Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نمور" زكريا تامر تأكل التبن بالتعذيب في عرض "اليوم السابع"

مسرحية سورية تعتمد الارتجال الجماعي لصياغة مشهدية الخوف والعنف والانتقام

مشهد من مسرحية "اليوم السابع" المأخوذة عن قصة لزكريا تامر (خدمة الفرقة)

ملخص

تحت التعذيب والتجويع، من المؤلم أن تعترف بجرم لم تفعله يوماً، لكن الأكثر إيلاماً أن تجرم به لمجرد أنه خطر على بالك وأنت تمر في يوم عصيب. هذا ما تناقشه مسرحية "اليوم السابع" لمخرجها كفاح الخوص عن نص كتبه ارتجالاً بالشراكة مع خمسة من الممثلين الشباب.

في تجربته الجديدة نجح الفنان السوري كفاح الخوص في مسرحة قصة "النمور في اليوم العاشر" لمواطنه الأديب زكريا تامر (دمشق- 1931)، التي تعالج جانباً من جوانب القمع والتغيير القسري للإنسان، إذ تحكي القصة التي حملت عنوان المجموعة القصصية الصادرة عام 1978 (دار الآداب- بيروت)، عن نمر وضع أمامه التبن ليأكله، لكن النمر يرفض طبعاً، ثم تمر 10 أيام من التعذيب والإذلال والتجويع وقلع الأنياب وقص المخالب، وفي اليوم العاشر يتقدم النمر ويأكل تبناً، ولا يعود نمراً من ثم.

قصة صاحب "دمشق الحرائق" استلهمها الخوص مقلصاً عدد أيام الترويض القسري من 10 إلى سبعة أيام، وبدلاً من شخصية السائس، جعل مخرج العرض (الجامعة العربية الدولية) من شخصية البروفيسور إكس (عبادة العبود) مرادفاً لها، فالباحث المتخصص في علم النفس السلوكي في جامعة أوكسفورد سيضع شروطه منذ البداية على ثلاثة شبان وفتاة، وسيخبر البروفيسور هؤلاء أن مجرد تفكيرهم بالجريمة ليس بالضرورة أن يصنع منهم مجرمين، ولكن إذا أرادوا أن يأكلوا عليهم أن يتعاملوا مع هذه الفكرة وكأنها حدثت بالفعل، إذ عليهم أن يعترفوا بجريمة لم يقترفوها.

ويخبر البروفيسور شخصياته الأربع منذ البداية أنه تم حقنهم بمادة تسبب فقدان ذاكرة موقت، وبأنه وضع كل واحد منهم في منفردة. نعرف ذلك عبر لقطات فيديو تظهر أبطال "اليوم السابع" في غرفهم الانفرادية وهم يلملمون هدايا قدمها البروفيسور لهم، وسنكتشف أن هذه الهدايا (دمية، بالون، مطرة ماء، رضاعة حليب) ما هي سوى أشياء حرموا منها في طفولتهم، إذ تم نسخ هذه المعلومات من تلافيف أدمغتهم عبر تقنية طبية خاصة. تمرين بسيط لتحفيز الذاكرة البعيدة الأمد، ومعاملة تبدو حتى الآن حسنة في اليوم الأول من الإقامة، فالجميع منشرح للخدمات التي يقدمها الباحث إكس، الذي يفتتح جلساته بسؤال لمختبريه: "متى شعرتم للمرة الأولى بأن الحياة ليس عادلة"؟ سؤال سيليه عديد من الأسئلة، وسيوضح حجم الحرمان الذي تعرض مرضاه له.

الماضي الدموي

إجوبة الشخصيات ستكشف تباعاً عن ماضيها الدموي، مما يحمل البروفيسور على سؤال آخر، "لماذا يولد البعض في دفء القصور، وآخرون في ظلمة الشوارع، ولكن إذا لم نؤمن بالعدالة فبماذا سنؤمن"؟ من هنا تشرع سلوى (مفيدة البرزنجي) حكاية الفتاة القاصر شمس التي زوجوها أهلها من رجل يكبرها في السن اعتاد على تعنيفها، وعندما أنجبت منه صبياً قامت بقتله خنقاً حتى الموت. الفتاة التي تزوجت وهي لا تزال طفلة مولعة بمشاهدة أفلام الرسوم المتحركة، لم ترد أن تبقي على الطفل الذي يذكرها بالوحش الذي تزوجت منه، لكنها وبعد أن هربت من بيت الزوجية ستكتشف أن طفلها لا يزال حياً، فهل تحاكم على فعلتها أم إنها تعد بريئة ولا ذنب لها بما اقترفته؟

سؤال يطرح على الجميع، فتتباين إجابات نزلاء هذا المختبر النفسي، فالبعض يؤيد براءة الفتاة القاصر، فيما سيدينها البعض الآخر. في اليوم الرابع من هذه التجربة السيكولوجية يقوم البروفيسور بإدخال مرضاه إلى غرفة بيضاء ضيقة كي يختبر صبرهم على الجوع والعطش، لكنهم يبدأون بالتململ، فالبعض لديه فوبيا من الأماكن الضيقة، والبعض الآخر يتذرع بأنه يحتاج إلى شرب كميات كبيرة من الماء كونه مصاباً بداء السكري، لكن هذه الذرائع لن تجدي نفعاً أمام لسعات السياط وصعقات الكهرباء المكثفة التي يزيد البروفيسور من وتيرة قوتها، فيذعن الجميع لرغبات سائسهم، لتبدأ رحلة جديدة مع الجوع، الذي يتبدى لهم وكأنه جيش من جراد يأكل الأخضر أو اليابس، أو قططاً وفئراناً تنهش في أمعاء الجائعين، فالجوع كما يخبرهم البروفيسور لا يترك مجالاً للصراخ، بل يجعلك تبكي دماً، وتستحضر صورة امرأة تطهو لأولادها حساء من الحجارة، وعندما تهم بإطعام صغارها تتكسر أسنانهم وتسيل الدماء على وجوههم، فيسفون التراب ظناً منهم أنه أرغفة خبز ساخنة.

مع الوقت يصيب المختبرون الأربعة التعب والوهن، ويتصاعد الإيقاع تدريجاً، ويصبح الجوع بالنسبة إليهم أقرب إلى أفاع تتلوى في أحشائهم بحثاً عن فرائسها، ففي حضرة الجوع -كما يقول البروفيسور تسقط الأقنعة ويتراجع الشعر، وتبدأ الزمجرة، ويصبح تجويع الإنسان جزءاً من ساحة معركة، وهنا يتساءل السائس مجدداً: "هل تفهمون الآن كيف يصير الإنسان وحشاً عندما يجوع؟". وفي اليوم الخامس من عمليات الترويض والإذلال يخرج السجناء الأربعة إلى الضوء، فيخضعون لاستجواب جماعي، ويدفعهم الخوف من الصعق بالكهرباء مجدداً إلى البوح بما يضمرون عن حياتهم الشخصية. بداية يروي سعيد (سامر السمان) عن تشرده في الحدائق العامة، وكيف عمل في نبش القمامة بعدما طرده والده السكير من البيت، وهو لا يزال طفلاً صغيراً، وكيف طرد والده أمه وتزوج من امرأة أخرى، ليضاعف ذلك من عذاباته على يدي زوجة الأب المتجبرة.

أما سلوى فتروي بحرقة حكاية زواجها المبكر من رجل يكبرها في السن ولم تتجاوز الـ17 من عمرها، وكيف تعرضت للضرب في ليلة الدخلة، وأجبرت على العمل في الدعارة، لتنجب من زوجها العربيد طفلتين، وكيف كان زوجها يسلبها أموالها كي يقصف ويلهو في مرابع السهر الليلية، ومن ثم يعيد سيرة تعنيفها وضربها، في حين يسرد لنا مراد (أحمد ناصيف) قصته مع أب ظالم كان يضربه وأخاه الصغير الذي اضطر إلى مغادرة منزل الأهل، ليعمل في محل تجاري تورط في سرقته، ثم هرب خوفاً من العقاب ملتجئاً إلى الجبل، وهناك قام رفاق له بقتله.

الخيانة والمرض

وبدوره يروي حميد (هادي عريج) كيف تعرض للخيانة من زوجته وأم ولده المصاب بمرض عضال في القلب. حمد الشاب الذي كان يحلم أن يصبح طبيباً ليعالج وحيده، غدر به أيضاً ابن عمه الذي يعاني قصوراً كلوياً، وعندما عرض عليه هذا الأخير التبرع بكليته مقابل توفير أجرة العملية لولده الصغير، لاذ ابن عمه بالفرار بعدما حصل على كلية جديدة، مما أدى إلى موت طفله وإصابة حميد بالعجز الصحي مدى الحياة، غير أن هؤلاء هل فكروا فعلاً بالانتقام من غرمائهم، أم إنهم فكروا بالانتقام وحسب؟ سؤال يسوقه البروفيسور من جديد، متابعاً الضغط على سجنائه، ففي اليوم السادس من التجربة، وبعد جولة مرعبة من الصعق بالكهرباء يعترف هؤلاء بجرائم مرعبة، فسلوى تروي كيف قتلت ابنتيها خنقاً في حوض السباحة، وأجهزت بعدها على زوجها القواد الذي لم يهتز لمشهد موت ابنتيه الصغيرتين، بل علق على هذا زوجته بالقول: "لقد خسرنا أجرتهن" كدلالة على نيته في تشغيلهما في الدعارة عندما يكبرن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالنسبة إلى كل من الشبان الثلاثة حميد وسعيد ومراد، فلقد حقق هؤلاء ثاراتهم من خصومهم، فحميد انتقم من ابن عمه بتخديره وقتله والتمثيل في جثته أمام والده، كنوع من التشفي لموت طفله الصغير، أما مراد فلقد قتل رفاق أخيه الذين قتلوه، وقام باغتصاب أخته، فيما باغت سعيد زوجة أبيه الظالمة في المطبخ، وطعنها 17 طعنة جعلت أظافر يديها تنغرس في لحم ظهره وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة. "لقد ارتدت الضحية قناع القاتل من أجل أن تأكل، وهذا يعني نجاح التجربة وفشل الإنسانية". عبارة يعلق فيها البروفيسور إكس على ما آل إليه حال سجنائه من وحشية وعنف ودموية في حال انتقموا ممن أساؤوا إليهم.

وخصص كفاح الخوص "اليوم السابع" ليكون بثاً لمادة فيلمية (ماسة الطيار) عرضت مشاهد على شاشة من حروب ونزاعات أهلية وكوارث طبيعية، وقد ترافقت هذه المشهدية مع موسيقى راب أميركي على خلفية الخطبة الشهيرة للخليفة الأموي معاوية بن سفيان في أهل المدينة المنورة. معالجة اعتمد فيها الخوص على اختيار مكان بديل لعرضه التجريبي (فندق في دمشق القديمة)، إذ استطاع الفنان السوري توظيف بهو من أبهاء الفندق التراثي ليكون أقرب إلى منصة عرض، إلا أن المكان البديل ظل محافظاً على شروط الفرجة في خشبة المسارح الإيطالية، الأمر الآخر هو غلبة السردي على الدرامي في "اليوم السابع"، والذي ركز فيه المخرج على بنية إيقاعية وجستات (وضعيات) حركية جسد عبرها الحياة في مجتمعات القمع المشرقية.

ويمكن اعتبار "اليوم السابع" أقرب إلى أربع مونودرامات متجاورة، إذ غلب توجه الممثلين بخطابهم إلى المتفرجين طوال زمن العرض (50 دقيقة)، كما أسهمت قتامة القصص التي روتها الشخصيات في عدم تباينها وتمايزها بعضها عن البعض الآخر، فيما لعبت الإضاءة شبه الطبيعية دوراً في مقاربة واقعية الأحداث، ودفعت المؤدين إلى علاقة مختلفة مع المتلقي، مما أسهم في كثير من المواضع إلى تحقيق لحظات من الصدق الفني والتواصل مع الجمهور، إذ إن فضاء اللعب ظل متداخلاً مع فضاء الفرجة، مما أفسح في المجال لإدارة اللعبة المسرحية وفق بنية نفسية مركبة وذات إسقاطات ذكية على الواقع السوري الراهن.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة