ملخص
أصبحت الولايات المتحدة من أكبر المنتجين للنفط في الأعوام القليلة الأخيرة بإنتاج نحو 13 مليون برميل يومياً.
انتقد رؤساء شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة سياسات الإدارة الأميركية للرئيس دونالد ترمب التي وصفوها بأنها "تسبب الفوضى" في قطاع الطاقة، وألقى هؤلاء اللوم في تدهور القطاع على قرارات فرض التعريفة الجمركية، بخاصة على الصلب والألمنيوم، التي رفعت كلفة التشغيل والإنتاج وكذلك على سعي إدارة ترمب إلى مزيد من خفض أسعار النفط مما يجعل المستثمرين والشركات يحجمون عن الاستثمار في مجال الطاقة.
يتناقض ذلك مع رغبة إدارة الرئيس ترمب في زيادة الاستثمار في إنتاج النفط والغاز والوقود الأحفوري عموماً بدلاً من مصادر الطاقة المتجددة، ويهدد طموح الولايات المتحدة في الهيمنة على سوق الطاقة العالمية عبر زيادة الإنتاج والتصدير.
في أحدث خطاب لترمب، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، طالب العالم بزيادة الاستثمار في الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم)، وطالب دول أوروبا بالتوقف عن استيراد أي مصادر طاقة من روسيا، والمقصود ضمناً وليس تصريحاً أن تزيد أوروبا واردات الطاقة من الولايات المتحدة.
أصبحت الولايات المتحدة من أكبر المنتجين للنفط في الأعوام القليلة الأخيرة بإنتاج نحو 13 مليون برميل يومياً، وأصبحت مصدراً صافياً للنفط، وتعد الآن من بين كبار المصدرين بنحو 4 ملايين برميل يومياً معظمها إلى أوروبا وآسيا.
ومنذ ما قبل تولي إدارة ترمب، أي من أيام إدارة الرئيس السابق جو بايدن، والولايات المتحدة تسعى إلى زيادة إنتاجها بنحو 3 ملايين برميل يومياً، ومع مجيء ترمب صرح بأن أميركا ستزيد إنتاج النفط بنحو 4 ملايين برميل يومياً في غضون أعوام قليلة، إلا أن تقديرات إدارات الطاقة الرسمية الأميركية لا تتوقع زيادة الإنتاج بأكثر من مليون برميل يومياً.
مشكلات النفط الصخري
في ردهم على المسح ربع السنوي الذي يقوم به بنك الاحتياطي الفيدرالي لدالاس، أعرب رؤساء شركات النفط الصخري بصراحة عن أن سياسات فرض التعريفة الجمركية والعمل على خفض أسعار النفط التي تتبعها إدارة ترمب تؤدي إلى "تركيع" قطاع النفط الصخري الأميركي، وذلك من خلال تجميد الاستثمارات في القطاع وزيادة كلفة الإنتاج واحتمالات ردود الفعل الانتقامية من القطاع.
يعد مسح "احتياط دالاس الفيدرالي" مؤشراً مهماً إلى سياسات الطاقة الأميركية، ليس فقط لأن ولاية تكساس هي موقع الإنتاج الأهم في البلاد لكن أيضاً لأنه يسمح لرؤساء ومديري الشركات بإبداء آرائهم ضمن الاستطلاع من دون الإفصاح عن هوياتهم، مما يتيح لهم التحدث بصراحة عن المشكلات التي تواجههم.
يقول مدير إحدى الشركات التي تعمل في مجال الاستكشاف والإنتاج إن "الفوضى صوتها يصم الآذان! من ذا الذي سيرغب في اتخاذ قرارات أعمال في مثل هذا المناخ غير المستقر؟"، بحسب ما نقلت صحيفة "فايننشيال تايمز" عن مسح "احتياط دالاس"، ويضيف مدير آخر أن الحكومة "تتصرف من دون أي دراية باقتصادات النفط الصخري... لقد أصبحوا يستخدمون زيادة المعروض لخفض الأسعار إلى ما دون الحدود التي تجعل الإنتاج اقتصادياً، مما يؤدي إلى تركيع المنتجين".
منذ مطلع هذا العام انخفض سعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) بنسبة تزيد على 18 في المئة، وبحسب رأي معظم من شملهم المسح فإن إنتاج النفط الصخري يصبح عملية خاسرة إذا انخفض سعر النفط عن مستوى 60 دولاراً للبرميل، ويتوقع أن يظل متوسط سعر مزيج "غرب تكساس" لهذا العام عند 63 دولاراً للبرميل، قبل أن يرتفع في المتوسط إلى 67 دولاراً للبرميل بحلول العام بعد القادم 2027.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يرى معظم المستجيبين للمسح أن احتمال حدوث تخمة معروض يمكن أن يهوي بالأسعار أكثر، مما يعني تدهور العائدات وعدم تحقيق أرباح. وأعرب المستطلعة آراؤهم من مديري الشركات عن الانزعاج من توجه إدارة ترمب للعمل على خفض أسعار الطاقة، وكما قال أحد رؤساء الشركات فإن "الإدارة تدفع بالأمور نحو سعر 40 دولاراً للبرميل... وفي هذه الحال سيتوقف الإنتاج تماماً"، ويقول رؤساء شركات دعم الإنتاج أن التعريفة الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب بنسبة 50 في المئة على واردات الصلب والألمنيوم أدت إلى ارتفاع كلفة معداتها ومن ثم أصبح التشغيل غير مربح إطلاقاً.
تراجع الإنتاج بالفعل
يشير تقرير مسح "الاحتياطي الفيدرالي" لدالاس إلى تراجع النشاط في قطاع النفط الصخري بنسبة 6.5 في المئة في الربع الثالث من عام 2025. وكان المسح السابق أظهر تراجع نشاط إنتاج النفط الصخري في الربع الثاني من العام بنسبة 8.1 في المئة، شمل المسح الأخير 139 شركة، وبحسب نتائجه تضاعفت التوقعات السلبية لمستقبل القطاع بزيادة بنسبة 17.6 في المئة.
في مايو (أيار) الماضي وخلال مؤتمر "أسبوع سيرا" بمدينة هيوستن خلص المحللون لأسواق الطاقة والمشاركون في المنتدى إلى أن التناقض الشديد بين أهداف سياسات الطاقة لإدارة الرئيس ترمب قد ينهي حلم الهيمنة الأميركية على سوق الطاقة العالمية "بدموع أميركية"، بحسب وصف أحد المعلقين في مقال له بصحيفة "ديلي تلغراف" وقتها، وأجمع المشاركون على أن محاولات إدارة ترمب خفض أسعار النفط ستضر أكثر بالشركات الأميركية التي لن تتوقف عن زيادة الإنتاج فحسب، بل قد تخفض إنتاجها.
اعتمد ذلك التقدير على ما يردده ترمب وأركان إدارته من أنهم يريدون سعر النفط عند 50 دولاراً للبرميل، بينما الحد الأدنى للسعر الذي تعتبره الشركات يجعل إنتاجها اقتصادياً هو 65 دولاراً للبرميل، هذا بالنسبة إلى شركات النفط عموماً في المتوسط، وإن كانت بعض التقديرات تعتبر السقف الأدنى لشركات النفط الصخري عند 60 دولاراً.
جاء القدر الأكبر من زيادة الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة في العقدين الأخيرين من إنتاج النفط الصخري، إلا أن ذلك الإنتاج أخذ في التراجع في الأعوام الأخيرة وحتى قبل انهيار الأسعار وقت أزمة وباء كورونا عام 2020 التي أدت إلى إفلاس كثير من شركات النفط الصخري الصغرى واستحواذ شركات الطاقة الكبرى على عدد من تلك الشركات المتعثرة.
لا يعود التراجع في قطاع النفط الصخري إلى انخفاض الأسعار وحده، إذ يعد حوض "برميان" بولاية تكساس أكبر مناطق إنتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة، وربما في العالم، حيث العدد الأكبر من منصات الإنتاج، وكان ذلك الحوض هو المسؤول عن أكبر زيادة في إنتاج النفط الأميركي في العقدين الماضيين، لكنه شهد تراجعاً في الإنتاج منذ أزمة وباء كورونا ليس فقط لهبوط الأسعار وعدم كفاءة عمليات الإنتاج مالياً إنما لأن الاحتياط يقل بشدة مما يجعل كلفة الإنتاج بتفتيت الصخور أعلى بكثير.
في تصريحات لصحيفة "فايننشيال تايمز" في وقت سابق من هذا العام قال رئيس شركة "لاتيغو بتروليم"، ومقرها في أوديسا بتكساس، كيرك إدواردز إن الوضع الحالي "يذكرني بما حدث وقت كوفيد... إننا نواجه أخطاراً مزدوجة مجدداً"، وأضاف أنه إذا لم تتعاف أسعار النفط في غضون الشهرين المقبلين فستكون هناك "أحداث مدمرة" في حوض برميان، أما أندي دي لا روزا، الذي يعمل في شركة "أندر دوغ واير لاين" لخدمات حقول الإنتاج في ميدلاند المجاورة لأوديسا، فقال إن هناك قلقاً متزايداً في حوض برميان.
يقارن معظم رؤساء الشركات بين الوضع الحالي وما حدث قبل نحو 10 أعوام مع زيادة الإنتاج الأميركي وحدوث تخمة معروض في سوق النفط العالمية أدت إلى هبوط الأسعار، وأضاف دي لا روزا "وصول الأسعار إلى حاجز 50 دولاراً للبرميل يثير القلق الشديد، هذا يذكرني بعام 2015 عندما انهارت الأسعار، هناك كثير من أوجه الشبه بالنسبة إلي وأخشى بشدة من حدوث تخمة معروض نفطي في السوق، ففي النهاية سيجرى تسريح مزيد من العاملين ويفقد الناس وظائفهم".
من الواضح أن حقبة وفرة النفط الصخري انتهت، وبحسب المسح الأخير فإن سياسات الإدارة الأميركية تضيف إلى العوامل التي أضعفت الإنتاج وأدت إلى توقف كثير من الشركات العاملة في القطاع عن الإنتاج، إما لأنه أصبح عملية غير مربحة لزيادة الكلفة وانخفاض الأسعار أو لأن أحواض الغاز والنفط الصخري أخذت في النضوب.