يسمى محلياً بـ"زواج الثروة والسلطة".
إمبراطور المحروقات
يصنف عزيز أخنوش ضمن ثلاثة أغنى المليارديرات المغاربة، بثروة تعادل ملياري دولار، بحسب مجلة "فوربس"، إذ يملك الشركة القابضة "أكوا" التي تنشط في عدد من القطاعات مثل توزيع المحروقات والغاز الطبيعي المسال، وكذلك الإعلام وتحلية مياه البحر، إضافة إلى مجال العقارات التجارية والسياحية، وتمتلك كذلك مجمعات للمطاعم وفنادق فخمة، وتوضح المجلة أن أخنوش، الذي عارض تقديراتها، لم يقدم كثيراً من الشفافية حول ثروته من خلال التقارير السنوية لوضعية شركاته.
يعد الملياردير أخنوش إمبراطور المحروقات بالمغرب، إذ تستحوذ شركته "أفريقيا" على نحو 40 في المئة من سوق المحروقات المحلية، وتمتلك أكثر من 500 محطة وقود، موزعة على كل تراب البلاد، انتقل رقم معاملاتها من 621 مليون درهم (68.24 مليون دولار) في عام 2004، إلى 4.42 مليار درهم (0.49 مليار دولار) خلال عام 2017، بحسب الهيئة المغربية لسوق الرساميل (هيئة حكومية).
ويرى مراقبون أن مستوى الثروة والنفوذ الذي وصل إليه رئيس الوزراء المغربي الحالي ليس إلا نتيجة لدعمه من طرف السلطة، إذ أسهمت في استحواذه على مجال المحروقات، وعبدت له الطريق إلى المجال السياسي، وأصبح في عام 2016 أميناً عاماً لحزب "التجمع الوطني للأحرار" المعروف بـ"حزب الأعيان"، باعتبار أنه يدار منذ إنشائه من طرف مجموعة من رجال الأعمال المتعاقبين، وأنشئ الحزب في عام 1978 بإيعاز من السلطة للسيطرة على المشهد السياسي المغربي.
يوضح الأكاديمي المغربي أبو بكر الجامعي أن السلطة أسهمت بصورة غير مباشرة في عملية بيع شركة المحروقات "سوميبي" لأخنوش، وسهلت له الحصول على قروض ضخمة لإتمام تلك الصفقة، وبذلك أصبحت شركة "أفريقيا" واحدة من أكبر الشركات في مجال المحروقات بالمغرب، مشيراً إلى أن شركات توزيع المواد الطاقية، وعلى رأسها "أفريقيا"، كانت المستفيدة الوحيدة من إغلاق شركة "لاسامير"، التي كانت تختص بعملية استيراد البترول وتكريره، وتقوم بتزويد السوق المغربية بالمحروقات، بحيث أصبحوا يستوردون تلك المواد الطاقية بصورة مباشرة ويتحكمون في تحديد الأسعار، مما زاد من حجم هامش الربح لديهم.
تتهم شركات المحروقات الناشطة بالمغرب باستغلال قرار الحكومة المغربية القاضي بتحرير أسعار المحروقات، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2016، عبر الاتفاق في ما بينها على الإبقاء على الأسعار المرتفعة، على رغم تراجع سعر برميل النفط في السوق العالمية، إذ قدرت لجنة برلمانية إجمالي الأرباح التي جنتها تلك الشركات بما فيها شركة "أفريقيا" من ذلك التلاعب بـ17 مليار درهم (1.87 مليار دولار)، وهو ما خلف موجة استياء كبيرة في الشارع المغربي.
من جانبه، يؤكد رئيس الوزراء المغربي السابق عبدالإله بنكيران شبهة التلاعب في أسعار المحروقات التي تلاحق الملياردير المغربي، موضحاً أنه اعتمد قرار إنهاء نظام المقاصة، خلال توليه رئاسة الحكومة، ظناً منه أن المنافسة ستعمل على خفض الأسعار، لكن النتيجة كانت عكس ذلك، مشيراً إلى أن أخنوش استغل نظام المقاصة السابق هو الآخر، لجني أرباح غير قانونية، إذ قال مخاطباً أخنوش في أحد المداخلات "كنتم تأتون بمستندات عملية استيراد المحروقات من الخارج ويصرف لكم مبلغ الدعم، في حين لم يكن بإمكان إدارة المقاصة التحقق من عمليات الاستيراد تلك، وكان لدي شك في نزاهة تلك الصفقات".
تعرف أسعار المحروقات في المغرب حالياً ارتفاعاً كبيراً، إذ بلغ سعر الغازوال 10.7 درهم (1.17 دولار) للتر، فيما بلغ سعر البنزين 12.7 درهم (1.39 دولار)، في الوقت الذي لا تتجاوز فيه الكلفة الحقيقية 9.1 درهم (ما يقارب دولار واحد) للغازوال و9.9 درهم (1.08 دولار) للبنزين، مع الأخذ في الاعتبار أسعار السوق الدولية ومصاريف النقل والتخزين وحجم الضرائب.
هفوة "المغرب الأخضر"
قام عزيز أخنوش خلال توليه حقيبة وزارة الفلاحة (2007-2021)، بإطلاق مخطط "المغرب الأخضر" في عام 2008، بهدف تطوير المجال الفلاحي، عبر العمل على الزيادة في حجم الإنتاج، وتحسين وضعية الفلاحين، لكن مراقبين أكدوا فشل المخطط، إذ استفاد كبار الفلاحين منه، إضافة إلى مساهمته في تهديد الأمن المائي.
وعبر الناشط الحقوقي سعيد العنزي تاشفين عن استغرابه من اعتماد مخطط بموازنة عامة ضخمة، في وقت لا تزال فيه المملكة تستورد اللحوم والأعلاف والحبوب والزيوت والسكر، مضيفاً أن المفارقة العجيبة هي تصدير المغرب لمواد تتطلب كميات كبيرة من مياه الري مثل فاكهة الأفوكادو (يحتاج إنتاج كيلوغرام واحد إلى 1000 لتر من الماء)، في وقت يشهد فيه البلد أزمة نقص حادة في المياه، إثر موجة جفاف استمرت لسنوات.
تنازع المصالح
أثار فوز شركتين تابعتين للملياردير عزيز أخنوش، (ضمن تحالف يضم شركات مغربية وإسبانية)، بصفقة ضخمة لتحلية مياه البحر، خلال عام 2024، باستثمار إجمالي يبلغ 6.5 مليار درهم (ما يفوق 700 مليون دولار) استياء كبيراً في الشارع المغربي الذي اعتبرها غير قانونية، بالنظر إلى تضارب المصالح لدى رئيس الحكومة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار فاطمة التامني استغربت في سؤال كتابي خلال جلسة برلمانية من فوز شركتين يمتلكهما رئيس الحكومة، بصفقة ضخمة لبناء وصيانة وإدارة محطة تحلية المياه بمدينة الدار البيضاء، بقيمة تبلغ 15 مليار درهم (ما يعادل 1.5 مليار دولار)، من خلال شركتي "أفريقيا غاز" و"غرين أوف أفريكا" (تجمع لثلاث شركات تعود واحدة منها لأخنوش)، مشيرة إلى أن "الشركتين ليست لهما خبرة واسعة في مجال تحلية المياه، إلا أنهما فازتا مع شركة "أكسيونا" الإسبانية بالصفقة الضخمة، المتعلقة بأكبر محطة على المستوى الأفريقي، وهو الأمر الذي يطرح عدداً من التساؤلات، على حد تعبيرها.
وفي تعليقه على الأمر، أوضح حزب "العدالة والتنمية" (المعارض) أن صفقة تحلية مياه البحر، يشرف عليها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، الذي يترأس أخنوش مجلسه الإداري، مما يشكل تنازعاً للمصالح، لكون رئيس الحكومة يمارس مهمات الإشراف والوصاية على المكتب.
وأضاف الحزب أن ما يؤكد شبهة تنازع المصالح تلك أن دفتر تحملات المشروع يقصي الترشح من الصفقة لمن لديه إمكان الإحاطة بتفاصيلها، مضيفاً أنه تم إجراء تعديل على قانون المالية العام الماضي، يقضي بخفض نسبة الضريبة على الشركات من 35 إلى 20 في المئة في ما يخص الاستثمارات التي تبلغ 1.5 مليار درهم (0.16 مليار دولار) خلال خمسة أعوام، وهو ما اعتبره الحزب تدبيراً مدروساً لخفض نسبة الضرائب على الشركات المساهمة في مشروع تحلية المياه.
مسؤولية من سبق
يحمل رئيس الوزراء المغربي الحالي مسؤولية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي خرج بسببها "جيل زد" في تظاهرات إلى الحكومات السابقة، وبالخصوص لحزب "العدالة والتنمية" الذي ترأس الحكومة من 2011 إلى 2021، مؤكداً استعداده لإطلاق حوار مع المحتجين في سبيل إيجاد حلول لتلك الأوضاع، كما نفى اتهامات تضارب المصالح بخصوص صفقة تحلية مياه البحر.
وأوضح أخنوش أن فوز شركتيه بالصفقة جرى بكل شفافية، مضيفاً أن "الصفقة والاستثمار فيه مخاطرة كبيرة، خصوصاً أن الفائز بالصفقة سيضخ 650 مليون دولار بصورة مباشرة لإنجاز المشروع، من دون الحصول على أي دعم عمومي".