Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جيل زد" تدعو إلى تظاهرات لليوم الثامن للمطالبة بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية

سيناريوهات سياسية ودستورية لمآلات احتجاجات الشباب في المغرب

تظاهرات "جيل زد" في الرباط، الثالث من أكتوبر 2025 (أ ف ب)

ملخص

أحد السيناريوهات يتعلق بتفعيل الفصل 47 من زاوية استقالة رئيس الحكومة، بما يترتب عليه إعفاء الحكومة بكاملها، مع استمرارها في تصريف الأمور الجارية إلى حين تشكيل حكومة جديدة.

أعلنت حركة "جيل زد 212" عن تظاهرات جديدة السبت لليوم الثامن توالياً للمطالبة بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية.
تأتي هذه التظاهرات الاجتماعية غير المسبوقة التي نظمتها "جيل زد 212" منذ 27 سبتمبر (أيلول) الفائت، في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت منتصف سبتمبر في عدة مدن اثر وفاة ثماني حوامل في المستشفى العمومي بأغادير (جنوب) أثناء عمليات قيصرية.
ونشرت الحركة التي لا تعلن هوية القيمين عليها، على موقع "ديسكورد" دعوة للتظاهر في 14 مدينة، "في إطار منظم ومحدد" بين الساعتين 18:00 و21:00 بالتوقيت المحلي.

قراءات وتأويلات

في الموازاة تعددت القراءات والتأويلات حول المآلات السياسية والدستورية للاحتجاجات الشبابية في إطار ما بات يعرف في المغرب بـ"جيل زد"، بخاصة بعدما طالبت حركة "جيل زد 212"، في بيان منسوب إليها، باستقالة الحكومة التي يترأسها عزيز أخنوش.

وتوزعت التوقعات الدستورية التي أفرزتها هذه المطالب الشبابية، التي برزت أيضاً في الشعارات المرفوعة في أكثر من مدينة منذ بداية "الحراك" السبت الماضي، بين من يرجح تدخل العاهل المغربي لإقالة أعضاء من الحكومة، أو مبادرة رئيس الحكومة نفسه بتقديم استقالته، وبين من يرى أن الحكومة ستكمل ولايتها التي تبقى منها أقل من سنة واحدة، وأن "المحاسبة الشبابية" ستكون عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية المقبلة.

مطالب "جيل زد" والدستور

رفع شباب "جيل زد" شعاراً محورياً، بالإضافة إلى تحسين خدمات الصحة والتعليم وتوجيه الإنفاق الحكومي إلى قطاعات اجتماعية رئيسة عوض الإسراف في بناء ملاعب الكرة، يتمثل في استقالة الحكومة التي يقودها حزب "الأحرار"، ورحيل عزيز أخنوش.

ويعود آخر تعديل وزاري شهدته الحكومة المغربية الحالية إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، وشمل تغيير وزراء الفلاحة والصحة والتعليم العالي والتربية والتعليم الأولي، والتضامن والأسرة، والنقل.

وتصدر حزب التجمع الوطني للأحرار الانتخابات التشريعية في المغرب لسنة 2021، وحل حزب الأصالة والمعاصرة ثانياً، وحزب الاستقلال ثالثاً، لتشكل تحالف "ترويكا" لحكومة مغربية من المفترض استمرار ولايتها إلى حدود خريف 2026، موعد الانتخابات البرلمانية المرتقبة.

وأعاد مطلب "جيل زد" في الاحتجاجات الاجتماعية باستقالة الحكومة المغربية برمتها إلى واجهة النقاش السياسي والدستوري، وصلاحية العاهل المغربي لإقالة رئيس الحكومة، أو إعفاء وزراء في الحكومة، أو حل البرلمان، ومن ثم تلقائياً تقال الحكومة.

ويورد الدستور المغربي هذه الصلاحيات في الفصل 47 كالتالي، "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. وللملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضواً أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم".

ويضيف الفصل الدستوري، "لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، بناءً على استقالتهم، الفردية أو الجماعية. ويترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها. وتواصل الحكومة المنتهية مهامها تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة".

 

في هذا السياق، أورد الباحث والإعلامي عبدالله ترابي أن إقالة الملك لرئيس الحكومة يتصدر مطالب "جيل زد"، لكن الملك ليست له هذه الصلاحية، إذ إن رئيس الحكومة يستقيل ولا يُقال، وكان في هذا التدقيق تعزيز لمؤسسة رئاسة الحكومة وشرعيتها الديمقراطية والانتخابية حسب رغبة اللجنة التي وضعت الدستور.

ووفق ترابي، "أفرغت الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2011 والممارسة السياسية دستوراً متقدماً جداً من محتواه، لكن الشباب المحتج اعتمدوا في بعض من مطالبه على بعض فقرات هذا الدستور، حتى ولو كان هناك خطأ في فهمها وإدراكها".

هذا النقاش الدستوري بخصوص "محاكمة الحكومة" من طرف الشباب المحتجين، علق عليه وزير العدل عبدالطيف وهبي في تصريحات صحافية بالقول إن "أية محاسبة للحكومة لا يمكن أن تكون إلا من خلال الدستور"، كما شدد على أنه "لا يمكن السماح بالالتفاف على الدستور"، وفق تعبيره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سيناريو الاستمرارية وشروطه

لبسط السيناريوهات السياسية والدستورية الممكنة في هذا الموضوع قال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة مراكش الحبيب استاتي زين الدين إن طبيعة هذه الاحتجاجات مختلفة عن سابقاتها، ليس فقط من حيث مضمونها، بل أيضاً من حيث فاعليها، فجمهور "جيل زد" يُوصَف بأنه نتاج خالص لعصر الإنترنت، بلا تنظيم هيكلي تقليدي ولا قيادة واضحة، بخلاف حركة "20 فبراير" سنة 2011.

وسجل زين الدين أن هذه الفئة، التي تتراوح أعمارها بين منتصف العشرينيات ونهايتها، سبق أن برزت في تعبئات رقمية قوية، وانتقلت اليوم إلى استعمال فضاءات افتراضية مغلقة مثل "ديسكورد" لإخفاء الهوية، ما يجعلها أكثر سيولة وأقل قابلية للاحتواء عبر الوسائل التقليدية.

واستطرد المحلل نفسه بأن "جيل زد" جيل وُلِد في ظل العهد الجديد الذي بدأ عام 1999، ومن ثم فإن توقعاته من الدولة ومطالبه السياسية والاجتماعية تعكس أفقاً مختلفاً وأكثر حدة مما كان عليه الحال مع الأجيال السابقة.

أمام هذه المعطيات، تنبثق مجموعة من السيناريوهات لاحتواء الاحتجاجات، وفق أستاذ القانون الدستوري. يقوم السيناريو الأول على استمرار الحكومة في مسؤولياتها مع اتخاذ إجراءات عاجلة وذات أثر ملموس لتخفيف الاحتقان بالنظر إلى قرب الاستحقاقات الانتخابية.

هذا الخيار، يتابع زين الدين، يجعل بقاء الحكومة مشروطاً بقدرتها على تحقيق نتائج ملموسة في مجالات حساسة، مثل التشغيل والتعليم والحماية الاجتماعية، مع فتح قنوات حقيقية للتفاعل مع الشباب وتقديم حلول عملية بدل الاكتفاء بالخطابات، وهنا تصبح الاستمرارية مقبولة فقط إذا تحولت إلى أداة لتقوية الثقة، لا مجرد وسيلة لتأجيل الأزمة.

 

سيناريو الإعفاء

أما السيناريو الثاني، بحسب أستاذ القانون الدستوري نفسه، فيتمثل في إعفاء بعض الوزراء الذين ثبت ضعفهم أو تقصيرهم، عملاً بمقتضيات الفصل 47 الذي يخول للملك، بمبادرة منه وبعد استشارة رئيس الحكومة، إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، كما يتيح لرئيس الحكومة طلب الإعفاء أو بناءه على استقالات فردية أو جماعية.

يرى زين الدين أن هذا المسار يجمع بين احترام مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وبين الحفاظ على استقرار البنية العامة للحكومة، وهو يتيح استجابة سريعة تظهر أن المحاسبة ليست حكراً على الخطاب، بل تمتد إلى قرارات عملية تمس من أخلّوا بواجباتهم.

واستدرك الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش في خلاصة هذا السيناريو بأن "نجاح هذا الخيار مرهون بأن يستند إلى معايير موضوعية شفافة، حتى لا يُقرأ كإجراء رمزي محدود الأثر".

سيناريو الاستقالة

يصل المحلل إلى السيناريو الثالث الذي، وفقه، هو الأكثر جذرية وكلفة سياسية، ويتعلق بتفعيل الفصل 47 من زاوية استقالة رئيس الحكومة، بما يترتب عنه إعفاء الحكومة بكاملها، مع استمرارها في تصريف الأمور الجارية إلى حين تشكيل حكومة جديدة.

"القوة المعيارية لهذا السيناريو تستمد مشروعيتها من الفلسفة التي يقوم عليها الدستور، أي فصل السلط بما يضمن التوازن والتعاون، وديمقراطية مواطِنة وتشاركية تعيد وصل الصلة بين التمثيل والطلب الاجتماعي، وحكامة جيدة تخضع التدبير العمومي لمعايير النجاعة والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة على أعلى مستوى"، يورد زين الدين.

وأضاف أنه "حين تفقد الحكومة أهليتها العملية أو رصيدها التمثيلي إلى حد يهدد الثقة العمومية، تصبح الاستقالة هنا أكثر من تقنية دستورية، فهي آلية لإعادة تأسيس العقد السياسي على قاعدة المحاسبة الجماعية"، مبرزاً أنه "على رغم الكلفة السياسية والمؤسسية لهذا الخيار، فإنه يظل منسجماً مع روح الدستور، حيث تصبح الاستقالة الجماعية للحكومة تعبيراً صريحاً عن أن المسؤولية السياسية لا معنى لها من دون محاسبة، وأن استعادة الثقة قد تستوجب أحياناً محاسبة جماعية تعيد وصل السياسة بالنتائج".

وخلص إلى أن "السياق الراهن لا يشير بعد إلى مؤشرات تسمح بترجيح الحل الجذري المتمثل في استقالة الحكومة، وإن كان من المهم التنبيه إلى أن هذا الخيار يظل قائماً من الناحية النظرية والدستورية كترجمة قصوى لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة".

ترجيحات ورهانات

وسط هذه السيناريوهات الثلاثة لمآلات حراك "جيل زد"، يرجح أستاذ القانون الدستوري أن يلجأ المغرب، في الأفق المنظور، إلى مزيج من السيناريوهين الأول والثاني: الاستمرارية المقترنة بإجراءات استعجالية، مع احتمال التضحية ببعض الوزراء كرسالة رمزية إلى الشارع.

ورهن زين الدين نجاح هذه المقاربة بمدى قدرة الدولة على استيعاب أن مطالب "جيل جديد" لا تكتفي بالخطاب، بل بآثار ملموسة وفورية على حياته اليومية، مكملاً بأنه "في هذا الإطار، تبرز مسألة تجديد الثقة في حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش، حيث أصبح موقعه على رأس الحكومة موضع تساؤل بالنظر إلى الطريقة التي ختمت بها التجربة الحكومية مسارها التدبيري والسياسي".

في المقابل، تقتضي الموضوعية، وفق المحلل عينه، التنبيه إلى أن الحزب القائد وإن كان يتحمل العبء الأكبر بحكم رئاسته للتحالف وقيادته للعمل الحكومي، فإن المسؤولية في جوهرها تضامنية تشمل مختلف مكونات الأغلبية، التي شاركت في صياغة السياسات وتولي القطاعات الأساسية والتصويت على القرارات. ومن ثم، فإن التعثر لا يختزل في حزب واحد، بل يُقرأ كإخفاق جماعي للنخبة الحاكمة في تدبير لحظة اجتماعية دقيقة تتطلب انسجاماً ونجاعة.

وذهب زين الدين إلى أن "الرهان المطروح يصبح مزدوجاً: من جهة، تهدئة الاحتقان عبر إجراءات واقعية وملموسة قادرة على إعادة بعض الثقة في العمل الحكومي؛ ومن جهة ثانية، إعادة بناء الثقة في العقد السياسي نفسه عبر مساءلة الأداء الجماعي للتحالف الحاكم"، منبهاً إلى أن "هذا ما يجعل الاحتجاجات الحالية أكثر من مجرد تحدٍ عابر، إذ تحولت إلى اختبار حقيقي لقدرة الفاعلين السياسيين على ربط المسؤولية بالمحاسبة، ليس كشعار دستوري فحسب، بل كممارسة ملموسة تحدد مستقبل العلاقة بين الدولة والمجتمع".

المزيد من تقارير