Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لم أدخن يوما ولكني أُصبت بسرطان الرئة في السابعة والثلاثين

يظن كثيرون أن سرطان الرئة يصيب الرجال المسنين فقط، لكن الواقع أنه يقتل نساء أكثر من سرطان الثدي ونسب الإصابة تتزايد خصوصاً بين الأجيال الشابة. تتحدث جولز فيلدر المصابة بالمرض عن حياتها بعد أن أُبلغت أن أمامها تسعة أشهر فقط، وعن الحاجة الملحة لرفع الوعي به

جولز فيلدر مصابة بسرطان الرئة في مراحله النهائية، وهو ناجم عن طفرة في "مستقبل عامل نمو البشرة" EGFR (جولز فيلدر)

ملخص

تعيش جولز فيلدر أيامها الأخيرة بعد إصابتها بسرطان رئة غير قابل للشفاء، وتحاول أن تمنح ابنها القوة لمواصلة الحياة من بعدها، بينما تسعى إلى كسر الصورة النمطية عن المرض وإبراز معاناة النساء المصابات به. ورغم تفاقم حالتها الجسدية، تصر فيلدر على رفع الوعي بسرطان الرئة الذي يقتل نساء أكثر من سرطان الثدي، داعيةً إلى إنصاف المرضى ودعم أبحاث الكشف المبكر.

يزداد الفارق بين الليل والنهار حدة عندما يدرك الإنسان أنه يحتضر. فمنذ أن تم تشخيصي قبل أربعة أعوام، حاولتُ أن أعيش كل لحظة من يقظتي إلى أقصى حد ممكن. في الأشهر الأخيرة وحدها، سافرتُ إلى اليابان في اليوم التالي لجلسة علاج إشعاعي منهِكة، لقضاء رحلة العمر مع زوجي بول وابننا توبي الذي بلغ من العمر ستة عشر عاماً، واحتفلتُ بنجاحه في امتحانات شهادة الثانوية العامة، وزرتُ متجر "هارودز لهدايا عيد الميلاد" في يوم افتتاحه، لأنني أؤمن دائماً بأنه لا وجود لوقت مبكر أكثر من اللازم حين يتعلق الأمر بالتخطيط.

لكن الليالي حكاية مختلفة تماماً. فقد ازدادت وطأتها قسوة منذ أن أُبلغتُ مطلع الشهر الفائت، بأن السرطان الذي أصبتُ به أصبح أشد شراسة وعدوانية، وبأن ما تبقى لي من عمر قد لا يتجاوز ستة إلى تسعة أشهر. صرتُ أرتعب من النوم خشية ألا أستيقظ بعده، وعندما يغلبني النعاس أخيراً، أصحو مذعورة على وقع نوبات هلع، يشتعل معها ذهني بأفكار متسارعة، فيما يتصبب جسدي عرقاً.

يبدو الأمر كما لو أن الشكوك والمخاوف التي أنجح في إخمادها خلال ساعات النهار، تتزاحم لتعلو أصواتها ليلاً، فتتركني غارقة في رعب من فكرة فراق أحبتي.

قبل كل شيء، يظل تفكيري مشغولاً بزوجي بول وابني توبي. فالإحساس بأن الحياة تتسرب من بين أصابعي، وأنا أعاني من ألم معرفة أنني سأغيب عن محطات كثيرة في حياة ابني، وأحرم من متعة مشاهدته يكبر يوماً بعد يوم ليصبح رجلاً، هو ألم يفوق الوصف، وعبء يكاد يتجاوز قدرتي على الاحتمال.

أما المفارقة الغريبة، فهي أن من يصادفني في الشارع قد يظن أنني في "أوج" صحتي. فشعري لا يزال كثيفاً ولامعاً، وبشرتي نضرة، وولعي بالموضة لا يزال على ما هو عليه، ولم يخفت يوماً.

وعلى الرغم من أنني أحتضر من الداخل، فإن مظهري الخارجي يوحي بالحياة، إلى حد يجعلني بعيدة تماماً عن الصورة النمطية لمريض السرطان. ففي العام الماضي وحده، خضعتُ لعلاج إشعاعي استهدف أوراماً ثانوية انتشرت إلى الدماغ والحبل الشوكي، ومع ذلك لم تظهر على جسدي أي ندوب، ولم أفقد وزني. من هنا، أعتقد أن الوقت قد حان لتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة في ما يتعلق بملامح السرطان في مراحله الأخيرة.

لا يزال كثير من الناس على سبيل المثال، يعتقدون أن العلاج الكيميائي يقتصر على الجلوس في جناح مستشفى مع وضع كيس في الذراع يؤدي إلى فقدان كامل للشعر. لكن العلاجات اليوم باتت أكثر تطوراً. فبعد تشخيصي بالسرطان في كلتا الرئتين في سن السابعة والثلاثين -كان ذلك تحديداً في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2021- وُصف لي علاج كيميائي على شكل أقراص، مما حافظ على شعري. وبعد أسابيع قليلة، في ليلة عيد الميلاد، علمتُ أن المرض قد امتد إلى عظامي، فبدأتُ بتلقي جلسات العلاج الإشعاعي، لكنني تمكنتُ من إخفاء آثاره الجانبية الكثيرة داخل منزلي بعيداً عن أعين الآخرين.

 

ما لا يراه الناس هو الأدوية السبعة عشر التي أتناولها كل صباح لأتمكن من النهوض ومزاولة يومي، ولتحمل الألم في وركي الذي يجعل الوقوف في صف انتظار طويل مستحيلاً، أو لعلاج قرح الفم، والطفح الجلدي، وتشققات الجلد التي أُخفيها تحت ثيابي.

الأصعب من كل ما سبق، هو الخوف المستنزِف والحسابات العاطفية الداخلية المستمرة التي أعيشها. هل الأهم أن أعيش أطول أم أن أعيش حياةً أفضل؟ وكيف أتعامل مع الإحباط الناتج من معرفتي بوجود أدوية قد تساعد حالتي، لكنها غير متاحة عبر مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" NHS نظراً إلى ارتفاع كلفتها؟ وهل يمكنني العثور على تجربة سريرية لدواء قد يمنحني ولو بصيص أملٍ ضئيل؟

والمفهوم الخاطئ الآخر، المتعلق تحديداً بسرطان الرئة، هو الاعتقاد بأن سببه التدخين دائماً. إنه أول سؤال يُوجه إلي عادة: هل كنتِ مدخنة؟ وإجابتي دائماً: لا، لم أدخن قط. سبب إصابتي هو طفرة في "مستقبِل عامل نمو البشرة " (EGFR) [وهو بروتين موجود على سطح عددٍ من الخلايا، يعمل على تنظيم نموها وانقسامها، أما في حالة السرطان فيصبح هذا المستقبل مفرط النشاط، ما يؤدي إلى تكاثر الخلايا بشكلٍ غير منضبط وتَكون الورم]، والأمر اللافت أن المزيد والمزيد من غير المدخنين مثلي يُشخَصون بهذا النوع من السرطان.

وفي حين أنه كان يُنظر إلى سرطان الرئة في الماضي على أنه مرض يصيب الرجال بشكل رئيس أكثر من النساء، إلا أن هذه الصورة تغيرت تماماً. فمنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، انخفضت حالات الإصابة به لدى الرجال بنسبة 34 في المئة، بينما ارتفعت لدى النساء بنسبة 36 في المئة، وتكاد الأرقام تكون متساوية اليوم. ويعود جزء من هذا التحول إلى تزايد عدد النساء المدخنات، إلا أنه ليس السبب الوحيد، فهناك عوامل أخرى مؤثرة، مثل التعرض للمواد المسرطنة في البيئة، فضلًا عن العوامل التناسلية والهرمونية التي يبحثها العلماء حالياً.

ومع ذلك، يظل سرطان الرئة لدى النساء مرضاً يعاني من غياب الوعي الكافي حوله.

 

في العام الماضي، عندما توجهت للقاء أعضاء في البرلمان البريطاني لمناقشة الحاجة الملحة لتحسين رعاية مرضى السرطان، تمنى لي أحدهم التوفيق في "رحلتي مع سرطان الثدي". بدا وكأنه افترض ببساطة أنني مصابة بهذا النوع لمجرد أنني امرأة.

يواجه سرطان الرئة في المقابل تحدياً آخر، فهو لا يزال يكتنفه وصم اجتماعي بسبب الاعتقاد السائد أنه "مستحَق" بطريقة ما. صحيح أن خيارات نمط الحياة قد تؤثر أحياناً، لكن أحداً لا يستحق هذا المرض. لقد التقيتُ فتيات في الثامنة عشرة فقط يعشن مع سرطان الرئة، ومشاهدتهن كانت مفجعة.

اجتاح السرطان جسدي، وأعلم أني لن أتغلب عليه في نهاية المطاف، لكنني مصممة على مواجهة هذا الواقع وفق شروطي الخاصة لأطول فترة ممكنة

 

عندما تجتمع كل هذه الأمور معاً، يصبح التعايش مع مرضٍ عضال تجربة شديدة الوحدة، مهما بلغ مقدار الحب الذي يحيط بي. لقد بدأتُ أخيراً نوعاً جديداً من العلاج الكيميائي، وبدأ شعري يتساقط لأول مرة.

أعلم أن الناس يحاولون أن يكونوا لطفاء عندما يطمئنونني إلى أنه سينمو مجدداً، لكن سماع ذلك يثقل قلبي. فالأمر ليس مجرد شَعرٍ فحسب، ولا أعلم ما إذا كان لدي الوقت الكافي لأراه ينمو مرة أخرى. إنني أعيش كل يوم بيومه، كما يفعل كثيرون في أوضاع مماثلة: فأنا أدرك بعقلي الحقيقة، لكن المشاعر تغمرني إلى درجة تجعل تقبلها بالكامل أمراً يفوق قدرتي.

في الوقت الراهن، أنا مصممة على رفع مستوى الوعي بهذا المرض، لأن أعراضه الأولية، لا سيما لدى الشابات، غالباً ما تُتجاهل. فعلى سبيل المثال، لم أعان من سعال مستمر، بل من ألمٍ في الكتف اعتُبر "التهاب اللُّقيمة الجانبي" [التهاب أو إجهاد في الأوتار التي تربط عضلات الساعد بعظم المرفق]، وآخر في الظهر عده الأطباء عرق النسا. وعندما لاحظتُ وجود كتلة في رقبتي، افترضت أنها مرتبطة بقصور في الغدة الدرقية. أما إخباري بإصابتي بسرطان الرئة غير القابل للشفاء، فكان بمثابة صدمة شبه سريالية. شعرت كأن أنفاسي غادرت جسدي بينما كنت أحاول استيعاب الخبر.

الأمر الأكثر إحباطاً أن معدلات البقاء على قيد الحياة بعد الإصابة بداء السرطان في المملكة المتحدة، متأخرة بما يصل إلى 25 عاماً مقارنة بدول مثل السويد والنرويج -وذلك بسبب عوامل عدة، بدءاً بطول فترات انتظار العلاج، وصولاً إلى انخفاض استخدام العلاج الإشعاعي والكيميائي. لا أستطيع ببساطة فهم السبب وراء عدم التحدث عن هذا الموضوع بشكلٍ أكبر وأكثر جدية.

سيصاب شخص من كل اثنين منا بالسرطان خلال حياته، أفلا ينبغي أن يكون هذا أولوية للجميع؟ وفوق ذلك، هناك تفاوت هائل في نتائج العلاج بين أنواع السرطان المختلفة.

 

في الوقت الذي ارتفعت فيه معدلات البقاء على قيد الحياة لعشر سنوات في حالات سرطان الثدي وسرطان الجلد (الميلانوما) والقولون بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ظلت هذه المعدلات منخفضة باستمرار في سرطانات الرئة والبنكرياس والمريء، وذلك بسبب ضعف التمويل المخصص لأبحاثها في الماضي، إضافة إلى تأخر اكتشافها، إذ غالباً ما يصعب تشخيص هذه السرطانات في مراحل مبكرة. فالرئتان لا تحتويان على مستقبلات للألم، ولهذا لا يشعر الناس بالأوجاع عندما تبدأ الأورام بالتكون.

لكن الأمر لا يتعلق بالتمويل والبحوث فحسب، بل بمدى وعي الجمهور واستعداده للحديث عن جميع أشكال السرطان.

ستكتظ المتاجر بالأشرطة الوردية احتفاء بـ"شهر التوعية بسرطان الثدي"، وستُقام فعاليات في مختلف أنحاء البلاد لجمع التبرعات. ولا شك أن هذه مبادرة رائعة، لكن لا يسعني إلا الاعتراف بأن هذا الوقت من العام يؤلمني، لأن السرطان الذي أعانيه -وهو الذي يفتك بنساء أكثر من أي نوع آخر من هذا المرض- نادراً ما يجري الحديث عنه.

في الوقت الراهن، أحاول أن أبقي على تفاؤلي ما أمكن تجاه المستقبل، وأتعامل مع كل يوم بيومه، معتبرة ما كانت تبدو لي في السابق أحداثاً عادية، انتصارات صغيرة تستحق الاحتفاء بها. بدأ توبي أخيراً دراسته في أكاديمية للعبة الرغبي، آملاً في أن يصبح لاعباً محترفاً، وسأعتز بكل لحظة أشاهده فيها يبدأ فصلاً جديداً من حياته. لطالما كنتُ صريحة معه في شأن مرضي، لأنني لم أرغب أبداً في أن يصبح من المحرمات. لكن في لحظات الصمت والهدوء، يغمرني شعور مؤلم حين أفكر في مدى تأثير مرضي عليه حتى إنه يكاد يطغى علي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

منذ البداية، عزمتُ على أن أظهر لتوبي أننا قادرون على العيش بصدق حتى في أصعب الظروف. ومهمتي الأبرز الآن هي أن أمنحه القدرة على الصمود، لأني أريده أن يشعر بأن الحياة ستستمر له ولوالده، وبأنه قادر على مواجهة المستقبل حتى بعد غيابي.

السرطان اجتاح جسدي، وأعلم أنني لن أتغلب عليه في نهاية المطاف، لكنني مصممة على مواجهة هذا الواقع وفق شروطي الخاصة لأطول فترة ممكنة. وفي صميم هذا التحدي، أغرس في أعماق طفلي حقيقة راسخة مفادها أن الحب لا يموت، وأنه سيمنحه الدعم والقوة حتى بعد رحيلي عن هذا العالم.

وفق ما قالته جولز فيلدر للصحافية ميغان لويد ديفيز

 

جولز فيلدر هي سفيرة لـ"منصة السرطان" Cancer Platform، وهي خدمة رقمية جديدة قيد التطوير تتيح للجميع الوصول إلى أحدث المعلومات الموثوقة في ما يتعلق بسرطانهم والتجارب المتاحة. تابعوا رحلتها مع المرض على "إنستغرام" هنا

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة