ملخص
أظهرت التجارب السابقة أن الاستثمارات والهدايا كانت حاضرة في محيط صانعي القرار الأميركي، حتى بات مع كل صفقة جديدة يتجدد الجدل حول تضارب المصالح والفصل بين السياسة والمال.
كثيراً ما أثيرت تساؤلات داخل واشنطن حول علاقات عائلات المسؤولين الأميركيين بالصفقات التجارية والاستثمارات الضخمة، لا سيما حين يتعلق الأمر بدول الخليج، ومدى تقاطعها مع الأدوار والمهام السياسية والدبلوماسية التي يؤديها أقاربهم.
وأظهرت التجارب السابقة أن الاستثمارات والهدايا كانت حاضرة في محيط صانعي القرار الأميركي، حتى بات مع كل صفقة جديدة يتجدد الجدل حول تضارب المصالح والفصل بين السياسة والمال.
وضمن أحدث هذه القضايا، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً موسعاً يسلط الضوء على عائلة رجل الأعمال الأميركي ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط، وما إذا كان ابنه استغل مكانة والده الرسمية لعقد صفقات بمليارات الدولارات مع حكومات خليجية، من بينها قطر والإمارات والكويت.
وارتبطت علاقة عائلة ويتكوف بالدوحة منذ إدارة ترمب الأولى عام 2017، حين كانت قطر تسعى لتعزيز حضورها في واشنطن عبر الاستثمارات والعلاقات مع شخصيات مقربة من الرئيس.
مجموعة ويتكوف العقارية
وزعمت الصحيفة الأميركية أن الوثائق والشهادات التي استندت إليها تشير إلى أن أليكس ويتكوف نجل ستيف ويتكوف، الذي يدير حالياً مجموعة "ويتكوف العقارية"، عرض إنشاء صندوق استثماري ضخم على جهاز قطر للاستثمار وجهات أخرى داخل المنطقة، خلال وقت كان والده يجري مفاوضات حساسة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" بوساطة قطرية.
ويعد الصندوق الاستثماري المخطط له، إلى جانب مساعي أليكس لجمع أموال من دول الخليج، مثالاً على الصورة التي تقدمها الصحيفة لعائلة ويتكوف، والتي تبدو وكأنها تحاول الاستفادة مالياً من موقع رب الأسرة القريب، لافتة كذلك إلى أن ستيف ويتكوف وابنه الآخر زاك يواجهان بالفعل اتهامات بتجاوز الحدود الأخلاقية عبر مشروعهما المشترك في العملات المشفرة مع عائلة ترمب.
خطط بمليارات الدولارات
ومن الخطط الاستثمارية في مشاريع عقارية تجارية وسكنية داخل الولايات المتحدة التي كان يروج لها الابن أليكس قد تصل قيمتها إلى 4 مليارات دولار، وهو ما كان سيؤمن لشركة العائلة عوائد ضخمة من الرسوم والأرباح قدرت بنحو 80 مليون دولار سنوياً.
الصحيفة ذكرت أن الابن روَّج للصندوق باعتباره يحظى بدعم من جهات خليجية، من بينها جهاز قطر للاستثمار وصناديق أخرى داخل الإمارات والكويت، غير أن جهاز قطر للاستثمار أكد أنه على رغم تلقيه العرض خلال عام 2024، فإنه قرر عدم المضي قدماً بعد مناقشات داخلية، وأبلغ ويتكوف بالقرار قبل أشهر.
أما مجموعة "ويتكوف"، فعدت أن الخطط كانت "أولية" وجمدتها لاحقاً، مؤكدة أنها "لن تمضي قدماً في هذا الصندوق".
إنقاذ من ورطة "بارك لين"
وتعود جذور العلاقة بين عائلة ويتكوف والدوحة إلى عام 2017، حين واجه ستيف ويتكوف أزمة مالية خانقة مرتبطة بفندق "بارك لين" داخل نيويورك، الذي استحوذ عليه مع شركاء من بينهم رجل الأعمال الماليزي جو لو، المتهم لاحقاً في قضايا غسل أموال مرتبطة بالصندوق السيادي الماليزي.
حاول ويتكوف بيع الفندق بمليار دولار للخروج من مأزقه لكنه فشل في العثور على مشترٍ، خلال وقت كان ملزماً فيه بسداد قرض ضخم، لكن رجل الأعمال جوي ألاحام، الذي كان يعمل مع قطر حينها، رتب لقاءً بين ويتكوف وابنه أليكس مع وفد قطري برئاسة الشيخ محمد بن حمد آل ثاني، شقيق أمير قطر، داخل نيويورك.
وبحسب ما أوردت "نيويورك تايمز"، ناقش الجانبان خلال الاجتماع وضع الفندق، فيما لمح ويتكوف إلى أنه يمتلك وصولاً مباشراً إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وبعد أعوام من التعثر، تدخل جهاز قطر للاستثمار خلال عام 2023 ليستحوذ على الفندق مقابل 623 مليون دولار، في صفقة مكنت ويتكوف من الخروج من الاستثمار دون خسائر مالية كبيرة، بحسب الصحيفة.
علاقات مالية متشابكة
هذا النمط من التعاملات يشير إلى امتداد علاقات مالية متشابكة بين عائلة ويتكوف والدوحة على مدى أعوام. فخلال عام 2022، شارك صندوق "أبولو" وهو أحد أكبر صناديق الاستثمار عالمياً في تمويل مشروع "ذا بروك"، وهو برج سكني فاخر داخل بروكلين نفذته مجموعة "ويتكوف". ولاحقاً، أسهم الصندوق ذاته في دعم استثمار آخر للمجموعة داخل ولاية فلوريدا.
ويُذكر أن جهاز قطر للاستثمار كان من كبار الممولين في بعض صناديق أبولو، مما جعل ارتباط الدوحة بمشاريع "ويتكوف" يأخذ في بعض الأحيان شكلاً غير مباشر عبر هذه الشراكات الاستثمارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزادت هذه الروابط وضوحاً مطلع عام 2024، حين حضر رئيس الوزراء القطري حفل زفاف أليكس ويتكوف في فلوريدا، ثم التقى لاحقاً والده ستيف ويتكوف على هامش اجتماعات تتعلق بمفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس".
وخلال مايو (أيار) من العام نفسه، ضُخت استثمارات قطرية إضافية بقيمة 100 مليون دولار في أحد مشاريع المجموعة.
ووفقاً للتقرير، لا توجد أدلة مباشرة على أن هذه الاستثمارات أثرت في الدور الدبلوماسي الذي اضطلع به ستيف ويتكوف، غير أن تزامنها مع مهامه الرسمية أعاد فتح باب الانتقادات والتساؤلات حول احتمالات تضارب المصالح والفصل بين السياسة والمال في الدائرة المقربة من ترمب.
مزاعم واهية
ومن جانبها، نفت الدوحة على ما قالت إنها "مزاعم" نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" حول قيامها ببناء علاقة مع ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشرق الأوسط، قبل أعوام من تعيينه في منصب عام.
وقالت في بيان صادر عن مكتب الإعلام الدولي أمس السبت إن "الادعاءات التي تزعم أن دولة قطر سعت إلى بناء علاقة مع ويتكوف، من خلال برنامج ضغط سياسي قبل أعوام من تعيينه في منصب عام بما في ذلك دوره اللاحق كمبعوث إلى الشرق الأوسط، لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، وتفتقر إلى الصدقية إلى حد يمكن وصفه بالعبثي".
وأضاف البيان القطري أن "الجهات الاستثمارية القطرية الحكومية والخاصة، حافظت على علاقات تجارية مع ويتكوف منذ أعوام طويلة، وقبل انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفترة طويلة".
وقالت الدوحة ضمن بيانها أن "هذه المزاعم الواهية تأتي من مصادر مشبوهة، والتي تعمل على استهداف دولة قطر وويتكوف في آن واحد، ضمن حملة منسقة لإثارة التوتر والانقسام بين الدوحة وواشنطن من ناحية، وتقويض الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار داخل قطاع غزة من ناحية أخرى".
وذكر البيان "واختارت صحيفة ’نيويورك تايمز‘ تجاهل الحقائق الرئيسة التي تمت مشاركتها معهم من أجل اختلاق قصة على سبيل المثال أن الفندق المعني لم يكن مملوكاً للسيد ويتكوف أو شركاته خلال وقت الشراء".
وأكد المكتب أن العلاقات الاستثمارية القطرية مع ويتكوف "تعود إلى أعوام طويلة قبل انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب"، مشيراً إلى أن الاستثمارات القطرية داخل الولايات المتحدة "تتم وفق ضوابط اقتصادية وتجارية بحتة ولا ترتبط بأية اعتبارات دبلوماسية".
وأشار إلى أن ما ورد ضمن التقرير "يأتي في إطار حملة منظمة لإثارة التوتر بين قطر والولايات المتحدة، والتقليل من جهود وقف إطلاق النار في غزة"، لافتاً إلى أن "القرارات الاستثمارية القطرية تبقى منفصلة عن العمل الدبلوماسي وتخضع لحوكمة صارمة تحول دون تضارب المصالح".