ملخص
أطلق الجيش خلال الفترة الماضية عمليات عسكرية واسعة النطاق في إقليم كردفان، وتمكن من استرداد مدينة بارا بشمال كردفان من قبضة "الدعم السريع" التي سيطرت عليها أكثر من عامين، في أكبر تقدم يحرزه الجيش بالإقليم الواقع في وسط غربي البلاد، منذ اندلاع الحرب في أبريل عام 2023.
شهدت جبهات القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في إقليمي دارفور وكردفان تصعيداً برياً وجوياً واسع النطاق، إذ شن طيران الجيش غارات جوية مكثفة على مواقع الأخيرة في مدينة نيالا بجنوب دارفور وقرب الفاشر بشمال دارفور، في وقت يخوض الجانبان معارك ضارية على تخوم مدينة النهود بغرب كردفان، في محاولة من الجيش لاستعادتها من قبضة "الدعم السريع"، لكونها تمثل مفتاح الوصول إلى مدن غرب كردفان وشمال دارفور. وبحسب مصادر عسكرية، فإن الجيش و"الدعم السريع" تبادلا القصف المدفعي منذ الساعات الأولى من أمس الخميس داخل مدينة الفاشر، إذ استهدفت مدفعية الأخيرة مقر الفرقة السادسة - مشاة وعدداً من الأحياء السكنية بخاصة حي الدرجة الأولى الواقع غرب المدينة، بينما رد الجيش باستخدام المدفعية والمسيرات على تمركزات "الدعم السريع" في مناطق متفرقة من مدينة الفاشر. وبينت المصادر نفسها أن مواجهات عنيفة دارت بين الطرفين في المحورين الشمالي والجنوبي باستخدام مختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والخفيفة، التي غلب عليها معارك الكر والفر من دون إحراز تقدم أو توغل لأي طرف منهما.
إحباط تسلل
في حين، ذكرت الفرقة السادسة - مشاة أنها نجحت بمساندة من القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة، في إحباط محاولة تسلل نفذتها عناصر من "الدعم السريع" باتجاه مدينة الفاشر. وأوضحت الفرقة في بيان تمكنها من القضاء على المجموعة المتسللة وتدمير عدد من المركبات القتالية التي كانت بحوزتها، مؤكدة أن العملية تمت بسرعة وحزم. وأكد البيان أن مدينة الفاشر تشهد حالياً هدوءاً نسبياً، وأن الأوضاع الأمنية تحت السيطرة الكاملة للجيش، بعد فشل المجموعة المتسللة في اختراق الدفاعات.
وأدى تصاعد القتال والحصار الذي تفرضه "الدعم السريع" على الفاشر منذ مايو (أيار) عام 2024، إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي زادت من معاناة المواطنين، إذ تشهد السلع الأساسية ارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار، إذ بلغ سعر كيلوغرام السكر 120 ألف جنيه سوداني (34 دولاراً)، وسعر كيلوغرام الرز 400 ألف جنيه (114 دولاراً)، ووصل سعر كيلوغرام اللحم إلى 120 ألف جنيه (34 دولاراً). وتأتي هذه الأسعار الباهظة مع ندرة شديدة في السلع، إذ تدخل المواد الغذائية إلى مدينة الفاشر بطرق محفوفة بالأخطار، مما يسهم في غلاء الأسعار ويقلل من الكميات المتاحة للتوزيع.
غارات مكثفة
كما نفذ الطيران الحربي التابع للجيش غارات مكثفة على مواقع وأهداف "الدعم السريع" في كل من مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، ومدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، فضلاً عن مواقع وحشود للأخيرة في جنوب شرقي الفاشر، ومنطقة المالحة بشمال الفاشر، بعد يوم واحد من إعلان الفرقة السادسة - مشاة تدمير منظومة تشوين قادمة من نيالا بكامل طاقمها في منطقة شنقل طوباي في طريقها إلى الفاشر.
وذكرت الفرقة أن الجيش دمر منصة هاون عيار 120 ميليمتراً، إلى جانب تحييد مجموعة من المركبات القتالية التابعة لـ"الدعم" بأطراف مدينة الفاشر. وخلال الفترة القليلة الماضية، كثف الجيش من استخدام الطيران المسير في مهاجمة مناطق واسعة في إقليم دارفور خاضعة لسيطرة "الدعم السريع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دعوات أممية
في الأثناء، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، إلى اتخاذ إجراءات تحول دون ارتكاب هجمات واسعة وجرائم وحشية ذات دوافع إثنية في الفاشر، في ظل تكثيف "الدعم السريع" هجماتها للسيطرة على المدينة المحاصرة. وقال تورك إن دعوته تأتي بناء على تقارير تتحدث عن أعمال عنف خطرة ضد الفارين، بما في ذلك إعدامات ميدانية وتعذيب واختطاف ونهب، مشيراً إلى خطر تكرار أنماط الانتهاكات ذات الدوافع الإثنية ضد المدنيين، على غرار ما وقع خلال هجوم "الدعم السريع" على مخيم زمزم الذي تخلله استخدام ممنهج للعنف الجنسي ضد نساء وفتيات من إثنية الزغاوة التي تقطن إقليم دارفور. وطالب بضرورة ضمان المرور الآمن والطوعي للمدنيين للخروج من الفاشر، وعلى امتداد حركتهم عبر طرق الخروج الرئيسة ونقاط التفتيش التي تسيطر عليها فصائل مسلحة مختلفة، لافتاً إلى مقتل 91 مدنياً في الفاشر خلال الفترة بين الـ19 إلى الـ29 من سبتمبر (أيلول) الماضي، جراء قصف مدفعي وهجمات بالطائرات المسيرة واقتحامات برية نفذتها "الدعم السريع"، ونوه المسؤول الأممي إلى تلقي مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الـ30 من سبتمبر تقارير موثوقة تفيد بمقتل 23 مدنياً في الأقل جراء استهداف مطبخ مجتمعي بالقذائف في حي أبو شوك، مبيناً أن الهجوم على المطبخ، في ظل تناقص الإمدادات الأساسية وارتفاع الأسعار بصورة هائلة، سيزيد من تدهور ما تبقى من الحق في الغذاء.
وحث أطراف النزاع على السماح، فوراً ومن دون عوائق، بدخول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى المدينة، في وقت يواجه نحو 260 ألف مدني، بينهم 130 ألف طفل، محاصرين في الفاشر، جوعاً شديداً وصعوبة في الوصول إلى مياه الشرب والرعاية الصحية، في ظل تزايد هجمات "الدعم السريع" على المدينة. وشدد تورك على ضرورة ضمان حماية المدنيين المتبقين في الفاشر، بمن فيهم أولئك الذين قد لا يتمكنون من المغادرة، مثل كبار السن وذوي الإعاقة والمصابين بأمراض مزمنة. وطالب برفع الحصار عن الفاشر فوراً وضمان إيصال المساعدات الإنسانية بلا عوائق، مؤكداً مسؤولية "الدعم السريع" والجماعات المسيطرة على نقاط التفتيش على طرق الخروج في حماية المدنيين وتمكينهم من المرور الآمن والطوعي.
معركة النهود
في محور كردفان، تدور في نواحي تخوم مدينة النهود بولاية غرب كردفان معارك عنيفة بين قوات الجيش وحلفائها من القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة ضد "الدعم السريع"، التي تسيطر على المدينة منذ مايو الماضي. وبحسب مراقبين عسكريين، فإن معركة النهود تمثل اختباراً مفصلياً في مسار الحرب، إذ يؤدي انتصار الجيش إلى استعادة الأمل لمواطني المدينة بعودة الاستقرار تدريجاً بعد صمود طويل.
وشهدت النهود وما حولها موجة نزوح آلاف الأسر باتجاه المناطق الآمنة في ولاية شمال كردفان بخاصة مدينة الأبيض، هرباً من الانتهاكات وتدهور الأوضاع الإنسانية الحاد، في ظل النقص الشديد في المواد الغذائية، وتفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن انهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية، مما جعل البقاء في تلك المناطق أمراً بالغ الصعوبة.
ووفقاً لعدد من النازحين الذين وصلوا إلى الأبيض، فإن ثمة أسباباً دفعتهم إلى مغادرة مناطقهم، من أهمها ارتفاع أسعار السلع الأساسية وصعوبة الحصول عليها، إلى جانب أزمة مياه الشرب، وانتشار حوادث السرقة والنهب التي تنفذها مجموعات مسلحة مجهولة الهوية، وبالتالي باتت الحياة اليومية شبه مستحيلة، بخاصة في ظل غياب أي تدخلات إنسانية أو دعم حكومي ملموس. وكانت مدينة النهود شهدت، عقب سيطرة "الدعم السريع" عليها، حالاً من الانفلات الأمني، مما دفع سكانها إلى مغادرتها باتجاه القرى والمناطق المجاورة، إلا أن غياب الخدمات وتدهور الوضع الأمني في تلك المناطق البديلة أجبرهم على النزوح مرة أخرى إلى مناطق مختلفة منها الأبيض ومدن في شرق البلاد وشمالها، بحثاً عن الحد الأدنى من الاستقرار والمعيشة الآمنة.
وأطلق الجيش خلال الفترة الماضية عمليات عسكرية واسعة النطاق في إقليم كردفان، وتمكن من استرداد مدينة بارا بشمال كردفان من قبضة "الدعم السريع"، التي سيطرت عليها أكثر من عامين، في أكبر تقدم يحرزه الجيش بالإقليم الواقع في وسط غربي البلاد، منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) عام 2023.