ملخص
تشير المعطيات إلى أن الوضع الاقتصادي في إيران قد يزداد سوءاً في الأسابيع والأشهر المقبلة. فعودة العقوبات بصورة كاملة وانخفاض الإيرادات النفطية، وتصاعد العزلة المالية، ستفرض ضغوطاً إضافية على السوق المحلية. وفي مثل هذه الظروف، لن ترتفع أسعار السلع الأساسية فحسب، بل ستزداد كلفة المنتجات المحلية والزراعية يوماً بعد يوم، مما يعمق الفجوة بين الحد الأدنى للأجور وخط الفقر إلى مستوى أعمق بكثير.
دخلت أزمة غلاء المواد الغذائية في إيران مرحلة جديدة من التصعيد، إذ لم تعد حتى الحبوب البسيطة مثل اللوبياء، التي كانت، لسنوات، تعد بديلاً منخفض الكلفة للحوم على موائد العائلات، بمنأى عن الضغط التضخمي، بل أصبحت رمزاً له. ويأتي هذا الانفجار في الأسعار في ظل إصرار السلطات الإيرانية على مواصلة السياسات التصعيدية على الصعيدين النووي والعسكري، والتي أدت أخيراً إلى تفعيل "آلية الزناد" من جانب الدول الغربية، مما فاقم من عزلة البلاد الاقتصادية وانعكس بصورة مباشرة على حياة المواطنين.
مع إصرار مسؤولي النظام الإيراني على الاستمرار في السياسات الحربية والنووية، التي أدت في النهاية إلى تفعيل "آلية الزناد"، يظهر أحدث الأسعار المسجلة في المتاجر الكبرى بطهران أن سعر كيلوغرام واحد من اللوبياء وصل إلى 660 ألف تومان (5.6 دولار)، وهو رقم يعني أنه إذا قررت أسرة مكونة من أربعة أفراد أن تكون وجبتها اليومية مجرد طبق من اللوبياء، فإنها ستحتاج إلى أكثر من 19 مليون تومان (161 دولاراً) شهرياً لتغطية ذلك. هذه الحسبة البسيطة تظهر أنه حتى لو خصص عامل كل راتبه الشهري لشراء اللوبياء، فلن يتمكن من تأمين غذاء أسرته لشهر كامل. وتظهر الإحصاءات أن سعر اللوبياء في إيران شهد خلال الأشهر الـ15 الماضية ارتفاعاً مذهلاً. ففي مايو (أيار) عام 2024، كان سعر كيلوغرام اللوبياء أقل من 150 ألف تومان (1.3 دولار)، لكنه وصل في يناير (كانون الثاني) عام 2025 إلى نحو 280 ألف تومان (2.4 دولار)، ثم تجاوز في نهاية الصيف الماضي حاجز الـ660 ألف تومان (5.6 دولار). مثل هذا الارتفاع لم يخرج فقط عن سيطرة السوق، بل كشف أيضاً المعنى الحقيقي لـموائد العمال الخاوية.
الدولار بـ118 ألف تومان وارتفاع الأسعار بصورة جنونية في إيران
مع تفعيل "آلية الزناد" وعودة عقوبات مجلس الأمن الدولي ضد إيران، تسارعت وتيرة ارتفاع سعر الدولار في الأسواق الإيرانية. حتى نهاية الأسبوع الجاري، بلغ سعر الدولار الأميركي في طهران مستوى قياسياً عند 118 ألف تومان، وهو رقم انعكس بسرعة على أسعار السلع الاستهلاكية والغذائية، إذ شهد معظم المنتجات قفزات غير مسبوقة في الأسعار. وبحسب تحقيقات ميدانية أجرتها "اندبندنت فارسیة"، وصل، أمس الجمعة، سعر كيلوغرام اللحم الأحمر بين 1.2 و1.5 مليون تومان (12.5 دولار). أما العدس، الذي كان يعتبر طعام الفقراء سابقاً، فبلغ سعر كيلوغرامه 200 ألف تومان (1.7 دولار)، والماش 190 ألف تومان (1.6 دولار)، وبلغ سعر الحمص الأبيض في سوق طهران 210 آلاف تومان (1.8 دولار)، واللوبياء ذات العين السوداء 260 ألف تومان (2.2 دولار). في الوقت نفسه بلغ سعر اللوبياء الحمراء 330 ألف تومان (2.8 دولار)، والرز الإيراني نحو 300 ألف تومان (2.55 دولار) للكيلوغرام الواحد.
حتى المواد الغذائية التي كانت تعد الأرخص، لم تسلم من موجة التضخم هذه، إذ أصبح سعر زجاجة الحليب منخفض الدسم 52 ألف تومان (0.45 دولار) وعلبة الجبن الكريمي الصغيرة 25 ألف تومان (0.21 دولار)، والزبدة وزن 100 غرام 60 ألف تومان (0.50 دولار)، وبلغ سعر الزبادي منخفض الدسم 450 غراماً 42 ألف تومان (0.35 دولار)، وزجاجة زيت نباتي 900 غرام 90 ألف تومان (0.76 دولار). وعلى صعيد البروتينات، ارتفعت أسعار الدجاج ومشتقاته بصورة كبيرة، إذ بلغ سعر عبوة صدر الدجاج 400 غرام 145 ألف تومان (1.23 دولار)، والدجاج المقطع 350 ألف تومان (2.97 دولار) للكيلوغرام الواحد، والدجاج البلدي المجمد الصغير 240 ألف تومان (2 دولار).
الدخل والمصاريف لا يتناسبان
وفقاً لأحدث البيانات الرسمية يبلغ متوسط دخل العمال والموظفين في إيران بين 12 و17 مليون تومان شهرياً (101 و145 دولاراً). وفي الوقت نفسه يؤكد نشطاء العمال أن خط الفقر لأسرة مكونة من ثلاثة أفراد تجاوز حالياً 56 مليون تومان (475 دولاراً). هذا يعني أنه حتى إذا لم تدفع الأسرة إيجار المنزل وتخلت عن اللحوم والدجاج ومنتجات الألبان، فإنها لن تتمكن من إشباع جوعها (باستخدام الحبوب والرز فقط) بدخل شهري واحد. إلى جانب هذه النفقات الأساسية، هناك كلف أخرى مثل الملابس والتنقل والتعليم للأطفال والإنترنت وفواتير المياه والكهرباء والغاز، مما يزيد العبء على الطبقة العاملة.
وفي ظل ظروف يعيش فيها أكثر من 80 في المئة من سكان إيران تحت خط الفقر، تظهر الحياة اليومية لملايين الأسر أن اللحوم والدجاج اختفت من كثير من الموائد، وحلت مكانها الحبوب أو حتى الأطعمة منخفضة الجودة والقيمة الغذائية، لكن الآن بعدما ارتفعت أسعار الحبوب بصورة كبيرة، لم يعد هناك حتى طعام بديل متاح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم تأكيد مسؤولي النظام الإيراني، من بينهم الرئيس مسعود بزشکیان ووزير خارجيته عباس عراقجي، في الأيام الأخيرة، أن "آلية الزناد" والعقوبات الجديدة لا تؤثر في حياة الناس، إلا أن واقع الأسواق ومائدة المواطنين يقولان خلاف ذلك. فالعقوبات الجديدة لم تقلص فقط الإيرادات الدولارية لإيران، بل أسهمت في قفزات حادة لسعر الدولار وتصاعد حاد في معدلات التضخم.
قال سعيد علي زادة الناشط النقابي لمنظمة المتقاعدين الاجتماعية لوكالة "إيلنا" للأنباء إن ارتفاع الأسعار بنسبة 100 في المئة، وحرمان مليون تلميذ من التعليم، وارتفاع أسعار الأدوات المدرسية بنسبة 30 في المئة، وشراء اللحوم بالتقسيط، وتراجع وجود الأطعمة التقليدية والبسيطة على موائد الناس، وزيادة الرشى، وارتفاع يومي في أسعار الأدوية والعلاج، ومشكلات التأمين التكميلي للمتقاعدين والانخفاض غير المسبوق في قيمة العملة الوطنية التي أدت إلى تراجع القوة الشرائية للناس يومياً، كلها مؤشرات إلى حياة الناس في العام الأخير، والتي تنبع كلها من سياسات خاطئة.
ويرى متخصصون أن جذور الأزمة الاقتصادية في إيران لا تقتصر على العقوبات فحسب، بل تكمن أساساً في السياسات العدوانية التي يتبعها المرشد علي خامنئي، والنفقات الضخمة للحكومة لدعم الميليشيات الإقليمية. ففي حين يعجز المواطن الإيراني عن شراء كيلوغرام من اللوبياء أو بضع زجاجات حليب، تنفق مليارات الدولارات لتعزيز مجموعات هدفها النهائي تدمير إسرائيل. هذه النفقات ذات الطابع العسكري والأيديولوجي، إلى جانب سوء الإدارة الاقتصادية، تشكل السبب الرئيس وراء انغماس إيران في دوامة الفقر والغلاء المستمر.
أفق أكثر قتامة
تشير هذه المعطيات إلى أن الوضع الاقتصادي في إيران قد يزداد سوءاً في الأسابيع والأشهر المقبلة. فعودة العقوبات بصورة كاملة وانخفاض الإيرادات النفطية وتصاعد العزلة المالية، ستفرض ضغوطاً إضافية على السوق المحلية. وفي مثل هذه الظروف، لن ترتفع أسعار السلع الأساسية فحسب، بل ستزداد كلفة المنتجات المحلية والزراعية يوماً بعد يوم، مما يعمق الفجوة بين الحد الأدنى للأجور وخط الفقر إلى مستوى أعمق بكثير.