Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسليني يحقق فيلما "غريبا" لإرضاء زوجته إنغريد برغمان

"جيوفانا داركو على المحرقة" ويمكن للمجتمع البائس أن ينتظر دوره على شاشة مؤسس الواقعية الجديدة

إنغمار ىرغمان في مشهد من فيلم "جان دارك على المحرقة" (موقع الفيلم)

ملخص

يبدو أن إنغريد برغمان ما كانت ستقبل الظهور بشخصيتها الحقيقية في فيلم زوجها المخرج روبرتو روسليني الهزلي الوحيد في مسيرته السينمائية، لو لم يعدها ببطولة الفيلمين التاليين ولا سيما باللعب في ثانيهما دور جان دارك الذي كانت تحلم به منذ زمن بعيد

في عامي 1954 و1955 لم يكن هناك ما يوحي بأنه يمكن للسينمائي الإيطالي المؤسس للواقعية الجديدة في بلده، أن يتوقف بعض الشيء عن تحقيق أفلام تلك الواقعية المرتبطة إلى حد ما بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لينصرف إلى تحقيق فيلم عن بطلة التاريخ الفرنسي جان دارك، وبالتحديد فيلم مقتبس في لغة سينمائية مستعارة أولاً وأخيراً من المسرح، عن عمل مسرحي من كتابة بول كلوديل، الكاتب الأكثر ميتافيزيقية في الأدب الفرنسي في القرن الـ20. بل تحديداً عن "أوراتوريو" لكلوديل شبه ديني وضع ألحانه الموسيقي الألماني آرثر هونيغر، بعنوان "جان دارك على المحرقة".

وحتى وإن كان الذين شاهدوا الروائي الطويل الذي كان روبرتو روسليني نفسه قد حققه قبل هذا الشريط، أي "رحلة في إيطاليا" (1953 - 1954)، لم يستغربوا الأمر. ففي النهاية سيبدو هذا الفيلم الكبير في مسيرة مؤسس السينما الواقعية الإيطالية، ميتافيزيقياً بدوره.

بيد أن تلك السمة المشتركة بين الفيلمين المتتاليين، لن تكون القاسم المشترك الوحيد بينهما. فهناك قاسم مشترك آخر سيبدو لنا أمام التمحيص أنه كان العامل الحاسم في الحكاية كلها: كانت هناك إنغريد برغمان، نجمة النجوم السويدية الأصل والهوليوودية بامتياز التي تولت بطولة الفيلمين. وهي ما كان من شأنها أن تفعل لولا أنها كانت في ذلك الحين زوجة روبرتو روسليني وأم أطفاله، وكذلك ما كان من شأنها لولا وعده لها بهذين الفيلمين، أن تقوم بذلك الدور العابر الذي لعبته في المرحلة السابقة في فيلم لزوجها عنوانه "إنغريد برغمان" تلعب هي فيه واحدة من شخصيتيه الرئيستين، فيما كانت الشخصية الثانية دجاجة، والشخصية الثالثة المخرج نفسه، مع أدوار ثانوية لأطفالهما كما لبيتهما.

كوميديا إيطالية مبكرة

فما الحكاية؟ هل كنا هنا في صدد فيلم عائلي؟ على الإطلاق. بل في صدد أحد اسكتشات فيلم واقعي اجتماعي يتألف من حكايات عدة كتبها تشيزار زافاتيني، وأسند لروسليني إخراج واحد منها يتحدث في 17 دقيقة هزلية عن الحياة العائلية للمخرج وزوجته النجمة وجارتهما المتطفلة ودجاجة تعود لحديقة الجارة تغزو بيت آل روسليني، مما يثير غضب إنغريد فتحبس الدجاجة في غرفة منكرة وجودها عندها حين تسألها الجارة عنها، ثم تشعر بالعار حين تنكشف كذبتها.

وفي الحقيقة لم يكن لذلك الشريط القصير أية أهمية خاصة، عدا كونه جزءاً من فيلم جماعي عنوانه "نحن النساء" يتحدث عن شؤون المجتمع الإيطالي في تلك المرحلة حديثاً كوميدياً.

ويبدو أن إنغريد برغمان ما كانت ستقبل الظهور بشخصيتها الحقيقية في ذلك الفيلم لولا أن زوجها المخرج الكبير، كي يشركها في هذا الفيلم الذي سيكون الهزلي الوحيد في مسيرته السينمائية، وعدها بالفيلمين التاليين ولا سيما باللعب في ثانيهما دور جان دارك الذي كانت تحلم به منذ زمن بعيد. وهو حقق وعده، حتى ولو أن "جان دارك على المحرقة" لن يحقق نجاحاً كبيراً، ولن تكون له مكانة خاصة. بل إن نقاداً كثراً رأوا فيه مجرد مسرح مؤفلم، لينتهي الأمر بضياع النسختين الوحيدتين من الفيلم بعدما تبين أن كلاً منهما مشوهة على طريقتها. ثم احتاج الأمر إلى انتظار نحو ربع قرن، قبل أن يعاد ترميم نسخة من الفيلم لا بأس بها، لم تحقق نجاحاً كبيراً في عام 1987 حين عرضت من جديد وكان العالم كله ولا سيما عالم السينما قد تبدل تماماً. ومع ذلك يبقى "جوفانا داركو آل روغو" فيلماً مَعلماً في مسيرة روبرتو روسليني (1906 - 1977)، ولكن كذلك في مسيرة إنغريد برغمان (1915 - 1982).

المبدع يدافع عن عمله

بالنسبة إلى روسليني الذي كان معتاداً على أن يلاقي أي عمل ينتجه قدراً كبيراً من الاحترام، ويعتبر تجديدياً في ميدانه، الذي يعتبر حتى اليوم من كبار المجددين في عالم السينما الأوروبية، كان من المغيظ له أن يجابه هذا الفيلم بمواقف سلبية من جانب النقاد وبعد ذلك من جانب المؤرخين الذين، حتى ضمن الإطار المعهود للسينما المتحدثة عن البطلة الفرنسية التاريخية، لم يستسيغوا الفيلم، واكتفوا تجاه عمل روسليني فيه بالقول إنه لم يكن سوى عمل مؤفلم لعمل مسرحي أرغم المنتجين على القبول بأن تسند بطولته إلى زوجته التي لا تفعل في الفيلم أكثر من أن تقف فيه طوال الوقت مربوطة اليدين على المحرقة تنتظر أن تشعل فيها النار ممضية وقتها في استذكار لمراحل متنوعة وماضية من حياتها وهي تروى من خلال كورس على وقع الموسيقى، البديعة على أية حال، التي وضعها هونيغر أصلاً لنص بول كلوديل.

وما يروى في الواقع، أي خلال العرض المسرحي الذي أعيد بناؤه بالفعل على خشبة مسرح سان كارلو في نابولي، كي يصوره المخرج الكبير، هو تلك الفصول المعروفة من المغامرة البطولية الإيمانية القصيرة التي عاشتها جان دارك لتنتهي بإحراقها. وتحديداً هنا بأسلوب تعمد فيه كلوديل في نصه، وهونيغر في ألحانه، أن يبدو وكأن صاحبة العلاقة هي راويته، وقد أضحى الكورس صوتاً مدوياً لها.

وهكذا يتابع المشاهد / المستمع حكاية البطلة العذراء كما يمكن لها هي أن تتخيلها في تلك اللحظات السامية التي تفتح على موتها شهيدة نزعتها الوطنية، وإنما من دون ترتيب تأريخي واضح تماماً. فهنا في نص كلوديل، وبالتالي في سيناريو روسليني المستند بصورة تكاد تكون حرفية إلى النص الأصلي المكتوب عام 1939، تتتابع مشاهد المحاكمة الكنسية التي تبدو هنا وكأنها تعاقب البطلة على إيمانها بوطنها، وتفاصيل الخيانة التي تعرضت لها وتسمى "خيانة كومياني" ثم التطويب في ريمس، وما سبقه من تجسيد للسيف الغامض، وتلك الأصوات التي تسمعها جان دارك في أحلام يقظتها وتقودها إلى مصيرها، كما نعرف، وهي أحلام تستيقظ منها جان على المحرقة على وقع التصعيد الموسيقي الذي أبدعه هونيغر هنا في واحدة من أروع لحظات إنتاجه الموسيقي، ليشكل نهاية العمل المسرحي متواكباً مع اندلاع النيران التي تهب في المحرقة واضعة نهاية لحياة جان دارك وعذاباتها محولة إياها من التاريخ إلى الأسطورة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هكذا تكلم "الواقعي الجديد"

إذا كان كثر قد استقبلوا اشتغال روسليني على هذا العمل بقدر كبير من الاستنكار فإنه هو دافع، وسيدافع طويلاً عن فيلمه الذي سيقول أنه إنما تابع فيه تجربة مسرحية كان يتوق إلى خوضها "خاصة أنني في هذا المجال، كنت أعرف أن ليس لدي إنجازات ولا سوابق، وبالتالي علي أن أبدأ كل شيء من الصفر. وكنت أحس أن علي أن اتعامل مع عناصر اكتشفها يوماً بيوم".

أما في وجه الذين أخذوا عليه، في هذا الفيلم، بأكثر مما في "رحلة في إيطاليا"، تخليه عن إنجازاته العظيمة السابقة في مضمار الواقعية الجديدة ("روما مدينة مفتوحة" و"باييزا" و"ألمانيا في العام الصفر" بصورة خاصة)، وقالوا إن غاياته من تحقيق هذا لفيلم تبدو لهم غير واضحة على الإطلاق، في وجه هؤلاء سيقول لاحقاً: "ومن ذا الذي أخبركم أن هذا الفيلم لا ينتمي إلى الواقعية الجديدة؟ صحيح أنه فيلم شديد الغرابة، لكنه ليس بأية حال من الأحوال مجرد مسرح مؤفلم كما تزعمون. بل هو عمل سينمائي إلى أقصى الحدود التي تشاؤها السينما، وسأضيف أنه في جوهره فيلم ينتمي بكل بساطة إلى الواقعية الجديدة، وبالمعنى الذي حاولته لقد كان فيلماً دائماً ما يغريني ويرضيني".

ولم يفت المخرج أن يختم هنا قائلاً أمام النقاد الأجانب لاحقاً حين تجدد السجال من حول الفيلم: "إنني أود أن أؤكد لكم أن الناس في إيطاليا قد أحبوا الفيلم كثيراً، وهذا أمر أعتقد أن في إمكاني أن أكون واثقاً منه. ومهما يكن من أمر لا بد من التنبه من أني لست أنا كاتب سيناريو الفيلم، أنا مخرجه ومبدع لغته السينمائية. كلوديل الكبير هو صاحب النص، أما عملي على الفيلم ولغتي فيه، فأمران أرجو ألا تنسوا أنهما قد صالحاني مع النقاد، مؤكدين أنني شخص بسيط، لكني لا أريد لعمل من أعمالي أن يتسبب في جعلي وحيداً في مواجهة العالم".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة