ملخص
تشمل إحصاءات الفاسدين الرسمية أعضاء في البرلمان الفيدرالي (الدوما) ومسؤولين لا تقل مناصبهم عن نواب ووزراء ورؤساء هيئات اتحادية وإقليمية، إضافة إلى رؤساء بلديات العواصم الإقليمية ونوابهم.
شكل انتحار وزير النقل الروسي رومان ستاروفويت، الحاكم السابق لمنطقة كورسك، في يوليو (تموز) الماضي بعد ساعات من انكشاف تورطه في ملفات فساد، أحد أبرز أحداث الفساد المستشري في البلاد، حتى في ظل الحرب التي تخوضها موسكو مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالوكالة في أوكرانيا وتعتبرها حرباً مصيرية ستقرر مستقبل الأمن في أوروبا كافة، وترسم ملامح نظام عالمي جديد، وعلى رغم مصيرية هذه الحرب وتجنيد كل المقدرات في سبيل تحقيق النصر فيها، تورط بالفعل أربعة مسؤولين كبار في الأقل في قضايا اختلاس مليارات الدولارات خلال بناء التحصينات على الحدود مع أوكرانيا في منطقتي كورسك وبريانسك. إلا أن هذا ليس سوى غيض من فيض، وليس أبعد من قمة جبل الفساد الهائل القائم تحت عباءة (القيصر) الذي يختصر كل السلطات في شخصه، والتي تمارس في ظلّها شتى أنواع المحسوبية والمحاباة والمعايير الاستنسابية، على رغم إطلاق السلطات حملة تطهير واسعة لكبار المسؤولين الذين عيّن غالبيتهم فلاديمير بوتين شخصياً بأوامر ومراسيم رئاسية ممهورة بتوقيعه.
فساد قياسي غير مسبوق!
على مدى الأشهر السبعة الماضية من مطلع العام الجاري رُفعت في روسيا قضايا جنائية تتعلق بالفساد ضد ما لا يقل عن 99 مسؤولاً رفيعي المستوى، ويُعدّ هذا رقماً قياسياً في الأعوام الـ10 الماضية، ووفقاً لصحيفة " نوفايا غازيتا أوروبا"، بلغ عدد المتهمين الآن ضعف مستواه قبل الحرب عام 2021 تقريباً.
تشمل إحصاءات الفاسدين الرسمية أعضاء في البرلمان الفيدرالي (الدوما) ومسؤولين لا تقل مناصبهم عن نواب ووزراء ورؤساء هيئات اتحادية وإقليمية، إضافة إلى رؤساء بلديات العواصم الإقليمية ونوابهم، ووفقاً لصحيفة "نوفايا أوروبا"، فإن أرقام هذا العام تزيد كثيراً على أرقام العام الماضي: ففي عام 2024 بأكمله، لم تُفتح سوى 122 قضية من هذا النوع في روسيا. وعلى مدى الأعوام الـ10 الماضية، التي تغطيها الإحصاءات، وقع ما يقارب نصف القضايا الجنائية والاعتقالات خلال الأعوام الثلاثة والنصف الماضية، أي منذ بدء الهجوم الشامل على أوكرانيا.
وتتمثل المعضلة في أن المتهمين بثلث قضايا الفساد الجنائية (28 في المئة) هم موظفون في وكالات إنفاذ القانون، أي ممن يفترض بهم مكافحة الفساد ونهب ثروات البلاد والاستيلاء على المال العام، يليهم ممثلو قطاع البناء والإسكان والخدمات المجتمعية (18 في المئة) والاقتصاد والصناعة (11 في المئة)، والنقل وإدارة الموارد الطبيعية (ثمانية في المئة لكل منهما).
لكن ممثلي الأوساط القانونية يشيرون إلى تراجع جودة التحقيقات والمحاكمات في مثل هذه القضايا، لأن هذه القضايا الجنائية ضد المسؤولين غالباً ما يتولاها زملاء لهم ومحققون من معارفهم، لذلك تصاحبها مصادرة ممتلكات المتهمين وفرض غرامات عليهم، من دون تقديمهم لمحاكمات جزائية توصلهم للسجن، فيما تفوق الغرامات التي تفرض على هؤلاء أضعاف قيمة الضرر المُثبت الناجم عن الجريمة، على سبيل المثال، في يناير (كانون الثاني) 2024، حكم على حاكم منطقة بينزا السابق، إيفان بيلوزيرتسيف، بالسجن 12 عاماً وغرامة مقدارها 450 مليون روبل، على رغم أن قيمة الرشوة التي قبضها لم تتجاوز الـ30 مليون روبل.
يُرجع متخصصو صحيفة "نوفايا غازيتا" ارتفاعَ القضايا الجنائية إلى رغبة أجهزة إنفاذ القانون في تحقيق الأهداف المنشودة: فالموظفون المدنيون أو رؤساء المؤسسات العامة هم الأسهل في التحقيق، إلى جانب ارتفاع عدد قضايا الفساد "الاستعراضية" ضد كبار المسؤولين، تكتسب "مكافحة الفساد" عموماً، على المستويين المتوسط والمنخفض، زخماً متزايداً، وفقاً لمكتب المدعي العام، فقد كُشف عن جرائم فساد أكثر بنحو الربع في الربع الأول من عام 2025 مقارنةً بالربع الأول من عام 2024، 15500 جريمة مقابل 12500 جريمة، وفقاً للصحيفة.
تصاعد الفساد على المستويات كافة
ما يقارب نصف اعتقالات كبار المسؤولين على مدى الأعوام الـ10 والنصف الماضية وقعت خلال الأعوام الثلاثة والنصف التي تلت الهجوم الروسي على أوكرانيا. علاوة على ذلك، تجاوز عدد كبار المسؤولين الفيدراليين المعتقلين، من وزراء إلى رؤساء إدارات ونوابهم، مستويات ما قبل الحرب، وفقاً لصحيفة "نوفايا غازيتا أوروبا".
في الوقت نفسه تشير الصحيفة إلى أن قضايا الفساد تتحول بصورة متزايدة إلى "إجراءات سريعة وشبه رسمية"، وصرح محامون للصحافيين بأن المدة من بدء التحقيق إلى النطق بالحكم أصبحت الآن أقصر بكثير من ذي قبل، ويعود ذلك أساساً إلى انخفاض معايير الإثبات بصورة كبيرة.
بالتوازي مع تزايد القضايا المرفوعة ضد كبار المسؤولين، تُجري روسيا ملاحقات قضائية بتهمة الفساد على المستويين المتوسط والمنخفض، حسب الصحيفة.
وذكرت الخدمة الصحافية للجنة التحقيق الروسية أن نحو 600 فرد يتمتعون بوضع قانوني خاص وجهت إليهم اتهامات بالفساد في النصف الأول من عام 2025، من بينهم 16 نائباً من البرلمانات المحلية المنتشرة على المستوى الإقليمي.
ونقلت وكالة "تاس" عن ممثلي لجنة التحقيق قولهم "إن النتيجة الإيجابية هي زيادة عدد قضايا الفساد المحالة إلى المحكمة بأكثر من الربع، وتمت محاكمة 596 فرداً يتمتعون بوضع قانوني خاص".
وتشير التقارير أيضاً إلى أن قائمة المسؤولين الفاسدين تضم 98 محامياً وتسعة مدعين عامين وستة قضاة وعضواً واحداً في مجلس الشيوخ الفيدرالي.
في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي، وصف ألكسندر خينشتاين، الذي عيّنه بوتين قائماً بأعمال حاكم منطقة كورسك، حال الفساد في المنطقة بأنها "مخيفة واستثنائية"، وأكد أنه لاحظ خلال الأشهر الستة الماضية مشكلات خطرة تعكس ارتفاع مستوى الفساد، وهو ما تجلّى في شكاوى عدة من سكان منطقة كورسك، وأعرب الحاكم عن عزمه على مكافحة الفساد بفعالية.
استفحال الفساد بالأرقام!
في الربع الأول من عام 2025، سجلت جهات إنفاذ القانون زيادة في جرائم الفساد بنسبة 24 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وفقاً لمكتب المدعي العام. وبينما بلغ عدد هذه الجرائم 12466 جريمة خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مارس (آذار) من العام الماضي، ارتفع هذا العدد إلى 15458 جريمة هذا العام.
في عام 2024 جرى تحديد 38500 جريمة متعلقة بالفساد في البلاد، مقارنة بـ36400 جريمة عام 2023، يُظهر تحليل الإحصاءات الحالية أن أكبر عدد من الجرائم يتعلق بالرشوة: ارتفعت حصة هذه الجرائم من 55.7 في المئة عام 2023 إلى 60.3 في المئة عام 2024، في بداية عام 2025 وصل هذا الرقم إلى مستوى قياسي بلغ 60.9 في المئة، وهو ما يزيد بنسبة 29 في المئة على الربع الأول من العام السابق، من 7300 إلى 9418 حالة مسجلة.
وقد أدى ارتفاع عدد جرائم الفساد المُكتشفة إلى زيادة نسبتها من إجمال العدد الكلي للجرائم المُسجلة، إذ بلغت حصتها 3.2 في المئة في الربع الأول من عام 2025 (مقابل 2.6 في المئة في الفترة نفسها من عام 2024)، وفقاً لبيانات النيابة العامة.
عام 2024 شكلت الجرائم المتعلقة بالفساد اثنين في المئة من إجمال الجرائم المسجلة، مقارنةً بنسبة 1.9 في المئة عام 2023، وفي عام 2024 رُصدت 38500 جريمة متعلقة بالفساد، مقارنة بـ36400 جريمة عام 2023، بزيادة مقدارها 5.7 في المئة. وشكلت الرشاوى 60.3 في المئة من جرائم الفساد عام 2024، مقارنة بـ 55.7 في المئة عام 2023.
ارتفع عدد الرشاوى بنسبة 29 في المئة، من 7300 إلى 9148 جريمة مسجلة، وشكّلت 60.9 في المئة من إجماليها. عام 2024 سجّل مكتب المدعي العام زيادة بنسبة 14.6 في المئة، من 20279 في عام 2023 إلى 23240 في العام التالي، ووفقاً لمكتب المدعي العام، "أدت الجهود المتواصلة للمدعين العامين، بما في ذلك جهود التنسيق، إلى تحسن ملحوظ في جودة قضايا الرشوة الموثقة (بمبالغ كبيرة وكبيرة جداً)".
سُجِّلت جرائم فساد ارتكبتها جماعات منظمة أو جماعات إجرامية في الربع الأول من عام 2025، ما يُقارب ضعف عدد الجرائم المُسجَّلة في العام السابق. وارتفع هذا الرقم بنسبة 46.5 في المئة، من 1102 إلى 1614 قضية، وارتفعت جرائم الفساد المُرتكبة على نطاق واسع أو استثنائي، أو التي تُسبِّب أضراراً جسيمة أو استثنائية، بنسبة 65.7 في المئة (من 2254 إلى 3735).
في الربع الأول من عام 2025، حُوكم 5478 مسؤولاً فاسداً (4856 في العام السابق)، وعام 2024 وحده، أُدين 18360 شخصاً بالفساد، مقارنةً بـ 17658 شخصاً عام 2023، وأشار مكتب المدعي العام إلى أنه "لأعوام عدة، تجاوزت قيمة الممتلكات والأشياء الثمينة المصادرة حجم الأضرار المادية الناجمة عن جرائم الفساد"، عام 2024 بلغت قيمة الأضرار الناجمة عن جرائم الفساد 30.4 مليار روبل، وتم سداد 5.4 مليار روبل من التعويضات طواعية، وتمت مصادرة ممتلكات بقيمة 36.4 مليار روبل أو مصادرتها في قضايا فساد.
فساد النخبة الحاكمة!
في الصيف الماضي ألقي القبض على الحاكم السابق لمنطقة تامبوف، ماكسيم إيغوروف، بتهمة تلقي رشوة واسعة النطاق، وفي الـ22 من يوليو (تموز) من هذا العام، اعتقلت السلطات وزير النقل في مقاطعة نوفغورود، كونستانتين كورانوف، بتهم مماثلة، وقبل ذلك بأيام قليلة، في الـ18 من يوليو، ألقي القبض على نائب رئيس وزراء منطقة نوفغورود، ستانيسلاف شولتسيف، بتهمة تلقي رشوة واسعة النطاق أيضاً.
منذ بداية عام 2025 الجاري رُفعت دعاوى جنائية ضد ما لا يقل عن 99 عضواً في البرلمان ومسؤولين رفيعي المستوى، بمن فيهم نواب وزراء ورؤساء هيئات اتحادية وإقليمية، إضافة إلى رؤساء بلديات العواصم الإقليمية ونوابهم، ويصل هذا إلى 14 قضية شهرياً في المتوسط.
إن عدد القضايا الجنائية في عام 2025 يقترب بالفعل من أرقام عام 2024 بأكمله، وهو أعلى بنحو الضعف تقريباً من أرقام عام 2021 بأكمله.
جمعنا البيانات من مصادر مفتوحة، وبالأخص من المنشورات الإعلامية، نأخذ بالاعتبار تاريخ الملاحقة الجنائية، وليس تاريخ النطق بالحكم، ومن هنا، نقتصر على النظر في أعضاء البرلمان والمسؤولين بالمعنى الضيق: ولا يشمل هذا الحساب رؤساء الشركات المملوكة للدولة والمؤسسات العامة، وعلى رغم احتمال تورطهم في قضايا فساد واعتبارهم مسؤولين، فإنهم ليسوا خاضعين لسلطة الدولة.
ما يقارب نصف اعتقالات كبار المسؤولين خلال الأعوام الـ10 والنصف الماضية حدثت بعد اندلاع الحرب الشاملة، علاوة على ذلك، تجاوز عدد كبار المسؤولين الفيدراليين المعتقلين، من وزراء إلى رؤساء إدارات ونوابهم، مستويات ما قبل الحرب.
أهل السياسة
تفسر عالمة السياسة، إيكاترينا شولمان، استفحال فساد النخب الحاكمة وبخاصة من حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، أنه "لكي يبقى النظام الاستبدادي قائماً، عليه أن يُثير الخوف، لا أن يُطلق العنان لآلة رعبٍ مُطلقة"، وتضيف "نرى الآن أن كل اعتقال لاحق لمسؤول لا يُعرض علناً على أنه جزء من حملة ما، أو عنصر من عناصر تطهير واسع النطاق، بل على العكس، يتجنب النظام هذا الخطاب، في الوقت نفسه تُعدّ الأخطار المتزايدة التي يتعرض لها المسؤولون وإعادة توزيع الأصول وعدم القدرة على مغادرة البلاد بأمان، من بين العوامل الرئيسة المُزعزعة للاستقرار في روسيا الحديثة".
يؤكد رد فعل النخبة على انتحار وزير النقل السابق رومان ستاروفويت كلام شولمان: التوتر والخوف يتصاعدان داخل النظام. ووفقاً لمصادر في مؤسسة "فريديلي" المعنية بمكافحة الفساد"، شكّل خبر انتحار زميلهم الوزير صدمة للأوساط الحكومية، وتُعبّر كثير من التصريحات، إلى جانب التعاطف، عن شعورٍ باليأس "أحكامٌ تُشبه السجن المؤبد ومقتل بريغوجين وسجن نائب وزير الدفاع تيمور إيفانوف... تجعلك تعتقد أنك إذا وقعت في هذه الحَجائر، ستُسحق سحقاً".
وعلى هذه الخلفية، نظر كثر إلى تصرفات ستاروفويت ليس فقط باعتبارها مأساة، بل أيضاً باعتبارها انتهاكاً لقواعد اللعبة غير المعلنة "من الغريب أن ستاروفويت أظهر مخرجاً يعتبره كثر الآن ممكناً"، كما اعترف أحد مصادر المؤسسة المعنية بمكافحة الفساد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قواعد جديدة للفساد
غالباً ما تكون القضايا الجنائية ضد المسؤولين الذين يفتقدون الغطاء السياسي مصحوبة بمصادرة الممتلكات وغرامات كبيرة، أكبر بمرات عدة من الضرر المؤكد الناجم عن الجريمة.
في الـ25 من يونيو الماضي ألقي القبض على وزير الدولة في داغستان، محمد سلطان محمدوف، وفي اليوم التالي، الـ26 من يونيو، أيدت المحكمة طلب النيابة العامة مصادرة مجمع "كاسبترول سيرفيس" لنقل النفط (المعروف سابقاً باسم داغنيفتيبرودكت أو جي أس سي)، وشركات "أم أس بي" القابضة و"داغستان نيو تكنولوجيز" و"نفتيبرودكتسناب"، إضافة إلى ممتلكات أخرى تابعة لها، من محمدوف وأقاربه. وأُفرج عن المسؤول السابق بكفالة.
صادرت محكمة 34 عقاراً من الرئيس السابق لدائرة "بييسك" الخاصة بوزارة الطوارئ، فيكتور فيليكودني، بما في ذلك مبانٍ سكنية وتجارية في سوتشي ومركز تسوق وسوق داخلية، كانت هذه العقارات مسجلة بصورة رئيسة باسم أقارب ومنظمات تابعة لفيليكودني، في غضون ذلك، حُكم على الحاكم السابق لمنطقة بينزا، إيفان بيلوزيرتسيف، بتهمة قبول رشوة، بالسجن 12 عاماً في سجن شديد الحراسة وغرامة مقدارها 450 مليون روبل (بلغت قيمة الرشوة نحو 30 مليون روبل).
في الواقع، وفي ظل تأميم المصانع وإعادة الخصخصة وإعادة توزيع الشركات الكبرى، فإن كل هذه المصادرات والغرامات لا تُذكر، كما يقول عالم اجتماع طلب عدم الكشف عن هويته. ويضيف "إنها مجرد أثر جانبي لتصاعد القمع ضد المسؤولين المشكوك بولائهم المطلق".
وبحسب المتخصص، فإن الهدف الرئيس من مثل هذا القمع هو الترهيب والتمركز حول السلطات.
إن الإشارة التي أرسلتها الدولة موجهة في المقام الأول إلى النخب، أولئك الذين غازلوا في الماضي دوائر المعارضة، والذين أصبح ولاؤهم موضع شك.
ثانياً، يستهدف البرنامج الخاص بمكافحة الفساد أفراداً أثرياء من خارج النخبة السياسية. لا ينتقد أيٌّ منهم الحكومة علناً، وهو أمرٌ لا يستطيع أحدٌ تحمّله هذه الأيام، لكن الكثير منهم لا يُظهرون دعماً قوياً كافياً للنظام ومكتب التحقيقات الخاص، بينما يُحاولون باستمرار تحويل أموالهم إلى الخارج. وأخيراً، الهدف الثالث هو قوات الأمن.
يتغيّر الكثير بالنسبة إلى قوات الأمن حالياً. فقد كان أحد مصادر دخلها المستقر هو "الإيجار" الفاسد من الشركات والمصانع الخاصة أي (تسلم رشى من الملاحقين المفترضين). لكن الآن، تستولي "الجهات المناسبة" على هذه المصانع واحداً تلو الآخر، مما يعني أن قواعد اللعبة تتغير، كما يوضح المتخصص. "تُثبت الدولة أن الخطط القديمة لم تعد مجدية، فهناك الآن قواعد مختلفة للعبة ومتطلبات مختلفة للولاء".
يوضح محام مختص بقضايا الفساد "في السابق، كانت هيئات التحقيق تُقيّم بعناية فائقة احتمالات إحالة القضية إلى المحكمة. فإذا كان هناك أي قلق من انهيار الادعاء في المحكمة، أي إعادة القضية لمزيد من التحقيق أو تبرئة المحكمة، فإن الادعاء بهذه الصورة لم يكن ليُرفع إلى المحكمة. أما الآن، فقد خُفِّضت معايير الإثبات، لذا فإن كل شيء يسير بسرعة وسلاسة، سواءً في التحقيق أو في المحاكمة".
يجادل المحاميان أرتيم يابلوكوف ودانييل غوركوف بأنه بينما كانت تُبنى التهم في قضايا الفساد سابقاً على اعتقال الجاني أثناء عمليات الرشى، مما يتطلب توثيق تحويل الأموال أو الممتلكات الأخرى إلى المشتبه فيه، فإن "شهادة الشهود غالباً ما تكون كافية لإثبات الذنب" اليوم.
في أبريل (نيسان) الماضي، أدين ديمتري دوداشفيلي، نائب وزير الطوارئ، بقبول رشوة واسعة النطاق. وحكمت عليه المحكمة بالسجن 15 عاماً وغرامة تعادل خمسة أضعاف مبلغ الرشوة. ووفقاً لمحامي دوداشفيلي، لم يعثر التحقيق على أي دليل على تحويل الأموال، وتستند لائحة الاتهام بأكملها إلى شهادات أطراف معنية عدة. وكان أحد هؤلاء الشهود فيكتور فيليكودني، موظف في وزارة الطوارئ، الذي كان آنذاك متهماً في قضية جنائية بتهمة اختلاس أموال الموازنة. ومن المحتمل جداً أن تكون لديه دوافع شخصية للتعاون مع التحقيق.
ويحدث أن يكون الاتهام مبنياً على شهادة شهود لا علاقة لهم بالجريمة نفسها إلا بصورة غير مباشرة.
يوضح المحاميان "قد تُبنى التهمة على أقوال الشخص الذي سلّم الأموال للوسيط. ولسببٍ ما، لم يُمرّر الوسيط الأموال إلى مستويات أعلى في السلسلة. في النهاية، لم يستلم الراشي الأموال، ولم تصل إليه قط، لكن الراشي أو الوسطاء يقولون إنه كان من المفترض أن يكون هذا المسؤول هو المستلم النهائي. وتُبنى التهمة بأكملها على هذه الشهادة. قيمتها الإثباتية محدودة للغاية، لكنها الآن مقبولة في المحكمة".
أهداف سهلة لنظام العصا
صرح باحث في مجال العدالة الجنائية لهيئة تحرير صحيفة "نوفايا غازيتا أوروبا"، شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلاً "إن الموظفين البيروقراطيين من ذوي الرتب الدنيا معرضون للخطر. هؤلاء هم الأشخاص الذين يوقعون على وثائق نفقات الأعمال بموجب عقود حكومية أو ينظمون أنشطة المؤسسات العامة. وهم معرضون لخطر تحميلهم مسؤولية أي موقف غير متوقع".
لذلك تطاول عمليات مكافحة الفساد صغار الموظفين الذين لا حول لهم ولا قوة أكثر بكثير من كبار القوم، ويكون معظم المتهمين ليسوا من كبار المسؤولين أو كبار المديرين في الشركات المملوكة للدولة، بل من العاملين في المستويات الأولية والمتوسطة، بما في ذلك الموظفون المدنيون العاديون وموظفو القطاع العام وموظفو الشركات التجارية: أمناء الصندوق ووكلاء الشحن وأمناء المخازن وتجار البضائع.
في عام 2025، حكم على النائب السابق لرئيس منطقة كالتانسكي الحضرية (منطقة كيميروفو) بالسجن سبعة أعوام في سجن شديد الحراسة لقبوله رشوة مقدارها 300 ألف روبل (نحو 3800 دولار). وفي بورياتيا، فتحت دعوى جنائية ضد مدير مدرسة بتهمة إساءة استخدام سلطته، لتوقيعه على شهادة إتمام أعمال الإصلاح في المدرسة رغك "الانتهاكات المتعددة أثناء إعادة بناء سقف المدرسة". وفي كراسنويارسك أدين أمين صندوق بالفساد (الاختلاس) لسرقة 80 ألف روبل من صندوق الدفع (نحو 900 دولار).
يشير الخبراء إلى رغبة جهات إنفاذ القانون في تحقيق الأهداف المنشودة كأحد أسباب تزايد القضايا الجنائية ضد المسؤولين العاديين. ويُعدّ موظفو الخدمة المدنية ورؤساء المؤسسات الحكومية والموازنة أسهل الفئات لتحقيق هذا الهدف.
"يُعزى ذلك إلى تعقيد تدفق الوثائق والسيطرة الكاملة (على البيروقراطية)"، كما يوضح باحث في مجال العدالة الجنائية أن الفساد "لا يقتصر على الرشاوى وحسب، بل يشمل غالباً الاختلاس وإساءة استخدام السلطة واستغلال المنصب الرسمي".
وبحسب الخبراء فإن "صرامة تنظيم أنشطة الموظفين المدنيين تجعل من المستحيل عملياً عدم انتهاك أي شيء".
ويضيف الباحث "عادةً ما يحاول المحققون تضخيم قيمة الأضرار، ما يعني أن المسؤول متهم بأكثر من مجرد ما سُرق أو اختلس. حتى لو تم فعل شيء ما بأموال عامة، ولكن بصورة غير سليمة، أي انتهاك للأنظمة والإجراءات، فإن الادعاء سيشمل كامل المبلغ المنفق على الأضرار".
إلى جانب رغبة قوات الأمن في إظهار فاعلية في مكافحة الفساد، قد تكون هناك دوافع أخرى لاضطهاد المسؤولين ذوي الرتب الدنيا. يُسلّط هذا الضوء على رغبة قوات الأمن في زيادة "مدفوعات الإيجار" (الفساد وتسلم رشى من الملاحقين مقابل عدم الملاحقة القضائية)، إضافة إلى احتمال وجود أصداء لصراع بين عشائر النخبة.
آراء الخبراء
يوري نيكولايفيتش جدانوف، الأمين التنفيذي للمجلس التنسيقي للمدعين العامين لدول رابطة الدول المستقلة، والفريق أول بوزارة الداخلية والحاصل على دكتوراه في القانون، ورئيس قسم في الجامعة الروسية الحكومية الاجتماعية، يقول "يُعتقل عشرات من المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال من مختلف المستويات شهرياً. كوني عملت لأعوام طويلة في وزارة الداخلية أتساءل: ما الذي يحدث؟ هل بدأت الحكومة بالفعل في تشديد الخناق؟".
ويضيف "وفقاً لوزارة الداخلية الروسية، في النصف الأول من عام 2025 الجاري، بينما انخفض إجمال عدد الجرائم بنسبة 1.8 في المئة، ارتفع عدد جرائم الفساد المسجلة إلى 27124 أي بنسبة 16 في المئة. يشير هذا الرقم ليس فقط إلى تنامي الفساد بين المسؤولين، بل أيضاً، وبالقدر نفسه، إلى تكثيف جهود إنفاذ القانون للكشف عن هذه الجرائم ومنعها. أرى أن سلسلة الاعتقالات التي طاولت مسؤولين رفيعي المستوى تُعدّ إشارةً جادة للمجتمع بأن الدولة قد كثّفت جهودها في مكافحة الفساد، وأن هذا الأمر أصبح اليوم ضرورةً ملحةً ليس فقط للاستقرار السياسي والاقتصادي والمالي، بل أيضاً للأمن القومي".
لكن هذه المعركة لم تبدأ اليوم. يُذكر أنه خلال العام أو العامين الماضيين، اعتُقل عدد من كبار المتهمين في قضايا جنائية تتعلق بالفساد. في الجيش وحده، خضع أكثر من 10 من كبار الضباط والجنرالات والموظفين المدنيين رفيعي المستوى للتحقيق والمحاكمة.
على سبيل المثال، أثار اعتقال ومحاكمة نائب وزير الدفاع السابق، تيمور إيفانوف، بتهمة اختلاس وسرقة مليارات الروبلات في أبريل الماضي، استياءً شعبياً واسع النطاق. وحُددت عقوبته، التي بدأ تنفيذها في الأول من يوليو الماضي، بالسجن 13 عاماً وغرامة مقدارها 100 مليون روبل وسحب جوائز الدولة منه. وهذا يُرسل إشارة قوية إلى المجتمع بأن الدولة اليوم تحاول التخلي عن "المنبوذين".
ويستطرد قائلاً "حكم على نائب رئيس هيئة الأركان العامة السابق، الفريق فاديم شاماري، بالسجن سبعة أعوام لقبوله رشوة واسعة النطاق. ومن بين المعتقلين نائب وزير الدفاع السابق، الجنرال دميتري بولغاكوف، بتهم اختلاس واسع النطاق وتشكيل عصابة إجرامية منظمة، ونائب وزير الدفاع السابق، الجنرال بافيل، بتهم اختلاس واسع النطاق وتزوير رسمي، ورئيس خدمة المركبات المدرعة في المنطقة العسكرية المركزية اللواء دينيس بوتيلو، ورئيس المديرية الرئيسة للاتصالات في القوات المسلحة الروسية اللواء ألكسندر أوغلوبلين، بتهمة تلقي رشى واسعة النطاق، ونائب رئيس مديرية ممتلكات المشاريع الخاصة السابق بوزارة الدفاع أوليغ فاسينين، بتهم اختلاس واسع النطاق. ويمكن الاستشهاد بأمثلة أخرى كثيرة.
لقد شهدت قيادة القوات المسلحة بالفعل اعتقالات عدة منذ تغيير وزير الدفاع السابق سيرغي شويغو. ولكن ماذا عن القطاع المدني؟ غالباً ما يُعتقل مسؤولون من المستوى المتوسط، ونادراً ما يُعتقل نواب المحافظين، وأحياناً قادة سابقون. هل جميع من في القمة نزيهون؟ لماذا في الصين، على سبيل المثال، أُلقي القبض على 36 "نمراً" (من نائب وزير وما فوق) بتهمة الفساد في الأشهر الستة الأولى من العام الماضي وحده، بمن فيهم رؤساء شركات حكومية كبرى وحتى أعضاء في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، بينما في بلدنا، كما يُقال، الدخان أخف والغليون أثقل؟".
مكافحة موسمية لفساد مستشرٍ على الدوام!
مكافحة الفساد المستشري في روسيا منذ خروجها من عباءة الاتحاد السوفياتي عام 1991، تتم موسمياً وبدرجات متفاوتة من الشدة، وهي مستمرة منذ أوائل الألفية الثانية. وقد حُوكم كلٌّ من: وزير السكك الحديد نيكولاي أكسينينكو (2001) ووزير الطاقة الذرية يفغيني آدموف (2005) ووزير التنمية الاقتصادية أليكسي أوليوكاييف (2016) ووزير الحكومة المفتوحة ميخائيل أبيزوف (2019). وفي الأعوام الخمسة الماضية وحدها، أُلقي القبض على حاكمي إقليم خاباروفسك، سيرغي فورغال، ومنطقة بينزا، إيفان بيلوزيرتسيف، إضافة إلى الحكام السابقين لمناطق إيفانوفو وريازان وكورسك، ميخائيل مين ونيكولاي ليوبيموف وأليكسي سميرنوف. في سبتمبر (أيلول) 2022، حُكم على السيناتور السابق من قراتشاي تشركيسيا، الملياردير رؤوف أراشوكوف، ووالده "ملك الغاز" راؤول، بالسجن المؤبد بتهمة تنظيم منظمة إجرامية وارتكاب جرائم قتل مأجورة واختلاس 31 مليار روبل. في عام 2022، أُدين الأخوان ماغوميدوف، ومن بينهم زيافودين ماغوميدوف الملياردير الأوليغاركي المدرج في قائمة فوربس، وشقيقه، السيناتور، بتهمة تنظيم منظمة إجرامية واختلاس 11 مليار روبل. لذا، فإن النخب الروسية الفاسدة تضم عدداً كبيراً من المسؤولين الكبار أيضاً: وزراء ونوابهم وأعضاء في مجلس الشيوخ وحكام.
يُحوّل الكثير من المسؤولين الروس الذين اختلسوا مبالغ طائلة من الأموال ثرواتهم المالية إلى حسابات مصرفية غربية، ثم يسافرون إلى الخارج من دون قيود ويعيشون حياةً هانئة، ويضمنون تقاعداً هانئاً. وغالباً ما تعجز السلطات عن إعادتهم قسراً إلى وطنهم ليُحاكموا محاكمةً قاسيةً وعادلة.
فلا تكفي معاقبة اللصوص، بل يجب على الدولة أن تستعيد الأموال المسروقة إلى الوطن. وهنا للأسف، لا تزال مشكلات إعادة الأصول الفاسدة من الخارج قائمة. في اجتماع لمكتب المدعي العام للاتحاد الروسي، أكد الرئيس فلاديمير بوتين على ضرورة تحسين آليات هذه الإعادة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فعودة المسؤولين الهاربين ورؤوس أموالهم مُعقّدة بسبب عوامل عدة، من بينها الوضع الدولي الصعب: الدول غير الصديقة ترفض طلبات التسليم، بمعدل 100 رفض سنوياً. هناك أيضاً عامل داخلي، يجب الاعتراف بأنه عندما تُركّز الحكومة الروسية على حل نزاع عسكري-سياسي مع دولة مجاورة، وبخاصة مع دول داخل كتلة "الناتو" بأكملها، وعندما تصبح حماية السيادة وضمان الأمن القومي الهدفين الرئيسين، فإنها لا تمتلك دائماً الموارد البشرية والمادية اللازمة لإعادة الأصول و"الهاربين" الفاسدين أنفسهم. ولكن حتى في ظل هذه الظروف الصعبة، فإن وكالات إنفاذ القانون، بالتعاون مع الإنتربول وبعض البلدان، تحاول إنجاز ما يمكن إنجازه.
ففي أغسطس (آب) 2024، سُلِّم أندريه ماركوس، رئيس مركز إقليمي لشركة أدوية، وزميله أليكسي أوشكالوف، من الجبل الأسود إلى روسيا بتهمة رشوة نائب مدير إدارة الصحة في منطقة بريانسك ومسؤولين آخرين بمبلغ مليوني روبل.
وفي مايو (أيار) 2024، رُحِّل ميخائيل غورباتشوف، الموظف السابق في أكاديمية ساراتوف الحكومية للقانون، من نيكاراغوا إلى روسيا بتهمة قبول رشوة. وفي يناير (كانون الثاني) 2025، احتُجزت القاضية السابقة "الذهبية" إيلينا خاخاليفا في مطار باكو قبل رحلتها إلى دبي. وقد أرسل مسؤولو إنفاذ القانون في روسيا طلباً لتسليمها إلى نظرائهم الأذربيجانيين، لكن الطلب رُفض.
ووفقاً لمكتب المدعي العام الروسي، تم استرداد ما يقارب 800 مليار روبل من الأموال النقدية والممتلكات من المسؤولين الفاسدين على مدار الأعوام الخمسة الماضية (الدولار يساوي 82 روبلاً). ولم يُحسب حجم الأضرار التي لحقت بروسيا هذا العام بعد. وتُرفع في المتوسط 3000 قضية جنائية متعلقة بالفساد سنوياً بناءً على تحقيقات النيابة العامة. علاوة على ذلك، يوهم الفاسدون السلطات بأن قيمة الممتلكات والأشياء الثمينة المصادرة سنوياً تتجاوز الأضرار المادية الناجمة عن جرائم الفساد. على سبيل المثال، في عام 2024، بلغت الأضرار المكتشفة 30.4 مليار روبل. وتم سداد 5.4 مليار روبل كتعويضات طوعية، وتمت مصادرة ممتلكات بقيمة 36.4 مليار روبل أو مصادرتها في ما يتعلق بهذه القضايا.
أكبر رشوة كشف عنها
في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، حكمت محكمة مدينة بالاشيخا قرب موسكو على المحقق السابق في موسكو، مارات تامبييف، بالسجن 16 عاماً بتهمة تلقي رشوة قياسية بلغت 7.3 مليار روبل من عملة بيتكوين (نحو 90 مليون دولار)، تلقاها من قراصنة. ومن اللافت أنه احتفظ بكلمات مرور محافظه المشفرة في مجلد باسم "المعاش التقاعدي" على حاسوبه المحمول.
مع ذلك، لا يزال بعض المسؤولين الفاسدين يثيرون المشاعر. فستنظر محكمة عسكرية قريباً في قضيتي فساد جنائيتين في مستشفى كراسنودار العسكري رقم 419 التابع لوزارة الدفاع. يُتهم ثلاثة أطباء عسكريين بتلقي رشاوى كبيرة (عمولات) لإصدار شهادات نموذج 100 تُثبت إصابة جندي بصدمة أو ارتجاج في المخ، مما يُخولهم الحصول على إعانات اجتماعية طوال الحياة. وللمرء أن يتخيل مشاعر الجنود العائدين من جبهات القتال عندما يعلمون بهذا. وكذلك موقفهم ممن يسرقون الممتلكات والأموال المخصصة لتعزيز التحصينات الدفاعية في المناطق الحدودية، وشراء المعدات العسكرية والطائرات المسيرة والدروع الواقية والطعام للعسكريين. كما يتم التحقيق مع من حاولوا بيع المساعدات الإنسانية المُجمعة من أموال الطلاب والمتقاعدين الضئيلة. فمثل هذه الأعمال في زمن الحرب يتجاوز وصفها القانوني بالفساد لأنها تشكل خيانة عظمى، وتجب مواجهتها بأشد العقوبات.
مكافحة الفساد
لطالما كان للحرب والمشاركة في الصراعات العسكرية تأثير بالغ على الدولة والمجتمع والأفراد. لذلك يتمنى الكثير من الروس العودة إلى "عهد ستالين" وإجراءاته الصارمة في مكافحة جرائم الفساد.
بالحديث عن الصين، الفساد هناك يعاقب عليه بالإعدام. أما القانون الجنائي الروسي فهو أكثر تساهلاً. وتثبت التجربة الصينية أن حتى أكثر الإجراءات جذرية، على رغم وضوحها من حيث الردع، لا تزال عاجزة عن استئصال الفساد جذرياً. الناس خائفون، ومع ذلك يسرقون.
المشكلة الرئيسة هي أنه في روسيا، كما في الصين، تُعدّ العلاقات الأسرية والودية أهم لدى الكثير من إنفاذ القانون. وفي الوعي العام، غالباً ما يُنظر إلى المسؤولين الفاسدين ليس كمجرمين، بل كأشخاص "يعرفون كيف يعيشون"، أولئك الذين يستطيعون حل أية مشكلة (للأقارب والأصدقاء والزملاء)، حتى لو كان ذلك "مقابل أجر" وبوسائل غير قانونية. في الوقت نفسه، هناك فئة كاملة من الناس (وهناك الكثير منهم) يجدون أن دفع الرشوة أسهل من الامتثال للقانون.
مكافحة الفساد يمكن أن تكون ناجحة تماماً. لكن هذا لا يتطلب المشنقة أو الكرسي الكهربائي أو الإعدام رمياً بالرصاص، بل يتطلب نظاماً سياسياً ديمقراطياً بالفعل ودولة تحتكم للمؤسسات الدستورية المنتخبة ديمقراطياً، وليس لشخص الزعيم الأوحد الذي يختصر كل الدولة ومؤسساتها بشخصه، ومستوى أجور لائقاً وضمان رقابة شفافة وتطبيق نظام تدوير الموظفين وإجراء عمليات تفتيش مفاجئة لمكافحة الفساد، بما في ذلك فحص موظفي الخدمة المدنية على جميع المستويات من قبل وحدة مُنشأة خصيصاً لمكافحة الفساد تتمتع بصلاحيات خاصة، ومجموعة واسعة من الإجراءات الأخرى. وقدّر العلماء أن خفض مستوى الفساد من مستوى مرتفع "مكسيكي" إلى مستوى "سنغافوري" يُنتج أثراً اقتصادياً يُعادل زيادة ضريبية بنسبة 20 في المئة في موازنة الدولة. وسيكون هذا الفائض مفيداً بالتأكيد للدولة والشعب وليس لحيتان المال المتحالفين مع أهل السلطة الذين وصلوا إلى مناصبهم بفضل تبرعاتهم ودعمهم المالي والمادي.