Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 دافيد كولون يفكك آليات السيطرة في حرب المعلومات

 يرسم بحثا عن خط أحمر لحماية الحريات المهدّدة بالزوال والحفاظ على العقول من الخطر السيبراني

صورة رمزية لحرب المعلومات (صفحة المعلوماتية - فيسبوك)

ملخص

 تتعدد تعريفات العنوان وتختلف باختلاف الجهة المعرّفة في كتاب "حرب المعلومات" للأكاديمي الفرنسي دافيد كولون المختص في تاريخ الدعاية وأساليب التلاعب الجماهيري .

"حرب المعلومات"( دار نوفل، ترجمة أدونيس سالم) التي أعقبت الحرب الباردة، وانطلقت بعد زوال الاتحاد السوفياتي عام 1991، يُعرّفها الجيش الأميركي بأنها "مستوى من التفوق في مجال المعلومات يسمح باستخدام نظم المعلومات وقدراتها لتحقيق السيطرة العملانية في صراع ما أو للتحكّم بالوضع في عمليات غير حربية، وفي الوقت عينه حرمان الخصم من هذه القدرات"، ويعرّفها سلاح البحرية الروسي بأنها "تقضي بضمان أهداف السياسة الوطنية في زمن الحرب كما في زمن السلم، وذلك بوسائل وتقنيات تسمح بالتأثير في مصادر معلومات العدو، وتتضمن التأثير في نظام المعلومات الخاص بالأعداء كما في حالهم النفسية".

ويعرّفها الفكر الإستراتيجي الصيني بأنها "نضال للسيطرة على إنتاج وتدفق المعلومات من أجل تحسين ودعم الأهداف الإستراتيجية لبلد ما، وفي الوقت عينه إضعاف أهداف الخصم والحد منها"، وهذه التعريفات، على تعددها واختلافها، تتقاطع في أن حرب المعلومات تسعى إلى تحقيق هدفين اثنين، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وهما تحصين الذات القومية، من جهة، وإضعاف الخصم، من جهة ثانية، ولتحقيق هذين الهدفين، تلجأ الدول ذات العلاقة إلى آليات معينة، وأطر عمل مختلفة، وأدوات كثيرة، وهو ما تتمحور حوله فصول الكتاب الـ12، التي يمهد لها الكاتب بمقدمة إضافية يبين فيها عدم توقع تلك الحرب، ويتوجها بخاتمة تشتمل على توصيات معينة.

 السيطرة على العقول

 في العنوان الفرعي للكتاب، يطرح كولون سؤال "كيف تسيطر الدول على عقولنا"، والكتاب بمقدمته وفصوله الـ12 وخاتمته، هو أجوبته عن السؤال المطروح، وهي أجوبة طويلة ومتشابهة إلى حد كبير، تشتمل على كثير من المعلومات والوقائع التاريخية وآليات العمل وأدوات التنفيذ، مما يجعل من حرب المعلومات هي البديل من الحرب التقليدية العسكرية، إنها حرب المستقبل، كما ينقل عن عالمي السياسة الأميركيين جون أركيلا وديفيد رونفلدت.

 

 

ولأن المقام لا يتسع للإحاطة بجميع الأجوبة الواردة في الكتاب، وحسبنا تلمس بعضها لدى الدول الثلاث التي سبقت الإشارة إلى تعريفاتها أعلاه، وهي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وجمهورية الصين الشعبية، على أنه لا بد، قبل ذلك، من الإشارة إلى أن الكاتب يربط، في المقدمة، حرب المعلومات بظهور الشبكة العنكبوتية والبث التلفزيوني الفضائي، مما يجعلها سلطة قائمة بذاتها، ومؤشراً إلى قوة الدول ونفوذها العالمي، ويشير إلى سعة نطاقها وعبورها الحدود، ويحدد أهدافها بضمان ولاء الشعوب الحليفة وزعزعة الشعوب المعادية. ويذكر ضرورة امتلاك الدول قدرات إلكترونية لتنظيم حملات الدعاية والتضليل على المستوى الدولي، من خلال تنفيذ عمليات سيبرانية وشن حروب إلكترونية والقيام بعمليات نفسية وتحريف المعلومات والتلاعب بها وزرع الشك في استخبارات العدو، مما يعني أن هذه الحرب تقوم على الكذب والتزييف والاختلاق والتحوير والتضليل، وهو ما نتلمسه من تجارب الدول الثلاث الآنفة الذكر وغيرها.

 التجربة الأميركية

 في التجربة الأميركية، يشير المؤلف إلى أن العقيدة الأميركية للسيطرة على المعلومات تقوم على التدفق الحر للمعلومات والاتصالات، وتستند إلى مفاهيم القوة الناعمة والقوة الذكية والقوة الإذاعية، وتستخدم أدوات التأثير الثقافي والمنشورات العلمية وجائزة نوبل والسينما الهوليوودية ومدن الملاهي والمجلات والجرائد والفيديو للتأثير في الإعلام العالمي، وتوظف هذه الأدوات في خدمة العمليات العسكرية، فتمارس بواسطتها هيمنتها على الإعلام العالمي من خلال التلاعب بالصحافيين والتحكم بوسائل الإعلام وتضخيم خطر العدو وشيطنة الخصم وإنتاج الصور المزيفة وإطلاق الوعود الكاذبة والتضليل الإستراتيجي والتكتيكي، وتغييب حقيقة الصراع.

وهذا ما فعلته الولايات المتحدة في تعزيز هيمنتها على قطاع المعلومات، وهو ما أسهمت فيه، بصورة غير مباشرة، الشركات الرقمية العملاقة من قبيل "غوغل" و"فيسبوك" و"تويتر" وغيرها، وهكذا استطاعت الدولة الأميركية السيطرة على العقول واستخدامها في ما يروج لسياساتها ويحقق أهدافها، ضاربةً عُرْضَ الحائط بالأخلاقيات على أنواعها، فلتلك مجالها المختلف عن السياسة وسلوكياتها.

 التجربة الروسية

 في المقابل، يُدرج المؤلف التجربة الروسية في إطار مظاهر مقاومة الهيمنة الأميركية على المعلومات، مع تجارب إيران والصين والبرازيل وغيرها، وهذه التجربة تُصدّر عن العقيدة الروسية التي "تسعى، في إطار دبلوماسيتها العامة، إلى تقديم صورة موضوعية عن نفسها في العالم، وتطوير وسائل المعلومات الخاصة بها للتأثير في الرأي العام الدولي وضمان تعزيز مكانة وسائل الإعلام الجماهيرية الروسية في المجال العالمي عبر توفير الدعم الضروري لها من جانب الدولة، والمشاركة بفاعلية في التعاون الدولي في مجال المعلومات، واتخاذ الإجراءات الضرورية للرد على التهديدات في هذا المجال، والتي قد تلحق الضرر بسيادتها وأمنها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتستند هذه العقيدة إلى مفهومي "الأمن المعلوماتي" و"الدفاع المعلوماتي" المستلهمين من عالم الرياضيات الأميركي نوربرت وينر، ومفهوم "التحكم برد فعل العدو" من خلال استهداف الفضاء المعلوماتي الخاص به، على أن ما يميز التجربة الروسية عن الأميركية يكمن في كثير من الإجراءات الوقائية الموجهة للداخل الروسي، من قبيل تشكيل مجموعة من الأطر الرقابية المختلفة وتقييد حرية الإعلام ووضع اليد على وسائل الإعلام وإجراء التعيينات المناسبة فيها واغتيال الصحافيين المعارضين ووضع القنوات الإعلامية في خدمة القوة الروسية الناعمة.

ولعل هذا التمييز بين التجربتين يعود إلى الاختلاف بين النظام السياسي الشمولي الروسي والنظام "الديمقراطي" الأميركي في مقاربة الموضوع الإعلامي، بهذه الأدوات وغيرها راحت روسيا تخوض حربها الإعلامية ضد العالم الغربي، فتتهمه بالانحطاط والفساد، وتنتقد "الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والنظام المالي الدولي والاتحاد الأوروبي" ، وتعمل على تحطيم صورة القوة الأميركية العظمى، وتستثمر في كراهية الشعوب للغرب، وقد طبقت هذه الإستراتيجية في حربها على أوكرانيا، وهكذا، استطاعت روسيا السيطرة على العقول، بدءاً من الروسية منها وانتهاءً بالغربية، في إطار الترويج لسياساتها، والتصدي للهيمنة الأميركية على الإعلام والمعلومات.

 التجربة الصينية

 أما التجربة الصينية فيشير كولون إلى أنها تقوم على عقيدة "الحروب الثلاث": الحرب النفسية، وحرب الرأي العام، والحرب القانونية، وتهدف إلى "تقويض المؤسسات الدولية، وتغيير الحدود، وتخريب وسائل الإعلام العالمية، وكل ذلك من دون إطلاق رصاصة واحدة"، وهي لا تختلف عن التجربة الروسية في استحداث أطر مراقبة الاتصالات، وتقييد حرية التواصل، وتستخدم في حربها أدوات الإعلام والدعاية والمؤثرين والمنصات الإلكترونية وتجنيد الأصوات الغربية والمتلاعبين بالمحتوى الإعلامي والدبلوماسية العامة، وسواها من أدوات التأثير. وبهذه الأدوات تشن الهجمات السيبرانية السرية على الولايات المتحدة، وتخترق الأنظمة الإلكترونية الخاصة بـ"مكتب إدارة شؤون الموظفين" الأميركي، و"تسعى إلى تأجيج التوترات الداخلية في تايوان وتشجيع عدم الثقة في المؤسسات الديمقراطية" ، وتدعم روسيا في حربها الإعلامية ضد الولايات المتحدة، فتفرش "السجادة الحمراء للدعاية الروسية على "تيك توك" وفي وسائل الإعلام الحكومية"، وهكذا تضطلع الصين بدورها في السيطرة على العقول في إطار الصراع العالمي على المعلومات والنفوذ.

 تحذير وتوصيات

 في سياق البحث، لا يتورع دافيد كولون عن إعلان انحيازه إلى الأنظمة الديمقراطية "الغربية" ضد الأنظمة الاستبدادية "الشرقية"، لا سيما في هشاشة الأولى وتغول الثانية، من وجهة نظره، لذلك يحذر في كتابه من أخطار حرب المعلومات التي تشنها الأولى على الثانية، متجاوزاً الهيمنة الأميركية على هذا المجال، واستخدامه للترويج للحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، بالتحالف مع أصدقائها الغربيين، لا سيما في الخليج العربي. وانطلاقاً من هذا الموقف المنحاز، يدعو كولون في خاتمة الكتاب إلى إعلان حال طوارئ معلوماتية واتخاذ تدابير استثنائية للدفاع عما يسميه بـ"حرياتنا المهددة بالزوال، ولحماية عقولنا من تدخلات الأنظمة الاستبدادية"، ويوصي بوضع خط أحمر للهجمات السيبرانية والتفاوض لوضع حد لسباق التسلح المعلوماتي و"تجميد عملية تسويق بعض أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي" وغيرها من التوصيات.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب