Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسرحية "المطعم" صرخة مصرية في وجه الرأسمالية الطفيلية

قرد يهرب من بيت "سكندري" قديم وإنسان يقوم بدوره

مشهد من المسرحية المصرية "المطعم" (خدمة الفرقة)

ملخص

قدمت فرقة قصر ثقافة بولكلي في الإسكندرية عرض "المطعم" المأخوذ عن نص الكاتب التركي غونكور ديلمان "مطعم القردة الحية" واختار مخرجه محمد عبدالمنعم فضاء غير تقليدي تدور فيه الأحداث، شقة سكنية في بيت "سكندري" قديم، وجعل الجمهور جزءاً من لعبته المسرحية.

تعد الإسكندرية مدينة مسرح بامتياز، نظراً إلى تعدد مؤسسات الإنتاج المسرحي فيها، سواء المراكز الثقافية الأجنبية، أو قصور وبيوت الثقافة، أو مكتبتها الشهيرة، أو فرقها المستقلة، أو فرقتها التابعة للبيت الفني للمسرح، فضلاً عن وجود مؤسستين تعليميتين مهمتين بها، فرع المعهد العالي للفنون المسرحية التابع لأكاديمية الفنون بالقاهرة، وقسم علوم المسرح في كلية الآداب جامعة الإسكندرية.

لذلك لم يكن غريباً على هذه المدينة، أن تخرج عدداً كبيراً من الممثلين والمخرجين والسينوغرافيين والكتاب الذين ينتشرون في الساحة الفنية المصرية الآن، سواء في المسرح أو السينما أو الدراما التلفزيونية.

ولا ينظر أهل الفن في مصر إلى الإسكندرية على أنها إقليم يعتمد على المركز وينتظر أن يمد له يد المساعدة، بل ينظرون إليها على أنها مركز قائم بذاته يفدون إليه، ليس للتنزه وحسب، بل للاستمتاع بما يقدمه فنانوه من أعمال مسرحية، أهلتها مستوياتها للمشاركة في مهرجانات قومية ودولية والحصول على جوائز.

كاتب اجتماعي

في الإسكندرية قدم قصر ثقافة بولكلي (هيئة قصور الثقافة-وزارة الثقافة) عرض "المطعم" عن نص "مطعم القردة الحية" للكاتب التركي غونكور ديلمان، إخراج محمد عبدالمنعم.

ومسرحية "مطعم القردة الحية" ترجمها إلى العربية نصرت مردان، وراجعها وقدم لها الدكتور إبراهيم الداقوقي الذي يقول عن غونكور ديلمان إنه "كاتب اجتماعي كبير وناقد فني عنيف، يحاول انتزاع الأقنعة عن وجوه البشر ليروا الحقيقة كما هي بعيداً من الزيف والنفاق والتملق، ومن دون خوف أو وجل من ديكتاتورية السلطة وجبروت الإرهاب الفكري وسطوة رأس المال، فإذا خانه التعبير عن ذلك ارتفع عن سطحية الواقع ليحلق في أجواء الرمز الموحي ليكشف عما في الحياة من قبح وتفاهة ولؤم وتعاسة، وهو في ذلك كله يظل على إيمانه العميق بأن الحياة ملحمة نضالية يجب على الإنسان أن يتمتع بجمال الكفاح فيها وروعة الانتصار على سلبياتها".

والنص الأصلي لمسرحية "مطعم القردة الحية" يحكي قصة الزوجين "جوناثان" أثناء قضاء شهر العسل في "هونغ كونغ"، والزوج ثري أميركي بدأ حياته ماسحاً للأحذية وبائع جرائد، ثم امتلك عدداً من آبار النفط، أما الزوجة فهي غانية جميلة لعوب، وجاء الزوجان إلي المطعم المشهور لتناول العشاء، قرد حي تقطع رأسه أمامهما على المائدة ويقدم مخه طازجاً للزبائن، وعندما يهرب القرد، بعد حلق شعر رأسه وتجهيزه، يساوم الزوجان شاعراً فقيراً "وونك" تصادف وجوده في المطعم، على أن يبيع لهما مخه بدلاً من القرد الهارب، فالزوج الغني يريد أن يرضي زوجته الجميلة بأية طريقة حتى لو كان ذلك على حساب حياة إنسان، كل شيء في نظره قابل للبيع ما دام يمتلك القدرة المالية.

شمطاء ومراهق

لم تهتم معدة النص (نسمة عبدالعزيز) ببعض تفاصيل النص الأصلي، نحن أمام زوجين ثريين وحسب، لا أسماء لهما، هما السيد والسيدة، وعمد المخرج إلى رسم هاتين الشخصيتين بصورة كاريكاتيرية فيها قدر من المبالغة والتشويه، فالزوجة (سامية جمال) ليست أكثر من سيدة شمطاء، ليس لديها مانع من مغازلة شاب هنا أو هناك، وتبدو في تصرفاتها أنها ليست "ابنة نعمة" والزوج (حسام العزازي) بالمثل مجرد رجل تافه يغازل الطاهية (علا محمد) فهما أساساً من أصول وضيعة، فالمظهر الخارجي مبهر ولامع، بينما الداخل مشوه ومنحط.

أيضاً جُرّد المكان، فهو مجرد مطعم في مكان ما غير محدد، فالغرض في النهاية هو فضح الرأسمالية الطفيلية بصورة عامة، وبيان مدى انتهازيتها ولا أخلاقياتها، لكن المتابع لأحداث العرض يشعر بأنها تخص واقعه، بخاصة بعد أن انتشرت تلك الطبقة في مصر بصورة لافتة خلال الأعوام الأخيرة، واتصفت ممارساتها بالشذوذ والتعالي والانتهازية والمبالغة في كل شيء.

واختار المخرج محمد عبدالمنعم أن يقدم عرضه داخل شقة سكنية في بيت "سكندري" قديم، حوّلت إلى استوديو للفنون، وصاغ مصمم الديكور (وليد السباعي) فضاء العرض بصورة بسيطة، فالجمهور على جوانب ثلاثة من صالة مستطيلة، والمطعم يحتل الضلع الرابع من المكان، وفي المنتصف انتثرت المقاعد والمناضد الخاصة بالزبائن، ليكون الجمهور جزءاً من زبائن المطعم، ومشاركاً في العرض ومتفاعلاً مع أحداثه التي تضمنت أيضاً بعض التعبيرات الحركية (تصميم ساندرا عادل) والأغاني (أشعار جابر بسيوني، ألحان محمد عصام) ليشكل هذان العنصران (التعبير الحركي والأغاني) جزءاً رئيساً في دراما العرض، ويختزلا كثيراً من الجمل الحوارية ويلامسا وجدان الجمهور، في تصويرهما للصراع بين الطبقات، وتحول الإنسان إلى سلعة قابلة للبيع والشراء، بعدما تمكن الشخص محدث الثراء من فرض سلطته وجبروته حتى على العقول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعندما يهرب القرد من الحلاق (يوسف البمبي) ويقع النادل (عادل البياضة) في مأزق، يقترح على السيد والسيدة وجبة أخرى، أكثر إغراء لجبروتهما وغرورهما، مكونة من مخ إنسان حي، وهو مخ نوعي ومختلف، بحسب النادل، إذ إن صاحبه شاعر (طارق عبدالعزيز). ويرحب الشاعر بداية بالفكرة غير الإنسانية وغير الأخلاقية، فهو رب أسرة ولديه أولاد، ولا توفر له مهنته كشاعر موارد كافية لإعالتهم، ويرحب الزوجان بالفكرة ويتحمسان لها كتجربة جديدة ومغايرة، فهما غير معنيين بأن الوجبة مكونة من مخ إنسان أو حيوان، فكل ما يشغلهما هو المتعة واستخدام نفوذهما لفعل أي شيء، حتى لو كان ضد المنطق والإنسانية. لقد تحولا إلى كائنين بشعين ولا إنسانيين، غير مشغولين سوى بممارسة أفعالهما الشاذة.

 هكذا يصور العرض، وبأسلوب رمزي فيه قدر من المبالغة، دناءة الرأسمالية الطفيلية والفروق الرهيبة بين الطبقات، فالشاعر الذي يمثل الغالبية العظمى من الشعب ويمتلك موهبة وثقافة مطارد من هذه الطبقة التي تعتبر الأمر مجرد لعبة للتسلية، وشيئاً جديداً لا مانع من ممارسته لتحقيق متعتها.

إن السيد والسيدة هنا لا يمثلان تلك الطبقة التي صعدت على أجساد الفقراء وحسب، بل يمثلان السلطة في عسفها بالمستضعفين، وسحقهم وامتلاك عقولهم والسيطرة عليها، من خلال هذه اللعبة المسرحية التي اتسمت بقدر عالٍ من الكوميديا، وفي الوقت نفسه بقدر أعلى من الأسى، على مصير إنسان هذا العصر، ذلك الذي امتلك وعياً وعلماً، وبدلاً من أن يمكنه ذلك من العيش مستوراً، يدفعه إلى بيع عقله، فالعقل في هذا العصر لا يفتح بيتاً ولا يعول أبناء، فقط يستطيع ذلك أولئك الراقصون على أجساد الفقراء والمهمشين.

المطعم يحتوينا جميعاً، والمساومة على العقول قائمة، ومن يستطيع المقاومة، ومن يستسلم، كلاهما عليه أن يتحمل التبعات، وما أفدحها في الحالين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة