ملخص
كان الاتحاد الأوروبي سبق وطرح للمناقشة مسألة مصادرة الأصول الروسية لمصلحة أوكرانيا، أو بقول آخر منح أوكرانيا قروضاً مالية بضمان الأصول الروسية المجمدة، مع عدم التزام كييف بسداد هذه القروض إلا بعد استلام تعويضات الحرب وإعادة تعمير أوكرانيا، غير أن هذه المحادثات لم تلق بعد إجماعاً داخل صفوف الاتحاد الأوروبي.
بعد انتظار دام لما يزيد على الساعتين عن الموعد المحدد للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وبعد ما يقارب الأربع ساعات استغرقها هذا اللقاء مع أعضائه وضيوفه على مدى ما يقارب أربع ساعات، أثارت تصريحات بوتين في الجلسة العامة لمنتدى "فالداي" الدولي في سوتشي على ضفاف البحر الأسود قلق كثير من المراقبين في الدول الغربية، بما تضمنته من تهديدات غير مباشرة، حين قال إن محاولات إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا قد تسفر عن كارثة عالمية.
وكان بوتين تطرق في رده على أسئلة المشاركين في المنتدى الدولي، إلى قضايا النظام الدولي الجديد وسياسات الدول الغربية الرامية إلى فرض الهيمنة ومحاولات فرض العزلة على روسيا ومصادرة الأصول الروسية لمصلحة أوكرانيا، إلى جانب علاقات بلاده مع الولايات المتحدة والصين والهند، فضلاً عن الصراع الروسي - الأوكراني والأوضاع في غزة الجريحة.
موسكو تتوعد الغرب
نقلت وكالة "ريا نوفوستي" الرسمية عن أجهزة الإحصاء الوطنية، بياناتها حول أنه في حال قيام عدد من الدول الأوروبية بمصادرة الأصول الروسية في الخارج، فإن أوروبا يمكن أن تخاطر بخسارة ما لا يقل عن 266 مليار دولار من استثماراتها في الاقتصاد الروسي، وتشير المصادر الروسية إلى أن قيمة الخسائر الأوروبية الناجمة عن مصادرة الأصول الروسية تصل إلى مليارات الدولارات، مما يعني أن الاتحاد الأوروبي قد يخسر 266 مليار دولار إذا تمت مصادرة الأصول الروسية.
وكان الاتحاد الأوروبي سبق وطرح للمناقشة مسألة مصادرة الأصول الروسية لمصلحة أوكرانيا، أو بقول آخر منح أوكرانيا قروضاً مالية بضمان الأصول الروسية المجمدة، مع عدم التزام كييف بسداد هذه القروض إلا بعد استلام تعويضات الحرب وإعادة تعمير أوكرانيا، غير أن هذه المحادثات لم تلق بعد إجماعاً داخل صفوف الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت المصادر الغربية إلى أن هناك دولاً، مثل بلجيكا وفرنسا، تعارض هذه الفكرة بسبب المخاوف من "الفوضى" والعواقب التي قد تترتب على أنظمتها المالية، فضلاً عن المجر وسلوفاكيا لما تتسم به سياسات هاتين الدولتين من مواقف متشددة تجاه أوكرانيا، ورفضهما لطلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وتقول المصادر إن "الأصول الروسية التي أعلنت البلدان الغربية عن تجميدها تمهيداً لمصادرتها، تصل إلى ما قيمته 236 مليار دولار تقريباً في الدول الأوروبية التي اتخذت موقفاً "غير ودي" من روسيا.
وقالت المصادر الغربية إنه سوف يُحتفظ من هذه الأصول بحوالى 228 مليار دولار في حسابات "يوروكلير" البلجيكية، وهي أحد أكبر أنظمة التسوية والمقاصة في العالم، وفي هذا الصدد نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن ممثل "يوروكلير"، المسؤول عن الأصول المجمدة لروسيا الاتحادية لدى الاتحاد الأوروبي، ما قاله حول أن الاستخدام غير القانوني لأصول البنك المركزي لروسيا الاتحادية "سيقوض الثقة في النظام المالي".
وكانت وزارة الخارجية الروسية وصفت في وقت سابق ما أعلن عنه الاتحاد الأوروبي حول استخدام الأصول السيادية الروسية لمساعدة أوكرانيا بأنه "عمل إجرامي"، وأكد الوزير سيرغي لافروف أن موسكو سترد على مصادرة الأصول الروسية المجمدة من قبل الغرب، مشيراً إلى أن بلاده لديها أيضاً فرصة عدم إعادة الأموال التي تحتفظ بها الدول الغربية في روسيا، في إشارة الى الاستثمارات الغربية في روسيا التي تبلغ قيمتها ما يقارب 266 مليار دولار، كما أشرنا أعلاه.
وفي تصريحاته لوكالة "ريا نوفوستي"، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الاتحاد (المجلس الأعلى للبرلمان الروسي)، غريغوري كاراسين، إن مطالب كييف بتعويضات من روسيا مسألة "ديماغوجية الطابع".
أما عن الموقف الرسمي للكرملين، فقد كشف عنه دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الرئيس بوتين في ما قاله حول أن "خطط الاتحاد الأوروبي للاستيلاء على الأصول الروسية من دون موافقة موسكو تعتبر في جوهرها بمثابة سرقة". وأشار إلى أن مثل هذه الخطوات لن تمر من دون إجابة، وستؤدي حتماً إلى إجراءات قانونية، فضلاً عما سوف تتخذه روسيا من إجراءات انتقامية.
قانون "العملاء الأجانب"
يعود تاريخ إقرار "قانون المنظمات غير التجارية والعملاء الأجانب" إلى مطلع القرن الـ21، في وقت يرتبط هذا القانون بتولي الرئيس بوتين مقاليد الحكم في الكرملين لفترة ولاية ثالثة، ويذكر المراقبون في موسكو أن روسيا لم تقدم على مثل هذه الخطوة إلا في عام 2012 بعد نجاح عدد من "الثورات الملونة" في كل من جورجيا عام 2003، وأوكرانيا في 2004، وقيرغيزستان عام 2005، وكان مجلس الدوما أقر قانون "المنظمات غير التجارية" أو ما يسمى بـ"العملاء الأجانب" بعد محادثات حادة استمرت منذ بداية الولاية الثالثة للرئيس بوتين عام 2012 وحتى قبل نهايتها في 2017، ونذكر بهذا الصدد ما قاله الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف حول دهشته الشديدة إذ ينطبق عليه وصف "العميل الأجنبي" استناداً إلى مؤسسته التي ينتمي إليها وهي "صندوق غورباتشوف للأبحاث والدراسات السياسية"، وذلك لما تتلقاه من معونات أجنبية وتبرعات مالية لا بد من تقديم تفاصيلها وظروف إنفاقها إلى الجهات الروسية المختصة.
وكان الرئيس بوتين سبق ووعد بإعادة النظر في هذا القانون، لكن الواقع فرض عليه قبوله تحت وطأة التدخلات الخارجية في شؤون الداخل الروسي التي لم تتوقف منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في ديسمبر (كانون الأول) عام 1991.
كما نذكر في هذا الصدد ما رددته السلطات الرسمية آنذاك حول أن روسيا ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة بين الدول التي اضطرت إلى إقرار مثل هذا القانون، كما نذكر تعليقاتها على مخاوف الصحافيين الأجانب من احتمالات تطبيقه على الصحافيين وممثلي وسائل الإعلام الأجنبية، وأشارت المصادر البرلمانية الروسية إلى أنها استأنست في محادثاتها بالقانون الأميركي ومثيله في عدد من البلدان الأوروبية.
حول هذا الموضوع ننقل عن الإعلامي التلفزيوني السابق ونائب رئيس مجلس الدوما عن الحزب الحاكم "الوحدة الروسية"، بيوتر تولستوي، ما قاله عن أن مشروع القانون حول وسائل الإعلام و"العملاء الأجانب" لا يفترض تطبيقه تلقائياً على كافة وسائل الإعلام الأجنبية، وأن رفض وسائل الإعلام التي تفي بمعايير الوكيل الأجنبي تسجيل نفسها بهذه الصفة سيعرضها لفقدان فرصة العمل في روسيا، وأضاف أن هناك معايير محددة لتحديد من سيطبق عليه القانون، وأن المشرعين لا يقترحون في الوقت الحالي فرض عقوبات جديدة على من يرفض تسجيل نفسه كعميل أجنبي، مشيراً إلى وجود عقوبات محددة تفرض على المنظمات غير التجارية التي تتلقى الدعم من الخارج وترفض تسجيل نفسها كعميل أجنبي، مثل كل تلك القيود والتشريعات.
هل هو حق يراد به باطل؟
في هذا الصدد نعيد إلى الأذهان الجدل الذي احتدم في الساحة الروسية حول اعتماد هذا القانون في روسيا، وما تردد حول أنه لن يطبق إلا في حال تجاوز الصحافي الأجنبي للحدود المسموح بها، لأن عليه الالتزام بنصوص القانون، واستشهدت المصادر الرسمية بالقانون الأميركي "حول تسجيل الوكالات الأجنبية"، الصادر في الولايات المتحدة عام 1937 بغرض مكافحة النازية وضمان الشفافية في الأنشطة التي يقوم بها أشخاص يعملون نيابة عن حكومات أو أحزاب سياسية أجنبية للتأثير في الرأي العام الأميركي أو صناع القرار، وذلك ما جرى تطبيقه على ممثلية قناة "روسيا اليوم" في الولايات المتحدة. كما جرى الاستشهاد أيضاً بالقانون الأسترالي الذي صدر عام 2018 لمكافحة التدخل الأجنبي، لا سيما الصيني، في الشؤون السياسية الأسترالية، وهو القانون الذي "يفصّل بصورة صريحة الأنشطة السرية التي يقوم بها أجانب للتأثير في العمليات السياسية أو الانتخابية، وهي أقرب إلى كونها قوانين مكافحة التجسس والتدخل الخارجي"، إلى جانب القوانين الأوروبية التي "تفصل في التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية، لكنها غالباً ما تكون جزءاً من قوانين أكثر عمومية لمكافحة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب".
غير أن الواقع الحالي يقول باختلاط المعايير وارتباك التفاسير وخضوع القانون والتشريعات لميول بعض المسؤولين عن تطبيقها ومدى انسياقهم مع الظروف السياسية ومقتضياتها، وذلك ما يجري في بعض البلدان الأوروبية وغير الأوروبية مع ممثلي المعارضة ممن لا ينتمون إلى أي منظمات تجارية أو غير تجارية، وثمة من يقول إن مثل هذا القانون الذي صدر لتنظيم شؤون الإعلام وضمان شفافيته المالية، يجري تطبيقه على مختلف أطياف النشاط العلني والسري، إلى جانب ارتباطه "بالكشف عن التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية، لكنها غالباً ما تكون جزءاً من قوانين أكثر عمومية لمكافحة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب"، فضلاً عن تطبيقه على كثير من ممثلي المعارضة السياسية في البلاد ذات الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية.
وقد شهدت الفترة الأخيرة ومنذ بداية العملية العسكرية في أوكرانيا تشدداً ملموساً من جانب السلطات الروسية في تطبيق هذا القانون وقوانين أخرى تستهدف حماية القوات المسلحة الروسية والحيلولة دون التشهير بنشاطها وعملياتها القتالية، وتقول المصادر الروسية الرسمية إن تصنيف كثير من الصحافيين وممثلي الأوساط الفنية والثقافية والمعارضين السياسيين، بموجب بنود هذا القانون، أدى في كثير من الحالات إلى تجميد أنشطتهم وهربهم إلى الخارج، على أن هناك من يقول إن إعلان وزارة العدل الروسية عن تصنيف كل هؤلاء واعتبارهم "وكلاء أجانب" إجراء قانوني يستهدف الحفاظ على السيادة، وإن كان هناك آخرون يقولون إن "ذلك مجرد محاولة لتبرير السيطرة على المعارضة، وتقييد الحريات في ظل الظروف السياسية الحالية"، وهو ما نجد مثيله في بعض الدول الغربية التي تلجأ إلى مثل هذه الأساليب حفاظاً على الأمن القومي، وللحيلولة دون التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.
وكانت المجر بادرت خلال الأعوام القليلة الماضية باللجوء إلى مثل هذه القوانين لمواجهة محاولات الملياردير الأميركي المجري الأصل جورج سوروس الرامية إلى نشر أفكار الثورات الملونة ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات المجتمع المفتوح التي أقامها في مختلف المدن المجرية، وهو ما حرص رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان على مواجهته وملاحقة سوروس وأعوانه ممن اضطروا في نهاية المطاف إلى الفرار من المجر.