ملخص
تفتقر منطقة المواصي الإنسانية لأبسط مقومات المعيشة، فلا يوجد بها شبكة صرف صحي ولا خطوط مياه ولا أية شبكات تحتية، ولذلك يعيش النازحون الموجودون فيها حال من الإرباك والفوضى العارمة، ويفكرون بإيجاد حلول لمشكلاتهم بطرق بدائية قد تسبب لهم أزمات صحية وخيمة.
نادى ناجي على ابنه ليجلب له حفارة يدوية، وإلى جانب خيمته في منطقة المواصي قرر إنشاء مرحاض خاص بعائلته، فبدأ يحفر في الأرض حفرة ليقيم بئراً عشوائية امتصاصية تنصب فيها الفضلات، ويعتقد أن هذا الحل ربما يساعده في التغلب على أزمة الطوابير.
ومنذ نزوحه من مدينة غزة إلى المنطقة الإنسانية في جنوب قطاع غزة، يستخدم ناجي الحمام الجماعي لمخيم النزوح، ولكن الاكتظاظ على استخدام المرحاض والانتظار الطويل لقضاء حاجته جعله ييأس من الوضع الصعب الذي يعيشه.
طوابير
فكر ناجي كثيراً قبل البدء في حفر الحفرة الامتصاصية ولكنه قرر فعل ذلك لحل مشكلة نقص الحمامات، ويقول "يعيش في مخيم الإيواء نحو 150 عائلة، وكل أسرة تضم نحو خمسة أفراد، جميعنا يستخدم حمام جماعي واحد، وللوصول للمرحاض يستغرق الأمر الانتظار ربع ساعة وأحياناً أكثر".
وتذمرت زوجة ناحي من الحمام الجماعي والانتظار الطويل في الطوابير لقضاء حاجتها، وغضب أطفاله من هذه الحال وحينها قرر إقامة مرحاض خاص لعائلة لعله يوفر لهم ظروفاً تشبه الحياة الإنسانية في ظل الحرب المدمرة.
وتفتقر منطقة المواصي الإنسانية لأبسط مقومات المعيشة، فلا يوجد بها شبكة صرف صحي ولا خطوط مياه ولا أية شبكات تحتية، ولذلك يعيش النازحون الموجودون فيها حال من الإرباك والفوضى العارمة، ويفكرون بإيجاد حلول لمشكلاتهم بطرق بدائية قد تسبب لهم أزمات صحية وخيمة.
صراع مع أدق التفاصيل
بدأ ناجي في إقامة مرحاضه الخاص بطريقة بدائية وهو مضطر إلى ذلك، ويضيف "أصبحت الحياة اليومية بمثابة صراع مع أدق التفاصيل، وفي أول أيام النزوح كنا نقضي حاجتنا في أكياس البلاستيك لعدم توافر حمامات".
ورحلة إنشاء مرحاض ليست بالمهمة السهلة، إذ بحث الرجل عن كرسي أفرنجي كثيراً، وعندما عثر عليه اضطر لدفع 230 دولاراً كثمن له، وبعدها بدأ يبحث عن أنابيب بلاستيكية وصنابير وخزان مياه، وكل ذلك لم يعثر عليه بسهولة ولا بالمجان.
وأوضح ناجي الذي يعمل سباكاً أن الأنابيب والمعدات الصحية أصبحت سلعة نادرة، ولا توجد محابس أو صمامات أو كراسي حمامات، وحتى السيليكون لم يعد متوافر، وأدى هذا النقص إلى تزايد الاعتماد على حلول بدائية لا تفي بالحد الأدنى من المعايير الصحية.
لا شبكات صرف صحي
جلب ناجي كل مستلزمات إقامة الحمام وبدأ في تركيبه ولكن تصريف الفضلات هي المشكلة، ويشير إلى أنه لا توجد شبكة صرف صحي في المواصي، ولذلك قرر تصريف العادم في بئر امتصاصي، ويعرف أن ذلك يهدد بانتشار الأوبئة والأمراض المعدية.
وتجاهل ناجي كل ذلك فحاجته إلى إقامة حمام ملحة، ويبرر لنفسه قائلاً "أطفالي يعانون أكثر من غيرهم بسبب اضطرارهم إلى استخدام حمامات مكشوفة، مما يعني انعدام الخصوصية، وابنتي الصغيرة تبكي خوفاً كلما أرادت استخدام الحمام".
وعندما زار المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" قطاع غزة انصدم من الحياة الإنسانية التي يعيشها النازحين، ويقول جيمس إلدر إن "المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي ليست سوى أماكن غير إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معاني"، مضيفاً أنه "لا وجود لمكان إنساني، إنها أماكن للموت وتفتقر لكل شيء، بخاصة شبكات الصرف الصحي، وفكرة وجود منطقة إنسانية في جنوب غزة مهزلة، وكل شيء يحدث هنا يبدو أنه ممنهج".
بئر امتصاصية
واضطر زهدي إلى حفر بئر عشوائية بطول متر لتصريف مياه المرحاض الذي نصبه إلى جوار خيمته، ويقول "يخدم هذا المرحاض 11 فرداً واضطررت إلى إقامته بعد النزوح، وقد وجدت الأرض التي أعيش فيها قاحلة ولم نجد مرحاضاً أو شبكة صرف صحي، مما اضطرني إلى تجهيز غرفة صغيرة من القماش بجوار الخيمة لوضع المرحاض، وحفر بئر بجوارها لتصريف المياه العادمة".
ويعرف زهدي أن أثاراً صحية خطرة قد تصاب بها عائلته بسبب المرحاض المربوط ببئر امتصاصية عشوائية، مضيفاً أن "ذلك تسبب بروائح كريهة وانتشار للحشرات والفيروسات، ولا أمتلك أي خيار آخر مع انعدام الخيارات في حياتي".
وتضم المواصي حالياً ما يقارب 1.2 مليون نسمة وجميعهم يعيشون على مساحة 14 كيلومتراً مربعاً، وتشكل هذه المنطقة ثلاثة في المئة من إجمال مساحة القطاع، ونتيجة لهذا التكدس الكبير أصبحت بيئة المنطقة الإنسانية ناقلة للأمراض.
آثار صحية وخيمة
تنتشر خيم النزوح بصورة عشوائية في بيئة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ويقول عوض "نواجه نقص في أدوات السباكة والمعدات التي تساعدنا في إنشاء دورات المياه، ووجدت نفسي مضطراً إلى نصب خيمتي في مناطق تفتقر كلياً إلى البنية التحتية الأساس، ولذلك حفرت بئر صرف صحي عشوائية".
واضطر عوض إلى إقامة ثلاثة حمامات وربطها جميعها ببئر امتصاصية عشوائية ويقوم بتصريف المياه العادمة داخلها، وغطاها بلوح معدني، وعن هذا يقول "نتشارك الآن حماماً واحداً في ظل غياب كل وسائل النظافة، وكذلك غياب كل أشكال الخصوصية وبخاصة للنساء، فالوضع الحالي قاس ويحرمنا الخصوصية، ومثل هذه الحفرة لا يجب أن تكون بين الخيم أو في المناطق المأهولة، لكن غياب الخيارات يجبر الناس عليها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وللمراحيض العشوائية المتربطة بآبار امتصاصية آثار صحية وخيمة، ويقول الطبيب أسعد صافي إن "هذه الظاهرة أدت إلى ظهور الإسهالات الحادة والكوليرا والتيفويد والتهاب الكبد الفيروسي، إذ تؤدي حفر الصرف الصحي أيضاً إلى تلوث المياه الجوفية في ظل عدم وجود طبقات عازلة أو أنظمة صرف صحية محكمة".
فشل الاستجابة الإنسانية
المتحدث باسم بلدية خان يونس صائب لقان يقول إن "منطقة المواصي تشهد كارثة إنسانية متفاقمة بعد تحولها إلى مركز رئيس لإيواء النازحين على رغم افتقارها التام لأية مقومات، وتغطية شبكات المياه والصرف الصحي فيها لا تتجاوز 20 في المئة من مساحة المنطقة الإنسانية"، مضيفاً أن "إسرائيل تمنع إدخال معدات صحية جديدة ضمن قائمة طويلة من الممنوعات منذ بداية الحرب، وتعود جذور أزمة المراحيض العشوائية لعوامل متداخلة أبرزها الضغط السكاني المفاجئ على مناطق لم تكن مجهزة سابقاً لاستيعاب هذا العدد الكبير من الأشخاص، إضافة إلى شح مختلف المواد الأساس في الأسواق نتيجة الحصار".
ويوضح لقان أنه نتيجة ظروف اضطرارية قهرية لتلبية حاجات أساس، فقد اضطر النازحين إلى إقامة حفر امتصاصية، إلا أن تبعات ذلك الصحية والبيئية كارثية، لافتاً إلى أن الاستجابة الإنسانية في توفير دورات مياه متنقلة أو شبكات صرف موقتة قد فشلت.