ملخص
في تصريح إعلامي جدد الرئيس نبيه بري تمسكه بالقانون الحالي، وأكد أن قانون الانتخاب "لا يتقدم عليه سوى القرآن والإنجيل"، أما "كتلة الوفاء للمقاومة" (كتلة حزب الله) فأكدت، في بيان أن أي تعديل لآلية اقتراع المغتربين يفتح الباب أمام تأجيل الانتخابات.
فما مصير تعديلات قانون الانتخاب المقترحة؟
انفجر في مجلس النواب اللبناني الخلاف الانتخابي، وظهر الشرخ جلياً بين أكثرية نيابية تطالب رئيس مجلس النواب نبيه بري بمناقشة قانون الانتخاب تحت قبة البرلمان وتعديل القانون للإفساح في المجال أمام اقتراع المغتربين لـ128 نائباً، وبين فريق "الثنائي الشيعي" (حزب الله - حركة أمل)، ومعهم "التيار الوطني الحر" الذي يفضل حصر تصويتهم بستة نواب كما هو وارد في قانون الانتخاب الحالي، بحجة استحالة خوضه حملات انتخابية في الخارج، كما قال عضو كتلة "حزب الله" النائب علي فياض، ولم تقتصر ترددات هذا الخلاف على مصير الاستحقاق الانتخابي المتوقع في مايو (أيار) عام 2026 فحسب، إنما على عمل مجلس النواب كمؤسسة تشريعية أيضاً، إذ تم تطيير النصاب في الجلسة التشريعية الأخيرة بعد إقرار 10 قوانين، اعتراضاً على عدم إدراج بري قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة ورفضه الدعوات المطالبة بالاحتكام إلى الهيئة العامة لمجلس النواب وبت قانون الانتخاب وتصويت المغتربين، كذلك لم تستكمل الجلسة التشريعية في اليوم الثاني بسبب عدم اكتمال النصاب.
وكشفت مصادر نيابية لـ"اندبندنت عربية" أن بري سيرد على خطوة قوى المعارضة، التي خسرته، للمرة الأولى، ورقة نصاب الجلسات ومعه إيقاع عمل مجلس النواب، بالتشدد أكثر ورفض توجيه أي دعوة لجلسة عامة تشريعية في المدى المنظور، لا للبحث بقانون الانتخاب ولا بأي موضوع آخر، ولن يتردد في تخطي المهل القانونية الملزمة والمنصوص عنها في الدستور لجلسات مناقشة الموازنة العامة التي يفترض أن تكون في الدورة العادية التي تبدأ في أول ثلاثاء بعد الـ15 من أكتوبر (تشرين الأول)، فهل يتكرر مشهد تعطيل مجلس النواب ويستخدم مفتاح المجلس ورقة ضغط كما في فترات الانقسامات الحادة بين ما كان يعرف بقوى "14 آذار" و"8 آذار"؟
"القوات اللبنانية": "قلنا لبري إننا نريد تطبيق النظام "
في السياق أكد عضو تكتل "القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع) النائب جورج عدوان أن فريقهم السياسي، ومعه نواب من أحزاب أخرى وتكتلات ومستقلين، يطالبون بإدراج اقتراح القانون المعجل المكرر على جدول أعمال الجلسة العامة وبأن يترك رئيس مجلس النواب القرار للمجلس "فإذا صوت لمصلحة صفة العجلة تتم مناقشته، وإذا أسقط عنه المجلس هذه الصفة يحول إلى اللجان المتخصصة لدراسته، أما التحجج بأن قوانين الانتخاب هي قيد الدرس في اللجنة النيابية فهذا أمر غير مقبول، إذ لم يحصل في تاريخ المجلس أن أحيل اقتراح قانون معجل مكرر إلى لجنة قبل طرح قضية العجلة على الهيئة العامة".
واعتبر عدوان أن بري يرفض إدراجه على الهيئة العامة لأنه يدرك مسبقاً أن الأكثرية النيابية صارت في مكان آخر، وتابع رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية "قلنا لبري إننا نريد تطبيق النظام، وإذا كان لا يرغب في ذلك فلن نمشي، أما النهاية الوحيدة التي قد يقبل بها حزب القوات اللبنانية حول موضوع قانون الانتخاب فهي أن يتم عرضه على الهيئة العامة، وهم مستعدون لقبول ما تقرره الأكثرية احتراماً للديمقراطية، المطلوب التسليم لقرار الأكثرية ولا نريد فرض إرادتنا على عكس الفريق الآخر الذي فرض طوال 30 عاماً قراره بهيمنة السلاح".
وشدد عدوان على أن "القوات اللبنانية" لا تسعى إلى تعطيل عمل مجلس النواب "كما اختار بري عدم عرض اقتراح القانون على الهيئة العامة فنحن سنتصرف على القطعة ونختار المشاركة بحسب المشاريع والاقتراحات المقدمة، ولن نقاطع جلسات الموازنة، فليتحمل رئيس المجلس وحده مسؤولية تعطيل العمل التشريعي"، وتابع عدوان معلقاً على تحميلهم مسؤولية تأجيل إقرار الإصلاحات بالقول "كل إصلاح لا يستقيم قبل نزع السلاح، ولن ينفذ أي قانون قبل حسم مسألة السلاح وتأمين الاستقرار، لذا فإن الثنائي وحده هو الذي يعطل الإصلاح من خلال رفضه تسليم السلاح".
الخارج سيتدخل لتعديل قانون الانتخاب؟
في مقلب "التيار الوطني الحر" (برئاسة جبران باسيل) المدافع مع ثنائي "حركة أمل - حزب الله" عن الإبقاء على قانون الانتخاب بنسخته الحالية وتفادي انتخاب المغتربين اللبنانيين لـ128 نائباً بدلاً من ستة نواب، والمتفهم لموقف بري في عدم إدراج اقتراح القانون على الهيئة العامة، لا يستبعد النائب جورج عطا الله أن ينتهي الانقسام الحاصل حول قانون الانتخاب بتعديل القانون الحالي، وكشف، استناداً إلى معلومات كما يقول، عن أنه سيحصل تدخل خارجي لا يزال مخبأً حتى الآن، "وسيجبر الجميع على تأمين ظروف انعقاد جلسة تشهد تعديلات على قانون الانتخاب مما يسمح بحصول الانتخابات النيابية بموعدها"، ويرى عطا الله أن المجموعة الخماسية التي تتعاطى في كل مقتضيات الشأن اللبناني ستعمد في لحظة من اللحظات إلى الضغط للخروج من المراوحة الحالية، "وهذا الضغط سيثمر جلسة بكلمة سر لمجموعة من النواب لفرض تعديلات معينة، اللقاءات في سفارات الدول المعنية لم تجد بعد مخرجاً لموضوع اقتراع المنتشرين اللبنانيين، والبحث جار عن صيغة تسهل عليهم الضغط، على رئيس مجلس النواب من جهة وعلى نواب المعارضة من جهة أخرى حتى لا يظهر الأمر وكأنه انكسار لفئة على أخرى".
ويجدد عطاالله، وهو ممثل "التيار" في اللجنة النيابية المكلفة دراسة قوانين الانتخاب، موقف "التيار" المتمسك بالقانون الحالي الذي شكل إنجازاً للتمثيل المسيحي بحسب رأيه. ويسأل، بغض النظر عن الحسابات المختلفة لدى القوى التي سبق ووافقت عليه، "لماذا يجب أن نمنع عن المنتشرين حقهم في التمثيل في مقاعد خاصة بهم؟ مستنداً إلى النموذج الفرنسي، إذ يمثل الفرنسيون في الاغتراب بـ11 نائباً"، ويقترح ترك الحرية للبنانيي الانتشار وحق الاختيار عند التسجيل في الخارج بين الاقتراع لستة نواب أو للنواب الـ128، لكن هذا الاقتراح لا يبدو سالكاً لدى الفريقين بالإشارة إلى المعارضة من جهة وإلى "الثنائي" من جهة أخرى. مجلس النواب، بحسب عطاالله، "بات أمام تعطيل قسري فرضه موقف بري الذي يتجه إلى عدم الدعوة إلى جلسات وموقف قوى المعارضة التي تربط تأمين النصاب بإدراج اقتراح القانون المعجل المكرر على الهيئة العامة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بري لن يتراجع
في تصريح إعلامي جدد الرئيس بري تمسكه بالقانون الحالي، وأكد أن قانون الانتخاب "لا يتقدم عليه سوى القرآن والإنجيل"، أما "كتلة الوفاء للمقاومة" (كتلة حزب الله) فأكدت، في بيان، أن أي تعديل لآلية اقتراع المغتربين يفتح الباب أمام تأجيل الانتخابات.
وحمل عضو "كتلة التنمية والتحرير" (كتلة حركة أمل) النائب قاسم هاشم مسؤولية تعليق عمل مجلس النواب إلى قوى المعارضة، ورأى أن تعطيل التشريع لم يستهدف فريقاً سياسياً لأن بنود الجلسة هي لتسيير أمور الدولة وتأمين مصالح الناس وهذا مبدأ التشريع، "أما في ما يتعلق بقانون الانتخابات فالسؤال الطبيعي: هل هناك قانون نافذ أم لا على رغم أننا كفريق سياسي نعتبره من أسوأ القوانين الانتخابية وهو يعمق الشرخ ويزيد منسوب الطائفية والمذهبية ويفتح الباب للمال الانتخابي؟"، واعتبر أن الحرص على البلد وتطبيق الدستور يجب أن ينطلق من المادة 22 منه المتعلق بقانون انتخابات خارج القيد الطائفي يعتمد لبنان دائرة واحدة، ومن ثم تشكيل مجلس للشيوخ يعتمد الأساس الطائفي ويحاكي مصالح الطوائف وحضورها، وأصر هاشم على أن القوانين الانتخابية تحتاج إلى توافق بين المكونات اللبنانية. وأوحى نائب "حركة أمل" أن الدعوات إلى الجلسات ستبقى معلقة حتى إيجاد حل لموضوع قانون الانتخاب، ووفق هاشم "فإن الانتخابات النيابية ستحصل وفق القانون النافذ، وإذا لم يتم التفاهم على مخرج معين يمكن ترك الحرية للمنتشرين اللبنانيين في الاختيار بين انتخاب ستة نواب في الخارج أو الانتخاب في لبنان لـ128 نائباً".
المشكلة في النصوص أم في تفسيرها؟
في معرض الرأي القانوني استذكر الأستاذ والباحث في القانون الدستوري أمين صليبا مقولة الرئيس فؤاد شهاب (رئيس جمهورية راحل) "ماذا يقول الكتاب؟" لأنه لو طبقنا هذه المقولة لما وصل لبنان إلى ما هو عليه الآن. في تعليقه على عدم موافقة الرئيس بري طرح اقتراح القانون المعجل المكرر على الجلسة العامة بسبب وجود اجتهاد مفاده بأنه عندما يكون الاقتراح موضوع درس في لجنة نيابية تنتفي عنه صفة العجلة، عاد المتخصص القانوني إلى نص النظام الداخلي النافذ (الفصل الثاني) المكمل للدستور (المادة الـ18 منه) التي أعطت حق اقتراح القوانين لمجلس النواب، "إذ جاءت المادة الـ110 من النظام الداخلي لتؤكد حق أي نائب تقديم اقتراح قانون مع صفة الاستعجال المكرر، ثم أكدت المادة الـ112 من النظام عينه على هذا الحق الذي لا يمكن رده أو سحبه من النائب، لأنه حق دستوري، إلا من خلال قرار يصوت عليه المجلس أولاً، حول صفة الاستعجال فإما أن يؤكده ويعرض للمناقشة أمام الهيئة العامة، أو يسحب صفة الاستعجال ويحال الاقتراح إلى اللجنة أو اللجان المتخصصة"، وعليه أضاف صليبا "فإن الرئيس نبيه بري لا يمكنه رفض ذلك بسبب وجود اجتهاد، لأنه لا اجتهاد في معرض النص بخاصة عندما يتعلق الأمر بحق دستوري معطى للنواب، ولهذا يجب عرض الاقتراح على الجلسة العامة التي هي ما يقرر كيفية التصرف بوجه الاقتراح المعجل المكرر، فإذا رفضت الهيئة العامة صفة الاستعجال لم يعطها النظام الداخلي حق إهمال الاقتراح بل فرضت المادة الـ113 بإحالته للدرس من قبل اللجنة المتخصصة".
أما بالنسبة إلى رفض الرئيس بري الدعوة إلى انعقاد جلسات للمجلس لمتابعة مناقشة جدول أعماله، فأكد الأستاذ والباحث في القانون الدستوري أن "مما لا شك فيه أن مجلس النواب لا يعقد جلساته إلا بدعوة من رئيس المجلس، وأن هذا الأمر مكرس في نص المادة الـ73 من الدستور المتعلقة بدعوة المجلس للانعقاد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، علماً أن هذا النص بحصرية الدعوى لم يرد ذكره في معرض الصلاحيات الواردة في الفصل الثاني من الدستور المتعلقة بالسلطة التشريعية، منها على سبيل المثال نص المادة الـ32 من الدستور "يجتمع المجلس في كل سنة..."، لكن النظام الداخلي تطرق إلى هذا الأمر في المادة الـ54 الآتي نصها "يعين الرئيس أو نائبه عند تعذر قيام الرئيس بمهامه، مواعيد الجلسات ويطبق جدول الأعمال ويضبط إدارة الجلسات ويدير المناقشات".
هذا النص يؤكد أن صلاحية الدعوة إلى الانعقاد محصورة بالرئيس فحسب، لذا تبقى الدعوة إلى الانعقاد محصورة بالرئيس، لكن كما يجمع عليه الفقه الدستوري، تبقى صحة تطبيق الدستور متوقفة على السلطة التي أوكلها التطبيق، وبالطبع يفترض الفقه الدستوري أن تطبيق الصلاحية الدستورية هي مسألة بديهية تتعلق بالانتظام الدستوري العام الذي لا يمكن مخالفته، أي الانتظام الدستوري إلا لأسباب استثنائية قاهرة تبرر الاعتكاف عن التطبيق.