ملخص
أكد متخصصون في شؤون الطاقة لـ"اندبندنت عربية"، أن إعادة فرض العقوبات على إيران لن تُحدث صدمة كبيرة في أسواق النفط العالمية.
تجد أسواق النفط العالمية، نفسها مجدداً في قلب عاصفة جيوسياسية واقتصادية، مع تفعيل حزمة جديدة من العقوبات الدولية على إيران، وسط مخاوف من أن يؤدي الإجراء إلى تهديد استقرار إمدادات الطاقة في ظل توترات الأسواق الحالية، ويثير تساؤلات حول تأثيره في أسعار النفط وخريطة تجارته العالمية، فإيران، التي كانت تصدر نحو 2.5 مليون برميل يومياً قبل العقوبات، تواجه قيوداً قد تخلق فجوة في المعروض النفطي.
وأعادت الأمم المتحدة، الأحد، فرض هذه العقوبات بموجب آلية "سناب باك" المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015، بعد فشل طهران في الالتزام بتعهداتها النووية.
وتستهدف العقوبات برنامج إيران النووي وتطوير صواريخها الباليستية، عبر حظر نقل المعدات والتكنولوجيا ذات الصلة، وتجميد أصول أفراد وكيانات مرتبطة، وتقييد الوصول إلى منشآت مالية.
وتهدف الإجراءات إلى الضغط على الاقتصاد الإيراني لإجبار طهران على الامتثال، وسط مخاوف غربية من سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية، وهو ما تنفيه طهران، مؤكدة أن برنامجها لأغراض مدنية.
على رغم الطابع الملزم لقرارات مجلس الأمن، تثير العقوبات تساؤلات حول الامتثال، بخاصة من الصين وروسيا، اللتين تعتبران تفعيل "سناب باك" غير قانوني.
مبيعات النفط ستستمر
قبل فرض العقوبات بساعات، قال وزير النفط الإيراني محسن باك نجاد، إن مبيعات النفط الإيراني إلى الصين ستستمر حتى مع تطبيق الآلية السريعة لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة.
وعندما سُئل الوزير الإيراني عن مبيعات النفط للصين بعد إعادة فرض العقوبات، قال باك نجاد "ستستمر، لا مشكلة لدينا". وأضاف أن عودة فرض العقوبات لن تضيف "قيوداً مرهقة جديدة" على صادرات النفط الإيرانية.
وأردف قائلاً "واجهنا في السنوات القليلة الماضية قيوداً شديدة للغاية بسبب العقوبات الأميركية التعسفية وأحادية الجانب، لذا فإن عقوبات الأمم المتحدة لن تُضيف في الواقع أي شيء جديد إلى هذا الوضع".
ووفقاً لبيانات "كبلر" للتحليلات، استحوذت الصين في عام 2024 على ما يقرب من أربعة أخماس صادرات النفط الإيرانية.
مسار الأسعار
السؤال الملح حالياً: هل تستطيع دول "أوبك+" بقيادة السعودية وروسيا تعويض هذا النقص بسرعة؟ الإجابة ستحدد مسار الأسعار، إذ يتوقع البعض تقلبات حادة، بينما يرى آخرون أن تأثير العقوبات سيكون موقتاً بفضل قدرة "أوبك+" على زيادة الإنتاج، على رغم التحديات المتعلقة بالكلفة والقرارات السياسية.
على الصعيد ذاته، أكد متخصصون في شؤون الطاقة لـ"اندبندنت عربية"، أن إعادة فرض العقوبات على إيران لن تُحدث صدمة كبيرة في أسواق النفط العالمية، لافتين إلى أن طهران لديها خبرات طويلة في التحايل على القيود عبر دول مثل الصين والهند، تواصل تصدير نحو 1.8 مليون برميل يومياً مستخدمة خصومات سعرية كبيرة، مما يضمن تدفق خامها إلى الأسواق الآسيوية على رغم انخفاض مستوى الشفافية.
وأشار المحللون، إلى أن أسعار النفط، التي تقل عن 70 دولاراً للبرميل، ستشهد ارتفاعاً تكتيكياً ومحدوداً ولن يصل إلى زيادات مستدامة، مبينين أن هذا الاستقرار مرهون بالطاقة الفائضة الكبيرة لدى تحالف "أوبك+"، والتي تبلغ 5.3 مليون برميل يومياً، إضافة إلى الإمدادات المتاحة من دول خارج التحالف، وهذه القدرة التعويضية تضمن سد أي نقص محتمل، مما يعزز استقرار الأسواق.
أضاف المحللون أن العقوبات تدفع الدول المستوردة الكبرى، بخاصة الصين والهند، إلى إعادة تشكيل تحالفاتها النفطية للاستفادة من الخصومات الإيرانية أو تنويع المصادر، مؤكدين على أن الاستثمارات النفطية في الخليج لن تتأثر بهذه المتغيرات بفضل الأمان الاستثماري وتوقعات الطلب العالمي القوي، في حين أن أخطار الامتثال قد تجمد بعض الاستثمارات في إيران نفسها.
دول صديقة
بدوره، أكد المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي، أن إيران استوعبت العقوبات ضدها ولديها طرق في التعامل من خلال الدول الصديقة كالهند وروسيا والصين، متوقعاً أن تلك العقوبات لن تؤثر في أسعار النفط وسط هدوء السوق العالمية للنفط واتجاه "أوبك+" لزيادة الإنتاج ومن ثم الوصول لمرحلة التشبع.
ولفت إلى أن أسعار النفط العالمية لا تزال دون مستوى 70 دولاراً للبرميل والمطلوب 80 دولاراً لكن من الصعب الوصول إلى هذا المستوي إلا إذا خفض تحالف "أوبك+" إنتاجه، مؤكداً أن هذه السياسة أصبحت لغير مصلحة التحالف.
عقوبات أممية
بدوره، يرى المتخصص في شؤون الطاقة والنفط علي الريامي، أن قرار إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران وتأثيره في أسواق الطاقة لا يشكل صدمة فورية، إذ أشار إلى أن العقوبات على طهران قائمة منذ فترة طويلة. وبين أن إيران كانت تعمل على "الالتفاف" على تلك العقوبات وتصدير كميات لا بأس بها من النفط "بعلم الولايات المتحدة والدول الأوروبية".
وأضاف الريامي، أنه في ظل التوترات المستمرة في أسعار النفط، هناك "تغاضٍ بصري" من الغرب على صادرات النفط الإيراني لمنع تأثر الأسواق وارتفاع الأسعار، وهو ما يتعارض مع مخططات واشنطن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن العقوبات الأممية الحالية قد تكون "أشد" من السابقة، لكنه لا يستبعد أن يكون التأثير على تصدير النفط الإيراني محدوداً في المدى القريب. ولفت إلى أن الإيرانيين اكتسبوا خبرة كبيرة في استخدام طرق التوائية للتصدير خلال الأعوام الماضية، وأن التأثير الفعلي لن يظهر في الوقت الحاضر، إذ إنهم قاموا "بحساباتهم" ولديهم مخزونات في أسواق آسيا، مما يؤجل ظهور التأثير السلبي.
أسطول الظل
من جهته، يرى الباحث الاقتصادي والمتخصص في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، أن الفجوة في الإمدادات ستكون محدودة ما لم تُغلق تدفقات "أسطول الظل" البالغة 1.8 مليون برميل يومياً. ويشير إلى أن إيران تحافظ على صادراتها لآسيا، بخاصة الصين، عبر خصومات تصل إلى 10 دولارات عن سعر خام "برنت"، مما يقلل الشفافية ويزيد عدم اليقين.
ويتوقع ارتفاعاً تكتيكياً في الأسعار من دون زيادات حادة، بفضل الطاقة الفائضة لدى "أوبك+" والمنتجين غير الأعضاء، وأكد أن العقوبات ستدفع دولاً مثل الصين والهند إلى إعادة تشكيل تحالفاتها النفطية، إذ تلجأ الهند إلى السعودية والإمارات ومصادر في أميركا الجنوبية وغرب أفريقيا، بينما تستغل الصين الخصومات الإيرانية.
ويرى الشوبكي أن أخطار الامتثال قد تجمد بعض القرارات الاستثمارية في إيران.
ويضيف الباحث الاقتصادي علي الحازمي، أن النفط الإيراني سيستمر في الوصول إلى الأسواق عبر دول مثل روسيا والصين، اللتين ترفضان العقوبات.
واستبعد تهديدات كبيرة لمضيق هرمز، مؤكداً أن الطلب العالمي على النفط، المدعوم بتقارير منظمة الطاقة الدولية، سيحفز الاستثمارات النفطية بغض النظر عن العقوبات.
الورقة الأخيرة
قال المحلل في شؤون الطاقة لدى "هوك إنيرجي" خالد العوضي، إن العقوبات الأممية المفروضة على إيران تستهدف أساساً البرنامج النووي، وليست قطاع النفط، واصفاً إياها بـ "آخر ورقة ترويع أوروبية"، مستبعداً أن يكون هناك تأثير كبير على الإمدادات النفطية العالمية التي يعد الحفاظ على استقرارها "خطاً أحمر أميركياً".
وأشار إلى أن أي زيادة في أسعار النفط ستكون موقتة، إذ لا يتجاوز تأثير الأحداث الجيوسياسية الكبرى 2 في المئة ويتلاشى سريعاً، مستبعداً أي ارتفاعات مستدامة للخام.
أكد العوضي، أن صادرات النفط الإيرانية لن تتأثر بشكل كبير، إذ إن 90 في المئة منها مضمون للذهاب إلى الصين. وأوضح أن الأسواق الإيرانية مضمونة، لافتاً إلى أن الحل الوحيد لوقف تدفق هذه الصادرات يتطلب تدخلاً عسكرياً، وهو سيناريو غير مرجح لتجنب التصعيد الجيوسياسي الذي لا ترغبه الدول الكبرى.
وفي ما يتعلق بالاستثمارات، بين العوضي، أن العقوبات لن تعرقل استثمارات شركات الطاقة في دول الخليج، التي تتمتع بكلفة إنتاج منخفضة للغاية (نحو 10 دولارات للبرميل)، مضيفاً أن التحديات قد تواجهها الشركات الأوروبية والأميركية بسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً، وليس بسبب العقوبات الإيرانية، مما يؤكد استقرار بيئة الاستثمار في المنطقة.