ملخص
ينقل والش بعض كلمات سيليك خلال المقابلة التي سبقت مقتله بأيام، وقد ارتسمت على ملامحه راحة ظاهرة "اليوم يوم جيد بالنسبة لي... أشعر بأنني إنسان من جديد". ويقول والش "وجدت نفسي أبتسم أيضاً". كانت ابتسامة سيليك مبعثها أنه أخيراً وجد من سينقل صوته إلى العالم البعيد، فيقول إن "الناس يموتون، ولا أحد يراقب حتى".
كان الطبيب السوداني عمر سيليك يبحث عن فرصة واحدة للصراخ عالياً ربما يسمعه العالم الخارجي ويلتفت إلى كارثة إنسانية لا يولي لها كثرٌ انتباهاً أو ربما يتجاهلونها عمداً، لكن ما إن حقق حلمه حتى انضم إلى مئات بل آلاف من ضحايا الحرب التي تمزق بلاده.
ففي ختام مقابلة مضنية استمرت ساعة كاملة عن الحياة في مدينة الفاشر السودانية والتي تحدث خلالها عبر اتصال نادر بالإنترنت وفره قمر "ستارلينك"، طلب سيليك من مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية ديكلان والش أن يشغل الكاميرا، ليظهر وجه متعب ومنهك من الحرب، سرعان ما أضاء بابتسامة عريضة. بينما كان يبكي قبل لحظات فقط وهو يصف كيف ماتت بين يده شابة حامل نزفت حتى الموت من دون أن يجد أقل الأدوات لإسعافها في ظل ظروف إنسانية أو بالأحرى لا إنسانية يعانيها سكان مدينة الفاشر في إقليم دارفور المحاصر من ميليشيات "الدعم السريع".
ويروي والش أن تلك اللحظة البسيطة من التواصل كانت كافية لأن تمنح سيليك الذي رحل عن عمر 43 سنة، ومضة من الراحة بعد 500 يوم من حصار مروع. وكان الطبيب المنهك واحداً من آخر العاملين في المجال الصحي بمدينة الفاشر التي يقطنها ربع مليون إنسان يائسين في إقليم دارفور الغربي، حيث كان الموت يتساقط من السماء والجوع رفيقاً دائماً.
ينقل والش بعضاً من الوضع اللاإنساني الذي يعيشه السودانيون في الفاشر، مشيراً إلى أنه خلال اللقاء كان الطبيب يحمل صحناً من العجينة البنية التي تستخدم علفاً للحيوانات ويقدم عادة للجمال والأبقار، وقد أصبح هذا الطعام المصدر الرئيس لغالبية سكان الفاشر منذ اندلاع حرب أهلية دامية بين قوات الجيش وميليشيات "الدعم السريع"، أدت إلى سقوط آلاف القتلى وانتشار المجاعة والأمراض وانهيار البنية التحتية الإنسانية.
وينقل المراسل بعض كلمات سيليك خلال المقابلة التي سبقت مقتله بأيام، وقد ارتسمت على ملامحه راحة ظاهرة "اليوم يوم جيد بالنسبة لي... أشعر بأنني إنسان من جديد". ويقول والش "وجدت نفسي أبتسم أيضا". كانت ابتسامة سيليك مبعثها أنه أخيراً وجد من سينقل صوته إلى العالم البعيد، فيقول إن "الناس يموتون، ولا أحد يراقب حتى".
بعد أيام، خرج الطبيب من منزله لأداء صلاة الفجر في مسجد قريب، لكن سرعان ما اخترق صاروخ سقف المسجد وانفجر بين المصلين، مما أسفر عن مقتل نحو 75 شخصاً، كان سليك من بينهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان هذا أحدث مثال على المزيج السام من التكنولوجيا والقسوة والإفلات من العقاب الذي أصبح يميز حرباً أودت بحياة ما يصل إلى 400 ألف شخص، وفقاً لتقديرات بعض الخبراء. وقال الشهود إن الصاروخ أطلق بواسطة طائرة مسيّرة تابعة لقوات "الدعم السريع" التي تحاصر الفاشر منذ أبريل (نيسان) عام 2024 بعدما قامت بطرد الجيش السوداني من المنطقة الشاسعة.
وتصاعد الحصار في مارس (آذار) الماضي، بعدما طرد عناصر قوات "الدعم السريع" من الخرطوم، عاصمة السودان. وقبل أشهر، تفاقمت الأزمة بعدما بنى عناصر قوات "الدعم السريع" جداراً ترابياً عالياً حول الفاشر يبلغ طوله الآن 42 ميلاً. وأطلق المقاتلون النار على أي شخص حاول عبوره ليلاً.
وأكثر ما يقلق عمال الإغاثة والمسؤولون الأميركيون هو ما إذا سيطرت قوات "الدعم السريع" بالكامل على المدينة، إذ يخشى كثرٌ من تكرار مجزرة الجنينة في غرب دارفور أواخر عام 2023، حيث قتل عناصر "الدعم السريع" ما يصل إلى 15 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة.
وقالت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميرجانا سبوليارك، الأسبوع الماضي في الأمم المتحدة بنيويورك "نحن نخشى أنه مع تصاعد المعركة على المدينة، الأسوأ لم يأتِ بعد. يجب ألا نسمح بحدوث ذلك".