Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موجة إفلاس تضرب الشركات الصغيرة والمتوسطة في فرنسا

تجاوز عددها 40 ألفاً منذ بداية عام 2025 وسط ضبابية المشهد الاقتصادي

تفلس نحو 40 شركة صغيرة ومتوسطة يومياً وبلغ إجمال ديون المزودين 3.97 مليار دولار (رويترز)

ملخص

يعاني أكثر من 86 في المئة من الشركات في فرنسا تأخيراً في سداد مستحقاتها خلال الـ12 شهراً الماضية

بعيداً من صورة الاستقرار الاجتماعي التي تصورها فرنسا دولياً، تواجه باريس مؤشرات تثير تساؤلات حول طبيعة الأزمة: هل هي مجرد انكماش اقتصادي أم بداية ركود اجتماعي عميق؟

يعاني أكثر من 86 في المئة من الشركات في فرنسا تأخيراً في سداد مستحقاتها خلال الـ12 شهراً الماضية، وفقاً لأحدث دراسة أجرتها مؤسسة "كوفاس للتأمين"، في حين تتأثر ما يقارب تسع شركات من أصل 10.

تزايدت تلك الظاهرة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، وهي تؤثر في جميع قطاعات الاقتصاد الفرنسي، وترتفع النسبة بصورة خاصة بين الشركات الصغرى، التي تواجه أطول فترات تأخير تمتد بين 44 يوماً في المتوسط، مقارنة بـ38 يوماً للشركات الصغرى والمتوسطة و36 يوماً للشركات المتوسطة والمجموعات الكبرى، وترى أكثر من نصف الشركات الصغرى والمتوسطة أن تأثير ذلك في تدفقاتها النقدية حرج.

ويتفاقم الوضع عاماً بعد عام، وفقاً لـ"كوفاس"، ففي عام 2023، تأثرت 82 في المئة من الشركات الفرنسية، وفي عام 2024، بلغت النسبة 85 في المئة، ثم 86 في المئة في العام الحالي.

غرامات غير مجدية

يؤدي هذا التأخير في السداد إلى ارتفاع مستمر في حالات إفلاس الشركات، إذ تجاوز عدد حالات الإفلاس 40 ألفاً منذ بداية عام 2025، وهو رقم قياسي أعلى بنسبة 37 في المئة من مستويات ما قبل جائحة كورونا. وبلغ إجمال ديون المزودين 3.4 مليار يورو (3.97 مليار دولار) في الأشهر السبعة الأولى من العام، وهو رقم قياسي منذ عام 2011 والأزمة المالية العالمية، ووفقاً للوسيط التجاري بوزارة الاقتصاد، بيير بيلوزيه، فإن التأخر في السداد بين الشركات يجبر نحو 40 شركة صغيرة ومتوسطة على إغلاق أبوابها يومياً.

يعاقب حالياً، عدم الالتزام بمواعيد السداد بغرامة إدارية تصل إلى مليوني يورو (2.34 مليون دولار)، وفقاً لما نشرته المديرية العامة للمنافسة وشؤون المستهلك ومكافحة الاحتيال. في يوليو (تموز) الماضي أعلن رئيس الوزراء السابق فرنسوا بايرو عن نيته تشديد هذه العقوبات، بفرض غرامة مالية تصل إلى واحد في المئة من رقم معاملات الشركات المتأخرة في السداد، "بهدف وضع حد للممارسات التي تضعف اقتصادنا" وفق تعبيره.

رقم قياسي أوروبي

وتعاني الشركات التأخير في الحصول على مستحقاتها من عملائها من مؤسسات أخرى بمتوسط ​​50 شركة يومياً، وهو رقم قياسي في أوروبا، وفقاً لمسح أجرته "كوفاس".

ويطول تأخير السداد، مما يفاقم الوضع في ظل مناخ اقتصادي معقد، لا يقصد بتأخير السداد وقت يستغرقه المستهلك لسداد ثمن مشترياته للتاجر أو المزود، بل وقت تستغرقه الإدارة أو الشركة سواءً كانت تاجر تجزئة أو مصنعاً كبيراً لسداد مستحقات مزوديها، تطول هذه التأخيرات، ويتدهور التدفق النقدي لهذه الشركات، مع احتمالية حدوث إفلاس، وتبدو المؤشرات منذرة بالغرق للمؤسسات، وتدق مجموعة "كوفاس للتأمين" ناقوس الخطر.

النسبة تجاوزت 86 في المئة وهي في ازدياد مستمر، وفي ما يتعلق بسقف السداد، تتفوق فرنسا على بعض جيرانها الأوروبيين، فهي تصل إلى 50 يوماً، مقارنة بـ46 يوماً في بولندا أو 32 يوماً في ألمانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويحدد القانون المواعيد النهائية للسداد بـ45 يوماً من نهاية الشهر، أو 60 يوماً من تاريخ إصدار الفاتورة، تفرض غرامات على الشركات المتخلفة على الدفع، وتبلغ قيمتها نحو 50 مليون يورو (58.5 مليون دولار) على مدى العام، وهو ما لا يحل المشكلة الأساسية، ووفقاً للوسيط التجاري المسؤول عن حل هذه المشكلات في وزارة الاقتصاد، بيير بيلوزيه، فإن التأخر في السداد بين الشركات يجبر 40 شركة صغيرة ومتوسطة على إغلاق أبوابها يومياً.

ومع موجة إفلاسات الشركات التي وصلت إلى مستويات حرجة، ودين عام للدولة قياسي يتجاوز 4 تريليونات دولار يمر الاقتصاد الفرنسي بفترة من الاضطرابات الشديدة، إذ يواجه خامس أكبر اقتصاد في العالم، موجة صدمة تزعزع أسس بنيتها الإنتاجية، ومع توقعات بتجاوز 70 ألف حال إفلاس بحلول نهاية عام 2025، تشهد البلاد أسوأ كارثة اقتصادية لها منذ أزمة عام 2008.

لم يعد هذا الوضع المقلق حكراً على الشركات الناشئة الهشة، بل إنه يضرب بشدة قطاعات رئيسة مثل التصنيع والخدمات التجارية، وهما ركيزتان أساسيتان للتوظيف.

هشاشة هيكلية عميقة

تثير هذه الظاهرة قلقاً بالغاً نظراً إلى تأثيرها في الشركات الصناعية الرائدة والعلامات التجارية التاريخية، فالصعوبات التي تواجهها شركات عملاق مثل "دورالكس" و"لو كوك سبورتيف" ليست مجرد أخبار اقتصادية، بل تكشف عن هشاشة هيكلية عميقة، تتفاقم بفعل التضخم المستمر، وارتفاع كلفة الطاقة، وتشديد شروط الاقتراض التي تعوق التدفق النقدي للشركات الصغيرة والمتوسطة.

وحالات الإفلاس المتتالية هذه ليست مجرد أرقام، بل تمثل آلاف الوظائف المفقودة وتهديداً للخبرات الصناعية.

في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الجزئية، يلوح شبح وضع اقتصادي كلي حرج، إذ بلغ الدين العام الفرنسي ذروة مذهلة بلغت 4029.7 مليار دولار، أي ما يعادل 120 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

هذا المستوى المرتفع من الدين يحد بشدة من قدرة الدولة على التدخل بصورة مكثفة لدعم اقتصادها، على عكس ما حدث خلال أزمة "كوفيد-19"، إذ أبقى تدخل الدولة كثيراً من الشركات على قيد الحياة، وهذا يطرح السؤال هل دخلت فرنسا مرحلة "انكماش اجتماعي"؟ على عكس الأزمة المالية لعام 2008، التي كانت في المقام الأول صدمة نظامية امتصها القطاع المصرفي وتدخل الدولة، تبدو الأزمة الحالية أكثر انتشاراً وعمقاً، إذ تضعف جوهر الاقتصاد الحقيقي، وتضعف الطبقة الوسطى، وتهدد التماسك الاجتماعي.

وستكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان النموذج الفرنسي لا يزال يتمتع بالمرونة اللازمة لامتصاص الصدمة، أم أن البلاد تتجه نحو ركود قد تكون عواقبه الاجتماعية أطول أمداً بكثير مما تشير إليه مؤشراتها الاقتصادية.

اقرأ المزيد