Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان في المرتبة الأولى بإصابات السرطان... فهل التشكيك بالأرقام مبرر؟

كشفت دراسة جديدة عن نسب مقلقة في معدلات انتشاره والوفيات الناتجة من هذا الداء ما أثار جدلاً واسعاً بين داعين إلى التحرك لمواجهة مخاطره ومن لا يثقون كثيراً بنتائجها

ارتفعت تدريجاً أرقام الإصابة بالسرطان في لبنان وهي أعلى بقليل من تلك التي تسجل في المنطقة (رويترز)

ملخص

في رده على ما ورد في الدراسة، أوضح طبيب أمراض الدم والأورام في المركز الطبي لـ"الجامعة الأميركية" في بيروت البروفيسور عرفات طفيلي أن الدراسة تعطي نظرة عامة عن عدد حالات السرطان، إلا أن الثغرة الأساسية التي فيها أنها لا تستند إلى الأرقام الفعلية، بل إلى تقديرات وتوقعات. وإذ لا يعني ذلك أن الدراسة ليست علمية، إلا أن مجال الخطأ يزيد مع زيادة التقديرات.

في الأعوام الأخيرة، يلاحظ ارتفاع واضح في معدلات الإصابة بالسرطان في العالم، وفي لبنان بصورة خاصة. إنما في لبنان، يظهر الواقع على الأرض ارتفاعاً في هذه المعدلات في ظل غياب الأرقام التي تؤكد هذا الانطباع، إذ لا تتوافر أي إحصاءات يمكن أن تؤكد هذا الواقع، وتعكس حقيقة المشهد، فكل ما يحكى في هذا المجال لا يستند إلا إلى تقديرات. إلا أن ما كشفته دراسة جديدة نشرت في مجلة "لانسيت" العلمية أحدث جدلاً واسعاً في البلاد، إذ توقعت بأن يتصدر لبنان معدل الوفيات الناتجة من السرطان على مستوى العالم بنسبة تقدر بقرابة 80 في المئة بحلول عام 2050، وقدمت الدراسة أرقاماً مقلقة حول مرض السرطان في بلدان عديدة، واحتل لبنان المرتبة الأولى من حيث عدد الوفيات الناتجة من هذا الداء، مما أثار جدلاً واسعاً وتشكيكاً حتى من قبل البعض حول مدى صحة هذه الأرقام، وإن كانت معدلات الإصابة بالسرطان في لبنان تبدو فعلاً مرتفعة في الظاهر.

أرقام مقلقة والواقع مجهول

في الدراسة التي نشرت في مجلة "لانسيت" العلمية، قدم أكثر من 2000 باحث تقريراً سنوياً حول بيانات السرطان العالمية، ونشر التقييم ضمن برنامج Global Burden Of Disease فبدا مثيراً للقلق من حيث الأرقام المطروحة في ما أظهره من أعباء هائلة للمرض. وتبين أن عدد الإصابات الجديدة بالسرطان قد تضاعف بمعدل يتخطى المرتين بين عامي 1990 و2023 ليبلغ 18.5 مليون مصاب عام 2023. كما ارتفع عدد الوفيات بنسبة 74 في المئة في الفترة نفسها، ليبلغ 10.4 مليون وفاة عام 2023 على رغم التطورات الحاصلة في التشخيص والعلاج. وتوقع التقرير تشخيص 30.5 مليون إصابة بالسرطان، وأن يموت بسببه 18.6 مليون شخص عام 2050 بحيث تبلغ الزيادة 61 في المئة في معدلات الإصابات و75 في المئة بمعدلات الوفيات، واللافت في التقرير أن معدلات الوفيات بالسرطان قد ارتفعت في الدول الغنية بنسبة 33 في المئة خلال 30 عاماً، في وقت ارتفعت بنسبة 14 في المئة بالدول الفقيرة بسبب تراجع جودة الرعاية الطبية، ومن المتوقع أن يحصل أكثر من نصف الإصابات الجديدة وثلثا الوفيات الجديدة في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل.


أما في لبنان، فيظهر التقرير أنه سجل أعلى ارتفاع في معدلات الوفيات بالسرطان فارتفعت من 65,2 إلى 117,3 وفاة لكل 100 ألف نسمة بين عامي 1990 و2023. في المقابل، سجل أعلى معدل انخفاض في معدل الإصابات في الإمارات العربية المتحدة، فانخفض بمعدل النصف من 243 إلى 102,9 لكل 100 ألف نسمة. وتعد فرنسا من الدول الـ10 الأولى من حيث معدلات الإصابة بالسرطان بالنسبة إلى عدد السكان، لكن تراجعت الوفيات فيها من 184,7 إلى 136,8 وفاة لكل 100 ألف نسمة بين عامي 1990 و2023. وتعد غرينلاند ومنغوليا وأوروغواي من الدول التي تسجل فيها أعلى نسبة وفيات بالسرطان.

رداً على هذه الدراسة، أصدر وزير الصحة العامة اللبناني ركان ناصر الدين بياناً جاء فيه أن "البيانات الواردة في المقال تستند إلى افتراضات ونماذج معدة سابقاً وليس إلى أرقام واقعية متاحة، إذ إنه حتى الآن لا توجد في لبنان بيانات علمية دقيقة حول الوفيات الناجمة عن مرض السرطان. وقد تكون توقعات The Lancet مبالغاً بها أو غير دقيقة بصورة مطلقة. على رغم ذلك، فإن البيانات الواردة في المقال تشكل ناقوس خطر لجميع المعنيين بالسياسات الصحية في لبنان من أجل العمل على وضع حد للزيادة المتوقعة في الوفيات الناجمة عن مرض السرطان، علماً أن وزارة الصحة تعمل على مراجعة المادة المطروحة في المقال وتحليلها".

أضاف البيان "الجميع يدركون الارتفاع في معدلات التدخين بلبنان، في ظل غياب كلي لأدنى إجراءات الرقابة الهادفة لتخفيض معدلات التدخين الخطرة والمتسببة بالأمراض، كما أنه ليس خفياً على أحد ارتفاع نسب التلوث التي يعانيها لبنان لأسباب شتى وغير ذلك من أنماط غير صحية ومتسببة بالأمراض. إن الخطة الوطنية لمكافحة السرطان التي وضعتها وزارة الصحة العامة تهدف إلى إيجاد الحلول لهذه المشكلات الأساسية التي نعانيها في لبنان، لكن التوصل إلى النتيجة المتوخاة يتطلب تعاوناً فعلياً من جميع المعنيين على أساس إدراك حجم الأخطار الصحية التي يواجهها اللبنانيون. بناء عليه إننا نحث واضعي السياسات على التعاون مع الوزارة لعدم التلكؤ وإيجاد تبريرات تحول دون المضي قدماً في سبل تحسين أنماط الحياة الصحية في لبنان، والعمل على إقرار الإجراءات الضرورية والصارمة والتشدد في تطبيقها بهدف الحد من عوامل الخطر المتسببة بمرض السرطان في لبنان وتخفيض نسبة الإصابة بهذا المرض".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثغرة أساسية

في رده على ما ورد في الدراسة، أوضح طبيب أمراض الدم والأورام في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت البروفيسور عرفات طفيلي أن الدراسة تعطي نظرة عامة عن عدد حالات السرطان، إلا أن الثغرة الأساسية التي فيها أنها لا تستند إلى الأرقام الفعلية، بل إلى تقديرات وتوقعات. وإذ لا يعني ذلك أن الدراسة ليست علمية، إلا أن مجال الخطأ يزيد مع زيادة التقديرات. وكانت قد سبقت هذه الدراسة دراسة مماثلة عام 2018 أتى في نتائجها أنه، عام 2022، ستسجل 20 ألف حالة سرطان، فيما أظهر الواقع أنه في لبنان اليوم 12 إلى 13 ألف إصابة سرطان عام 2022، بحسب الأرقام الأخيرة. فعام 2022، أظهرت الأرقام أن معدلات الإصابة بالسرطان بلغت 13390 إصابة. هذا ما يؤكد أن الدراسة التي تبنى على التقديرات، يكون مجال الخطأ فيها كبيراً".

 من جهة أخرى أشار طفيلي إلى أنه في الغرب هناك معدلات وفيات مرتفعة جداً، والأرقام في لبنان ليست استثنائية، لكن حتى الآن ليست هناك أرقام حول معدلات الوفيات في لبنان بسبب السرطان، في وقت صدرت عام 2024 الأرقام التي تظهر معدلات الإصابة بالمرض بعد أعوام من غياب أي أرقام فعلية وإحصاءات من عام 2016، مضيفاً أيضاً "لا يمكن أن ننكر أن الأرقام تظهر ارتفاعاً تدريجاً في معدلات الإصابة بالسرطان، لكنها إلى حد ما ثابتة في الأعوام الأخيرة ولا تظهر ارتفاعاً خيالياً كما يتصور البعض، لكن في ما يتعلق بالوفيات، فإن جمع الأرقام الخاصة بها يتطلب أعواماً عديدة من المتابعة للمرضى ونسب الوفيات بينهم".

وأجرت الدراسة مقارنة بين أرقام السرطان في لبنان ودول أخرى عديدة هي في معظمها من دول العالم الثالث. هذه المقارنة، بذاتها، لا تعد منطقية بحسب طفيلي، وإن كان ذلك لا يعني أن الباحثين ليسوا علميين. وصحيح أنه في لبنان تسجل معدلات سرطان أعلى بقليل من تلك التي في دول المنطقة، لكن تلك الأرقام هي أعلى بعد في دول الغرب، ولا بد من النظر في ذلك إلى معدلات التشخيص والكشف التي قد تكون مرتفعة، وتسهم في ارتفاع الأرقام. يضاف إلى ذلك أن النظام الصحي يعد متطوراً في لبنان، وترتفع معدلات التشخيص وكشف السرطان فيه. في الوقت نفسه لا يمكن إلا النظر إلى هذه الدراسة لاعتبارها بمثابة ناقوس خطر، خصوصاً أن الواقع يظهر عوامل عديدة تسهم في ارتفاع مقلق متوقع في معدلات الإصابة بالسرطان في الأعوام المقبلة. فيكفي أن معدلات التدخين بأنواعه مخيفة، وهي تطاول الفئات العمرية كافة ولا تتوافر أي سياسات لمكافحة هذه الآفة، لا بل على العكس ثمة جهود لحماية قطاع التدخين والسياحة بعدم وضع سياسات لمنع التدخين.

معدلات التدخين في لبنان الأعلى في العالم

بحسب طفيلي أيضاً، "قد تكون معدلات التدخين في لبنان الأعلى في العالم، وهذا ما ينذر باحتمال تسجيل معدلات مقلقة من السرطان في السنوات المقبلة، إذا ما استمر الوضع على حاله. فالمطلوب حالياً العمل على مكافحة عوامل الخطر التي يمكن التحكم بها لتغيير الأرقام ومواجهة الخطر بفاعلية، وأبرزها السمنة والتدخين".

أما أعلى معدلات سرطان في لبنان فهي حالياً سرطان الثدي بين النساء، وسرطانات الرئة والبروستات لدى الرجل. وفي ما يتعلق بسرطان الرئة، لا يزال يشخص في مراحل متأخرة بنسبة 70 في المئة من الحالات، كما في باقي الدول إذ تعد معدلات التشخيص المتأخر فيه مرتفعة. في المقابل، يحقق لبنان مراتب متقدمة بتشخيص سرطان الثدي في مراحل مبكرة، إضافة إلى توافر علاجات جيدة ومتطورة في البلاد.

وكان تقرير، "منظمة الصحة العالمية" لعام 2022 قد كشف عن أن سرطان الثدي يحتل المرتبة الأولى بين أكثر السرطانات انتشاراً في لبنان إذ يشكل نسبة 16,6 في المئة من الإصابة، ليأتي بعده في المرتبة الثاني سرطان الرئة بنسبة 12 في المئة، ثم سرطان البروستات بنسبة 8,3 في المئة، وسرطان القولون بنسبة 7,7 في المئة، وسرطان المثانة بنسبة 5,4 في المئة، واللمفوما اللاهودجكينية نسبة 4,9 في المئة من الإصابات، في وقت تجتمع باقي أنواع السرطان لتشكل نسبة 45,1 في المئة.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة