Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسؤول فلسطيني: خطة ترمب "فخ سياسي قد يصبح فرصة"

 الباحث في قضايا الأمن والسياسة في رام الله اللواء محمد الجبريني، أكد في حديث مع "اندبندنت عربية" أن تقاطع اليمين المتطرف في إسرائيل مع "حماس" تهديد محتمل لأي خطة مفيدة 

اللواء محمد الجبريني حذر من توظيف الخطة في الفصل بين الضفة والقطاع (مركز الأبحاث الفلسطيني)

ملخص

المسؤول الفلسطيني أكد خطة ترمب تمثل بارقة أمل لمليونَي فلسطيني، لكنها مشروطة بإدارة سياسية دقيقة لضمان ألا تتحول هذه المبادرة إلى أداة لتجزئة الأرض الفلسطينية، فتصبح فخاً، بالنظر إلى تقاطع خطط اليمين المتطرف في إسرائيل وحركة "حماس" في تدبير عمليات تخريب أي جهد جدي لتقريب فرص الحل النهائي، منذ أوسلو حتى قبل 2023 يوم إطلاق عمليات السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خطته لإنهاء الحرب في غزة جدلاً واسعاً على المستويات الإنسانية والسياسية. بين من اعتبرها فرصة لوقف نزيف الدم، ومن رأى فيها محاولة جديدة لتجزئة القضية الفلسطينية، تطرح الخطة المؤلفة من عشرين بنداً سؤالاً مصيرياً: هل ستكون غزة جسراً نحو الدولة أم فخاً لفصلها عن بقية الأرض الفلسطينية؟

اللواء الفلسطيني محمد الجبريني يوضح في حديث مع "اندبندنت عربية" أن الخطة تقدم بعض الفرص الإنسانية العاجلة، فهي تنص على "أولويات ملحة، أبرزها وقف الحرب وإطلاق الرهائن والأسرى، وهو مطلب كل الفلسطينيين. كذلك تدفق المساعدات الدولية والإعمار بإشراف الأمم المتحدة يعيد الحياة إلى قطاع أنهكه الحصار والدمار، والأهم الالتزام بعدم ضم غزة أو احتلالها من قبل إسرائيل، ما ينفي سيناريو التهجير أو السيطرة المباشرة."

هذه الإجراءات تمثل بارقة أمل لمليونَي فلسطيني، لكنها مشروطة بإدارة سياسية دقيقة لضمان ألا تتحول هذه المبادرة إلى أداة لتجزئة الأرض الفلسطينية، فتصبح فخاً، بالنظر إلى تقاطع خطط اليمين المتطرف في إسرائيل وحركة "حماس" في تدبير عمليات تخريب أي جهد جدي لتقريب فرص الحل النهائي، منذ أوسلو حتى قبل 2023 يوم إطلاق عمليات السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

وقال مسؤول فلسطيني قريب من "حماس" اليوم إن الحركة "تريد تعديل بعض بنود خطة ترمب مثل نزع السلاح وإبعاد كوادر من حماس والفصائل"، وهو جزء من بنود الخطة الرئيسة، التي تؤكد على رفض أي دور لـ"حماس" في غزة بعد إنهاء الحرب.

شعار غزة أولاً، قد يتحول إلى "غزة فقط"

الجبريني وهو المتخصص في قضايا الأمن والسياسة والفكر في رام الله يلفت إلى أن هناك أخطاراً كبيرة تحيط بالخطة، قد تجعلها خطوة قصيرة الأمد بدلاً من أن تكون مدخلاً لتسوية شاملة، مشيراً إلى أن "غياب الضفة الغربية والقدس من جدول الحل، وتأجيل دور السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها، يجعل المشروع 'غزة أولاً' قد يتحول إلى 'غزة فقط'".

كما أن غياب إطار واضح لحل الدولتين أو جدول زمني لإنهاء الاحتلال "يترك المجال مفتوحاً أمام استمرار الاستيطان، وتسييس الإعمار قد يجعل لقمة العيش ورقة ضغط سياسية بدلاً من أن تكون حقاً أساسياً للشعب الفلسطيني."

ورأى أن تلك الأخطار تفسر الموقف الفلسطيني الرسمي الذي جاء حذراً، وسط ترحيب مشروط، بقدر ما تمثل الخطة مدخلاً لوقف الحرب، لكن اشترط "الربط بين غزة والضفة والقدس تحت سلطة واحدة وسلاح شرعي واحد، مع استعداد لإجراء انتخابات وإصلاحات سياسية، وذلك للوعي بأن أي اتفاق يقتصر على غزة فقط سيكون ناقصاً ولن يحل القضية الفلسطينية."

أما البيان العربي– الإسلامي المشترك للدول العربية والإسلامية التي اطلع ترمب ممثليها على بنود الخطة قبل إطلاقها، فقد عبّر عن ترحيب حذر كذلك، مشيداً بوقف الحرب والإعمار، لكنه شدد على "رفض التهجير وضم الضفة الغربية، مؤكداً على مرجعية الشرعية الدولية وحل الدولتين".

 

هذا الترحيب المشروط في نظره يوضح أن "المبادرة يمكن توظيفها كخطوة انتقالية نحو السلام العادل، لا كبديل عن التسوية النهائية."

وكان مجلس الوزراء السعودي شدد على هذا المعنى عندما أعلن أمس الثلاثاء عن الترحيب بإعلان الإدارة الأميركية الخطة الشاملة لإنهاء الصراع، معرباً عن "استعداد السعودية للتعاون مع أميركا لتحقيق اتفاق شامل لوقف الحرب في قطاع غزة، وتنفيذ الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وإيصال المساعدات الإنسانية الكافية من دون قيود".

وأشار إلى مغزى التأييد، وهو كون الخطة "تسهم في تعزيز جهود التوصُّل لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس "حل الدولتين"، بما يكفل قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".

تلاقي سردية "حماس" وإسرائيل في النتائج

لكن تحديات الخطة لا تعود إلى غموض بعض الأفكار فيها وحسب وانحيازها في نظر البعض للشروط الإسرائيلية، ولكن كذلك شخصية حركة "حماس" ونمط تفكيرها السياسي والتفاوضي والأيديولوجي، بالنظر إلى تاريخها المضاد لأفكار التسوية القائمة منذ نشأتها.

وفي هذا الصدد يشير الجبريني إلى أن الحركة لعبت دوراً مركباً في مسار القضية، فهي منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، تشكلت كظاهرة محورية في المشهد الفلسطيني، بوصفها خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، واستفادت في بداياتها من هامش "سمح به الاحتلال لموازنة نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية والتمدد في المساجد والمؤسسات التعليمية والجمعيات الخيرية. ومع اندلاع الانتفاضة الأولى، انخرطت في المواجهة المسلحة، لكنها سعت في الوقت ذاته إلى تقديم نفسها بديلاً عن القيادة الوطنية الموحدة، عبر صبغ الصراع بالبعد الديني مقابل الطابع الوطني التحرري السائد آنذاك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويربط الجبريني في تصريحاته لـ"اندبندنت عربية" بين رفض "حماس" لاتفاق أوسلو وعملياتها الانتحارية وتأثيرها على مسار التسوية بتوثيق أن "رفض حماس لاتفاق أوسلو عام 1993 تقاطع عملياً مع مواقف اليمين الإسرائيلي الساعي لإفشاله. وعملياتها الانتحارية، خصوصاً عشية الانسحابات الإسرائيلية أو صفقات تحرير الأسرى الناتجة من الاتفاق، غذت الرأي العام الإسرائيلي المناهض للتسوية، وتحريضها ضد الرئيس ياسر عرفات تزامن مع تحريض اليمين الإسرائيلي ضد إسحق رابين، ما أفضى لاغتياله وصعود نتنياهو على برنامج مناهض للسلام."

ويستعرض استمرار هذا النمط خلال الانتفاضة الثانية، وانعكاسه على الانقسام الفلسطيني، فقد رفضت الحركة خلال الانتفاضة الثانية الالتزام بفترات التهدئة التي دعا إليها الرئيس عرفات، وصعدت من عملياتها الانتحارية، مما زاد عزلة القيادة الفلسطينية ومهّد الطريق للانقلاب الداخلي في غزة عام 2007.

وأضاف "منذ ذلك الحين، تحوّلت غزة إلى ساحة صدامات عسكرية غير متكافئة: صواريخ بدائية في مواجهة ترسانة عسكرية عملاقة. وعلى رغم ما اعتبرته حماس 'انتصارات معنوية'، فإن المحصلة العملية كانت عشرات آلاف الضحايا، حصاراً خانقاً، تدميراً للبنية الوطنية، وعزلة سياسية متزايدة، حتى المرحلة أفضت إلى هجمات السابع من أكتوبر، التي عرف الجميع مآلاتها المدمرة".

وتدافع "حماس" عن استراتيجيتها بأنها مقاومة مشروعة، من حقها طرد المحتل بكل الوسائل الممكنة، لكن السلطة الفلسطينية ترى ضرر تلك المقاومة أكثر.

هل لا يزال وجود "حماس" يخدم إسرائيل؟

بالنظر إلى التاريخ الماضي مع الحركة والتقاطع مع أهداف اليمين الإسرائيلي، شدد الجبريني على أهمية التنسيق العربي والدولي لمنع تحويل الخطة إلى أداة لتجزئة القضية الفلسطينية، واستغلالها من جانب "حماس" أو إسرائيل لتعميق الشرخ.

وقال "سياسياً، أسهم الانقسام الفلسطيني في إضعاف المشروع الوطني. فحماس تُقدَّم دولياً كحركة منبوذة، وإسرائيل تستدعي وجودها لتبرير سياساتها العدوانية، فيما تُعامل السلطة الفلسطينية ككيان ضعيف. وحتى خطاب اليمين الإسرائيلي كان صريحاً: 'حماس ذخر لإسرائيل، والسلطة عبء عليها'. هذا التوازي الموضوعي يجعل كل مبادرة دولية معرضة لأن تتحول إلى إدارة أزمة لا حل سياسي."

يعكس هذا السياق التاريخي، على خطة ترمب الجديدة، ورأى أن بالإمكان توظيفها للربط بين غزة والضفة والقدس، وتوحيد الموقف الفلسطيني "عبر انتخابات شاملة وإصلاحات سياسية، واستثمار التوافق العربي والدولي لدعم حل الدولتين وإنهاء الاحتلال. والأهم أن يكون الإعمار حقاً إنسانياً غير مشروط بالتنازل عن الأرض أو التجزئة."

هكذا يتحول الفخ إلى فرصة

ويشير إلى الجهود العربية والسعودية في حشد الاعتراف الدولي بفلسطين، وكيف أنها يمكن أن "تكثف الضغط على إسرائيل عبر حشد الدعم الدولي والاعتراف بالدولة الفلسطينية، لضمان ألا يسعى أحد، سواء إسرائيل أو الولايات المتحدة، لتحويل المبادرة عن مسارها التاريخي والحقوقي." وهذا ما جاء "إعلان نيويورك" لضمانه، فهو عبارة عن جدول زمني خط "مساراً لا رجعة فيه" للدفع بتجسيد دولة فلسطين واقعاً على حدود 1967، عبر مبادرة "حل الدولتين"، التي وضعت الرياض ثقلها خلف ترجمتها، من خلال حشد الاعترافات الدولية بفلسطين.

 

ومع الكم الهائل من التشكيك الذي قوبلت به خطة ترمب وبلير، أقر اللواء الفلسطيني أنها قد تكون فرصة "توقف الحرب وتفتح باب الإعمار، لكنها ستظل فخاً سياسياً ما لم تُدمج في رؤية شاملة توحد الأرض الفلسطينية وتعيد الاعتبار لحق تقرير المصير. الامتحان الحقيقي هو ما إذا كانت غزة ستتحول إلى بوابة الحرية أم إلى قيد جديد على الحلم الفلسطيني."

يبقى الخيار الفلسطيني والعربي اليوم بين أن تُقبل الخطة كمسكن موقت يوقف النزيف، أو أن تُحوَّل بوعي سياسي إلى محطة انتقالية نحو تسوية شاملة تربط بين غزة والضفة والقدس، على أساس دولة فلسطينية مستقلة. وهذا ما وضع "حماس" في موقف حرج في القبول بالخطة أو رفضها، وكذلك نتنياهو، الذي قبلها على مضض، وسط رهان على التسلل بين ثغراتها الكثيرة لاحقاً، حين لا يراها تحقق أهدافه السياسية.

وكانت حركة "حماس" تعهدت بأن تتعامل بإيجابية مع الخطة مبدئياً، لكنها أبدت مخاوف من أن تصبح حيلة لتصفيتها، وفق ما نقلت "الشرق الأوسط" اللندنية عن مصدر في الحركة رأى "الخطة مخادعة، وأن الولايات المتحدة معنية بتحقيق إنجاز شخصي لترمب، إلى جانب تحقيق هدف استعادة المختطفين فقط ثم استئناف الحرب بطرق مختلفة".

فريدمان: خطة ذكية، فهل يدرك ترمب ما تستدعي؟

من جهته، يرى الكاتب الأميركي توماس فريدمان المتخصص في قضايا الشرق الأوسط ولا سيما إسرائيل أن "خطة الرئيس ترامب للسلام في غزة، المكونة من عشرين نقطة، هي خطة ذكية لتحويل حفرة قنبلة إلى منصة انطلاق للسلام - إذ تستغل حرباً مروعة في غزة ليس فقط لوضع أساس جديد لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، بل أيضاً للتطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ولبنان وسوريا، وربما حتى العراق أيضاً".

لكنه أبدى أسفه لكون الخطة جاءت متأخرة جداً بعد أن فعل بطش إسرائيل "شيئاً لم تفعله أي حرب إسرائيلية- عربية سابقة: لقد جعل تحقيق السلام أمراً مستحيلاً"، مضيفاً أنه طوال حياته في تغطية هذا الصراع، لم يره قط "يتكسر إلى هذا الحد من الشظايا، كل منها غارق في انعدام الثقة والكراهية تجاه الآخر أكثر من أي وقت مضى. إن تجميع هذه الشظايا معاً لتنفيذ هذه الخطة المعقدة لوقف إطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي التدريجي من غزة، وإطلاق سراح الأسرى، وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، ثم إعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولي، سيكون مهمة شاقة. سيتطلب الأمر حل مكعب روبيك دبلوماسياً كل يوم بينما يحاول جميع أعداء الصفقة خلطها كل يوم".

وبينما أعرب في مقالته في "نيويورك تايمز" عن شكه في أن ترامب يدرك "مدى جسامة الجهد الذي سوف يتطلبه هذا الأمر، وكم من الوقت ورأس المال السياسي سوف يتطلبه منه شخصياً"؛ دعا إلى الصلاة للتغلب على كل تلك التحديات، لأن "هذا هو القطار الأخير إلى مكان لائق، وأن القطار التالي، وكل القطارات التي تليها، ستكون بلا توقف إلى أبواب الجحيم".

ونقل عن ناحوم برنياع، وهو كاتب عمود في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "هناك طرقاً عدة يمكن لنتنياهو أو حماس من خلالها تخريب هذا الأمر"، لكنه، مثل الكثيرين يعتقد أن الأمر يستحق المحاولة، وهو ما أخبرني به كذلك اللواء الجبريني عندما قال "حتى بعد إقرار الخطة لن توفر حماس جهداً لتخريبها إذا استطاعت".

يأتي هذا الحديث بالتزامن مع استطلاع فلسطيني للرأي أظهر انخفاض نسبة من يعتقدون أن الهجوم الذي شنته "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية من 45 في المئة في سبتمبر (أيلول) 2024، إلى 30.9 في المئة في هذا الاستطلاع، بينما هبط التفاؤل بأن تنتهي هذه الحرب لمصلحة "حماس" من 67.1 في المئة في أكتوبر 2023، إلى 25.9 في المئة في الاستطلاع الحالي، في حين اعتبرت النسبة الأكبر 46.3 في المئة أن الحرب لن تنتهي لمصلحة "حماس" أو إسرائيل.

وارتفعت نسبة من يرون أن أفضل السبل لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني هي المفاوضات السلمية إلى 44.8 في المئة بعد أن كانت 25.7 في المئة في سبتمبر 2023، وانخفضت نسبة تأييد المقاومة المسلحة من 33.7 في المئة في سبتمبر 2023 إلى 27.8 في المئة في هذا الاستطلاع، الذي لم تشرك فيه غزة بسبب ظروف الحرب.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي