Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب في مواجهة الفكاهة: انتصار رمزي لحرية التعبير في أميركا

احتفى الرئيس الجمهوري بإيقاف جيمي كيميل عن تقديم برنامجه التلفزيوني لكنه انفجر غضباً عندما عاد إلى الشاشة

ترمب احتفل بعد إلغاء برنامج جيمي كيميل (يوتيوب/ غيتي)

 

ملخص

عودة جيمي كيميل إلى الشاشة بعد محاولة ترمب لإسكاته تمثل انتكاسة كبيرة للرئيس الأميركي، وتكشف عن تصاعد مقاومة شعبية ومؤسساتية ضد تجاوزاته على حرية التعبير، مما قد يمهد لمرحلة جديدة من المواجهة مع سلطته المتنامية.

ليلة الثلاثاء من الأسبوع الماضي ذهبت إلى وسط لندن لمشاهدة الإنتاج الجديد المبهر للمسرحية الموسيقية "المنتجون" The Producers، للمخرج والكاتب باتريك ماربر، التي تتخللها الأغنية الأشهر في تاريخ المسرح من حيث سوء الذوق، "ربيع هتلر" Springtime for Hitler. في هذه النسخة المبهجة، يظهر الفوهرر بديناً ومبالغاً في التهريج والتأنق المسرحي، على نحو يثير الضحك.

لا يمكن للمرء إلا أن يتخيل وقع الصدمة على الجمهور عندما عرض الفيلم الأصلي لميل بروكس - الذي شارك فيه جين وايلدر وزيرو موستل - وذلك بعد عقدين فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية: كوميديا ​​تمحورت حول هتلر؟ صلبان معقوفة في كل مكان؟ عبث فوضوي ممزوج بلمسات من السخرية السياسية اللاذعة؟ غير أن بروكس شرح مبرراته لهذا الخيار الجريء، في مقابلة أجريت معه عام 2001.

قال "إذا صعدت إلى منبر سياسي وخضت سجالاً خطابياً مع أحد الديكتاتوريين، فلن تتمكن من الفوز عليه أبداً... هذا ما يجيده هؤلاء - إغواء الناس، لكن إذا قمت بالسخرية منهم، واستخدمت الضحك لإسقاطهم، فلن يتمكنوا من الفوز، لأنك تكشف حينها عن مدى جنونهم".

هذا الاقتباس عما قاله ميل بروكس عثرت عليه في كتيب البرنامج للعرض المسرحي. وللمصادفة، فإن مساء الثلاثاء الماضي الذي شاهدت فيه المسرحية، تزامن مع الليلة نفسها التي عاد فيها الكوميدي جيمي كيميل إلى شاشات التلفزيون الأميركي، بعدما كانت قناة "أي بي سي" وشركتها الأم "ديزني" قد أذعنتا لضغوط شديدة، أدت إلى وقف بث برنامجه الكوميدي الليلي على خلفية السخرية اللاذعة التي وجهها إلى الرئيس دونالد ترمب في أعقاب جريمة القتل المروعة التي أودت بحياة تشارلي كيرك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد لا يكون الرئيس الراهن للولايات المتحدة ديكتاتوراً، لكنه يظهر - بلا شك - ميولاً تدفع في هذا الاتجاه. وهذا ما يجعل استعادة اقتباس الممثل والمخرج ميل بروكس لعام 2001 أكثر ارتباطاً بواقع اليوم من أي وقت مضى.

فعلى رغم أن التعديل الأول في دستور الولايات المتحدة يضمن حماية حرية التعبير ويصونها، وعلى رغم المحاضرات التي ألقاها علينا نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في أوروبا، حول كيف سمحنا بتراجع هذه الحرية هنا، فإن دونالد ترمب أبدى لا مبالاة صارخة حيال أهميتها، خصوصاً عندما أصبح هو نفسه موضوع التهكم والسخرية.

فبدعم كامل من الرئيس الأميركي، قام بريندان كار المسؤول الذي عينه ترمب رئيساً لـ"لجنة الاتصالات الفيدرالية" Federal Communications Commission، بمهاجمة شبكة "أي بي سي" ABC، مصراً على وجوب إيقاف كيميل عن الشاشة فوراً - وإلا. وكان التهديد الضمني المقصود بكلمة "وإلا" يتمثل في سحب ترخيص البث من شبكة "أي بي سي". هذا التهديد أثار ذعر الشركة الأم "ديزني"، إلى درجة أن استسلامها كان سريعاً، وجرى تعليق عرض برنامج كيميل إلى أجل غير مسمى.

لم يخف ترمب ابتهاجه: جولتان، فوزان. فقد سبق أن نجح أيضاً في الضغط على قناة "سي بي أس" CBS لإلغاء برنامج ستيفن كولبيرت الليلي "ليت شو" Late Show. وإذا تذكرنا هجماته على مكاتب المحاماة والجامعات والمتاحف ووسائل الإعلام والمجتمع المدني ومجالس إدارة الشركات، بدت الساحة الأميركية خالية تماماً من أي مقاومة. أما الكونغرس فكان في حال انكماش، فيما ظهرت "المحكمة العليا" في وضع أقرب إلى الرضوخ.

لكن سرعان ما تبين أن إلغاء برنامج جيمي كيميل كان خطوة مبالغاً فيها. فقد شهدت الشركة إلغاء اشتراكات، وتعرض مجلس إدارة "ديزني" لانتقادات لاذعة، وهدد ممثلون بمقاطعة مشاريع مستقبلية مع الشركة. وأدى تهديد بريندان كار بأسلوبه المافيوي - حين قال حرفياً "يمكننا تحقيق ذلك بالطريقة السهلة أو الصعبة" - إلى انقسام في قاعدة مؤيدي حركة "ماغا". السيناتور تيد كروز دان هذا الاعتداء الصارخ على حرية التعبير، وانضمت إليه أصوات محافظة أخرى، مما دفع بشركة "ديزني" إلى التراجع عن الاستسلام (إن صح التعبير)، واستعادة جرأتها، وإعادة كيميل إلى الشاشة.

في الحلقة الأولى بعد عودة جيمي كيميل إلى برنامجه، كانت مقدمته الافتتاحية أشبه بدرس متقن. فقد أكد أن إلغاء عروض الكوميديين يعد انتهاكاً صارخاً للقيم الأميركية، مشيراً إلى الحاجة الملحة لإنهاء الانقسامات والحد من تأجيج الكراهية. وفي معرض حديثه عن احتفاء دونالد ترمب بإلغاء برنامجه، اتهم كيميل الرئيس الأميركي بالاستمتاع بفقدان مئات الموظفين عملهم، لمجرد عدم قدرته على تقبل نكتة.

ربما يكون من السابق لأوانه الحديث عن نقطة تحول، لكن ما حصل يشكل انتصاراً كبيراً لكيميل، ويمكن القول إنه يمثل أكبر انتكاسة على المستوى الداخلي لدونالد ترمب، منذ عودته إلى المنصب الأول في البلاد.

هل تمنح هذه الأحداث الشجاعة الكافية لقادة الشركات الأميركية العملاق، الذين كانوا في يوم من الأيام أقوياًء، وأضحوا اليوم خائفين وضعفاء؟ المستقبل وحده كفيل بالإجابة عن هذا السؤال، لكن مهما كانت النتائج، فإن هذه اللحظة تحمل بلا شك دلالة واضحة ومفصلية.

يمكن تأكيد ذلك بثقة عند ملاحظة ردة الفعل الغاضبة والحادة التي عبر عنها دونالد ترمب على حسابه عبر منصة "تروث سوشيال"، إثر تلقيه هذه الإهانة. فقد قال "لا أصدق أن شبكة ’أي بي سي‘ للأخبار الكاذبة، قد أعادت جيمي كيميل إلى وظيفته. فقد أبلغت "أي بي سي" البيت الأبيض بإلغاء برنامجه! إن شيئاً ما تغير بين ذلك الحين والآن، لأن جمهوره قد ’تلاشى‘، ولم تكن ’موهبته‘ موجودة على الإطلاق".

ما حدث كان بمثابة مقاومة، إذ عبرت شريحة واسعة من الأميركيين - بمن فيهم بعض مؤيدي ترمب - عن موقف صارم قائلة: "كفى، لا مزيد من تجاوزات السلطة". وما شهدناه هنا هو تجسيد لقوة "نحن الشعب" بأبهى صورها.

لكن المسألة لم تنتهِ عند هذا الحد. ففي البنتاغون، فرض وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث شرطاً على الصحافيين الراغبين في الحصول على اعتمادات إعلامية، التعهد بعدم الاعتماد على مصادر "غير رسمية". بعبارة أخرى، يحظر عليهم الاقتراب من المبلغين عن المخالفات، ويسمح لهم فقط بنشر ما تمليه عليهم وزارة الدفاع. وهنا تتبادر إلى ذهني المقولة الشهيرة للروائي والشاعر الإنجليزي جورج أورويل: "الأخبار هي ما لا يريدونكم أن تنشروه، أما كل ما تبقى فهو مجرد علاقات عامة".

لاحظوا أيضاً الفوضى العارمة والتصرفات العشوائية التي تشهدها وزارة العدل الأميركية. فالتهديد الانتقامي بتوجيه اتهامات إلى معارضي الرئيس ترمب، يشير إلى أن الأمور لم تعد إلى نصابها الطبيعي بعد. ويدرك ذلك تماماً جيمس كومي المدير السابق لـ"مكتب التحقيقات الفيدرالي" "أف بي أي"، وهو أحد المنتقدين البارزين لدونالد ترمب منذ فترة طويلة. فهو يواجه الآن اتهامات بالكذب على الكونغرس، وذلك بعد أيام قليلة من دعوة الرئيس الأميركي إلى استهداف خصومه السياسيين أمام المحاكم. في حين نفى كومي أن يكون قد ارتكب أي مخالفة.

في معركة حرية التعبير، نجح كوميدي في تحقيق ما عجزت عنه المؤسسة السياسية. ويبدو أن الفكاهة هي السلاح الأكثر فاعلية لتسليط الضوء على مدى عبثية الواقع وجنونه. إن ميل بروكس هو خبير سياسي. من كان ليصدق ذلك؟

© The Independent

المزيد من آراء