ملخص
يدعو يائير لبيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، إلى تغيير قيادة إسرائيل من الحكومة المتطرفة والفاشلة برئاسة بنيامين نتنياهو إلى حكومة وسطية، مشدداً على أن الأزمة الحالية سياسية وليست هيكلية، وأن المستقبل المشرق للبلاد مرهون بانتخاب قيادة جديدة قادرة على إنهاء الحرب واستعادة الرهائن وتعزيز العلاقات الدولية ومعالجة الانقسامات الاجتماعية.
بعد مرور عامين على أسوأ هجوم تعرضت له إسرائيل في تاريخها، تجد البلاد نفسها اليوم عند مفترق طرق. هي ليست دولة فاشلة، بل دولة عظيمة تديرها حكومة فاشلة. كما أن الأسس التي بنيت عليها ما زالت متينة. ولا شك في أن إسرائيل تواجه أزمة، لكن جذور هذه الأزمة ليست هيكلية، بل هي سياسية، مما يجعلها أكثر خطورة مما تبدو عليه من جهة، وسهلة الحل من جهة ثانية. والحل يكمن في استبدال أولئك الذين يتولون مراكز القيادة على رأس الهرم، وليس في إعادة البناء من القاعدة.
لنلقِ نظرة على الوضع الذي كانت عليه إسرائيل قبل نحو ثلاثة أعوام فقط، تحديداً قبل أن تتولى الحكومة الراهنة مقاليد السلطة فيها. كان ذلك قبل أن تبدأ محاولات تفكيك أسس الديمقراطية الإسرائيلية عبر إصلاح قضائي، وقبل المجزرة التي نفذتها حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023.
في تلك الفترة، كانت إسرائيل تتميز باقتصاد مبتكر قائم على التكنولوجيا، وبديمقراطية قوية نابضة بالحياة، ونظام قضائي مستقل بصورة كاملة. وكانت دولة يفوق فيها عدد الحاصلين على "جائزة نوبل" مجموع الحائزين عليها في كل الدول العربية مجتمعة. كما كانت نسجت شبكة من الاتفاقات الدبلوماسية والاقتصادية، تمتد عبر العالم من واشنطن إلى أبو ظبي، وأبرمت معاهدات سلام دائمة مع كل من مصر والأردن، وأقامت شراكات علمية وتجارية واسعة النطاق مع أوروبا. إضافة إلى ذلك، قدمت مبدعين رشحوا لنيل جوائز "أوسكار"، وفنانين فازوا بمسابقات "يوروفيجن" للغناء. كانت دولة جمعت بين عمقها التاريخي والفلسفي من جهة، وحداثتها وديناميكيتها من جهة أخرى. في ذلك الوقت، سعى أعداؤنا إلى إلحاق الأذى بنا، لكنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم. وكان هناك معادون للسامية، لكن أحداً لم يصغِ إليهم. وكان بيننا متطرفون، لكنهم لم يتولوا الحكم في البلاد.
الأزمة الراهنة في إسرائيل هي نتاج حكومة متطرفة وفاشلة، يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المتورط في قضايا جنائية والذي خسر دعم الرأي العام في البلاد. وأفسدت سنوات حكمه نفسه ومن حوله. فهذه الحكومة تبدي ازدراء علنياً لمبدأ الدولة الإسرائيلية الديمقراطية الملتزمة بالقيم الليبرالية الغربية، وتسعى بدلاً من ذلك إلى إقامة نظام ثيوقراطي غير ليبرالي، بمنأى عن رقابة الإعلام ومتحرر من إزعاج مفاهيم مثل سيادة القانون والتهديد الدائم الذي تمثله الانتخابات الحرة والنزيهة.
لكن الآن، ومع الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوضع حد للحرب في قطاع غزة، والانتخابات التشريعية التي يتعين إجراؤها خلال الأشهر الـ121 المقبلة، تملك إسرائيل فرصة لإعادة ابتكار نفسها. إن إنقاذ البلاد من حافة الهاوية يتطلب، أولاً وقبل كل شيء، إعادة الرهائن لديارهم، لكنه يتطلب أيضاً إزاحة المتطرفين عن السلطة. فمصير إسرائيل ذاته هو ما بات على المحك.
فشل في القيادة
لا يمكن لأي حدث أن يعكس بوضوح الهوة القائمة بين حكومة إسرائيل وشعبها أكثر من كارثة السابع من أكتوبر. ففي لحظة من الذعر والشلل، أخفقت الحكومة، ليس في منع الهجوم وحسب، بل أيضاً في التعامل مع تداعياته الداخلية اللاحقة التي شملت نزوح مئات آلاف الإسرائيليين من بلدات الجنوب المحاذية لقطاع غزة، ومن المناطق الممتدة على طول الحدود الشمالية مع لبنان التي كانت تتعرض لهجوم مستمر بالنيران من جانب "حزب الله". كما فشلت الحكومة في الشروع بإعادة الإعمار الجذرية التي لا تزال مطلوبة في كل من الجنوب والشمال، والأهم من ذلك كله، في معالجة صدمة الأمة. فاليوم، لا يقتصر حديث الإسرائيليين على إخفاقات السابع من أكتوبر فقط، بل يمتد إلى إخفاقات الثامن منه أيضاً.
وعلى النقيض من ذلك، سارع المجتمع المدني الإسرائيلي إلى حشد جهوده بهدف ملء الفراغ الذي خلفته الحكومة. ففي غضون يوم واحد فقط، تولى قطاع التكنولوجيا في البلاد زمام الأمور، إن من خلال تقديم الدعم للضحايا، أو عبر استخدام إبداعه المشهود له عالمياً من أجل منع الانهيار الاقتصادي. وقد توافد جنود الاحتياط بأعداد قياسية للالتحاق بالخدمة، بينما لجأ الشباب الإسرائيلي إلى وسائل التواصل الاجتماعي لشرح حقيقة حركة "حماس" للعالم، وتوضيح دوافع هذه الجماعة الإرهابية وراء الهجوم.
وتصدرت المعارضة التي كنتُ أقودها، الجهود السياسية والتنظيمية، بينما وقفت الجاليات اليهودية في مختلف أنحاء الشتات جنباً إلى جنب مع إسرائيل، في كفاحها لإعادة الرهائن لديارهم. وبينما أظهرت الحكومة ضعفاً مخزياً وغرقاً في الفوضى وعجزاً عن حشد الموارد اللازمة، أظهر الشعب الإسرائيلي صموداً وثباتاً وعزماً على القيام بما هو مطلوب.
الأزمة في إسرائيل هي من نتاج حكومة متطرفة وفاشلة
بعد عامين، تقف إسرائيل عند مفترق طرق. فهناك خطر حقيقي بفرض عقوبات دولية وهجرة الأدمغة وحرب لا نهاية لها. لكن إسرائيل تملك أيضاً فرصة لإعادة ابتكار نفسها والبناء على أسسها الراسخة. فهي من بين الدول القليلة في العالم التي تأسست كديمقراطية، وتظل روحها الديمقراطية متجذرة بعمق في وعي الغالبية من مواطنيها. ولن يتخلى الشعب الإسرائيلي بسهولة عن هويته الفريدة كدولة يهودية وديمقراطية من دون مقاومة ونضال. فالمؤسسات القضائية في إسرائيل لا تزال متينة، والأجهزة العسكرية والأمنية تدرك جيداً أن واجبها الأول هو خدمة الدولة لا الحكومة، فيما يواصل اقتصاد البلاد حتى الآن، ترسيخ مكانته كقصة نجاح استثنائية.
وعلى رغم أن الحكومة الراهنة تقوم عمداً بتقويض جميع هذه المؤسسات الحيوية، فإن إسرائيل لم تبلغ بعد نقطة اللاعودة. وستتاح لمواطنيها قريباً فرصة لتغيير المسار - فكل ما يتطلبه الأمر هو وضع ورقة واحدة في أحد صناديق الاقتراع يوم الانتخابات. وكما قال ذات يوم جوناثان ساكس الحاخام الأكبر الراحل للمملكة المتحدة وأحد أبرز المفكرين والفلاسفة في التاريخ اليهودي المعاصر، فإن "الإيمان اليهودي مكتوب بصيغة المستقبل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن شيئاً مما تقدم لن يخفف من عمق الأزمة الوطنية والدولية التي تجد إسرائيل نفسها غارقة فيها اليوم. فقد كشفت أحداث السابع من أكتوبر عن تصدعات خطرة في بنية الدولة. فخلال العامين اللذين تليا ذلك التاريخ، اتسعت الهوة بين الحكومة الإسرائيلية والشعب على نحو غير مسبوق. وأصبحت البلاد أكثر استقطاباً وانقساماً من أي وقت مضى، وقد أسهم في تفاقمه التجاهل المستمر من جانب الحكومة لما يريده الشعب، وإصرارها على إطالة أمد حرب لم تعد تخدم المصالح الحقيقية للأمن القومي الإسرائيلي. أما على الصعيد الدولي، فتراجعت مكانة إسرائيل إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بدليل أنه خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، صوتت 142 دولة في منظمة الأمم المتحدة لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطينية، مقابل 10 دول فقط عارضت هذا المنحى.
لقد انقلب العالم على إسرائيل. فـ"اتفاقات أبراهام" باتت مهددة بالتجميد أو الانهيار، فيما أن الدعم التقليدي الذي حظيت به لوقت طويل من الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة تآكل. أما الهتافات التي تطلق في الجامعات الأميركية مثل "من النهر إلى البحر"، فهي دعوة صريحة إلى الإبادة الجماعية بحق الدولة اليهودية. وعندما يصرخ الطلاب في جامعة كولومبيا وجامعة طهران بالشعارات نفسها، فمن حق اليهود أن يقلقوا.
في الوقت نفسه، تتصدر التصريحات المضللة التي يطلقها وزراء متطرفون في الحكومة الإسرائيلية عناوين نشرات الأخبار حول العالم، فيما يرد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومن يحيطون به باتهام كل من يوجه نقداً إلى الحكومة، بمعاداة السامية. لكن تبني عقلية الضحية لا يغير شيئاً في الواقع. فليس كل من يعارض سياسات الحكومة الإسرائيلية هو معادٍ للسامية، كما أن إغراق إسرائيل في خطاب المظلومية لا يجلب لها سوى مزيد من العزلة والتراجع. وهذا كله لا يعبر عما يريده الإسرائيليون حقاً. فجميع استطلاعات الرأي التي أجريت خلال العامين الماضيين تؤكد أن هناك اتجاهاً ثابتاً لدى الرأي العام، مفاده بأن الناس يريدون التغيير. يريدون قيادة تمتلك رؤية فخورة تبعث على التفاؤل بمستقبل بلادهم، وتستند إلى ما تملكه البلاد فعلاً من قدرات. وتلك هي الصورة التي ينبغي لإسرائيل أن تبرزها أمام العالم، فالمواطنون يدركون أن حكومتهم تتخبط من أزمة إلى أخرى، ويؤمنون بأن هناك بديلاً أفضل.
إسرائيل مختلفة
البديل هو حكومة تقودها قوى الوسط السياسي في البلاد، تكون قادرة على القيام بإصلاحات جذرية على مستوى الأمن القومي والعلاقات الخارجية والاقتصاد والمؤسسات الحكومية، وعلى مستوى العلاقات مع الدول المجاورة لنا. إن الأزمة الراهنة هي من العمق، فتجعل إسرائيل أكثر استعداداً من أي وقت مضى لخوض مرحلة جديدة من مسيرتها كدولة. وكل ما تحتاج إليه للقيام بذلك، هو القيادة المناسبة التي تعمل وفق رؤية واضحة.
البديل يقوم على إنهاء الحرب الدائرة في قطاع غزة، إذ يجب على إسرائيل أن تعمل جنباً إلى جنب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وتحالف من شركاء دوليين، على تنفيذ خطة الرئيس الأميركي المؤلفة من 20 بنداً التي تقضي بـ: استعادة الرهائن ووقف القتال وضمان وصول ما يكفي من المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة لوضع حد للأزمة الإنسانية هناك. ويتعين على إسرائيل أيضاً إنشاء محيط آمن حول قطاع غزة لحماية حدودها من هجمات إرهابية ربما تحدث في المستقبل.
كما تقضي الخطة بألا تكون غزة تحت سيطرة حركة "حماس" بعد الآن، بل بأن توضع تحت إشراف سلطة انتقالية، تكون مسؤولة عن إدارة شؤونها اليومية وإعادة الإعمار فيها. ويتوقع أن يشمل هذا التحالف دولاً مثل البحرين ومصر والمغرب والسعودية والإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن الذراع المدنية لـ"السلطة الفلسطينية". وإذا لم تطبق الخطة، فسيكون الانقسام في المجتمع الإسرائيلي عميقاً، وقد تكون العواقب أكبر مما يمكن تصوره. إن ما يحتاج إليه الإسرائيليون هو عودة رهائنهم لديارهم، والبدء بعملية إعادة الإعمار.
ويشمل البديل أيضاً إعادة صياغة عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي. فقد لقنت مذبحة السابع من أكتوبر الإسرائيليين درساً مفاده بأن البلاد لا يمكنها أبداً التراخي أو خفض مستوى التأهب، ولو للحظة واحدة، عندما يتعلق الأمر بمواجهة منظمات إرهابية إسلاموية دموية. إلا أن هذا لم يكن الدرس الوحيد، فالأمن القومي الحقيقي يعتمد في المقام الأول على وجود جيش قوي، مما يتطلب أكثر من مجرد ضرب منشأة نووية في نطنز في إيران، أو إطلاق صواريخ على وسط العاصمة القطرية الدوحة. إنه يعتمد أيضاً على بناء تحالفات إقليمية وأخرى عالمية كفيلة بتعزيز الردع وضمان العمق الاستراتيجي والشرعية الدولية والحفاظ عليهما. كما يتطلب تشكيل جبهة موحدة في مواجهة الخطر المزدوج المتمثل في التطرف الإسلامي من جهة، وطموحات إيران التوسعية من جهة أخرى، إضافة إلى الاتجاهات المثيرة للقلق في تركيا.
غالبية وازنة من الإسرائيليين تريد أن تسلك البلاد اتجاهاً جديداً
لتحقيق ما سبق، ينبغي على إسرائيل أن توسع نطاق "اتفاقات أبراهام" لتشمل دولاً أخرى، من بينها السعودية وإندونيسيا. كما يتعين عليها أن تغتنم الفرص المتاحة مع لبنان وسوريا، وتعزيز الاتفاقات والمبادرات التي كنتُ أطلقتها خلال فترة عملي وزيراً للخارجية عام 2022 عبر "منتدى النقب" الذي جمع إسرائيل مع كل من البحرين ومصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة. لكن إحياء هذه العلاقات لن يكون ممكناً قبل أن تضع الحرب أوزارها، ويصار إلى إقامة قيادة جديدة في قطاع غزة.
البديل يشمل أيضاً استثماراً وطنياً واسع النطاق في مجالات "الذكاء الاصطناعي" والبنية التحتية للطاقة الجديدة مثل المفاعلات النووية صغيرة الحجم التي تمثل مستقبل قطاع الطاقة والتي ستحدث تحولاً بارزاً في السوق العالمية وسط الضغوط المتزايدة لتلبية الطلب المتنامي على الطاقة. وخلال الأعوام المقبلة، ستحتاج إسرائيل إلى الانتقال من وضعها كـ"دولة ناشئة" لمرحلة "الدولة متوسعة النمو" - مستفيدة من قدراتها الابتكارية لتطوير الأنظمة الوطنية الحيوية مثل التعليم والرعاية الصحية والنقل. وتعتبر هذه الأنظمة ركائز أساسية لأمن إسرائيل واستقرارها الاقتصادي في المستقبل، على رغم أنها تركت لفترة طويلة من دون تطوير كافٍ. ولضمان عودة إسرائيل لمكانتها اللائقة بين الديمقراطيات الليبرالية الغربية الرائدة، يتعين على الحكومة العتيدة أن تستثمر في تعزيز مصادر القوة الناعمة للبلاد - أي الطبقة الوسطى المنتجة وقطاع التكنولوجيا المزدهر.
البديل هو مجتمع إسرائيلي قادر على مواجهة المشكلات الهيكلية التي عانتها البلاد على مدى ثلاثة أجيال، ويزداد الأمر إلحاحاً اليوم. وسيتطلب ذلك وجود حكومة فاعلة تعمل بطريقة ناجعة، وتقوم بدمج مجتمع الحريديم" (الأرثوذكسي المتشدد) من خلال إلحاق شبابه بالخدمة العسكرية وجعله يدخل في سوق العمل. كما يجب على هذه الحكومة أن تزيد فرص العمل أمام النساء العربيات، وأن تضع دستوراً يكرس بصورة نهائية التوازن بين السلطتين القضائية والتنفيذية وأن تستثمر على نحو حقيقي في توفير إسكان لفئة الشباب ومعالجة الارتفاع الكبير لكلف المعيشة.
الخيار
البديل هو أن يتذكر الإسرائيليون ويذكروا الآخرين بأن مكانة إسرائيل المرموقة كالديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، ليست أمراً مفروغاً منه. فهي التزام يجب على قادة البلاد الوفاء به بلا كلل. وكثيراً ما كانت الولايات المتحدة الحليف الأكبر لإسرائيل، وستظل كذلك، لكن كي تحافظ إسرائيل على مكانتها بين الدول الديمقراطية، يجب عليها إعادة ترتيب علاقاتها مع كل من دول الاتحاد الأوروبي وأستراليا واليابان والهند وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة وسائر الديمقراطيات الرائدة الأخرى في العالم. ويتعين أن تستند هذه العلاقات إلى قيم مشتركة وجهود متضافرة لمواجهة النزعات غير الليبرالية والثيوقراطية المتصاعدة وأخطار وسائل التواصل الاجتماعي السامة وانتشار الشعبوية غير المقيدة. ولهذا، من الضروري أن تعمل إسرائيل على تعزيز روابطها مع الدول المتعاطفة التي تشاركنا رؤيتنا المستقبلية مثل الإمارات العربية المتحدة وسنغافورة.
ومن الممكن ألا يشمل البديل إقامة دولة فلسطينية في المرحلة الأولى - ليس بعد ما حل بالإسرائيليين في السابع من أكتوبر. ومع ذلك، يدرك معظم الإسرائيليين، على عكس الحكومة الراهنة، أن الفلسطينيين موجودون، وأن الانفصال عنهم سيكون أمراً لا بد منه يوماً ما. وستكون هذه العملية طويلة وشاقة، ويجب أن تبدأ بإظهار الفلسطينيين قدرتهم على إدارة شؤونهم بكفاءة وفاعلية. فالعبء الآن يقع على عاتق الفلسطينيين، لا على إسرائيل. عليهم أن يثبتوا أنهم قادرون على مكافحة الإرهاب بفاعلية، وأن يضمنوا ألا تتمكن منظمة مثل "حماس" من الاستيلاء على السلطة مرة أخرى.
وعلى السلطة الفلسطينية ألا تكتفي بالإعلان عن التزامها مكافحة التحريض، بل يجب أن تقوم بتحرك عملي. ويتعين ألا تكتفي بوعد إجراء إصلاحات في الحكم، بل أن تقوم بتطبيقها، وألا تكتفي بالحديث عن محاربة الفساد، بل أن تعمل على اجتثاث أسبابه. إن لشعب إسرائيل الحق في العيش بسلام وأمن، وأن يكون بمنأى عن تهديد دولة إرهاب فاشلة على حدوده. وعلى الفلسطينيين أن يثبتوا للإسرائيليين إمكان حدوث ذلك قبل انطلاق أية عملية. أما إسرائيل، فعليها أن تضع مسألة ضم أراضٍ جانباً، وأن تكافح بجدية أكبر للقضاء على آفة العنف التي يمارسها مستوطنون إسرائيليون متطرفون بحق الفلسطينيين. فمسألة الضم تعرض تكامل إسرائيل الإقليمي للخطر، من دون أن تحقق أي مكسب استراتيجي، فيما تشكل الثانية وصمة عار أخلاقية على سمعة الدولة.
ومستقبل إسرائيل لن يحدده أعداؤها ولا حكومتها الراهنة بل مواطنوها أنفسهم. فبعد عامين من الأعوام الأكثر إيلاماً في تاريخنا، هناك غالبية وازنة من الإسرائيليين ترغب في أن يكون هناك مسار جديد. والعالم ينظر إلى إسرائيل ويرى أزمة متفجرة، أما أنا فأرى دولة تحبس أنفاسها وتنتظر وصول قيادة جديدة تأخذها في مسار مختلف. إن مستقبل إسرائيل يتوقف على القرارات السياسية التي سيتخذها المواطنون خلال العام المقبل. فإذا ما بقيت الحكومة الراهنة في السلطة، قد يجد الإسرائيليون أنفسهم محكومين بالعزلة الدولية والفقر وتفاقم الانقسامات الاجتماعية. أما إذا اختاروا الشجاعة بدلاً من الجبن، والانفتاح بدلاً من العزلة، والازدهار بدلاً من التعصب الديني، فسيكون في انتظارهم مستقبل مشرق.
يائير لابيد هو زعيم المعارضة في الكنيست الإسرائيلي، وتولى منصبي رئيس الوزراء ووزير خارجية إسرائيل عام 2022.
مترجم عن "فورين أفيرز"، 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2025