ملخص
ظهر شباب مغاربة ظرفاء ينتسبون إلى حركة "جيل زد" قرروا الاحتجاج للمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد بسلوكيات أثارت تعليقات كوميدية، مثل شاب لقب بـ"أبو عبيدة"، وشاب آخر بـ"باتمان"، وثالث تشبه بأحد ممثلي هوليوود.
في زحمة الأجواء المشحونة بالاحتجاجات الشبابية التي اندلعت في المغرب منذ الـ27 من سبتمبر (أيلول) الماضي، والتي انزلقت في بعض المناطق إلى استعمال العنف والتخريب، برزت مشاهد طريفة وأخرى لطيفة خففت من احتقان احتجاجات لم يشهد المغرب مثلها منذ سنوات طويلة.
وظهر شباب مغاربة ظرفاء ينتسبون إلى حركة "جيل زد" قرروا الاحتجاج للمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد بسلوكيات أثارت تعليقات كوميدية، مثل شاب لقب بـ"أبو عبيدة"، وشاب آخر بـ"باتمان"، وثالث تشبه بأحد ممثلي هوليوود.
وبخلاف ما وقع في بعض المناطق من تخريب وتوترات خطرة بين المتظاهرين القاصرين ورجال الأمن، مثل ما وقع في مدينة سلا وفي القليعة، وغيرهما، بادر محتجون إلى إهداء الورد إلى أفراد القوات العمومية، كما بادر آخرون إلى تنظيف الشوارع من مخلفات الاحتجاج.
"أبو عبيدة" و"باتمان"
اشتهر أحد شباب الاحتجاجات الجارية في المغرب عندما وجه قبل أيام تهديدات بالقتل والعنف، وأمهل السلطات شهراً للاستجابة لمطالب "جيل زد"، وإلا ستكون العواقب وخيمة، فأطلق عليه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لقب "أبو عبيدة"، في إحالة إلى الناطق باسم كتائب القسام التابعة لحركة "حماس" في قطاع غزة.
ولكن "فكاهة" هذا الشاب التي احتوت تهديدات علنية للسلطات المغربية، تحولت إلى "دراما" حقيقية، بعدما توبع الشاب بتهم ثقيلة أبرزها التهديد بالقتل والعنف، وهو ما شكل أيضاً رفضاً من طرف "مجلس الصحافة" بالمغرب الذي انتقد نشر فيديوهات هذا الشاب في مواقع إلكترونية، ودعا إلى عدم نشر وبث مواد تمجد العنف والجريمة والإرهاب، بغرض الإثارة المجانية.
وفي مشهد آخر ظهر أحد "شباب زد" على شكل "باتمان" أو (الرجل الوطواط)، وهو شخصية خيالية تعد من أشهر الشخصيات في عالم القصص المصورة للأبطال الخارقين، وهو يسير على متن دراجته الكهربائية "تروتينيت".
وتابع كثر مشهداً آخر لا يقل طرافة يتمثل في تشبه أحد الشباب الظرفاء بشخصية توماس شيلبي المعروفة التي أداها الممثل الهوليوودي الشهير كيليان مورفي في المسلسل الأيقونة "بيكي بلايندرز"، غير أن خفة دم هذا الشاب واجهها "ثقل دم" أحد رجال القوات العمومية الذي نهره وطلب منه مغادرة المكان.
وعرف أحد الشباب الذين التقطتهم الكاميرات وهو يجري محملاً بقنينات الزيت، وقد نهبها من أحد المحال في إطار أعمال التخريب، بلقب "سراق الزيت"، في إحالة إلى حشرة الصرصار التي تعرف بهذا الاسم بين المغاربة، لكن مصير هذا الشاب بات أقرب إلى السجن بعدما تم اعتقاله في انتظار إحالته على القضاء.
إشارات إنسانية
وفي مشاهد أخرى خففت كثيراً من حدة المواجهة المتوترة التي ظهرت في بداية "الحراك الشبابي" بين المتظاهرين الشباب وأفراد السلطات الأمنية، قرر "شباب جيل زد" في أكثر من مدينة، مثل خريبكة وتطوان وغيرهما، إهداء ورود إلى القوات العمومية المتراصة لمراقبة الحشود المحتجة.
وظهر "شباب زد" وهم يقدمون ورداً أحمر إلى رجال الأمن وأفراد القوات المساعدة، عربوناً على مشاعر الود إزاء هذه الأجهزة الأمنية التي تتحمل ثقل وعبء مراقبة المئات من المحتجين والحرص على عدم الانزلاق إلى مواجهات عنيفة.
من جهة أخرى قرر "شباب زد" إطلاق حملة واسعة لتنظيف شوارع عديد من المناطق والمدن، حرصاً على ترك مواقعهم نظيفة من مخلفات الاحتجاج، وتضامناً رمزياً أيضاً مع عمال النظافة في الشوارع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السياق يقول أحد شباب "حركة جيل زد"، إن تنظيف شوارع الأزقة والأحياء والفضاءات العامة التي يحتج فيها الشباب هو أقل ما يمكن تقديمه كواجب حيال المجتمع، إذ إن المفترض من الذي يطالب بالعدالة الاجتماعية أن يمارسها على أرض الواقع"، وفق تعبيره.
وأكمل الشاب ذاته بأن الاحتجاجات غالباً ما تخلف كثيراً من الفوضى والأزبال وتمزيق الأوراق أو رمي القوارير وغير ذلك، الشيء الذي يجلب متاعب إضافية لفئة عمال النظافة الذين يعانون أصلاً هزالة رواتبهم وعدم استفادتهم من عديد من الخدمات والامتيازات الاجتماعية.
أما بخصوص تقديم الورد إلى رجال الأمن وأفراد السلطات العمومية في بعض الوقفات الاحتجاجية، فإن الشاب المذكور أفاد بأن الأمر متروك للشباب المحتجين، وأنها كانت بادرة طيبة للتعبير عن "حسن النيات" إزاء السلطات الأمنية، باعتبار أن الهدف هو إيصال أصوات "شباب زد" إلى من يهمهم الأمر، وليس المواجهة مع أي طرف أو جهة كانت.
تخفيف الشحن
"ظهور مشاهد طريفة وأخرى إنسانية في الاحتجاجات الشعبية أمر طبيعي ومتناسق مع التركيبة البشرية في كثير من التجمهرات والتعبيرات الشعبية"، بحسب ما قال الباحث الاجتماعي عبدالرحمن شنوح معلقاً على مشاهد "باتمان" و"أبو عبيدة" وإهداء الورد وتنظيف الشوارع.
ويشرح الباحث في جامعة الرباط بأنه في زخم الاحتجاجات الاجتماعية التي تكون عادة متسمة بكثير من الشحن النفسي والأمني والاجتماعي، تأتي مشاهد عفوية وأخرى قد يكون مخططاً لها من طرف المحتجين أنفسهم، تزيل أو تخفف من ذلك الشحن الذي لا يزيد الاحتجاجات إلا حدة.
وواصل المتحدث ذاته بالقول إن أطراف الاحتجاج الشبابي والشعبي يدخلون كلهم في بوتقة مجتمع واحد ووطن واحد، إذ إن غالب المشاركين في التظاهرات الاحتجاجية، وأيضاً عناصر حفظ الأمن ينشدون مجتمعاً سليماً ناضجاً ينشد التطور.
وشدد المتكلم على أهمية هذه المشاهد والمبادرات الإنسانية على وجه الخصوص، مثل تنظيف الشوارع، أو إهداء الزهور لرجال القوات العمومية، أو حتى مشاهد عناق رجال الأمن لبعض المتظاهرين، لأنها تكسر وتدحض تلك الصورة السيئة التي ترغب بعض الجهات في إلصاقها عنوة، سواء بالمحتجين أو بالقوات العمومية، مؤكداً في الوقت ذاته أنها "مشاهد إنسانية توطد العلاقة بين الطرفين".