ملخص
جمعت سويسرا 11.1 مليار دولار من الثروات الشخصية عام 2023، ما يمثل 4.3 في المئة من إجمال الإيرادات.
ألغت دول عدة أوروبية الضرائب على الثروة في العقود الأخيرة، لكن بحلول عام 2025، ظلت هناك ثلاث دول فقط تفرض ضريبة على صافي الثروة الشخصية، بينما تقتصر ضرائب بعض الدول الأخرى على أصول محددة.
لا تشذ أوروبا عن جميع أنحاء العالم بخصوص تفاوت توزيع الثروة، إذ تتجلى فيها بوضوح، ففي مطلع عام 2025، كانت نسبة خمسة في المئة من سكان منطقة اليورو من الأثرياء تسيطر على 45 في المئة من صافي ثروات الأسر، ويمتلك 10 في المئة من هؤلاء 57.4 في المئة من هذه الثروة، وفقاً للبنك المركزي الأوروبي.
ووضع هذا التوزيع للثروات نقاش ضريبة الثروة في صدارة الاهتمامات في كثير من البلدان، وأخيراً، عارض الملياردير الفرنسي برنار أرنو بشدة اقتراحاً بفرض ضريبة بنسبة اثنين في المئة على المواطنين الذين تزيد أصولهم على 100 مليون يورو (117 مليون دولار)، واصفاً إياه بأنه "هجوم مدمر على اقتصادنا"، في إشارة إلى مشروع زوكمان الضريبي.
البلدان الأوروبية التي تفرض الضريبة
وفقاً لمنظمة الضرائب Tax Foundation المتخصصة، ظلت إسبانيا والنرويج وسويسرا تفرض ضرائب الثروة الشخصية، وتختلف معدلات الضرائب وحدود الثروة الخاضعة للضريبة من دولة لأخرى، بينما تفرض فرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا ضرائب على الثروة على فئات محددة من الأصول، وليس على إجمال صافي ثروة الأفراد.
وتتسم ضريبة الثروة الصافية الإسبانية بنسقها التصاعدي، وتراوح ما بين 0.16 و3.5 في المئة للأصول التي تزيد قيمتها على 700 ألف يورو (819 ألف دولار). ويفرض على المقيمين ضريبة على أصولهم في جميع أنحاء العالم، بينما يفرض على غير المقيمين ضريبة على الأصول الموجودة في إسبانيا فقط. وفرضت الحكومة الإسبانية في 2022 ضريبة تضامن إضافية على الثروة، تراوح معدلاتها ما بين 1.7 و3.5 في المئة للأفراد الذين تتجاوز أصولهم الصافية 3 ملايين يورو (3.51 مليون دولار). كانت هذه الضريبة في الأصل إجراء موقتاً لمعالجة أزمة غلاء المعيشة، لكنها أصبحت الآن دائمة، وتكمل هذه الضريبة ضريبة الثروة.
وتفرض النرويج ضريبة على صافي الثروة بنسبة واحد في المئة على الأصول الفردية التي تزيد على 145.4 ألف يورو (170.11 ألف دولار) وتصل إلى 1.71 مليون يورو (200 مليون دولار)، أما الأصول التي تزيد فترتفع النسبة إلى 1.1 في المئة، وتبلغ حصة البلديات 0.7 في المئة، بينما تبلغ حصة الحكومة المركزية 0.3 في المئة منها.
ووفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، "دور وتصميم ضرائب الثروة الصافية"، تتميز الضرائب على الثروة الصافية في سويسرا بعتبات إعفاء منخفضة نسبياً، وتختلف من منطقة إلى أخرى، ونتيجة لذلك لا تستهدف الأسر الأكثر ثراءً فحسب، بل تؤثر أيضاً في شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة.
ووفقاً لشبكة PwC الاستشارية المتخصصة في إدارة الأصول ومقرها زيوريخ، تبدأ الضريبة من 85.5 ألف يورو (100.05 ألف دولار) لدافعي الضرائب غير المتزوجين، بمعدل ابتدائي قدره 0.05 في المئة، وبالنسبة إلى دافعي الضرائب المتزوجين والآباء والأمهات العازبين الذين لديهم أطفال قصر، يرتفع الحد الأقصى إلى 170 ألف يورو (198.9 ألف دولار). ويرتفع المعدل تدريجاً ليصل إلى 0.3 في المئة للأصول التي تتجاوز 3.49 مليون يورو (4.08 مليون دولار) لدافعي الضرائب العزاب، و3.58 مليون يورو (4.18 مليون دولار) لدافعي الضرائب المتزوجين أو الآباء والأمهات العازبين الذين لديهم أطفال قصر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويخضع المقيمون في فرنسا لضريبة الثروة العقارية إذا بلغت قيمة أصولهم العقارية الصافية في جميع أنحاء العالم 1.3 مليون يورو (1.52 مليون دولار) أو أكثر، ويخضع غير المقيمين للضريبة إذا بلغت قيمة أصولهم العقارية الفرنسية الحد الأقصى نفسه أو تجاوزته، ويمكن أن يصل معدل الضريبة إلى 1.5 في المئة، وذلك بحسب قيمة الأصول الصافية، وتفرض إيطاليا وبلجيكا وهولندا ضرائب ثروة معينة، بخاصة على الأصول المالية.
تفاوت حجم العائدات
يعكس حجم الإيرادات المتأتية من ضرائب الثروة وحصتها من إجمال الإيرادات الضريبية أهمية هذه الضرائب وفاعليتها، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جمعت سويسرا 9.5 مليار يورو (11.1 مليار دولار) من الثروات الشخصية عام 2023، ما يمثل 4.3 في المئة من إجمال الإيرادات الضريبية. وفي إسبانيا بلغ هذا الرقم 3.1 مليار يورو (3.61 مليار دولار)، أي ما يعادل 0.6 في المئة من الإجمال، وحققت النرويج 2.7 مليار يورو (3.15 مليار دولار)، أي ما يعادل 1.5 في المئة من إيراداتها الضريبية، بينما جمعت فرنسا 2.3 مليار يورو (2.69 مليار دولار)، أي ما يعادل 0.2 في المئة فقط، وتعتبر حصتها من الناتج المحلي الإجمالي منخفضة نسبياً عام 2023، وتراوحت عائدات ضرائب الثروات الشخصية بين 0.21 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في إسبانيا و1.16 في المئة في سويسرا.
دول تراجعت
وقالت الاقتصادية في منظمة الضرائب، كريستينا إيناتشي، "على رغم تزايد النقاش حول ضرائب الثروات، لا سيما مع سعي الحكومات إلى استهداف الأثرياء وتوليد الإيرادات، فالاتجاه العام يتجه نحو إلغائها".
على مدى العقود الثلاثة الماضية ألغت دول عدة أوروبية ضرائب الثروات الشخصية، وانخفض عدد الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تفرض هذه الضرائب من 12 دولة عام 1990 إلى أربع دول فقط عام 2017. وهذه الدول هي: النمسا عام 1994، والدنمارك عام 1997، وألمانيا عام 1997، وهولندا عام 2001، وفنلندا، وآيسلندا، ولوكسمبورغ جميعها عام 2006، والسويد عام 2007.
قدمت أسباب عدة لتبرير إلغاء ضرائب الثروة الصافية للأغنياء، ووفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تتعلق الحجج الرئيسة بالكلفة المالية لتطبيقها وخطر هرب رؤوس الأموال، ووجد التقرير أنه نظراً إلى تنامي هجرة رأس المال وإمكان لجوء دافعي الضرائب الأثرياء إلى الملاذات الضريبية، فإن "ضرائب الثروة الصافية غالباً ما فشلت في تحقيق أهدافها في إعادة التوزيع".
وأشارت كريستينا إيناتشي إلى أن التوقعات غالباً ما تتعارض مع الواقع العملي لاستجابة دافعي الضرائب، إذ تناقش مزيد من الدول فرض ضرائب على الثروة لاستهداف الأثرياء وتحقيق إيرادات ضخمة، مثلما يحدث بالبرلمان الفرنسي حالياً. وعندما تركز الضريبة بصورة كبيرة على قلة من الأفراد الأثرياء ذوي القدرة العالية على التنقل، فإن أي زيادة ولو طفيفة في معدل الضريبة قد تؤدي إلى هرب رؤوس الأموال وانتقال الأثرياء إلى بلدان مجاورة.
وأشارت إلى أن دافعي الضرائب الفارين من البلاد لا يأخذون معهم عائدات ضريبة الثروة فحسب، بل يأخذون معهم أيضاً عائدات ضريبة الدخل وضريبة الاستهلاك، وهي المصادر الرئيسة للإيرادات بالنسبة إلى الدول الأوروبية.
في فرنسا، على رغم أن هذا المنفى الضريبي حقيقي، فإن عدد الأسر الخاضعة لضريبة التضامن على الثروة (ISF) التي اختارت المغادرة لا يزال منخفضاً، وفقاً لدراسة أجرتها منظمة "فرانس استراتيجي".
في عام 2013، وهو عام ذروة الهجرة، غادرت فرنسا 0.26 في المئة من جميع الأسر المتأثرة بضريبة التضامن على الثروة، وهم 810 أسر من أصل 312 ألفاً.
لكن تظهر الدراسات المختلفة التي أجريت على ضريبة التضامن على الثروة أنها أدت بالفعل إلى المنفى الضريبي، وإن كان منخفضاً جداً.
بين عامي 2011 و2016، فاق عدد الأسر الثرية المغادرة الخاضعة لضريبة التضامن تلك العائدة، بمتوسط "خسارة فادحة" بلغ نحو 600 أسرة سنوياً، وفقاً لتقرير "فرانس استراتيجي" الصادر عام 2023، لكن هل سيتوقف نسق المنفى الضريبي عند هذا السقف في حال طبقت باريس مشروع زوكمان الضريبي؟