Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"رحلة إلى ريمس" أوبرا جواكينو روسيني الأولى بفرنسا كانت آخر أعماله "الإيطالية"

عمل خلقته مناسبة معينة فتحول واحداً من أجمل الكلاسيكيات الموسيقية

جواكينو روسيني (1792 - 1868) (ويكيميديا)

ملخص

لذا فإن "رحلة إلى ريمس" أو "فندق الزنبقة الذهبية" ستُعد دائماً دراما أوبرالية تشغل المكانة الانتقالية في مسار روسيني، عرضت في الأصل في 3 فصول بعدما كلف الموسيقي الإيطالي، بتأليفها احتفالاً بتتويج الملك الفرنسي شارل العاشر في ريمس خلال مايو عام 1825، لكنها لن تُعد إلا في أزمنة لاحقة من أروع مؤلفاته كما سنرى.

خلال الأعوام الأولى من القرن الـ19، وحين قرر الانتقال نهائياً للعيش في فرنسا وقد آنس العثور هناك على حرية في التعبير، واعتراف أوروبي وعالمي يعيد إلى موسيقاه رونقها وأمميتها بعدما وجد نفسه، ورغماً عنه يغوص في محلية ما، كان جواكينو روسيني، يشعر أن أمامه عملاً "إيطالياً" أخيراً في مجال الأوبرا، لا يزال عليه أن يقوم به. والحال أن ما أتاح له ذلك سيأتي متأخراً بعض الشيء. كان ذلك حين أطلعه شاعر إيطالي صديق على رواية للكاتبة الفرنسية مدام دي ستايل عنوانها "كورين" أو "رحلة إلى إيطاليا" كانت قد صدرت عام 1807. لقد وجد الموسيقي الكبير، الذي كان عرف قبل ذلك بصورة أوسع من خلال أعمال له ستخلد منها "ويليام تل" و"سندريلا" و"سلم من حرير"، وبالطبع "حلاق إشبيلية"، وجد في تلك الرواية ضالته، لا سيما أنه قد دعي لتقديم عمل يلائم الاحتفالات بوصول شارل العاشر إلى العرش الفرنسي المستعاد. وبما أن الاحتفالات أقيمت في مدينة ريمس في شرق فرنسا، بدا من الملائم للموسيقي وصديقه الشاعر لويجي بالوتشي، تحويل الأحداث من "إيطاليا" إلى مدينة ريمس، عبر اختصار رواية السيدة دي ستايل إلى جزء من أحداثها فقط. من اللافت هنا أن روسيني حرص على أن يكون الغناء في الأوبرا بالإيطالية لتكون تلك الأوبرا آخر أعماله في لغته الأم قبل أن تتحول أوبراته إلى مغناة بالفرنسية، اللغة التي اعتمدها منذ ذلك الحين.

 

إبداع لزمن انتقالي

لذا فإن "رحلة إلى ريمس" أو "فندق الزنبقة الذهبية" ستعد دائماً دراما أوبرالية تشغل المكانة الانتقالية في مسار روسيني، عرضت في الأصل في ثلاثة فصول بعدما كلف الموسيقي الإيطالي، بتأليفها احتفالاً بتتويج الملك الفرنسي شارل العاشر في ريمس خلال مايو (أيار) عام 1825، لكنها لن تعد إلا في أزمنة لاحقة من أروع مؤلفاته كما سنرى. أما هو فإنه دائماً ما سينظر إليها كعمل مرهق من الناحية التقنية في الأقل، إذ يتطلب وفقط في مجال الأداء الفردي، 14 مغنياً منفرداً (ثلاثة سوبرانو، وواحد كونترالتو، واثنان تينور، وأربعة باريتون، وأربعة باس). في عرضه الأول، غنته أعظم أصوات ذلك العصر. ويقول لنا تاريخ تقديم هذه الأوبرا التي غالباً ما كانت طوال ما تبقى من القرن الذي ولدت عند بدايات ربعه الثاني، تبدو منسية، مع ذلك في مسار روسيني المهني، بما أن الأوبرا كتبت لمناسبة محددة فارتبطت بالمناسبة مع تغييب مقصود على أية حال لأهميتها في تاريخ العمل الروسيني. والحقيقة أن هذا التغييب قد نتج أيضاً عن كون الأحداث، حتى وإن كانت قد اقتبست من الرواية الأصلية، باتت هنا، وللمناسبة، تدور في أوساط مجموعة من الأرستقراطيين الأوروبيين وفي رفقتهم ضباط، وشاعرة، متوجهين في طريقهم للمشاركة في احتفالات التتويج الفرنسية التي كتبت الأوبرا من أجلها. ولسوف تفيدنا سيرة روسيني أنه من جراء الطابع "المناسباتي" الصريح لـ"الرحلة إلى ريمس" آل على نفسه ألا تبقى الأوبرا في برامج العروض لأكثر من بضعة عروض حتى لاحقاً في باريس. علماً أنه سيعود لاحقاً وقد أستجيب لطلبه من قبل المنتجين الرسميين، إلى استخدام نحو نصف الموسيقى الخاصة بتلك الأوبرا في كتابته عملاً تالياً له هو "الكونت أوري".

غياب المقدمة الموسيقية

ومن غريب شؤون "رحلة إلى ريمس" أنها لا تحوي أية مقدمة موسيقية بالمعنى المتعارف عليه للمصطلح، إذ إن ما يقوم مقام المقدمة، أو الافتتاحية هنا، كان مجرد قطعة موسيقية أوركسترالية بديعة بداً واضحاً أنها مشتقة من مجموعة رقصات كان الجمهور قد أحبها في عمل سابق للموسيقي ثم عاد هو لتستخدمها مرة ثالثة في "حصار كورينثا" عام 1826، بعدما أعاد صياغة إحداها كجزء من رقصات النهاية إلى "رحلة إلى ريمس"، ولئن كان سيقال إن هذا الاستخدام المتشعب إنما كان من إنجازات القرن الـ20 حين ورد ذلك كله في إعادة ترتيب للأوبرا نشر، للمرة الأولى، في ميلانو عام 1938، في مراجعة أجراها جوزيبي بيتشيولي، لتعرض الأوبرا من جديد مكتملة بتلك الطريقة على خشبة "لا سكالا" في ميلانو، العام نفسه تحت قيادة ريتشارد شتراوس ليقال منذ ذلك الحين، في مغالطة فاضحة، إن تلك الرقصة هي المقدمة الحقيقية والمتكاملة حقاً لـ"الرحلة إلى ريمس". ولسوف يظل ذلك الخطأ ماثلاً حتى أمكن أخيراً إعادة بناء النوتة الموسيقية الأصلية للأوبرا كما انتهى روسيني نفسه إلى صياغتها. ومع ذلك لا بد هنا من الإشارة إلى أن المقدمة الموسيقية المزعومة لا تزال حتى اليوم واحدة من أكثر أعمال روسيني تسجيلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سلسلة مغامرات لدى الأرستقراطيين

والطريف هنا أن رواية مدام دي ستايل التي اقتبست الأوبرا منها صفحات عديدة، لم تكن في الأصل على علاقة بحفل تتويج الملك شارل العاشر. فالكاتبة الفرنسية ذات الأصل الألماني، التي عاشت حياتها في فرنسا وتبنت لغتها، نشرت روايتها عام 1807 أي قبل نحو عقدين من التتويج الملكي، لكن الرواية إذ تصف تجوالاً لمجموعة من سراة القوم الفرنسيين يصطحبون رفاقاً لهم من جنسيات أوروبية مختلفة، تصفهم وهم يحاولون معاً القيام بتجوال سياحي متأملين حياة المجتمع الفرنسي وأخلاقيات أبنائه من مختلف الطبقات كما خلفتها الثورة الفرنسية وما نتج منها، فأتت الرواية لتتيح للكاتبة أن تتأمل الحال الأخلاقية في البلاد خلال فترة كانت لا تزال نابليونية التوجه، ما كان يلتقي حينها مع أفكار روسيني نفسه، الذي ظل حتى في زمن تلحينه هذه الأوبرا، نابليوني الهوى حتى وإن عبر خير تعبير عن عودة الملكية هذه المرة في شخص شارل العاشر، مما دفعه إلى تحويل تلك الصفحات من الرواية إلى وصف لوصول المجموعة الأرستقراطية إلى مديمة ريمس البديعة والمائية والسياحية بالذات. أما الحبكة المباشرة التي وزعت على فصول الأوبرا فتحكي مغامرات وارتباكات بل حتى دناءات كل ذلك الرهط من المسافرين المتنوعي الجنسيات وهم في طريقهم إلى ريمس لحضور تتويج الملك، فيجدون أنفسهم عالقين في منتجع صحي: لقد باتوا عاجزين عن متابعة طريقهم إذ لم تعد هناك عربة أو أي حصان متاح، يمكنهم من متابعة سفرهم. وهكذا يضطرون إلى أن يقيموا متجاورين في الفندق حيث تتكشف المؤامرات وما يشبهها في نوع من "الفضح" لدناءة طبقة بأسرها من الناس، كان من المعتقد أن الثورة قد أبادتها، وها هي تعود لتطل برأسها الآن وقد نزع عنها وضعها المرتبك كل ما كان يسترها من أقنعة.

تحول تدريجي إلى الكلاسيكية

ومهما يكن من أمر فلا بد من القول إن القرن الـ20 قد أعاد إحياء عمل روسيني كما هو بعدما كانت الأوبرا قد عرضت في القرن الماضي وتحديداً كما شاء صاحبها في المسرح الإيطالي بباريس، في صيف عام 1825، حيث أدت جوديتا باستا، نجمة الأوبرا الكبرى في ذلك الحين دور كورينا. ولكن لأربعة عروض فقط مما جعل كلفة عرضها مرتفعة، فما كان من روسيني إلا أن عارض نقلها إلى قاعة ليبيليتييه الأكبر حجماً، نظراً إلى إمكان جمع مزيد من المال، لأنه أدرك أن أوبراه "موسى في مصر" و"سيدة البحيرة" كانتا أكثر فاعلية في المسارح الصغيرة. وكما أشرنا نامت تلك الأوبرا في غياهب النسيان حتى ما قبل الحرب العالمية الثانية حيث قدمت بشكل ما من قبل ريتشارد شتراوس. لتنام بعد ذلك من جديد إلى حين أدت دراسات معمقة ومتشعبة إلى إعادة جديدة لتجميع أجزاء تلك الأوبرا بصورة نهائية ليقدم أول عرض بعد إعادة بناء المخطوطة في مهرجان روسيني للأوبرا في أغسطس (آب) عام 1984، بقيادة كلاوديو أبادو وإخراج لوكا رونكوني. وتلا ذلك عروض أخرى وصولاً إلى تقديم العرض الأميركي الأول في يونيو (حزيران) عام 1986 من قبل مسرح الأوبرا في سانت لويس على خشبة مسرح لوريتو هيلتون، من إخراج كولين غراهام بإدارة ريتشارد باكلي. ثم أتى عام 1992، عرض لا ينسى في دار الأوبرا الملكية في لندن بقيادة كارلو ريزي، وشارك فيه مونتسيرات كابالي، ورينيه فليمنغ، وسيلفيا ماكنير، وجون ألير، وأندرو شور. ومنذ ذلك العرض بالتحديد باتت "الرحلة إلى ريمس" تحسب في عداد أقوى أعمال جواكينو روسيني (1792 - 1868). ومن روائع كلاسيكيات النصف الأول من القرن الـ19.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة