ملخص
قال مسؤول في وزارة الداخلية البريطانية إن الشروط الجديدة التي تعد للحصول على الإقامة الدائمة في المملكة المتحدة ستشمل حتى المهاجرين واللاجئين الموجودين في البلاد أصلاً، لكن الحكومة تناقش إطلاق مسار "تسريعي" لفئات منهم لم يحددها.
الإقامة الدائمة للمهاجرين تحولت إلى ساحة صراع سياسي بين اليسار واليمين في بريطانيا، فلم تعد تحصيلاً بديهياً للأجانب بعد مرور 5 أعوام من العمل والعيش في البلاد من دون ارتكاب مخالفة للقوانين، وإنما أصبحت مساراً ماراثونياً لن ينتهي إن كانت السلطة بيد اليمين المتشدد، ويمتد على 10 أعوام مع تحديات كثيرة إن ظل اليسار قائداً للحكومة.
القاسم المشترك بين كل الأحزاب أصبح تعقيد حصول المهاجرين على حق البقاء والجنسية في بريطانيا، ومن فجر هذه المنافسة أو المزاودة بتعبير أدق، هو حزب "ريفورم" الذي أعلن عبر زعيمه نايجل فاراج، نيته إلغاء برنامج الإقامة الدائمة أصلاً، وإجبار من حصل عليها مسبقاً على التقدم مجدداً لنيلها بشروط أصعب ومعايير أشد على جميع المستويات.
حزب العمال الحاكم اعتبر أن طرح فاراج ينطوي على خطاب عنصري لا يشبه البريطانيين، على رغم أن استطلاعات الرأي تظهر أن "ريفورم" يمكن أن يحصل على أكثرية برلمانية واضحة في حال جرت انتخابات عامة قريبة في البلاد، وهناك قراءات أخرى تتوقع وصوله إلى السلطة على نحو شبه مؤكد إذا ما استمرت أزمة الهجرة في المملكة المتحدة حتى 2029.
في مقابل مشروع "ريفورم" العنصري كما وصفه رئيس الوزراء كير ستارمر تحرص بقية الأحزاب على تشديد سياساتها في ضبط الحدود ووقف توافد الأجانب إلى البلاد، لا يفضلون الوصول إلى التطرف الذي يعد به فاراج في حال وصوله إلى المنزل رقم 10 وسط لندن بعد أقل من أربعة أعوام، ولكن الجميع يريد أن يثبت قدرته على حل أزمة الهجرة.
"المحافظون" كما تقول زعيمتهم كيمي بادينوك، قرروا الانسحاب من اتفاق حقوق الإنسان الأوروبية إذا ما عادوا إلى السلطة بعد بضعة أعوام، هذا الاتفاق الذي منعهم أصلاً من تطبيق سياسة ترحيل المهاجرين إلى رواندا في عهد حكومة ريشي سوناك، التي كانت بادينوك تشغل فيها منصب وزيرة التجارة الدولية وتؤيد حل الترحيل لإنهاء أزمة الحدود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولأن "العمال" هو الحزب الحاكم فإن الأنظار معلقة على ما يصدر عن الحكومة من قرارات توضح مصير مئات آلاف الأشخاص ممن دخلوا المملكة المتحدة بعد "بريكست"، على أمل أن ينالوا الإقامة الدائمة بعد خمسة أعوام من العيش في البلاد سواء جاؤوا عمالاً أو لاجئين، ومن ثم سينتظرون عاماً واحداً فقط للتقدم إلى الجنسية وفق القوانين المتبعة اليوم.
ما صدر عن أعضاء حكومة لندن وبخاصة خلال الأيام القليلة الماضية، يؤكد أن هذا المسار سيتغير، وفحوى التغيير هو أن الطريق إلى الإقامة الدائمة سيمتد على 10 أعوام وليس خمسة، كذلك فإن هذه الإقامة ستتحول إلى امتياز يحتاج من المهاجر بذل كثير من الجهد والمبادرة في سبيل الحصول عليه، أي إنها ستصبح إنجازاً قد يتحقق وقد لا يصل إليه المرء.
وفق وزيرة الداخلية شبانة محمود تعد الحكومة قائمة من الشروط التي يجب على المهاجر تنفيذها قبل التقدم إلى الإقامة الدائمة بعد عقد كامل من العيش في المملكة المتحدة، أولها ألا يستفيد من إعانات الدولة "ولو بفلس واحد"، ثم إتقانه للغة الإنجليزية بصورة احترافية، بعدها تسديد ضرائبه كاملة، وأخيراً العمل التطوعي الذي يثبت "خدمة المجتمع".
هناك أيضاً شرط لإثبات التزام القيم البريطانية ولكنه لا يزال ضبابي الملامح، ثمة كثر اليوم ينتظرون توضيحه مع النقطة الأهم والأبرز في كل المسألة، ألا وهي إن كانت الشروط ستطبق على من يدخل البلاد بعد صدور التعليمات الجديدة أم ستطال حتى المقيمين حالياً ويفصلهم بضعة أعوام فقط على موعد التقدم للإقامة الدائمة وفق قاعدة خمسة أعوام.
مسؤول الهجرة في وزارة الداخلية مايك تاب يقول إن الحكومة حسمت أمرها لناحية تطبيق القواعد الجديدة على المقيمين الحاليين والقادمين الجدد، فكل من لم يتقدم بطلب الإقامة الدائمة لا تضمن له القوانين الحصول عليها وفق قاعدة الأعوام الخمسة، على اعتبار أن التشريعات في المملكة المتحدة لا تأخذ عادة طابع الأثر الرجعي عن وضعها في حيز التنفيذ.
تاب قال لشبكة "سكاي نيوز" الإنجليزية إن تطبيق الشروط الجديدة على المقيمين في بريطانيا منذ أشهر أو حتى أربعة أعوام لا يعتبر أثراً رجعياً لأنهم لم يستحقوا التقدم للإقامة الدائمة بعد، لكن نقاشاً داخلياً تخوضه الحكومة قد يفتح أمام البعض "مساراً تسريعياً" لنيل تلك الإقامة وفق معايير لا تزال غامضة ويترقبها المهاجرون وسط حال من القلق والتوتر.
وفق المسؤول في وزارة الداخلية "يريد البريطانيون من الحكومة وضع نظام عادل يتيح للمهاجرين واللاجئين الحصول على الإقامة الدائمة في البلاد"، والعدل كما بات يراه "العمال" اليوم هو فرض شروط أقسى وإطالة أمد الانتظار أمام الأجانب حتى يستحقوا امتياز العيش الدائم في المملكة المتحدة ثم الحصول على الجنسية البريطانية بعدها بقليل.
حتى القليل المطلوب للانتظار بين الإقامة الدائمة والجنسية لم يتضح بعد بصورة نهائية، هناك سيناريوهات تتوقع تمديده أعواماً بدل عام، لم تنف أو تؤكد الحكومة أياً منها حتى الآن، على رغم أن الجنسية هي القول الفصل في ملف الهجرة لأنها محدد التعداد وناظم الإحصاءات السكانية التي تكشف مدى تأثر المملكة المتحدة بالمهاجرين على كل الأصعدة.
الأرقام تتوقع ارتفاع عدد سكان المملكة المتحدة إلى نحو 73 مليون نسمة عام 2030 وما يقارب 81 مليوناً في 2046 مقارنة بأقل من 70 مليوناً حالياً، إذا ما بقيت معدلات الهجرة إلى البلاد تزيد على نصف مليون شخص سنوياً، وهذا هو ما يقلق البريطانيين ويستغله اليمين المتطرف لزيادة شعبيته فتجبر الحكومة على سياسات متشددة في ضبط الحدود.
وتطبيق التعليمات الجديدة للإقامة الدائمة بأثر رجعي قد يضع الحكومة أمام تحديات قانونية وفق تقارير صحافية محلية، لكن محمود تقول إن الوزارات المعنية ستكون مستعدة لمواجهة أي مشكلات قد تطرأ في هذا الصدد، وربما يكون هذا سبب التأخر في الإفصاح عن تفاصيل السياسات الجديدة لضبط الهجرة والخلاص من عصاب "ريفورم" وزعيمه فاراج.