ملخص
تضاربت التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي حاولت تقدير خسائر باكستان جراء الفيضانات هذا العام، ما من شأنه أن يثير بلبلة لدى الفاعلين الاقتصاديين لا سيما موردي السلع المهمة من إسلام آباد خصوصاً القطن.
صرح وزير التخطيط باكستان أحسن إقبال على وقع الفيضانات المدمرة في باكستان بأن البلاد عادت 30 عاماً إلى الوراء بسبب الدمار الذي خلفته الفيضانات. وتعد باكستان، السادسة عالمياً من حيث تعداد السكان، فهي دولة زراعية ويرتبط 24 في المئة من ناتجها المحلي بالزراعة. ويوفر القطاع الزراعي 45 في المئة من الوظائف في سوق العمل المحلي.
وتتصدر المنسوجات التي تعتمد بصورة رئيسة على القطن، قائمة صادرات باكستان بقيمة 18 مليار دولار وتمثل 60 في المئة من صادرات البلاد. وبحسب شركة عارف حبيب المحدودة، إحدى أبرز الشركات في المجال، فإن الفيضانات دمرت 30 في المئة من حصاد القطن.
القصة تبدو أكثر سواداً في ما يخص محصولات الرز، إذ تصدر إسلام آباد الرز بقيمة تقارب 3.3 مليار دولار سنوياً، وقد جرفت الفيضانات أكثر من 60 في المئة من محصول الرز. إلى جانب ذلك، يعد قصب السكر ثاني أكبر محصول نقدي للمزارعين بعد القطن. ويقال إن نحو 35 في المئة من محصوله قد فقد بسبب الفيضانات.
لكن تحقيقات "اندبندنت أوردو" كشفت جانباً آخر للحكاية يبعث بعض التفاؤل، فالسؤال الذي بحثنا عن إجابته يتعلق بصحة ادعاءات وزير التخطيط والشركات البارزة عن الخسائر التي تواجه الدولة بسبب الفيضانات هذا العام، في ضوء المعطيات المتوافرة عن الخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي إثر فيضانات عام 2022 التي بلغت 9.28 مليار دولار. إذ تشير التقارير الحالية إلى أن الخسائر الزراعية الناجمة عن الفيضانات تبلغ نحو مليار دولار، فهل حقاً تراجعت باكستان اقتصادياً خلال ثلاثة عقود أم إنه مجرد تصريح غير مسؤول آخر؟
وفي هذا الصدد أشار رئيس جمعية مطاحن الرز الباكستانية، فيصل جهانجير، خلال حديثه مع "اندبندنت أوردو"، إلى أهمية التحدث مع الجهات المعنية قبل الإدلاء بمثل هذه التصريحات أو تقديم أرقام للإعلام.
"نحن نعمل كعائلة واحدة، جمعيتنا تضم المزارعين والمصدرين، إذا تكبد أحد الإخوة خسارة مالية، فسيكون أفراد الأسرة أول من يعلم وليست الحكومة. وبحسب تقديراتنا، فإن خسارة محصول الرز تراوح حتى الآن بين 10 و15 في المئة، وتؤكد ’رويترز’ أيضاً هذه الأرقام".
وحذر جهانغير من تداعيات مثل هذه الادعاءات قائلاً "يشعر عملاؤنا الدوليون بالقلق إزاء الإهمال في تقديم الأرقام، وقد يلجأ المورد إلى دول أخرى مثل الهند وغيرها عندما يقرأ أن 60 في المئة من محاصيلنا دمرت".
وبين فيصل أن "هذا الرقم تحديداً غير دقيق لأن إقليم البنجاب ينتج 40 في المئة من إجمالي الرز، فحتى لو جرف كامل الرز في البنجاب فلن تتجاوز الخسارة 40 في المئة، مما يعني أن هذا الادعاء مضلل". وأضاف على رغم خسارة 10 في المئة، سيكون محصول الرز هذا العام أعلى من العام الماضي، إذ زادت المساحة المزروعة بالرز إلى 12.3 مليون فدان هذا العام بفضل جهود المزارعين من 11.8 مليون فدان في العام الماضي".
وزاد "بلغ إنتاج الرز العام الماضي نحو 9.7 مليون طن، بينما كان من المتوقع أن يتجاوز إنتاج هذا العام 12 مليون طن. وحتى لو انخفض الإنتاج بسبب الفيضانات، فسيظل أعلى من العام الماضي. أما الحديث عن العودة 30 عاماً إلى الوراء وخسارة 60 في المئة فهذا كلام لا أساس له من الصحة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه صرح رئيس جمعية مصانع النسيج الباكستانية كامران أرشد، لـ"اندبندنت أوردو"، بأن "المناطق التي تأثرت بالفيضانات تقع في وسط البنجاب، وقد تتأثر مناطق السند في الأيام المقبلة، لكن حصاد القطن في هذه المناطق شارف على الانتهاء، والمحصول في البنجاب والسند جاهز من دون أن تحدث أضرار كبيرة.
لكنه في الوقت نفسه حذر من أن تهديد الفيضانات لم ينته بعد، وفي حال استمرار الحال كما هي ووصول مياه الفيضانات إلى المناطق الجنوبية فقد تتجاوز خسائر القطن الـ30 في المئة بكثير". وأضاف، "يبلغ متوسط الإنتاج المحلي من القطن في باكستان نحو 5.5 مليون بالة (حزمة كبيرة ومضغوطة)، وبمعدل خسارة قدرها 30 في المئة، قد نشهد فقدان نحو 1.6 مليون بالة، ما يعادل نحو 400 مليون دولار، مما يعني أن المزارعين سيتكبدون خسائر كبيرة إضافة إلى أنه سيشكل ضغطاً على الحساب الجاري لخزانة الدولة التي تستورد حالياً نحو 2.5 مليون بالة".
استيراد 1.6 مليون بالة إضافية سيشكل ضغطاً على احتياطات الدولار، وإذا تم حجز طلبية اليوم، فسيكون موعد التسليم بعد ثلاثة أشهر، مما يعني أن طلبات التصدير ستتأثر أيضاً، وستكون هناك خسائر من ثلاثة جوانب: سيزداد الفقر بين المزارعين، وسيشكل ضغطاً على الدولار لتغطية كلف الواردات، كما ستنخفض احتياطات الدولار بسبب انخفاض الصادرات. وأضاف "سيقدر حجم الأضرار الفعلية بدقة خلال بضعة أشهر. أما في ما يتعلق بتصريح وزير التخطيط فلا أحد يستطيع شرح ما يقصده ومن أين أتى بهذه الأرقام سواه، لكن برأيي أن ادعاء العودة إلى الوراء 30 سنة غير صحيح".
ويقول خالد كهوكار متحدثاً باسم المزارعين، إن الأضرار لا شك كانت هائلة، ولم تقتصر محصولات على القطن والرز وقصب السكر، بل شملت أيضاً الأعلاف والخضراوات وتربية الأسماك.
وتابع كهوكار، "تقول وزارة الزراعة في البنجاب، إن الأضرار في محصولات الخضراوات بلغت 25 في المئة، والقطن 1.7 في المئة، وقصب السكر خمسة في المئة، والرز 10 في المئة، والذرة 6.4 في المئة، 5.4 في المئة من السمسم و7.2 في المئة من العشب، كما تكبد مزارعو الأسماك خسائر بلغت نحو 50 ألف فدان". وأضاف، "حتى لو عدنا 30 عاماً إلى الوراء، فيمكن إصلاح هذا الضرر عام واحد. عام 2022، كانت شدة الفيضان وأضراره أكبر مما هي عليه اليوم ولكن بفضل تضافر الجهود أصلحنا الضرر. لكن هذه المرة، نشهد وضعاً غريباً".
وأوضح المتحدث ذاته "في الماضي كان فاعلو الخير يشاركون بنشاط في أعمال الترميم بعد الفيضانات، لكن هذه المرة اختفى هذا الحماس. ربما هناك انعدام ثقة بالحكومة والسياسيين، لكن استجابة الجمهور لمساعدة الناجين من الفيضانات كما وصفها فيصل ايدهي (رئيس أحد أكبر الجمعيات في باكستان) كانت مخيبة للآمال".
من جانبه قال السكرتير التنفيذي لجمعية مصانع السكر الباكستانية، إن "الأضرار وقعت بالفعل لكن من المستحيل تقدير الأضرار بدقة في هذا الوقت. هناك فارق كبير بين تقديرات شركة عارف حبيب المحدودة عن أضرار محصول قصب السكر، بـ35 في المئة، وبيانات حكومة البنجاب التي تقدر الضرر بـ5 في المئة فحسب، ويبدو أن الأمر سيستغرق بعض الوقت للحصول على الأرقام الصحيحة".
نقلاً عن اندبندنت أوردو