Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تضحي موسكو بالأسد للبقاء في المياه الدافئة؟

يتابع حقوقيون من دمشق وباريس الأعمال القانونية لمحاكمة الرئيس المخلوع

وصل الأسد إلى موسكو في ديسمبر عام 2024 بعدما تهاوت كل المدن الخاضعة لسيطرته من حلب شمال البلاد حتى حمص والعاصمة دمشق (اندبندنت عربية)

محاولة فرنسية تتجه إلى وضع الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد خلف القضبان بعد قرابة تسع أشهر من هربه إلى روسيا، حيث يعيش إقامة دائمة في مسكن بحي فاخر بعيداً من الأضواء، تزامناً مع معلومات عن تراجع صحته كان آخرها تسممه ودخوله المستشفى، بينما لم تؤكد موسكو أو تنفي صحة الأنباء المتداولة.

وفي تطور لافت يتابع حقوقيون من سوريا وفرنسا الأعمال القانونية لمحاكمة الأسد من بوابة القضاء الفرنسي الذي أصدر أخيراً سبع مذكرات توقيف في حق مسؤولين من النظام السوري السابق من بينهم رئيسه الأسد على خلفية قضية مصرع صحافيين بحمص عام 2012 أثناء الصراع المسلح الدائر بين القوات النظامية والمعارضة.

 

ماذا حدث في بابا عمرو؟

في الـ22 من فبراير (شباط) من عام 2012 لقيت الصحافية الأميركية ماري كولفين مصرعها، وكذلك المصور الفرنسي ريمي أوشليك، إثر قصف استهدف مقرهما في حي بابا عمرو، بمدينة حمص، وكان تابعاً لقوات المعارضة التي انتفضت بوجه حكم عائلة آل الأسد (1970 - 2024)، وأشارت أصابع الاتهام إلى جيش النظام السوري بقصف مقر الصحافيين الأجانب. وحينها، دانت منظمات صحافية وحقوقية الحادث، وانضمت شبكة "مراسلون بلا حدود" إلى القضية كطرف مدني معني في مارس (آذار) عام 2012، عندما فتحت السلطات الفرنسية التحقيق بالقضية وظلت تتابع مجريات التحقيق حتى عام 2022. وقال الأمين العام لـ"مراسلون بلا حدود" كريستوف ديلوار "بعد 10 سنوات من الإفلات من العقاب نتوقع صدور اتهامات ومذكرات اعتقال".

في المقابل رد الأسد في مقابلة عبر محطة "أن بي سي" التلفزيونية على مقتل الصحافية الأميركية والمصور الفرنسي عام 2016 "أنها كانت تعمل مع الإرهابيين، ولأنها جاءت بصورة غير قانونية، فإنها مسؤولة عن كل ما أصابها".

مصير محاكمة الأسد

في الأثناء وصل الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو في ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 بعدما تهاوت كل المدن الخاضعة لسيطرته من حلب شمال البلاد حتى حمص والعاصمة دمشق جنوباً إثر عمليات تحرير واسعة وسريعة نفذتها قوات غرفة العمليات العسكرية بقيادة فصيل "هيئة تحرير الشام"، وكان قائد العمليات آنذاك أحمد الشرع الذي آلت إليه مقاليد الحكم، وتسلم الحكومة الانتقالية بعد هرب الأسد في الثامن من ديسمبر، وأطلق على المعركة اسم "ردع العدوان".

 

من باريس شرح الباحث في القانون الدولي فراس حاج يحيى أبرز القضايا المتعلقة بمحاكمة الأسد قائلاً "منذ خروج بشار الأسد من السلطة باتت الحصانة الشخصية التي كانت تمنع ملاحقته في فرنسا غير قائمة، ومحكمة النقض الفرنسية أبطلت مذكرة عام 2023 لأنها أصدرت، وهو رئيس في المنصب، لكنها قالت صراحة إن إصدار مذكرة جديدة ممكن الآن، والمحاكمة (حتى غيابياً) واردة قانوناً، لكن التنفيذ سيبقى مرهوناً بمكان وجوده وتعاون الدول المعنية"، ولفت النظر إلى أن فرنسا، بموجب الاختصاص القضائي العالمي، تستطيع محاكمة الأسد، لكن بشروط واقعية وإجرائية. وأضاف "فرنسا تجرم استخدام الغازات السامة كأسلوب قتال، وتتيح ملاحقة جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية". وتحدث الباحث في القانون الدولي عن وجود ملفات أمام القضاء الفرنسي ترسخ ما وصفه بـ"الولاية، إذ أصدر قضاة التحقيق الفرنسيون مذكرات جديدة في سبتمبر (أيلول) الجاري على خلفية قصف مركز صحافي في حمص نفذ عام 2012، حيث قتل أوشليك، وهو رابط اختصاص مباشر لفرنسا". وتابع، "عليه يمكننا القول إن المحاكمة الغيابية ممكنة"، مشيراً إلى أن باريس حاكمت بالفعل غيابياً ثلاثة من كبار مسؤولي النظام في إحدى القضايا وقضت عليهم بالسجن المؤبد في مايو (أيار) عام 2024 "مما يبرهن توفر آلية المحاكمة من دون حضور المتهم إذا تعذر توقيفه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سبعة مسؤولين أمنيين

في معرض تعليقه على القضية جزم مدير "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" مازن درويش بأن معركة العدالة لضحايا نظام الأسد مستمرة، وأعرب عن تفاؤله بأن تفضي سريعاً إلى مسار عدالة انتقالية مُرضٍ في سوريا. وأضاف "أثبت التحقيق القضائي بوضوح أن استهداف المركز الإعلامي في بابا عمرو كان جزءاً من سياسة صريحة للنظام السوري السابق تعمل على استهداف الصحافيين الأجانب للحد من التغطية الإعلامية لجرائمه وإجبارهم على مغادرة المدينة والبلاد"، وذكر "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" أن قائمة المسؤولين تشمل إضافة للأسد كلاً من "رئيس أركان الجيش السوري علي أيوب، ورئيس مكتب الأمن في الفرقة الرابعة غسان بلال، وقائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، ورئيس إدارة أمن الدولة محمد ديب زيتون، ورئيس جهاز الأمن التابع للجنة الأمنية في حمص رفيق محمود شحادة".

وكانت محكمة النقض في فرنسا أبطلت في يوليو (تموز) الماضي مذكرة اعتقال الأسد كانت قد صدرت قبل نحو عامين، بحجة أنه كان حينها يتمتع بالحصانة كرئيس دولة، وقالت المحكمة في بيان لها "يمكن الآن إصدار مذكرة اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لأن هذا الشخص لم يعد في منصب رئيس الدولة".

وصدر عن قضاة في فرنسا مذكرة اعتقال بحق الأسد في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2023 إثر تحقيق في هجمات بأسلحة كيماوية على مدينة دوماً وبلدات في الغوطة بريف العاصمة دمشق في أغسطس (آب) من عام 2013 أودت بحياة مئات المدنيين مع وقوع إصابات بشرية.

"ليس لدينا ما نقوله عن مكان وجود الأسد"

في وقت يحظى فيه الأسد بحماية مباشرة من الكرملين بعد حصوله على حق اللجوء الإنساني بأوامر مباشرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رجح مراقبون خضوعه تحت الإقامة الجبرية، بخاصة مع عدم ظهوره على أي وسيلة إعلامية منذ هربه أو الإفصاح عن مكانه بدقة، وإبعاد الصحافيين عن نشر تفاصيل حياته الجديدة، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف للصحافيين "ليس لدينا ما نقوله عن مكان وجود الأسد".

وقدرت وزارة الخارجية الأميركية ثروة عائلة الأسد بنحو ملياري دولار، وزعت الأموال على حسابات مصرفية وشركات وهمية، ومحافظ عقارية، وكشفت عن وجود إنفاق يقدر بـ350 ألف دولار على أثاث القصر، وأحذية مرصعة بالكريستال، كما اشترت العائلة 20 شقة في الأقل في موسكو تركزت في مجمع "سيتي أوف كابيتاليز"، وهو مجمع شقق فاخرة في منطقة ناطحات سحاب بموسكو، ويستقطب هذا الحي رجال الأعمال وأثرياء العالم، ويعد ملاذاً آمناً للأسد وأسرته.

في غضون ذلك توقع مراقبون صعوبة بالغة في تسليم موسكو الأسد للمحاكمة في فرنسا، ولكن في حال "يمس هذا الأمر مصالحها فإن ذلك وارد"، على حد قول الباحث في العلاقات الدولية محمد حاج عثمان، في حديث خاص، عن رؤيته لتسليم الرئيس المخلوع، ورجح، في الوقت ذاته، أن اندفاع الكرملين إلى سوريا الجديدة يأتي في المقام الأول تأكيداً على حضورها في البحر المتوسط، حيث المياه الدافئة. وأضاف، "ما يفسر ذلك زيارة وفد روسي إلى دمشق، وسبقها وفد سوري إلى موسكو، وبذلك يمكن القول إن جليد العلاقات الدبلوماسية قد كسر، ولن يتخلى القيصر الروسي عن قواعده البحرية والبرية التي باتت محصورة بالساحل السوري، ويمكن القول إنه قد يُقايض حتى على مصير الأسد وتسليمه مقابل الإبقاء على حضوره في تلك الواجهة البحرية في طرطوس واللاذقية، وما تملكه من قدرات على التأثير بالقضايا الإقليمية والدولية ولا سيما مواجهة النفوذ الأميركي في المنطقة".

وكانت روسيا تدخلت في الصراع السوري منذ اندلاعه عام 2011، وبلغ عدد المواقع العسكرية 830 موقعاً روسياً حتى منتصف عام 2023 منها 20 قاعدة، لكن مع تحرير البلاد من سيطرة الأسد تراجعت القوات الروسية وانسحبت إلى طرطوس واللاذقية.

وتتأرجح العلاقات بين البلدين، ففي وقت ألغت فيه دمشق الاتفاقيات، ومنها عقد استثمار روسيا مرفأ طرطوس، غرب سوريا، تدور محادثات منذ مارس (آذار) الماضي في شأن الديون السورية المستحقة التي تصل لـ23 مليار دولار واجب سدداها للحكومة الروسية. وبات واضحاً، لدى أوساط متابعة في الشأنين السوري والروسي، سعي كل طرف إلى امتلاك أوراق ضغط، لكن الورقة الأصعب هي تسليم الأسد التي يظهر فيها الروسي متمسكاً بها من دون أن يفرط بالحليف القديم لما تربطه به من علاقات قوية، ولامتلاك الأسد، في ما يبدو، ملفات وخفايا لا يريد الكرملين أن تظهر للعلن.

وتوقع الباحث في القانون الدولي فراس حاج يحيى أنه من الناحية القانونية لا يوجد أي اتفاق لتسليم المطلوبين بين فرنسا وروسيا بخصوص قضايا جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية. وقال "روسيا ليست طرفاً في نظام روما الأساس (المحكمة الجنائية الدولية)، بالتالي ليست ملزمة تسليم أحد إلى محكمة دولية، فضلاً عن محكمة أجنبية كفرنسا، والقانون الروسي نفسه يعطي سلطات واسعة للكرملين في تقرير تسليم المطلوبين الأجانب، وهو يتيح رفض التسليم إذا كان المطلوب يحمل صفة لاجئ، أو إذا اعتبرت موسكو أن الطلب ذو طابع سياسي". ولفت إلى أن روسيا قدمت نفسها منذ 2015 كحامية للنظام السوري، والرئيس بوتين شخصياً كان يعد بقاء الأسد في السلطة إنجازاً استراتيجياً، وبعدما حصل الأسد على "لجوء إنساني" رسمي في روسيا، فهذا يستخدم كورقة قانونية لحمايته من أي طلب تسليم، إذ تصنف القضايا عادةً بأنها ذات دوافع سياسية. وختم، "التجارب السابقة تشير إلى أن موسكو لا تسلم حلفاءها مهما كان السبب"، بالتالي "من المستبعد تماماً أن تستجيب روسيا لأي طلب فرنسي بتسليم الأسد، حتى لو صدرت مذكرات دولية لتوقيفه".

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط